26 نيسان 2024 الساعة 08:06

دائرة المقاطعة في «الديمقراطية»: المقاربة بين حركة المقاطعة في جنوب أفريقيا وحركة المقاطعة ( BDS) (ج 4)

2021-08-11 عدد القراءات : 577
أثر حركات المقاطعة في جنوب أفريقيا على الحكومة
بعد إنتصار الحزب الأبيض عام 1948 في الإنتخابات، تقدمت رابطة الشباب في المؤتمر الوطني الإفريقي، ببرنامج عمل يحث على المقاومة السلمية من خلال مقاطعة حكومة جنوب أفريقيا، وعدم التعاون معها، وإستخدام العصيان المدني، فتبنى المؤتمر هذا البرنامج رسمياً.
ومع إصرار الحكومة على سياسة الفصل العنصري، بعد إبلاغها من قبل المؤتمر حول برنامجه السياسي، بدأ الشباب ينشطون بحث المودعين والزبائن في المصارف المتعددة الجنسيات على سحب ودائعهم من المصارف، ما جعل المستثمرون الأجانب يفقدون الثقة بالحكومة، ما أدى إلى إنهيار البورصة في بداية الستينيات، وبدأت عملة جنوب أفريقيا «الرند» بالهبوط، حيث وصلت إلى نصف قيمتها الشرائية، وبدأ البيض الضغط على الحكومة لإطلاق سراح «مانديلا» كحل وحيد لتحسين الوضع الإقتصادي.
كما قاطعت الهند صادرات جنوب أفريقيا عام 1954، ما جعل المؤتمر الوطني الإفريقي يناقش تصعيد حركة المقاطعة، وخرج بوثيقة رسمية تطالب مقاطعة بضائع الشركات الإفريقية التي تربطها علاقة وثيقة مع الحكومة، وقد إستجابت بعض المنظمات والأفراد في بريطانيا لهذا النداء، وفي آذار 1960 تبنى حزب العمل البريطاني مقاطعة جنوب أفريقيا، بعد خسارته الإنتخابات عام 1959.
وبهدف التأثير على حكومة جنوب أفريقيا، خرج متظاهرون يطالبون بمقاطعة الحكومة، قتلت الأخيرة 69 شخصاً من المتظاهرين السود لإحتجاجاتهم على الفصل العنصري، ما إستدعى الأمم المتحدة إلى التدخل، ومطالبة الحكومة التخلي عن سياسة التفرقة، إلا أن الحكومة رفضت ذلك، واعتبرت أن ذلك من الأمور الداخلية التي لا يجوز التدخل بها، عندها تحولت حركة المقاطعة من المقاطعة كغاية إلى حركة مناهضة للفصل العنصري.
وبعد أن شعر المؤتمر الوطني الإفريقي أن الرأي العام العالمي لن يدعم حركات المقاطعة السلمية، خرج المؤتمر حينها إلى ضرورة لفت نظر الرأي العام العالمي، من ناحية الحفاظ على السلام العالمي، فطرح المقاومة المسلحة، وبالفعل في 16 كانون الأول 1961، نفذ تنظيم «رمح الأمة» أول عملية مسلحة بالهجوم على مكاتب الحكومة ومحطات الكهرباء، وذلك في ذكرى الإنتصار العسكري للهولنديين عام 1883.
ولتعزيز سمعة المؤتمر الوطني الإفريقي، سعى الحزب لإقامة تحالفات وإرسال سفراء للحديث حول طبيعة ما يجري، كي لا يتهم بالتخريب، وشرح القضية كاملة، ومنح حق نضال الشعوب، كون الحزب لم يكن معروفاً بعد، حيث طلب مانديلا في لقائه مع رئيس البعثة الجزائرية في المغرب من إنشاء قاعدة عسكرية ودبلوماسية للفدائيين، لأن وجهة النظر العالمية ضرورية ومهمة في الصراع القائم بينه وبين الحكومة، لكن بعد عودته إلى جنوب أفريقيا، تم إلقاء القبض عليه في 24 تموز 1962، وحكم بالسجن ثلاث سنوات بتهمة التحريض على الإضراب، وسنتين بمغادرة البلاد، وفي هذه الأثناء ظهرت حركة «الوعي الأسود» كجيل جديد من الثوار السود في جنوب أفريقيا، حيث غزت مجتمعات السود في 1973، وأصبح لها الكثير من الأتباع.
وفي العام 1976، امتزج الكفاح المسلح مع المقاومة السلمية، إثر فرض الحكومة اللغة التي يستخدمها البيض على الأطفال في المدارس، حيث قامت الحكومة بإطلاق النار على الرافضين لهذا القرار، ما أدى إلى إمتداد أعمال الشغب والعنف، ومع تزايد أعداد القتلى، أصبح هناك خوف من تفكك حركة التحرير المتمثلة بالمؤتمر الوطني المحافظ على كيانة الدولة وبين منظمة طلاب جنوب أفريقيا الميالين للتحدي المباشر للحكومة، أدى إلى إنشاء منظمة جديدة وهي الجبهة الديمقراطية الموحدة، التي ضمت 650 حركة سياسية تمثل 2.5 مليون عضو، قاطعت الحافلات والمدارس وإضرابات العمال، وقد إستخدمت التكتيكات التالية في تحركاتها السياسية للمقاطعة: المظاهرات، المسيرات، إعلانات في الشوارع، خطب في المناسبات، إنشاء مناسبات وطنية لمناهضة الفصل العنصري، النصب التذكارية للشهداء، إضرابات النقابات العمالية، مقاطعة إقتصادية محلية ودولية عرفت بإسم «مقاطعة المستهلك»، العقوبات الدولية وسحب الإستثمار، الإمتناع عن دفع الإيجارات، المقاطعة الرياضية والثقافية، رفض الخدمة في الجيش، وإضراب السجناء عن الطعام.
بعد هذا، أفرزت الجبهة الديمقراطية الموحدة قيادة جديدة، شنت هذه القيادة 231 هجوماً بين عامي 1986-1987، وقاطعت المحلات التجارية بعدم دفع الإيجارات، وأضربت اتحادات نقابات عمال جنوب أفريقيا 3 أسابيع، ومع تنامي الحركات اللاعنفية، لجأت الحكومة إلى مبدأ «فرق تسد»، من خلال تعميق الصراع بين السود وتحديداً بين حزب المؤتمر الوطني الإفريقي وبين حزب «إنكاثا»، حيث درب جيش جنوب أفريقيا أفراد من حزب «إنكاثا» بشكل سري، على استخدام الصواريخ والهاون والمدافع، ومهاجمة المنازل، ما جعل حزب «إنكاثا» متشجع على مهاجمة مؤيدي حزب المؤتمر الوطني الإفريقي.
لم تنجح محاولة الحكومة في تغذية الصراع بين الحزبين، بسبب أن المقاطعة كان جوهرها نظام الفصل العنصري، وشهدت زيادة حملات المقاطعة وفرض العقوبات عليها، وباتت قضية جنوب أفريقيا على جميع أجهزة التلفاز والجرائد، ما أدى إلى إتخاذ مجلس الشيوخ الأميركي في آب 1986 قراراً يفرض العقوبات على الحكومة ويحظر القروض والهبوط في المطارات وتصدير النفط إلى جنوب أفريقيا.
وبعد إصابة رئيس الحكومة بسكتة قلبية، انتخب بدلاً منه «فريدريك دوكليرك» وبدأ مسار الحكومة يتسم بالتنازلات، حيث أعاد السماح بالمسيرات، وألغى العديد من القيود التمييزية، وأعيد رفع علم الحزب الشيوعي، وفي 2 شباط 1990، أعلن البرلمان أن المؤتمر الوطني الإفريقي والحزب الشيوعي سيصبحان شرعيين، وأطلق سراح عدد كبير من الأسرى، وبعد خروج «مانديلا» من السجن، عقد المؤتمر الوطني الإفريقي أول جلسة له بعد ثلاثين عاما في البلد، وضم المؤتمر الهنود والسود والبيض، وبعد تسجيل الحزب قانونياً، انضم 700 ألف عضو جديد له .

أضف تعليق