26 نيسان 2024 الساعة 15:02

شرق أوسط بزعامة نظام «الأبارتهايد»

2022-03-29 عدد القراءات : 375
استمتع اسحق هرتسوغ رئيس دولة الاحتلال بمشاهد المدن العربية والتضاريس الجغرافية من الجو وهو في طريقه إلى أبوظبي. إنها ثمار «السلام الإبراهيمي» التي وعد باقتناص مثلها من دول عربية وإسلامية أخرى، متجاهلا جوهر الصراع المتفاقم على الأرض مع الشعب الفلسطيني، وكأنه لا يوجد صراع.
قمة شرم الشيخ، وقمة النقب، وقمة المنامة وأبوظبي وعشرات اتفاقيات التعاون الأمنية والاقتصادية والأكاديمية والثقافية المبرمة مع أصحاب الاتفاقات وغيرهم، تعزز مكانة وأهمية إسرائيل الإقليمية والدولية التي لم يسبق لها مثيل، وقد تجاوزت خيالات شمعون بيريس حول شرق أوسط جديد.
الآن، يتشكل شرق أوسط جديد بزعامة إسرائيل وعلى قاعدة شطب فلسطين والشعب الفلسطيني من خارطة هذا الشرق، يحدث ذلك من قبل المؤسسة السياسية والأمنية الإسرائيلية، التي أرتأت أن الصراع مع الفلسطينيين غير قابل للحل، وقررت شطب تداول القضية الفلسطينية من الأجندات الدولية والإقليمية، في الوقت الذي تُعمق فيه سيطرتها الاستعمارية على الأرض وتحكم شعبا آخر بنظام «الأبارتهايد» ومنظومة قوانينه العنصرية.
يترافق «الاستفراد والتحكم الإسرائيلي بالقضية الفلسطينية، بصعود دولة المستعمرين وانتقالها من موقع معزول إلى موقع مؤثر ومرموق في إطار النظام الدولي والإقليمي والعربي، وهو ما لم تكن تحلم به. لسوء الطالع، نشهد في السنوات الأخيرة الكثير من الدول تخطب ود إسرائيل وتبرم الاتفاقات والصفقات معها وتشاطرها الموقف من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي سواء بعزل الاتفاقات عن حل الصراع المتفجر وعن وقف الانتهاكات، أو بالتجاهل والصمت، وكأن هذه الدولة تُكافأ على احتلالها وسيطرتها على شعب آخر وممارسة التمييز ضده.   
بيت القصيد في المشهد الراهن تجميد إسرائيل للقضية الفلسطينية سياسيا ومعنويا، بإجازة عربية ودولية، وبصمت فلسطيني رسمي ومعارض. أما الثمن الذي تقدمه دولة الاحتلال وإدارة بايدن ودول أخرى، فهو شراء الهدوء الفلسطيني، بزيادة عدد العمال وبمفاوضات اشتراطية لتمويل السلطة وبتجديد المنحة القطرية، وبإعادة إعمار جزئية وبطيئة. الغريب أن قواعد الصراع تتحكم بها دولة الاحتلال. واهم بند في تلك القواعد إزاحة الوضع الفلسطيني برمته إلى مواقع الدفاع في كل شيء، وإخماد أي مسعى سياسي في مهده وإذا كان الدفاع في القضايا الاقتصادية والمعيشية والأمنية مفهوما، فإن الدفاع السياسي الذي يرقى إلى الصمت هو كعب أخيل الحالة الفلسطينية. لم يسبق هذا الهمود السياسي مثيل، بعد أن بطل مفعول الخطاب الفلسطيني السياسي الرسمي والمعارض وأصبحا لا يجديان نفعا. فإقصاء القضية الفلسطينية الاستفزازي من الأجندات الدولية والإقليمية يحتاج إلى هجوم سياسي فلسطيني على مختلف الجبهات. رئيس أوكرانيا وحكومته قدموا نموذجا مهما في امتلاك زمام المبادرة السياسية والاحتفاظ بها وتجديدها وتفعيلها، وكان من شأن هجوم الأوكران السياسي المثابر الذي شمل برلمانات وحكومات ومؤسسات ووسائل إعلام وثقافة وفنا، أن وضع الغزو الروسي لأوكرانيا على أجندة العالم. وبفعل الهجوم السياسي تلقى الشعب الأوكراني كل أشكال الدعم والتضامن.
كان ولا يزال ميزان القوى «السياسي» لمصلحة فلسطين، الآن، في أوج الهجوم والغطرسة والإقصاء الإسرائيلي لا يستخدم التفوق السياسي الفلسطيني ولا يفعل. مع أن العديد من المواقف العالمية التي عبر عنها أعضاء برلمانات وكتل برلمانية وإعلاميون وأكاديميون وفنانون ومنظمات حقوقية، نقدوا بشدة تجاهل دولهم للاحتلال الإسرائيلي وجرائمه وانتهاكاته بحق الشعب الفلسطيني في الوقت الذي ناهضوا فيه الاحتلال الروسي لأوكرانيا. هؤلاء طالبوا دولهم وبرلماناتهم باتخاذ مواقف موحدة من كل أنواع الاحتلالات وفي مقدمتها الاحتلال الإسرائيلي، ودعم كل لاجئي الحروب، والتضامن مع كل الشعوب التي تعاني من ويلات الحرب. هؤلاء دعوا بلدانهم بصريح العبارة إلى تأمين الدعم للشعب الفلسطيني ومعاقبة إسرائيل على احتلالها الأطول في هذا الزمان. كذلك جاءت. قرارات ومواقف «أمنستي» والمحكمة الجنائية الدولية ومجلس حقوق الإنسان لتشجع وتحفز على فتح معارك سياسية فلسطينية ضد الإقصاء  الإسرائيلي للقضية وضد الاتفاقات والصفقات والقمم التي يتم إبرامها مع دولة الاحتلال.
الهجوم السياسي الفلسطيني ردا على الإقصاء السياسي الإسرائيلي، لا يحتاج إلى انتظار ردات فعل عفوية شعبية على استفزازات الأصولية اليهودية وبخاصة اقتحام المسجد الأقصى وانتزاع حيز داخله. لا يكفي ركوب موجة رد الفعل العفوي. السؤال ما هي سياسة الرد على الإقصاء السياسي ومحاولات تمويت القضية؟ ما هي مهام المستوى السياسي الرسمي والمعارض في هذا الشأن؟
وبالمثل، فإن تعميق السيطرة الاستعمارية في القدس والأغوار والخليل والمستعمرات ومحيطها والاستمرار في حصار قطاع غزة وفصله عن الضفة الغربية. هذه السيطرة وتعميقها لا يمكن مواجهتها بقواعد الصراع السابقة التي تتحكم فيها إسرائيل. من المفترض تغيير قواعد الصراع المفروضة في قطاع غزة وفي الضفة الغربية دون أن يعني ذلك تفجير الوضع والمقامرة بما تبقى من مقومات الحياة.
مطلوب إعادة بناء المواجهة الميدانية، وربط العمل داخل الخط الأخضر بالمعركة الوطنية، فلا يكفي حاجة العمال الاقتصادية التي لا تقارن بحاجة الاحتلال للأيدي العاملة وبخاصة العمل في المستعمرات الإسرائيلية، وتنظيم الاحتجاج الشعبي الميداني في البلدة القديمة في الخليل والشيخ جراح وأحياء القدس وفي قرية بيتا وقرية برقة ومسافر يطا وكفر قدوم وبلعين ونعلين وعشرات المواقع الأخرى، وربط نضال كل موقع مع المواقع الأخرى، وفتح معارك قانونية ودبلوماسية وإعلامية وثقافية لا تتوقف إلا بالإنجاز. وبناء الجسور مع كل أصدقاء ومناصري نضال الشعب الفلسطيني عربيا وعالميا.
الإقصاء السافر للقضية الفلسطينية، وتبييض دولة المستعمرين و»الأبارتهايد»، تستدعي إعادة النظر في كل شيء، بدءا بمراجعة السياسات والأولويات، والتوقف عند البنية الداخلية المشوهة التي تشكلت على أسس الولاء والمحسوبية والفئوية والفساد والمصالح الضيقة الأنانية. لا شك في أن الوضع الداخلي المريض صنع أزمة ثقة وإحباط وحالة من اللامبالاة. لذا فإن التصدي للإقصاء السياسي الإسرائيلي، لا ينفصل عن إعادة بناء الوضع الداخلي الفلسطيني. وكل خطوة جدية في إعادة البناء ستؤدي إلى تراجع إسرائيلي والعكس صحيح.  

أضف تعليق