19 نيسان 2024 الساعة 07:37

...والاستيطان أيضاً ذريعة في مسار العقبة – شرم الشيخ الامني

2023-04-11 عدد القراءات : 321
حين وقعت اتفاقيات أوسلو بدءًا من عام 1993، كانت قضية الاستيطان وضرورة وقفه إحدى أهم العناوين التي تم التذرع بها من قبل القيادة الرسمية الفلسطينية لتبرير مشاركتها في عملية سياسية كان واضحاً منذ البداية انها مختلة لصالح الاحتلال ولن تنتج أكثر من حكم ذاتي محدود، رغم أن بعضهم ما زال حتى هذه اللحظة يتوهم بأن مسار اوسلو سينتج دولة!
مرت أيام وأشهر وسنوات ولم يتوقف الاستيطان. بل على العكس تضاعف عدد المستوطنين الى أكثر من 4 اضعاف، حيث بلغ العدد عام 1990، أي قبل انطلاق المفاوضات، حوالي 240 الفاً تضاعف نحو ثلاث مرات في العام 2016 واقترب من 800 ألف ليقارب الرقم المليون مستوطن في العام 2022.. أي أن إحدى أهم أهداف المشاركة الفلسطينية لم يتحقق، بل أن اسرائيل استفادت من عملية التسوية وشرعت الأبواب لعملية استيطانية لم تشهدها الضفة الغربية منذ احتلالها عام 1967، فيما ظلت المواقف الدولية تتراوح بين الاستنكار والإدانة واعتبار أن الإستيطان عقبة في طريق التوصل إلى سلام دائم، رغم معرفة الجميع بأن اسرائيل كانت تلعب على عامل الوقت بهدف الوصول إلى مرحلة تنعدم فيها اي امكانية لقيام دولة فلسطينية..
مؤخراً وقبل انطلاق المسار الامني بشقيه، لقاءي العقبة وشرم الشيخ (26 شباط و 19 آذار الماضيين)، اعلنت السلطة الفلسطينية ان من ضمن اهداف المشاركة في لقاء العقبة الامني هو «وقف الاعمال الآحادية الاسرائيلية وفي مقدمتها وقف الاستيطان»، إضافة الى عناوين اخرى لم يختلف التعاطي الاسرائيلي معها، وتعاطت كما موضوع الاستيطان. وردت اسرائيل على لسان اكثر من مسؤول ان الاستيطان هو قضية حيوية بالنسبة لاسرائيل وهو غير مطروح للتفاوض، بل ان القاسم المشترك بين جميع الاحزاب والحكومات التي تعاقبت على الحكم كان اولوية الاستيطان، بغض النظر عن انخفاضه وارتفاعه بين مرحلة واخرى. رغم ذلك اصرت القيادة السياسية للسلطة  الفلسطينية على المشاركة في اي لقاء يجمعها مع الاسرائيليين "دفاعا عن قضيتنا الوطنية...
كانت مواقف السلطة الفلسطينية حادة في ردها على رفض جميع الفصائل المشاركة في تلك اللقاءات الامنية، لأنها كانت تدرك وظيفتها الحقيقية، بل ان بعض المسؤولين الفلسطينيين المتحمسين للمشاركة استغرب كيف تتخذ الفصائل مواقف رافضة حتى قبل عقد لقاء العقبة في 26 شباط.. رغم أن الاعلام الاسرائيلي كان يحفل بمعطيات، تبين انها دقيقة، حول القضايا التي سيتناولها اللقاء والنتائج التي سيخلص اليها، بغص النظر عما تريده السلطة الفلسطينية من تمنيات ورغبات لم ولن تتجاوز حدود جدران المكان الذي انعقد فيه اللقاء.
انعقد لقاء العقبة الامني وصدر البيان الختامي الذي نص حرفياً: «أكدت الحكومة الإسرائيلية والسلطة الوطنية الفلسطينية استعدادهما المشترك والتزامهما بالعمل الفوري لوقف الإجراءات الأحادية الجانب لمدة 3-6 أشهر، ويشمل ذلك التزاما إسرائيليا بوقف مناقشة إقامة أي وحدات استيطانية جديدة لمدة 4 أشهر، ووقف إقرار أي بؤر استيطانية جديدة لمدة 6 أشهر». وبعد اللقاء بيوم واحد صدرت المواقف العربية والفلسطينية التي مجّدت البيان الختامي وما تضمنه، لكن قبل ان يجف حبر هذا البيان وخلال ساعات فقط، أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية أن «بناء البؤر الاستيطانية في الضفة الغربية سيستمر دون أي تغيير». كما أكد وزير المالية الصهيوني بتسلئيل سموتريتش، أنه «لن يتم تجميد البناء الاستيطاني في الضفة الغربية ولو ليوم واحد.»
بدوره قال رئيس مجلس الأمن القومي الصهيوني وهو رئيس الوفد الاسرائيلي الى لقاء العقبة، تساحي هنغبي «لا يوجد تغيير في السياسة الإسرائيلية، وفي الأشهر المقبلة سيتم شرعنة 9 بؤر استيطانية وسيتم الموافقة على بناء 9500 وحدة جديدة. كما لا يوجد أي قيود على أنشطة الجيش الإسرائيلي في الضفة»، والمقصود عمليات الاقتحام للمدن واستراتيجية القتل المعتمدة ضد الشعب الفلسطيني.
رغم كل هذه المواقف، أعاد بعض المسؤولين العرب وقيادات السلطة، وللمرة ما بعد الألف، وضع ما حصل برسم الادارة الأميركية طالبين منها التدخل لدى الاسرائيلين. وكأنها حلقة تدور أمامنا في تكرار لذات المواقف وذات الرهانات منذ العام 1990، في مقابل ذات الفعل والممارسات والإجراءات الاسرائيلية، وهنا ينطبق على الاسرائيليين قول: «قولوا ما تريدون وانا افعل ما أريد».
كان الجميع يتوقع موقفًا من السلطة يستدرك خطأ المشاركة الاولى، لكن هذا لم يحصل واعلنت عزمها المشاركة في اللقاء الثاني في شرم الشيخ الذي انعقد  ليتوقف امام الاحداث التي حصلت منذ اللقاء الاول، فتم استحضار بيان اللقاء السابق بحرفيته كبيان ختامي، لجهة الالتزام الاسرائيلي بوقف مناقشة أي وحدات استيطانية جديدة لمدة 4 أشهر، ووقف ترخيص أي بؤر استيطانية لمدة 6 أشهر. وقد قال أمين سر اللجنة التنفيذية حسين الشيخ المشارك في اللقاء: «نحن حددنا أن مطلبنا الرئيسي خلال مرحلة انتقالية تمتد من ثلاثة إلى ستة أشهر هو وقف كل هذه الإجراءات الأحادية الإسرائيلية، بدءاً من موضوع الاستيطان، إلى الاقتحامات، وهدم البيوت».
تدور الدائرة وليتكرر نفس الفعل. ففي 21 آذار، اي بعد يومين على لقاء شرم الشيخ، صدّق الكنيست الإسرائيلي على قانون يسمح للمستوطنين بالعودة إلى 4 مستوطنات في الضفة الغربية كان رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرئيل شارون قد أخلاها عام 2005 وهي مستوطنات: حوميش وغانيم وكاديم وسانور. كما اعلنت حركة «السلام الآن» الاسرائيلية ان الحكومة نشرت مناقصات لبناء 1029 وحدة استيطانية في الأراضي الفلسطينية. وخلال شهر آذار فقط، أقرت اسرائيل تشريع 15 بؤرة استيطانية وتحويلها إلى مستوطنات مستوفية شروط البناء الاستيطاني الإسرائيلي، كما أقر مجلس شؤون الاستيطان تشييد 9400 شقة استيطانية لتوسيع المستوطنات القائمة حالياً.
بعيداً عن الاستيطان، فعناوين اخرى من «الاجراءات الآحادية» كان لها نصيب وافر من الاجراءات الاسرائيلية، حيث شهدت الضفة خلال شهر آذار  سلسلة من عمليات القمع من قبل جنود الاحتلال، فاقتحمت مدن ومخيمات, وسقط بنتيجتها المئات من الشهداء والجرحى، وتواصلت عمليات الاعتقال وهدم المنازل وتهجير اصحابها وغير ذلك من اجراءات وجرائم هي برسم المشاركين والمدافعين عن مسار العقبة - شرم الشيخ.
إن المتتبع لمسار العدوان الصهيوني في الضفة الغربية يلاحظ ان وتيرته ازدادت منذ 26 شباط تاريخ انعقاد لقاء العقبة، وليتضح أن إسرائيل هي الوحيدة التي استفادت من تلك اللقاءات التي شكلت غطاء لممارساتها واعطت انطباعات مضللة بأن هناك مساراً سياسياً قد فتح، ما قاد إلى وقف أي إجراء فلسطيني قد تلجأ إليه السلطة، بعد أن سحبت مشروع قرار من مجلس الامن وأعادت العمل بالتنسبق الأمني، في تأكيد جديد على كذب وزيف الادعاءات القائلة بأن مسار العقبة - شرم الشيخ، انعقد لـوقف التوتر في الضفة، والذي ما زال متواصلاً حتى الآن.
لعل الأخطر هنا هو خطيئة الدخول في مسار أمني من شأنه ان يحول القضية الفلسطينية من قضية سياسية إلى قضية أمنية تحل وفق المنظور الأمني الذي وضعت تفاصيله الإدارة الأميركية، ومن حركة تحرر وطني تناضل ضد مستعمر يحتل أرضها إلى مجرد مجموعات أمنية توكل إلى الأجهزة الأمنية الفلسطينية مهمة مواجهتها باعتبارها تعرض العلاقات الفلسطينية للخطر.. لذلك فما نفاه أحد المشاركين الفلسطينيين بشأن الطابع الأمني للقاءات تؤكده الوقائع اليومية، كما حصل سابقًا مع موضوع الاستيطان الذي كان شرطًا فلسطينيًا قبل بدء المفاوصات الفلسطينية الإسرائيلية وتحول إلى مجرد إجراء آحادي وإلى أمر واقع لا تقوى السلطة الفلسطينية على مواجهته بعد أن كبلت نفسها بعديد القيود التي لا يمكن الفكاك منها إلا بسياسة واستراتيجية نضالية جديدة يمكن الوصول إليها بالشراكة مع الكل الفلسطيني ومن خلال القناعة بالمسار الكارثي الذي وصلنا إليه، وامتلاك الإرادة الحقيقية على الخروج من هذا المسار، بغض النظر عن الأثمان التي قد ندفعها.

أضف تعليق