03 كانون الأول 2024 الساعة 14:06

في مواجهة مشروع الضم، على طريق طرد الإحتلال (6)

2020-07-22 عدد القراءات : 879

(10)

منظمة التحرير الفلسطينية

تفعيل دور، تطوير بنى، أم إعادة بناء؟

[ المطروح في هذا الفصل، يتجاوز حدود تطوير أو إصلاح بنى قائمة، أو إجراء تعديل على مضمون العلاقات فيما بينها، أو مع سائر القوى الفاعلة في المجتمع، بل هو إلى إعادة البناء أقرب، في حال قُيِّض لنا توحيد الشمل الوطني بجميع مكوناته في المؤسسة الوطنية الجامعة.

لكن، حتى لو بقيت الأمور على ما هي عليه ضمن التركيبة السياسية الحالية، أو تقدمت نسبياً بحدود استعادة الصيغة التاريخية لائتلاف م.ت.ف، بمشاركة مستقلين حقيقيين، ومؤسسات المجتمع المدني - وهي خطوة مهمة – لا ريب - إنما محدودة قياساً بالوضع الذي سينشأ بعد انضمام حركتي حماس والجهاد إلى منظمة التحرير، فإن التطوير المطلوب إجراؤه على أوضاع المنظمة، سيشمل عدداً معتبراً من الخطوات المفصلية التي تستدعيها الحالة السياسية بتداعياتها المتلاحقة.

بالبناء على أهم ما خلصنا إليه في الفصل السابق، سنكتفي – فيما يلي – بإيراد بعض المقترحات لتطوير دور م.ت.ف ضمن المتوفر من أدوات العمل، التي ستأخذ مداها، وتغتني مضامينها، من خلال احتكاكها مع مقترحات وتصورات أخرى، إطارها وميدان تفاعلها، حوار وطني يُخاض بأكثر من شكل، ويُدار على أكثر من مستوى:]

1- استعادة منظمة التحرير لدورها ومكانتها يكون من بوابة الوحدة الداخلية، عندما تجد المكانة السياسية – القانونية للمنظمة، تعبيرها المباشر في واقع تشكيلها الجامع، أي بشمولية التمثيل السياسي والمجتمعي، ومعه المشاركة الوطنية الحقيقية في عمل مؤسساتها، فهو الذي يعيد للمنظمة دورها، ويحصِّن مكانتها.

من هذه الحقيقة الموضوعية، لا نستخلص – بالطبع - انتظار شرط تجديد بناء الوحدة الداخلية، قبل الشروع بفتح ملف الوضع الحالي للمنظمة، بل نؤكد على أهمية الجهد المبذول لإحراز أقصى ما يمكن من تقدم مدروس على الحبل المشدود، بين تفعيل وإصلاح ما أمكن من الوضع القائم، وبين إعادة بناء المنظمة.

إن فتح ملف أوضاع المنظمة على القوس الممتد من التفعيل والتطوير، وصولاً إلى إعادة البناء، لا تحله النوايا الحسنة، بل توفير نسبة القوى اللازمة للتقدم في هذه العملية الصعبة؛ فالذي أوصل المنظمة إلى حالتها الماثلة، هو نسبة قوى، مكَّنت الطرف الأقوى في معادلة المنظمة من فرض رؤيته السياسية، برنامجه القاضي – من بين أمور أخرى – باستيداع المنظمة إلى هامش العمل الوطني المؤسسي، ضمن تقدير، أن سلطة الحكم الإداري الذاتي كفيلة بمراكمة شروط الإنتقال إلى الدولة، من خلال: المفاوضات بصيغة إتفاقات أوسلو وشروطها (ما كان يُسمى أحياناً القراءة الفلسطينية لاتفاقات أوسلو!) + تدويل القضية + بناء المؤسسات بمواصفات أداء تضاهي مثيلاتها في الدول الناجحة.

إلى هذا التقدير، الذي أدركت بعض القوى السياسية هشاشة منطقه، وحذرت من اعوجاج مقدماته، واستشرفت خطورته على المسار الوطني، نضيف: إن تنحية المنظمة جانباً، وحرمانها من دورها الذي يؤسس لمكانتها، يُعفي مركز القرار الرسمي من تبعات و«عبء» التعاطي مع صيغة المنظمة، القائمة على ائتلاف وطني جبهوي، في نظام برلماني تعددي، لصالح الإنفراد والتفرد باتخاذ القرار المتعلق بقضايا تمس المصير الوطني. وكان أن وصلنا إلى نظام مؤسسة الرئاسة، الذي تحوَّل إليه النظام السياسي الفلسطيني، خطوة بعد أخرى، إثر اتفاقات أوسلو.

2- إصلاح أوضاع المنظمة رهن بنسبة القوى التي سوف تتشكل في سياق خوض معتركه، فهي التي ترسم حدود الإصلاح ومداه: تفعيلاً لدور الهيئات والمؤسسات القائمة، وتطويرها، أم إعادة بنائها، الخ.. إن القوى الفاعلة في هذه العملية لا تقتصر على قوى المعارضة، بل ستمتد إلى شرائح تنتسب إلى الأوساط «الحاكمة»، بقدر ما سوف تتلمس هذه الشرائح النتائج الكارثية لـ «رؤية ترامب».

إن مهمة المعارضة المسئولة، تتحدد بالعمل على تقريب استحقاق التغيير الإيجابي في أوضاع المنظمة، باعتبارها الإطار الجامع لحركة التحرر الوطني الفلسطيني، الأمر الذي سيرد الإعتبار إلى المنظمة ودورها، وإلى برنامجها الوطني الموحِّد لنضالات الشعب تحت رايته، وهو الذي قاد إلى انتفاضتين مجيدتين، رسمتا الحدود الجغرافية للمشروع الوطني، وإلى تدويل القضية والحقوق الوطنية على أوسع نطاق.

إن مقاربة إصلاح أوضاع المنظمة من منظور علاقات القوى، يتسم بميزة الواقعية والوضوح معاً، لأنه يرسم معالم التغيير ضمن حدود المتاح، والممكن، والمباح (آخذين التأثيرات الخارجية بالإعتبار). وفي هذا الإطار تأتي مقولة: «النظام السياسي الفلسطيني، جسم واحد»، لتحل مكان «النظام السياسي بجسمين»، القائم على: السلطة والمنظمة، يجمع بينهما موقع الرئاسة، الذي يضطلع بمسئولية اللجنة التنفيذية ورئاسة السلطة الفلسطينية معاً، حيث موقعية السلطة أهم من موقعية المنظمة؛ يُضاف إليها فقدان دور المرجعية الأعلى لانحسار دور المجلس الوطني، وصولاً إلى ما يقترب من تلاشيه بعد دورته الأخيرة (الـ 23). إن إحالة صلاحيات المجلس الوطني إلى المجلس المركزي، الذي لم يؤهل بعد لدوره الجديد، لم يغيِّر شيئاً من واقع النظام السياسي الماثل بجسمين، وبمرجعية مؤسسة الرئاسة.

3- ثمة خياران لإحداث تغيير جدي في النظام السياسي الفلسطيني، الذي لم يَعُدْ – منذ فترة - ملبيّاً لمتطلبات العمل الوطني، خاصة بعد أن أعلنت «رؤية ترامب» عن نفسها: الأول، هو الإنتخابات الشاملة، التي تتيح مخرجاتها إعادة صياغة أوضاع الهيئات القيادية ديمقراطياً. وقد تبيَّن لأسباب سبق سوقها، عدم توفر شروط تطبيق هذا القرار، في المدى المرئي بأقله.

أما الخيار الثاني، فيمر عبر التوافق الوطني على إعادة صياغة أوضاع المؤسسات القيادية، لجهة تعزيز طابعها التمثيلي، وإن بحده الأدنى، مدخلاً لإجراء عملية إصلاح ديمقراطي أوسع لسائر المؤسسات. هذا الخيار مازال يملك فرصة لكي يشق طريقه، في حال توفر الإرادة السياسية، خاصة أنه لا ينطوي على مجازفات بالنسبة لحركتي فتح وحماس، قد تضع أي منهما أمام مفاجآت غير سارة (كما حصل لحركة فتح في انتخابات التشريعي- 2006).

الخيار الثاني (التوافق الوطني) لا يُسقط الخيار الأول (الإنتخابات)، إنما يستبقيه إلى حين انعقاد شرطه. الخيار الثاني هو ترتيب انتقالي، يساعد على تطوير النظام السياسي من داخله، وينهض على سيبة ثلاثية قوامها: سلطة فلسطينية تدير الشأن الداخلي للشعب الفلسطيني في أراضي الـ67، بمرجعية اللجنة التنفيذية، التي تجد في المجلس المركزي مرجعيتها التشريعية والسياسية العليا، ما يفترض – بدوره - أمرين سبقت الإشارة لهما: 1- أن يضطلع المركزي بمهام البرلمان، إن كان بوظائفه، أو بنظام عمله؛ 2- بعد استكمال إنهاء الفصل ما بين رئاسة الحكومة ورئاسة السلطة، يكون الأخير عضواً في اللجنة التنفيذية، أو رئيسها.

4- في ضوء ما تقدم، بات من الضرورة بمكان إحداث تغيير نوعي على أوضاع اللجنة التنفيذية، يشمل تشكيل دوائرها وفقاً لاختصاصات تستجيب لاحتياجات العمل، كما تقدم نفسها واقعياً، بعيداً عن عامل الإفتراض؛ وتحدد أيضاً صلاحيات هذه الدوائر، وعلاقاتها مع الدوائر الأخرى، وسائر المؤسسات. في هذا السياق تندرج – في القلب من كل هذا - مسألتا استعادة مؤسسة الصندوق القومي، والدائرة السياسية لدورهما:

أ) مأسسة الصندوق القومي(ص. ق) من خلال: انتخاب المجلس المركزي رئيساً لمجلس إدارة ص. ق، يتمتع في الوقت نفسه بعضوية اللجنة التنفيذية، ما يستتبع تشكيل مجلس إدارة الصندوق، واعتماد الموازنة العامة، تكون موازنة السلطة من ضمنها، إلى جانب موازنات الدوائر. ويقدم مجلس إدارة ص. ق تقريره السنوي إلى المجلس المركزي، بعد اطلاع اللجنة التنفيذية عليه، بما فيه قطع الحساب، ومشروع الموازنة العامة.

ب) إلى جانب الكفاح الميداني، تتطلب مواجهة «رؤية ترامب» برنامجاً نضالياً في المحافل الخارجية، يقوم على إعلاء الدعم العربي والدولي للقضية والحقوق الفلسطينية، ونزع الشرعية عن الإحتلال، وعزل دولة إسرائيل ومحاصرة قرارات الإدارة الأميركية المتعلقة بالشأن الفلسطيني، الأمر الذي يتطلب اعتماد سياسة خارجية وإعلامية نشطة بأدواتها المختلفة، وهي كثيرة ومتوفرة لدى م.ت.ف، ولدى الجاليات الفلسطينية في البلدان العربية وفي بقاع العالم، وهذا ما يمكن أن تضطلع به الدائرة السياسية، التي تعود إليها أيضاً المهام التي تضطلع بها حالياً وزارة الخارجية في الحكومة الفلسطينية، بالتعاون مع دائرة اللاجئين، ودائرة شؤون الجاليات المغتربة.

5- بعد أوسلو، لم تَعُدْ الأمانات العامة للإتحادات والمنظمات الشعبية والمهنية، ومعها دائرة التنظيم الشعبي في م.ت.ف، تولي إهتمامها لفروع الاتحادات خارج مناطق الحكم الإداري الذاتي، ما أثَّر سلباً على الحركة الجماهيرية المنظمة ودورها في تأطير نضالاتها وتوحيدها بشكل عام في الشتات.

وبالمقابل، فقد أدى تغييب الإتحادات الشعبية – كما في حال جالياتنا في أوروبا – إلى اعتماد أشكال تنظيمية جماهيرية خاصة بها، على غرار إتحادات الجاليات، أو المؤسسات المختصة بمحور نضالي بعينه (حق العودة، إسناد الحركة الأسيرة، ملف الاستيطان والجدار، لجان المقاطعة، الخ..).

لقد لعبت هذه الأطر الجماهيرية والمختصة دوراً مهماً – لا ريب – لكنها ليست معنية بالحلول مكان الاتحادات، فالعلاقة بين هذين المستويين من تنظيم الحركة الجماهيرية، هي علاقة تكامل، وليس إحلالاً.

عندما بدأ اهتمام الأمانات العامة (أو بقاياها) للإتحادات الشعبية يتجدد في استئناف ملف الإتحادات، استؤنفت معه، إنما بدرجة أكثر تغوّلاً، نفس الأسلوب البيروقراطي الفوقي الإستئثاري، القائم على تحويل الإتحادات إلى واجهات للتزعم الاستخدامي السياسي، بدلاً من تطويرها بوجهة التحول إلى مؤسسات ركنية في الحركة الوطنية، ذات دور حقيقي في تعبئة طاقات قطاعات بعينها في المعترك الوطني... وليست نادرة هي الحالات التي تُسمى فيها لجان تحضيرية بقرارات فوقية بدعوى العمل لعقد مؤتمرات، فتتحول إلى هيئات إدارية بولاية دائمة؛ هذا فضلاً عن المؤتمرات العامة التي تنعقد بمشاركة منقوصة لفروع الشتات، أو حتى بدون مشاركتها أصلاً، الخ...

إن تعاطي الأمانات العامة مع الإتحادات ينبغي أن يتغيّر على نحو جذري، من مدخل إعادة البناء على أسس ديمقراطية، وبالإنتخابات من أدنى إلى أعلى بنظام التمثيل النسبي الكامل، إلى جانب إعادة النظر بهرمية هَرِمة تغطي بالمركزية البيروقراطية على عدم تمتعها بالكفاءة المطلوبة، لصالح اعتماد صيغ أخرى ذات طابع فدرالي جامع.

6- في العلاقة مع جماهير شعبنا في أراضي الـ 48 وقواها السياسية، ثمة ضرورة لقراءة الوضع المستجد سياسياً، حيث ستشهد الأحزاب العربية الفلسطينية (أو ذات الأغلبية العربية الفلسطينية) خلف الخط الأخضر، وكذلك فصائل العمل الوطني في أراضي الـ 67، واقعاً جديداً، لا يمكن في ظله، بعد اليوم، التهرب أو التقاعس عن واجب البحث عن آليات للعمل المشترك، تصب في مجرى توحيد الشعب الفلسطيني في نضالاته في جناحي الوطن (48 + 67) وفي الشتات، في ظل خطة عمل، تأخذ بالاعتبار التطورات الجارية في جوانبها المختلفة، ما يطرح على بساط البحث الحاجة إلى صيغ تمثيل جديدة، تكون منظمة التحرير، بما تمثل من ثقل، إحدى ركائزها؛ وبما يسمح في الانتقال إلى نمط أرقى من آليات العمل المشترك في مختلف المجالات.

■■■

إن تطوير أوضاع المنظمة، كي تضطلع بدورها المنشود في قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية في مرحلة التحرر الوطني، تقتضي التقدم على 3 محاور تكمل بعضها البعض: 1- تجميع القوى السياسية على قاعدة البرنامج الوطني المشترك؛ 2- استكمال بناء الحركة الجماهيرية المنظمة في الداخل والخارج على أسس ديمقراطية؛ 3- بناء وتفعيل المؤسسات والأجهزة المختصة (مالية، عسكرية، ثقافية، بحثية، دبلوماسية، صحية، إنمائية، إنتاجية،...).

إن المرحلة التي نجتازها بالظرف السائد، تملي بلورة الخطط التنفيذية لكل عنوان من العناوين الواردة ضمن المحاور المذكورة، دون تردد، أو تأجيل، أو ترحيل، فمرحلة أوسلو قد طوت آخر صفحاتها قبل عقدين من الزمن، في كمب ديڤيد بالتحديد (تموز/ يوليو 2000)، ودفنتها – غير مأسوف عليها – الإنتفاضة الثانية في 28/9/2000 التي قدمت على امتداد أربع سنوات وأربعة شهور، 5000 شهيد، من خيرة أبناء شعبنا، تحت راية البرنامج الوطني المرحلي، رافعة شعار «الحرية والاستقلال»

تموز (يوليو) 2020

أضف تعليق