27 نيسان 2024 الساعة 02:54

هل سيغير فيروس كورونا وجه العالم

2020-04-03 عدد القراءات : 614
على مدار الشهور الثلاثة الأخيرة والعالم كله من أقصاه إلى أقصاه، فقراءه وأغنيائه، يلتقط الأنفاس لمجيء اليوم الذي يتم فيه الإعلان، عن وضع حد لتفشي وباء كورونا وانهاء حالة العزل الفردي والجماعي المطبق إما طوعًا أو قسرًا على نصف سكان الكرة الأرضية، في حدث لم يشهد له العالم مثيلا من قبل .
ليس هذا فحسب فقد تمكن هذا الوباء الخطير منالانتقال خلال فترة وجيزة جدا إلى كافة القارات والبلدان مما أوقع عشرات الآلاف من القتلى ومئات الآلاف من المصابين ،كذلك ادى إلى شل كافة أوجه الحياة للأفراد والدول على المستويات الإنسانية والثقافية والاقتصادية ...
مما يطرح العديد من الاستفسارات والأسئلة أهمها:
هل باستطاعة هذا الوباء لوحدة حقًا احداث هذا الكم الهائل من الآثار الصحية والاجتماعية والثقافية    والاقتصادية والنفسية على العالم؟   هل كانت هناك أسباب وعوامل أخرى   موجودة أدت إلى هذه الكارثة  التي نشهدها الان؟
هل هذا الوباء هو الاول أو الأخطر من نوعه الذي يصيب العالم؟
وهل سيغير هذا الوباء وجه العالم؟
للإجابة  على هذه  الأسئلة لا بد من  تشخيص الإطار الجيوستراتيجي  والظروف  القائمة عشية انتشار  هذا الوباء :
صراعات تجارية حامية الوطيس بينالولايات المتحدة الأمريكية والصين من جهة، ومع دول عديدة أخرى في العالم   كانت تعتبر حتى الامس القريب من أقرب الحلفاء للولايات المتحدة الامريكية مثل الاتحاد الأوربي واليابانوكندا وغيرها من جهة أخرى .
ذالك في مسعى لكبح جماحالدور الصينيالمتعاظم اقتصاديًا وسياسيًا على المستوى الدولي، وفي نفس الوقت تقليص دور وطموحات حلفاء الامس.
•    خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وإضعاف هذا الاتحاد مما اعتبره  ترامب نجاحا ودعمًا لسياساته في وجه   منافسيه من الأوروبيين، حروب اقتصادية واسعة النطاق بين امريكا وروسيا الاتحادية حول إنتاج الطاقة التقليدية من بترول وغاز وحول خطوط إمدادات الطاقة مثل السيل الشمالي والجنوبي الواصل ما بين روسيا وأوروبا ، والتحكم في أسعار النفط والغاز عبر الضغط ألأمريكي على حلفاءها في دول الخليج العربي لزيادة الإنتاج وتخفيض الأسعار لضرب اقتصاديات الدول المنافسة أو المتمردة على القرار ألأمريكي مثل روسيا وإيران وفنزويلا والعراق والجزائر،  على اعتبار ان الطاقة تمثل الدم  وعصب الاقتصاد العالمي ومن يتحكم   فيها ،  قادر على الإمساك في تحديد هوية  التطورات السياسية والاقتصادية  اللاحقة عالميا.
•    احتدام الصراعات المسلحة وخاصة  في منطقتنا العربية ( سوريا ، العراق،  ليبيا ، اليمن وفلسطين ) وتسعير  النزاعات والخلافات ما بين الدول العربية الخليجية وإسرائيل من جهة،   وإيران من جهة اخرى،  مما    يجعل من دول هذه المنطقة المستورد  الرئيسي للسلاح الأمريكي ، وفي نفس الوقتيؤمن التفوق والنفوذ الاسرائيلي بحجة مواجهة الخطر الإيراني في أن الابتزاز الأمريكي لكل حلفاءها ( دول  الخليج العربي، الأوروبيون ، اليابان ،  كوريا الجنوبية وغيرها من الدول ) لدفع  الأموال الباهظة للخزينة الأمريكية  مقابل حمايتها من العدو الروسي  والصيني المحتمل أو من خصومها الداخليين والإقليميين.
•    فتح الإدارة الأمريكية معركة مع كافة المنظمات الدولية كمنظمة الأمم المتحدة، منظمة التجارة الدولية،
اليونيسكو، محكمة العدل وكذلكالجنائية الدولية عقابًا لها على إدانتهاللانتهاكات الاسرائيلية للقوانين الدولية، حتى ان وكالة الغوث و تشغيل اللاجئين الفلسطينيين ( الأونروا ) لم تسلم من  الابتزاز الأمريكي الوقح !!
و بكلمات أخرى فإن الإدارة الأمريكية تسعى جاهدة لتقويض كافة الأسس والمعاهدات الدولية التي قام عليها النظام العالمي  ما بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية.
•    صعود تكتلات دولية واقليمية جديدة مثل مجموعة البريكس ومعاهدة شنغهاي إلى جانب الاتحاد الأوروبي التي تعتبرها الولايات المتحدة جميعا، تهديدًا لمصالحها الجيوستراتيجية ومنافسًا لها كقطب وحيد، تربع  منفردًا على قيادة العالم   لما يزيد عن  ٣٠ عاما  بعد  انهيار الاتحاد  السوفييتي وحلف وارسو
•    المنافسة الحادة بين الولايات المتحدة  وروسيا على سوق السلاح العالمي واستخدام امريكا كافة وسائل الضغط والابتزاز على الدول التي تسعى للحصول على الأسلحة الروسية المتطورة حتى لو كانوا من اقرب الحلفاء لها مثل تركيا والهند.
•    تمدد حلف الناتو شرقًا وجنوبا  بشكل واسع ، وفي  الوقت ذاته الشروع في   إنشاء   عشرات بل مئات القواعد العسكرية له  في كافة دول الخليج العربي والقرن  الأفريقي  وفي العديد من دول شرق  آسيا ،  كل ذالك بهدف تطويق ومحاصرة  روسيا و الصين  .
وفي  الوقت الذي قامت فيه الولايات المتحدة الأمريكية  من الانسحاب من  المعاهدات التي تحد  من انتشار الأسلحة الفتاكة،  أطلقت  برنامجا واسعا  لسباق تسليح الأرض والفضاء.
•    الانسحاب الأمريكي من اتفاقية المناخ  التي سبق ووقع عليها باراك آوباما ،في الوقت الذي يشهد فيه العالم  تفاقما غير مسبوق لآثار  الاحتباس الحراري وتلوث البيئة من خلال  الزيادة الملحوظة على اثارها الصحية والازدياد المضطرد للكوارث الطبيعية.
•    صعود تيارات اليمين الشعبوي  العنصري  المتطرف داخل الدول الديمقراطية  بدوافع العداء للمهاجرين والأجانب  والإسلام .  كذالك نرى صعود  تيارات التطرف الديني الإسلاموي كالقاعدة وداعش وغيرها، وتيارات التطرف المسيحي التي تشكل القاعدة  الانتخابية الأوسع للمحافظين  والليبراليين الجدد ،و التطرف  اليهودي لقطعان المستوطنين  واتساع نفوذ الأحزاب الصهيونية اليمينية  المتطرفة داخل اسرائيل ، وليس آخرا  التطرف الهندوسي ضد الاقليات المسلمة في   الهند وكشمير وميانمار !
•    تقليص و تراجع دور الدولار الأمريكي في التعاملات التجارية العالمية و الذي كان  يستخدم دائما كوسيلة ضغط وابتزاز  لباقي الدول!
باختصار ان  العالم  -و على مدار سنوات طويلة  - قد عانى أزمات كبرى مستعصية  على الحل ، و جاء وباء كورونا بعواقبه الكارثية -انسانيا واقتصاديا— ليفاقم ويفجر هذه الأزمات ! 
فما هو فيروس كورونا ؟
في البداية اود الإشارة ومن موقعي كطبيب  ان سلالة هذا الفيروس ليست وليدة اليوم وإنما تم اكتشافها منذ بداية ستينيات القرن المنصرم،  و سبق لهذا لفيروس  ان تسبب في عام ٢٠٠٢  بوباء ( سارس) الذي توفي نتيجته الف  شخص في الصين،  لكنه تم  السيطرة علية  بشكل سريع مما حال دون انتقاله لخارجها .
وفي عام ٢٠١٢ ظهر فيروس كورونا من جديد  تحت اسم متلازمة الشرق الأوسط التنفسية
 ميرس  MERS /Coronavirus))
وانتشر بشكل خاص  في الجزيرة العربية والشرق الأوسط  واصاب  ٥٠٠ شخص.
وفي المرتين الأولى والثانية لم يعطى لهذا الفيروس الاهتمام الكافي من قبل مراكز الأبحاث والمتخصصين لإيجاد لقاح أو   عقاقير ضدة لأسباب عديدة منها مالية ربحية،  باعتبار انه لم يصيب أعدادًا كبيرة من مواطني الدول الرأسمالية  الكبرى ولم يوءثر  بالتالي على عجلة  اقتصادها !
والآن  يطل علينا  نفس هذا الفيروس بلباس  جديد و بعدوانية اشد وبسرعة  فائقة لينتشر  في كل بقاع الارض.
لكن ما يميز انتشار وباء كورونا  هذه المرة،  أنة جاء في ظل الأوضاع الدولية المعقدة التي تم تشخيصها آنفًا ، مما يفسر من ناحية  الكم الهائل لأعداد المصابين والقتلى ، ومن ناحية أخرى الأزمة الاقتصادية  والاجتماعية والنفسية الحادة  التي فجرها هذا الوباء،  في ظاهرة تعتبر  غير مسبوقة  على الأقل في تاريخنا المعاصر!
لقد اظهر هذا الوباء  هشاشة الوضع العالمي كما اظهر ان العالم غير محصن إطلاقًا  أمام تعرضه لكوارث صحية أو بيئية او طبيعية ،  و اظهر نفاق وعجز  الأنظمة الرأسمالية  الكبرى   والتي تنفق آلاف الآلاف من المليارات على التسليح والحروب  ، لكنها لا تنفق سوى القليل القليل على القطاع الصحي والاجتماعي !! وخير دليل على ذالك زيادة الميزانية العسكرية الأمريكية السنوية ٢٠٪؜ لتصل إلى ٨٠٠ مليار دولار  مقابل خفض الميزانية لقطاعات الصحة والشووءن الاجتماعية لأكثر من ٣٥٪؜ ،
فكيف يعقل عدم وجود الحد الأدنى من  الأسرة  المزودة باءجهزة التنفس في كل مستشفيات ما يسمى بالعالم "المتحضر"!!!! فدولة مثل بريطانيا   لا تحتوي كل  مستشفياتها سوى  على ٤٢٠٠ سرير للعناية الفائقة، وكذالك الحال بالنسبة الى امريكا وفرنسا وإيطاليا وأسبانيا ..! والأدهى والأمر ان كل هذة الدول لا تملك حتى  ما يكفي من المعقمات والأقنعة الواقية حتى للطاقم الطبي والصحي المعرض بشكلٍ كبير لخطر انتقال العدوى له !
وهم بانتظار  ان تزودهم الصين وروسيا لهذة اللوازم!
وما يدعو حقًا للسخرية،  ان عدد كبير من زعماء وممثلين الجناح اليميني العنصري المتطرف من  الليبراليين الجدد أمثال ترامب ، جونسون، بولسينارو ، ونتنياهو وغيرهم الكثير ممن اعتقدوا  مع بداية كورونا ان هذا الوباء سيبقى محصورا على الصين وإيران،  ولذالك لم  نراهم يحركوا ساكنا،  ظنا منهم  انه يقدم لهم خدمة مجانية لتحقيق مصالحهم الجيوسياسة! فرأينا   تصريحاتهم الغير إنسانية أو اخلاقية بتأكيدهم وترويجهم  ، طبعا الغير مستنده لحجج علمية، ان تأثيرات هذا الوباء  اقل بكثير من الرشح العادي  ولا داعي إذًا لاتخاذ آية  إجراءات ضده!
وللمفارقة انهم  ، وبعد  انتقاله إلى بلدانهم ، ما لبثوا   يصرخون لينقذهم الأخرين حتى لو كان هوءلاء  صينيون !!
المسألة الأخرى والمهمة التي يجب التنويه لها،  انه وحتى هذه اللحظة لم يتم التوصل  للقاحات او عقاقير  طبية تحد من استمرار تفشي هذا الوباء او تقضي عليه !  وكل  ما يتم  استخدامه حاليا  لعلاج  الحالات الحرجة والصعبة للمصابين بكورونا  تجري بشكل  تجريبي  على عقاقير كانت مصممة أصلا لمعالجة أوبئة اخرى مثل  الملاريا و الايبولا و نقص المناعة المكتسبة ( AIDS) والتهابات الكبد الفيروسية وأخيرا التهابات البنكرياس الحادة ..!
وحتى الوصول إلى لقاحات و عقاقير  مستندة من خلال دراسات وابحاث على دلائل واثبات علمية ، لا يتبقي للأطباء سوى تجريب كل ما هو بين أيديهم لعلاج الحالات الصعبة والحرجة للمصابين بكورونا ، للحد من المضاعفات  وللتقليل من أعداد الموتى!
ولذا فان كل مراكز الأبحاث والعلماء و المجمعات الصناعية الكبرى للأدوية،  هي الان  في سباق مع الزمن للتوصل   إلى لقاح ضد هذا الفيروس أو إلى  عقاقير  مخصصة  للقضاء عليه!
وحتى ذالك الحين لا يتبقى لنا جميعا سوى التقيد الصارم بإجراءات وقواعد الوقاية من المرض على قاعدة:
ذرة وقاية خير من الف علاج !
ومع عدم التقليل من هذا الوباء واثارة الكارثية لا بد من التنويه إلى ان تاريخ البشرية قد شهد أوبئة عديدة كانت اكثر فتكًا ودمارا ، فمرض *الطاعون*  قد أباد في القرن الرابع  والخامس الميلادي ما يقارب من خمسون مليون إنسان اي ما يعادل  ثلث؜  سكان الكرة الأرضية آنذاك ، وكان واحدًا  من إحدى الأسباب الرئيسية التي عجلت في انهيار الإمبراطورية الرومانية  !
ولم يتوقف وباء الطاعون  وفِي حقب زمنية متعاقبة عن اجتياح أجزاء واسعة من العالم مخلفا عشرات بل مئات الملايين من  الضحايا   !
كذالك الحال مع وباء الجدري  الذي اودى بحياة الملايين في  العالم، بل وتم استخدامه  في سابقة هي الأولى   من نوعها،  كسلاح بيولوجي من قبل   المستعمر الأسباني والبريطاني  في عمليات تطهير عرقية ممنهجة ضد السكان الأصليين من الهنود الحمر في الأمريكيتين الشمالية والجنوبية!
وما ان وضعت الحرب العالمية الاولى أوزارها حتى اجتاحت العالم
الأنفلونزا الأسبانية عام ١٩١٨ والتي اصابت ٥٠٠ مليون إنسان  ( اكثر من ربع سكان العالم) وأودى  بحياة  خمسون مليون شخص أي ما يفوق  أضعاف أضعاف ما خلفته الحرب نفسها !!
وهناك عشرات الأوبئة الأخرى التي حصدت ارواح الملايين من البشر نخص في الذكر منها: السل والكوليرا والملاريا وفقدان المناعة المكتسبة( AIDS).
ان هذا السرد ليس من باب التقليل او الاستهانة من مخاطر وباء كورونا المستجد، أو من باب الاستهتار في الالتزام بكافة إجراءات الوقاية منه، وإنما يهدف الى الإضاءة على التأثيرات المتبادلة ما بين  انتشار هذا المرض والمتغيرات الجيوسياسة  العميقة التي قد حصلت على ارض الواقع قبل ذلك.
في البداية لا بد من دحض كلما يتم الترويج له من شائعات حول نظرية المؤامرة  في تفشي هذا الوباء،  لانه من الناحية المنطقية لو  كان الأمر كذلك لاستطاعت الجهة المتآمرة في الحد الأدنى تجنيب نفسها  تبعات وويلات  هذا الوباء !
ذالك لا يعني عدم وجود مراكز أبحاث ومختبرات لتطوير أسلحة جرثومية لعدد من الدول وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية،  في مخالفة واضحة لكل المعاهدات الدولية التي تحرمتطوير أو استخدام مثل هذه الأسلحة !
نحن نعيش الان في مرحلة صعبة مع وباء كورونا لااحد يستطيع   حاليا التكهن بكيفية تطور هذا المرض ومدة استمراره، والعواقب   التي سيتركها خاصة على الدول الفقيرة والمهمشة.
لكن ما هو مؤكدا، انه في ظل الاوضاع الدولية السائدة حاليا، سيكون لوباء كورونا ابعادا تاريخية كبرى مشابهة لتأثيرات   الطاعون على انهيار الإمبراطورية الرومانية.
فالإجراءات والسياسات الصحية الغير مسبوقة والقاسية التي اتخذتها كل دول العالم بلا استثناء    كالانعزال والحجر المنزلي ومنع التجوال والسفر وإغلاق الحدود داخليًا وخارجيًا وتحويل الشوارع إلى ثكنات عسكرية، تعتبر في الظروف الطبيعية انقلابا على الديمقراطية والحريات العامة التي كفلتها قوانين ودساتير الدولة المدنية الحديثة!
ومن ناحية أخرى فان هذه الإجراءاتقادتإلى  أزمة  مالية واقتصادية حادة توقفت على اثرها عمليات الإنتاج الصناعي والزراعي ، وتوقف قطاع الخدمات والحرف عن العمل و هوت فيها البورصات وتقلص حجم المبادلات  التجارية الداخلية والخارجية بشكل كبير  ، وتوقف القطاع السياحي  بشكل كامل، وزادة المديونية العامة  مما يشير إلى دخول  الاقتصاد العالمي في حالة ركود حاد،  لا  يستطيع  احدا التنبؤ  راهنًا  مدة استمراره وعواقبه.
العولمة والليبرالية الجديدة
على الرغم من الملاحظات النقدية الكثيرة التي تحوم حول العولمة وأهدافها وتأثيراتها السلبية  ، الا انها لعبت وبلا شك دورًا كبيرًا في زيادة الإدراك الحسي والوعي المجتمعي حول مخاطر  وباء كورونا في كل بقاع المعمورة ، ذالك عبر الانتشار الواسع  لوسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الأعلام  .
يضاف إلى ذالك التطور الهائل الذي احدثته وسائل النقل   الجوي والبحري والبري  ، التي تتيح  لأعداد هائلة من البشر إمكانية التنقل وبأوقات  قياسية عبر العالم، لما له من اثر إيجابي على التقريب والتواصل المباشر بين الأفراد والجماعات   والتعرف على ثقافاتها وعاداتها وتقاليدها ويكسر الكثير من الحواجز الجغرافية والثقافية والعلمية والنفسية ... ولكنها على جانب اخر  تسرع بل وسرعت في انتقال  وباء كورونا وغيره  في غضون ساعات الى كل بلدان العالم ،  مضافًا لذالك تأثيراتها  السلبية الأخرى بما يتعلق بالتلوث البيئي ، فهي اذا كسيف ذو حدين !
في المقابل فإن العولمة قادت الى تغيير جوهري في نمط العلاقات الاجتماعية والحياتية والاقتصادية والبيئية والصحية!
لقد أدت  العولمة وبهدف خفض تكاليف الإنتاج و زيادة الأرباح( أيدي عاملة رخيصة + انخفاض تكاليف الإنتاج  الاخرى)   بنقل اجزاء كبيرة من صناعتها التحويلية الى دول الاطراف كما  يسمونها  مثل الصين والهند  وغيرها ، مما أوقف توطين متكامل لسلعة ما داخل بلدانها الأصلية، لذالك رأينا عند إغلاق الحدود الصينية مع تفشي وباء كورونا هناك،  النقص الحاد لعدد كبير من  الأدوية في المستشفيات والصيدليات ، وعدم توفر  الكمامات الواقية و المعقمات و نقص كبير للأجهزة والأدوات الطبية ، مما شل العمل في القطاع الصحي ألأوروبي   والأمريكي وفاقم في تفشي الوباء بشكل مذهل !
كما قادت العولمة لابتلاع الشركات والمؤسسات الكبرى للشركات الصغيرة والمتوسطة لعدم قدرتها على المنافسة وكثفت بذالك رءوس الأموال في أيادي حفنه قليلة من الأغنياء، حيث يمللك الان ١ ٪؜ من الأغنياء ما يوازي ٨٠٪؜ من  كل أموال العالم !
وأحدثت العولمة والليبيرالية الجديدة تغيير جوهري على نمط النظام الرأسمالي   العالمي، الذي تحول فيه الثقل الرئيسي للاقتصاد من أيدي القطاع الصناعي المنتج إلى أيدي مجمعات الصناعات العسكرية و النفطية الكبرى والى أيديالبنوك وشركات التامين العملاقة كذلك الى شركات  التواصل الاجتماعي  والتقني والرقمي وغيرها!
الرأسمالية والليبرالية الجديدة
منذ بداية الثمانينيات وفي عهد الممثل والرئيس الأمريكي رونالد ريغين ورئيسة الوزراء البريطانية الحديدية مارجريت ثاجر ، حدثت تحولات دراماتيكية على النظام الرأسمالي العالمي
وذالك بإطلاق العنان لليبرالية الجديدة المتوحشة و التي قادت إلى توجيه ضربة قاسمه للقطاع العام وخصصته من قبل القطط السمان، وتوجيه ضربة قاسية الى المنجزات الاجتماعية التي أحرزتها الطبقات والفئات الاجتماعية الفقيرة والمتوسطة عبر نضالاتها الطويلة وفي مقدمتها التعليم المجاني والتامين الصحي والاجتماعي وغيرها .
من اهم الاستنتاجات التي يمكن استخلاصها من هذه الأزمة الصحية والاقتصادية والسياسية الراهنة؛
ان كل أسباب وعوامل ومقومات انفجار هذه الأزمة كانت قائمة أصلا ومنذ فترة طويلة، وان كل ما فعله فيروس كورونا هو التسريع والتعجيل في اندلاعها على الشكل الحاد الذي نراه اليوم!
وان النظام الرأسمالي العالمي غير قادر بمفرده على مواجهة الكوارث والأزمات الكبرى ووضع حلول لها !
الاستنتاج المهم الآخر الذي يمكن استخلاصه من هذه الأزمة هو:
كيف استطاعت الصين كسب معركة كورونا على المستوى الداخلي من خلال خطة  ممنهجة ومدروسة بدقة ،  والشروع المبكر  في تنفيذ خطوات سريعة وصارمة وذالك  بعزل بوئرة  الوباء،  وبتشييد فوري (خلال ايام قليلة)  لمستشفيات مزودة  بأعداد هائلة من أسرة العناية الفائقة وتوفير كافة الأدوية والتجهيزات الطبية. واتخذت وبشكل مبكر  إجراءات اجتماعية واقتصادية قاسية وباهظة   على خزينة الدولة ، مما ادى خلال فترة قياسية محاصرة الوباء بشكل فعال ًووفر لعامة الشعب مقومات العيش الكريم !
أما عالميًا ، فقد ربحت الصين هذه المعركة حيث أبهرت العالم كلة بقدراتها العلمية واللوجستية  الفعالة، وانتقلت وبشكل مبكر ، لتقديم  الدعم الطبي والخبرات لكافة الدول المتضررة في أوروبا وأمريكا ومنطقتنا العربية،  مما عزز وسيعزز الدور الصيني المتنامي أصلا علميا و اقتصاديا وسياسيا وعسكريا ويقربها من اليوم الذي  ستصبح  فيه القوة العالمية الأولى ضمن نظام عالمي جديد ، متعدد الأقطاب  ، يقوم على أسس القانون الدولي و ميثاق الأمم المتحدة ووثائق جنيف الأربعة ،   بحيث يكون فيه دورًا  ليس فقط للدول الصناعية والنووية والعسكرية  الكبرى،  بل ايضا  للدول النامية والمستضعفة  ، نظام  تسود فيه العدالة والمساواة والسلام !

أضف تعليق