19 آيار 2024 الساعة 03:53

الصحافة الإسرائيلية الملف اليومي صادر عن المكتب الصحفي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين الخميس 22/2/2024 العدد 942

2024-02-24 عدد القراءات : 35
 الصحافة الاسرائيل– الملف اليومي

 

افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

 

 

 

 

 

هآرتس 22/2/2024

 

 

الدخول إلى رفح: سيناريوهات كارثية

 

 

بقلم: اسحق بريك

 

 

جنرال إسرائيلي متقاعد

 

لا ينتصرون في الحرب بالمعارك التكتيكية أو بالعملية العارضة الاستثنائية، التي تم فيها إنقاذ مخطوفين في رفح. لا شك أن جنودنا حاربوا ببطولة كبيرة وتضحية، من خلال تعريض حياتهم للخطر وإظهار القدرة المهنية من الدرجة الأولى. لكن هذا غير كاف. فهناك حاجة إلى استراتيجيا سياسية بعيدة النظر، تأخذ في الحسبان كل الأخطار التي يمكن أن تحدث في أعقاب دخول قواتنا إلى رفح. وحسب هذه الأخطار يجب اتخاذ قرار حول ماذا سنفعل وكيف. الرغبة في القضاء على «حماس» بأي ثمن غير كافية.

الآن سأطرح عدة أسئلة وسأعرض الأخطار التي يجب أخذها في الحسبان قبل الدخول إلى المخيمات في رفح.

1- هل محاولة نقل 1.4 مليون لاجئ إلى مناطق آمنة، من خلال الإدراك بأنه محظور استخدام السلاح الناري، هي أمر واقعي؟ ما الذي سنفعله مع العدد الكبير جدا الذي سيقرر البقاء في مكانه؟ كيف سنحارب «حماس» عندما سيتضرر عدد كبير من الغزيين، ما سيزيد غضب العالم ويؤدي إلى وقفنا الفوري؟.

 2- إذا نجحنا في نقل 1.4 مليون لاجئ إلى مكان آمن بواسطة مكبرات الصوت والمكالمات الهاتفية والمنشورات من الجو، كما قال رئيس الأركان، فهل تم أخذ في الحسبان إمكانية أن تقوم «حماس» بإطلاق النار في الهواء وتؤدي إلى ذعر جماعي؟ هكذا حدث اكثر من مرة في ملاعب كرة القدم بسبب الاكتظاظ، وفي رفح بسبب الاكتظاظ الكبير يمكن أن يتم سحق وقتل الآلاف. وكل المسؤولية ستلقى علينا. وماذا بشأن إمكانية أن يقرر كثيرون الذهاب إلى أماكن أخرى وليس إلى المكان الذي نريده؟ الحديث يدور عن 1.4 مليون شخص، والسيطرة على انتقالهم من مكان إلى آخر هي إشكالية جدا.

 3- إذا حدثت أعمال الفوضى المذكورة أعلاه فهي ستتسبب بأزمة إنسانية. ولذلك فإن إسرائيل ستدفع ثمنا باهظا جدا يتمثل بوقف الحرب.

4- حتى لو اجتزنا بسلام كل هذه العقبات فإنه من الواضح بحد ذاته أنه من بين الـ 1.4 مليون لاجئ يوجد آلاف من مخربي «حماس» على الأقل، وربما عشرات الآلاف، الذين بعضهم هربوا من شمال القطاع ومن جنوبه إلى مدينة رفح، وبعضهم كانوا دائما متواجدين في رفح. هل من غير الواضح لمتخذي القرارات بأن معظمهم سينضمون إلى حملة اللاجئين إلى الأماكن الآمنة، وأنه لن يكون بالإمكان التمييز بينهم وبين اللاجئين العاديين؟.

5- كيف سنقوم بمنع مخربي «حماس» من السيطرة على المساعدات الإنسانية في المناطق الآمنة التي سيتم نقل 1.4 مليون لاجئ إليها، كما فعلوا في رفح؟.

6- من الذي سيضمن بأن آلاف المخربين من «حماس» لن ينتقلوا من المناطق الآمنة عبر فتحات الأنفاق التي تنتشر في كل أرجاء القطاع، إلى داخل الأنفاق، وعندها سنجدهم مرة أخرى في مدينة غزة وجباليا والشجاعية (كما يفعلون الآن) وفي خان يونس؟.

 7- متخذو القرارات لم يأخذوا في الحسبان حقيقة أن تفاقم القتال مع «حزب الله» في لبنان بسبب الدخول إلى رفح سيقتضي نقل القوات من القطاع إلى المنطقة الشمالية، بالإضافة إلى خفض آخر للقوات التي توجد في القطاع. إن إخراج القوات من مدينة غزة أدى إلى عودة «حماس» واللاجئين إليها، وهذا ما سيحدث أيضا في خان يونس وفي مخيمات وسط القطاع. بسبب التخفيضات الكبيرة التي حدثت في الجيش في العشرين سنة الأخيرة، في خمس فرق وأكثر وقوات أخرى، لا يوجد لدى الجيش الإسرائيلي فائض قوات. وعندما نقوم بتعزيز قطاع معين نحن نضعف قطاعا آخر.

 8- هل تم الأخذ في الحسبان إمكانية أن دخول الجيش الإسرائيلي إلى مخيمات رفح في شهر رمضان يمكن أن يشعل «يهودا والسامرة»؟ من أين سيأتون بالقوات من اجل حماية السكان اليهود هناك؟.

9- السؤال الأكثر أهمية هو كيف ستتصرف مصر؟ حتى الآن لا يوجد أي اتفاق معها حول سيطرة الجيش الإسرائيلي على محور فيلادلفيا وإغلاق الأنفاق من شبه جزيرة سيناء إلى قطاع غزة. لسنوات كثيرة وصلت وسائل قتالية وذخيرة وعبوات ناسفة وصواريخ مضادة للدروع ووسائل لإنتاج الصواريخ وما شابه من سيناء إلى القطاع، مباشرة إلى أيدي مخربي «حماس». مصر غير مستعدة لإغلاق الأنفاق في جانبها، لأنه حسب رأيها لا توجد مثل هذه الأنفاق. وبدون أي حل يتم تنسيقه معها ستبقى مشكلة خطيرة لم يتم حلها. عمليا، نكون وكأنه لم نفعل أي شيء حتى الآن في الحرب، لأن «حماس» ستنمو مرة أخرى في السنوات القادمة مع الوسائل القتالية التي تمر من أنفاق سيناء تحت محور فيلادلفيا والتي ترتبط بمئات كيلومترات الأنفاق التي توجد على طول وعرض قطاع غزة.

 10- مصر تهدد بتجميد اتفاق السلام مع إسرائيل إذا بدأ الجيش الإسرائيلي العملية البرية في رفح. القتال هناك يمكن أن يؤدي إلى إغلاق مسار المساعدات الرئيسة إلى القطاع، ومن هناك إلى أزمة إنسانية غير مسبوقة.

11- الانجرار إلى أزمة في السلام مع مصر يمكن أن يؤدي إلى عاصفة في الدول العربية التي وقعت إسرائيل معها على اتفاقات سلام مثل الأردن واتحاد الإمارات. هكذا نكون قد خسرنا في كل الاتجاهات.

12- يضاف إلى كل ذلك وضعنا البائس في العالم، لا سيما في الدول الأوروبية والولايات المتحدة. جوزيف بوريل، وزير خارجية الاتحاد الأوروبي، دعا في السابق إلى منع إرسال السلاح لإسرائيل بسبب عدد القتلى الكبير في أوساط المدنيين في الحرب في غزة. هولندا قامت بوقف إرسال قطع الغيار لطائرة «اف 35» إلى إسرائيل بأمر في المحكمة. شركات كثيرة في العالم أوقفت رحلاتها إلى إسرائيل، والعالم آخذ في خنقنا حتى قبل الدخول إلى رفح. نحن يمكن أن نصبح دولة منبوذة وأن نفقد أرصدة مهمة جدا التي بدونها لن نتمكن من النمو مجددا.

حتى لو دخلنا إلى رفح فنحن لن ننجح في القضاء على «حماس» بشكل مطلق، ولكن يمكن أن نجد أنفسنا في وضع أمني أصعب بأضعاف من الوضع الذي نوجد فيه الآن قبل دخول رفح، وسنفقد المخطوفين إلى الأبد. إذا قرر المستوى السياسي والأمني الدخول إلى رفح فإن ذلك سيضر جدا بمناعة إسرائيل السياسية والأمنية والقومية، وسيضر بعلاقاتنا مع كل العالم. دولة إسرائيل ستصبح كرة ثلج ستتدحرج نحو الهاوية في مجال الاقتصاد والأمن والمجتمع والعلاقات الدولية. بعد فترة لن تكون هناك أي طريق للعودة.

الحل الذي يجب علينا دفعه قدما هو اتفاق لإعادة المخطوفين، ما سيمكن من الخروج بكرامة من الوضع الذي وجدنا أنفسنا فيه، وأن نعيد المخطوفين على قيد الحياة إلى بيوتهم. يجب عدم تمكين «حماس» من التقوي مرة أخرى، ويجب تشكيل إدارة مدنية دولية ترافقها قوات شرطة، تستبدل سلطة «حماس».

إذا واصلوا في المستوى السياسي والأمني الطريقة غير العقلانية فإنه خلال بضعة اشهر سيتعين عليهم أن يشرحوا للشعب في إسرائيل لماذا لم تتحقق أهداف الحرب، القضاء على «حماس» وإعادة المخطوفين على قيد الحياة، هذا رغم الثمن الباهظ الذي قمنا بدفعه، مئات الجنود القتلى منذ اقتحام قطاع غزة.

---------------------------------------------

 

يديعوت أحرونوت 22/2/2024

 

 

خطر البقاء بلا "استراتيجية خروج" إسرائيلية

 

 

بقلم: عاموس جلعاد

 

نحن نوجد في توقيت حساس. قرارات استراتيجية تتخذها هذه الأيام قيادة الدولة – برئاسة رئيس الوزراء – ستقرر مستقبلنا على نحو شبه مصيري. من جهة، يسجل الجيش الإسرائيلي إنجازات عسكرية مبهرة من خلال حرب مصممة، شجاعة ووحدة هدف. لكن من جهة أخرى، بدون استراتيجية خروج، من شأننا أن نعلق في حقل ألغام من الإخفاقات الخطيرة – مصدرها اغلب الظن تغلب السياسة الصغيرة على الاستراتيجية الكبيرة.

لقد صرح رئيس الوزراء في الماضي - بما في ذلك من على منصة الأمم المتحدة – بأن في نيته أن يقود سياسة مصممة تمنع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، التي تدعو إلى إبادة إسرائيل من أن تصبح دولة ذات سلاح نووي. لكن منذ اليوم، حسب رئيس مشروع النووي الإيراني السابق فإن ايران هي دولة حافة نووية – وتبعا لقرار زعيمها يمكنها أن تصبح ذات سلاح نووي في غضون وقت قصير. أقواله هذه مدعومة بشكل غير منحاز بتصريحات مقلقة من مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية وكذا بأقوال قالها قادة جهاز الأمن الأميركي سابقا - ممن ادعوا بأن ايران يمكنها أن تبني سلاحا نوويا في غضون نصف سنة، والوصول في غضون أسبوعين إلى اليورانيوم بمستوى تخصيب 90%، الذي هو المستوى اللازم لإنتاج سلاح نووي. وهكذا فإن المؤرخين سيشيرون إلى رئيس الوزراء كمن بخلاف تصريحاته القاطعة – فشل في منع تزود ايران بسلاح نووي.

بالنمط نفسه يمكن أن نشخص الموقف من «حماس» أيضا. فقد اقسم رئيس الوزراء علنا بأنه سيصفي «حماس»، لكن بدلا من هذا، ايد حماستان مضعفة ومردوعة، كجزء من الجهود لمنع مسيرة سياسية مع الفلسطينيين. النتيجة هي مأساة رهيبة في شكل 7 أكتوبر.

نكتب هذه الأمور لأجل التحذير من إخفاقات استراتيجية أخرى. ليس لدولة إسرائيل استراتيجية خروج من الحرب المصممة والمبهرة في غزة، وكنتيجة لذلك نحن نوجد منذ الآن في مسار احتكاك – بل واكثر من هذا – مع الولايات المتحدة، مع العالم الحر ومع دول عربية مركزية السلام معها هو عمود فقري مركزي في أمننا القومي. وإذا لم تتعاون إسرائيل مع مبادرة بايدن، لا سمح الله، فمن شأنها أن تجد نفسها تجر إلى حكم مباشر في غزة - منطقة ضائقة تستوجب ترميما مكثفا من الأساس. احتلال مباشر لغزة سيصبح عبئا اقتصاديا، سياسيا ودوليا لا يطاق ومن شأنه أن يعرض للخطر أيضا علاقاتنا مع دول عربية ويضاف إلى هذا وزراء معينون يحاولون إضعاف بل وهدم السلطة الفلسطينية ويتطلعون إلى استغلال رمضان كي يشعلوا مواجهة بيننا وبين العالم العربي والعالم الإسلامي.

لا حاجة لحكمة استثنائية كي نفهم أن تفضيل الاعتبارات السياسية الضيقة على الاستراتيجية الواسعة، التي ستؤدي باحتمالية عالية إلى خلق محور استراتيجي على أساس الدول العربية القوية، بقيادة الولايات المتحدة من شأنه أن يؤدي إلى إضعاف إسرائيل. إذا لم يغير نتنياهو سياسته، من شأنه أن يتسبب أنه بمعارضته لدولة فلسطينية – فكرة لم تطرح بصفة خطة ملموسة أمام إسرائيل – من شأنه أن يؤدي إلى أن يتكتل العالم، برعاية الولايات المتحدة، حول فكرة الدولة الفلسطينية بالمستوى المبدئي، بشكل يعزز هذا البديل ويجعله واقعا قاتما.

إن تعزيز السلطة الفلسطينية، حسب رؤيا الرئيس الأميركي، هو مسيرة من شأنها أن تستغرق سنوات طويلة، بسبب ضعفها. من هنا قد تشق الطريق إلى عشق العالم لفكرة الدولة الفلسطينية التي ستعرض كبديل وحيد – دون أن يجرى نقاش في مسألة ماذا سيكون وجه السلطة الفلسطينية. إضافة إلى ذلك، لإعمار غزة مطلوب عشرات مليارات الدولارات – وإسرائيل لا تمتلك المال لذلك. وعليه، فإذا ما جررنا إلى حكم المنطقة، سنضعف في قدرتنا على مواجهة التهديد الإيراني المتعاظم، سواء في ايران أم في فروعها مثل سورية واليمن.

تقف إسرائيل على مفترق طرق، وعليها أن تختار بين مسار السياسة الضيقة بالهام محافل متطرفة ذات مذهب هاذٍ يؤدي إلى إضعافنا، أو تأخذ الفرصة الذهبية في شكل مبادرة الرئيس بايدن، التي ستسمح لإسرائيل بأن تصفي قدرات «حماس» وتخلق بديل ازدهار وقوى استراتيجية متداخلة في الشرق الأوسط. قوة الجيش الإسرائيلي وأوجه التعاون الاستراتيجية صمدت في اختبار 7 أكتوبر – وليس لها بديل. القوة الاستراتيجية الشاملة لإسرائيل متعلقة بقوتها العسكرية وبحكمتها السياسية – الاستراتيجية. هذا هو زمن القرار.

---------------------------------------------

 

هآرتس 22/2/2024

 

 

عندما انشغل الجيش بتعزيز الاحتلال بدل حماية السكان

 

 

بقلم: الوف بن

 

قراءة البيانات مؤلمة جسدياً، لكن لا يمكن ومحظور تجاهل ذلك. ففي 7 اكتوبر وضع الجيش الاسرائيلي على الحدود مع القطاع 400 جندي ودزينة دبابات أمام آلاف المقاتلين من حماس. على الحدود مع لبنان تم نشر قوة اكبر، 4 – 5 كتائب، لكن هذه ايضا كانت في حالة متدنية من حيث العدد امام حزب الله (عاموس هرئيل،»هآرتس»، 16/2). في الوقت نفسه تم وضع في الضفة الغربية قوات اكبر بكثير. 21 – 22 كتيبة التي تم تعزيزها في اللحظة الاخيرة بفصيلي احتياط تابعين للقيادة الجنوبية بسبب التوتر حول خيمة عضو الكنيست تسفي سوخوت في حوارة.

لا يجب أن تكون رئيس اركان أو رئيس قسم عمليات كي تدرك بأن حماية الحدود كانت المهمة الثانوية للجيش الاسرائيلي عشية الحرب. المهمة العسكرية الرئيسة كانت حماية المستوطنات في الضفة الغربية، أي تعزيز الاحتلال وفرضه على الفلسطينيين. وقد تم تخصيص للاحتلال قوة اكبر بخمسة اضعاف مما في الشمال، وعشرة اضعاف مما في الجنوب. هذه هي نسبة القوى التي تعكس سلم الاولويات الوطنية. «المستوطنات وضعت على رأس هذه الاولويات، وسكان الجليل وغلاف غزة بصعوبة كانوا في المؤخرة».

إن نقل القوات الكثيف الى الضفة بدأ في آذار 2022، في فترة حكومة التغيير برئاسة نفتالي بينيت، التي خشيت من موجة العمليات التي وصلت الى الخضيرة وتل ابيب، وردت بمضاعفة حجم القوات في المناطق وعلى خط التماس، من 15 الى 28 – 29 كتيبة (عملية «كاسر الامواج»). هذه القوات تم تخفيضها قليلا بعد ذلك عندما تقلصت العمليات داخل الخط الاخضر. في السنة نفسها عاد نتنياهو الى الحكم على رأس حكومة يمينية مطلقة واعلن في خطوطها الأساسية بأنه يوجد للشعب اليهودي الحق الحصري في «كل ارض إسرائيل». وقام بتعيين بتسلئيل سموتريتش وايتمار بن غفير في مناصب رئيسية. منذ ذلك الحين تم التوضيح بأن حماية المستوطنات هي المهمة العسكرية الأسمى.

بأثر رجعي اصبح من الواضح أن استغلال الجيش لحماية المستوطنات واخلاء منطقة الشمال ومنطقة الجنوب من الجنود، كان من العوامل الرئيسة للكارثة في 7 اكتوبر. العدو ادرك بشكل جيد الفرصة التي سنحت له. الشخص المتوفى من حماس، صالح العاروري، قال في مقابلة في نهاية آب بأن معظم قوة اسرائيل النظامية، 30 كتيبة، توجد في الضفة الغربية، وفقط قوات قليلة توجد في غزة. «هذا اعتبار عملياتي من اجل العمل الآن» (ترجمة الدكتور ماتي شتاينبرغ). لكن في اسرائيل لم يتم اجراء أي نقاش عام حول تطبيق نظرية الأمن. سواء في الحكومة أو الكنيست أو حركة الاحتجاج أو الاعلام لم يطرحوا الأسئلة حول انتشار الجيش ومعنى ذلك. فقد وثقوا واعتمدوا على أن كل شيء سيكون على ما يرام حتى بعد تحذير وزير الدفاع يوآف غالنت (علنا) ورئيس قسم الابحاث في الاستخبارات العسكرية (سرا) لرئيس الحكومة بأنه في القريب ستندلع حرب. تحذير العاروري تم تفسيره بأنه تبجح شخص ثرثار «يعرف لماذا يختبئ»، كما رد نتنياهو باستخفاف.

في السنة الماضية يبدو أن نتنياهو غارق في مواجهة مع رؤساء الأجهزة الأمنية وأجهزة الاستخبارات، في البداية بسبب الانقلاب النظامي الذي دفعه قدما، وبعد اندلاع الحرب في مسألة المسؤولية عن الفشل. لكن في لحظة الحقيقة، عندما تقرر أين سيضعون الكتائب وأين لا، فان الجيش خضع للمستوى السياسي بدون أي احتجاج أو خلاف. أيضاً في هذا الامر لا يوجد أي جديد. فبعد أن يتم تسريحهم من الجيش، بعض الجنرالات ورؤساء أجهزة الاستخبارات يندمون على الأخطاء التي ارتكبوها ويطلقون التصريحات ضد الاحتلال في المقابلات مع درور موريه («حراس العتبة»). لكن في الوقت الذي يكونون فيه بالزي العسكري وفي مكاتبهم فانهم يوافقون بتفهم على التوجيهات السياسية التي تضع على رأس المهمات حماية المستوطنين وسلامتهم وقمع الفلسطينيين. وحتى عندما كان الحساب البسيط يظهر لهم بأن النتيجة ستكون التنازل عن النقب والجليل.

--------------------------------------------

 

 

 

 

 

 

 

هآرتس 22/2/2024

 

 

إسرائيل: القاضي و”لاهاي” والدول والعالم… كلهم مذنبون

 

 

 

بقلم: جدعون ليفي

ليس هناك دول كثيرة تتوق إلى الكرامة والفخر الوطني مثل دولة إسرائيل. بدءاً بالألعاب الأولمبية ومروراً باليوروفيجن وانتهاء ببطولة العالم في لعبة النرد. أي فوز لإسرائيل في دور الثمانية في بطولة كرة الريشة يثير الفخر الوطني هنا، وأي ميدالية في بطولة التايكوندو في ألبانيا تجلب الكرامة، والميدالية الذهبية في مسابقة الطوق الجماعي وضعتها على خارطة العالم، وبطولة أوروبا في التزلج على الماء غيرت مكانتها. مغنية إسرائيلية سابقة تمثل لوكسمبورغ في مسابقة اليوروفيجن في هذه السنة؟ “هذا يعتبر فخر أزرق – أبيض”.

مشكوك فيه أن تكون هناك دولة أخرى تعتبر هذه الإنجازات الصغيرة مهمة لها بهذه الدرجة. كأن أي أحد في العالم يغير نظرته من كازاخستان بسبب أن أحد الرياضيين فيها فاز ذات مرة في مسابقة التزلج على الجليد. أما إسرائيل فتعتبر هذا حدثاً قومياً مرفقاً بمكالمة هاتفية من الرئيس مع الفريق. هذا التوق الصبياني للاعتراف كان يمكن أن يكون مؤثراً وحتى مثيراً للانفعال بدولة فتية تشق طريقها، لو أن إسرائيل لم تمس بكرامتها في المواضيع المهمة. لولا الإنجازات الرياضية والإنجازات في اليوروفيجن، تبدو إسرائيل دولة بدون كرامة. ربما تتخيل هي أن عيدن غولان ستغطي في مالمو على ما يحدث في خان يونس، لكن هذا بالطبع مجرد أمنية عبثية. لا يمكن التصديق كيف أن دولة تخشى كثيراً على كرامتها تتصرف وكأن مكانتها الدولية لا تهمها. الحرب في غزة أوصلت مكانتها إلى حضيض غير مسبوق، لكن إسرائيل أغمضت عينيها وفكرت بشكل صبياني بأنها إذا ما فعلت ذلك فلن يشاهدونها في عارها. هي لا تفعل أي شيء من أجل تحسين مكانتها وكرامتها، وتعيد لنفسها القليل من الفخر.

يصعب وجود دول أخرى أوصلها سلوكها مرتين متتاليتين في غضون بضعة أسابيع إلى لاهاي. الاتهام بالإبادة الجماعية ومناقشة الاحتلال مع تهمة لا يمكن تحملها، وهي أنه احتلال غير قانوني بشكل واضح.

ماذا بشأن إسرائيل؟ ترى البصق في وجهها مطراً، فتتهم القاضي بابن الزانية، والدول باللاسامية، العالم منافق وفظ، أما هي فلا ذنب لها في الاتهامات الموجهة إليها. حتى إن هذه الاتهامات لا تهمها. جميع القنوات المهمة بثت هذا الأسبوع جلسات المحكمة في لاهاي، ووحدها إسرائيل التي تجاهلتها. هذا أمر غير مهم. إذا أغمضنا العيون فلن يرونا! وإذا تجاهلنا لاهاي فهي إذن غير موجودة.

لكن لاهاي موجودة، وكان يجب أن تثير فينا الإحراج والخجل الكبيرين، بعد أن شاهد العالم غزة، وشاهد وأصيب بالغثيان، لا إنسان إلا وسيتصرف بهذا الشكل، جاءت النقاشات القانونية في لاهاي حازمة وراسخة وجدية فيما يتعلق بالإبادة الجماعية، بل وأكثر من ذلك فيما يتعلق بالاحتلال، لكن إسرائيل تتجاهل.

إسرائيل تنازلت عن بقايا شرفها، ولا يهمها إذا كانت دولة معزولة ومنبوذة، في الأصل العالم كله ضدنا.

ستحتل رفح، حتى لو أدى ذلك إلى دهورة مكانتها أكثر، وهي لن تشارك في نقاشات “لاهاي” حول احتلالها هي نفسها، حتى لو أثبت ذلك بشكل واضح بأن ليس لها خط دفاع. إسرائيل تنازلت عن بقايا شرفها، ولا يهمها إذا كانت دولة معزولة ومنبوذة، في الأصل العالم كله ضدنا، لذا من غير المهم كيف تتصرف، ما دام الأمر لا يؤدي إلى اتخاذ خطوات فعلية ضدها.

إضافة إلى التزويد بالسلاح والفيتو في مجلس الأمن وعدم فرض عقوبات حتى الآن، فإن للدولة، كما للشخص، ذخراً مهماً، وهو السمعة؛ لكن إسرائيل تنازلت عنها. ربما يئست من العالم، أو اكتشفت بأنه يمكن العيش بدونها. هذه سمعة ليست في اعتباراتها، قبل وبعد أي حرب.

كانت هناك سنوات كان هذا العالم نفسه يحب إسرائيل عندما كانت تتصرف كعضو في أسرة الشعوب. ربما العالم يكون ساخراً ويحب القوة فقط، كما تقول إسرائيل لنفسها، ولكن في العالم عدالة وقانون دولي واعتبارات أخلاقية ومجتمع مدني ورأي عام، وهذه أمور مهمة، على الأقل مثل المرتبة الثالثة، “المحترمة” في اليوروفيجن 2023.

---------------------------------------------

 

يديعوت أحرونوت 22/2/2024

 

 

الاستخبارات الإسرائيلية: لهذا نفذ السنوار هجومه في 7 أكتوبر

 

 

بقلم: نداف ايال

 

تبلورت في أسرة الاستخبارات الإسرائيلية صورة واضحة حول الأسباب التي أدت بحماس والسنوار إلى هجمة 7 أكتوبر.

الحجة الداخلية للسنوار المفعمة بأصولية عنيفة، أن كل السبل انقطعت. في مداولات الأشهر الأخيرة، أقنع هو ومقربوه أنفسهم بأن الوضع الراهن في الحرم [المسجد الأقصى] في خطر بسبب ممارسات اليمين المتطرف في الحكومة. وأن وضع السجناء الأمنيين يتدهور وسيتدهور ولا احتمال لتحريرهم إلا في حدث اختطاف عظيم. في ضوء التطبيع الذي كان قريباً مع السعودية، حدث رمزي وإقليمي عظيم، اعتقدوا بأن القضية الفلسطينية ستبقى في الخلف، وربما لأجيال. بالتوازي، بدأت منشورات عن نية إسرائيل العودة إلى التصفيات المركزة في القطاع؛ كان يفترض أن ينعقد كابينت في نهاية العيد، ونشرت الأمور وصدحت في وسائل الإعلام.

ساد تخوف لدى حماس في غزة، التقطته إسرائيل مراراً، من عملية إسرائيلية مفاجئة تبدأ بموجة تصفيات لمسؤولين كبار. إضافة إلى ذلك، اقتنع السنوار – مثل كل زعماء “محور المقاومة” – بأن إسرائيل ضعيفة وتنهار من الداخل. والإحساس بأن الانقلاب النظامي وردود الفعل عليه تمثل شقوقاً للنظام، شقت طريق كل وكلاء إيران في المنطقة.

واضح أن شخصية السنوار – ذكي، وحشي، جذري – ترتبط مباشرة بنجاح الهجمة المفاجئة للإبادة الجماعية على إسرائيل. التوصيات لتصفية زعيم حماس في قطاع غزة رفعت مرة تلو أخرى من قادة “الشاباك” السابقين يورام كوهن، ونداف ارغمان، ورونين بار (الذي بصفته رئيس شعبة العمليات في 2011 كتب خطة تصفية السنوار). وقرر المستوى السياسي، عملياً نتنياهو، الامتناع عن ذلك. خمس مرات على الأقل. اكتشف رئيس الوزراء بينيت، بالصدفة تقريباً، وجود إمكانية عملياتية كهذه، وبدأ يدفع الموضوع قدماً في ولايته القصيرة. بعد خطاب البلطات سيئ الصيت والسمعة لزعيم حماس (في ربيع 2022)، وعملية “إلعاد” في أعقابه، دفع “الشاباك” مرة أخرى إلى عمل مبادر به من إسرائيل يبدأ بقتل السنوار. الجيش الإسرائيلي عارض بشدة. غانتس، بصفته وزير دفاع، أعطى إسناداً كاملاً لموقف الجيش الإسرائيلي. لم يصر بينيت أكثر مما ينبغي؛ كما أن شريكيه غانتس ولبيد لم يرغبا في حرب. فقد كانا في المنصب لأشهر قليلة، ونفهم لماذا قبلا فكرة الجيش الإسرائيلي – المغلوطة، الوقحة – بأن حماس مردوعة في السنة التالية لـ “حارس الأسوار”. لكن ماذا سيقول نتنياهو، الذي فوت إمكانية كهذه مرة تلو أخرى؟ وعلى مدى سنوات طويلة؟ نتنياهو إياه الذي قرر تحرير السنوار من السجن، في صفقة شاليط؟ كلهم اعتقدوا بوفرة في الوقت. قادة إسرائيل كانوا مقتنعين بأن غزة تنبسط أمامهم مثل كف يد.

لا شك أن أسرة الاستخبارات ستستخلص النتائج. وكل قادتها أعلنوا أنهم سيتحملون مسؤولية شخصية. ما يخيف ويجمد الدم هو أن المستوى السياسي لم يبدأ بتفكير داخلي، قوي، حقيقي، تجاه أخطائه الصادمة.

---------------------------------------------

 

هآرتس 22/2/2024

 

 

لسموتريتش: دولتك هشة بين النهر والبحر.. وطابعها الاستيطاني سيجلب “المذبحة الكبرى”

 

 

بقلم: ديمتري شومسكي

 

“أولاً، الاستيطان يخلق الأمن. والجنود لا يحمون المستوطنين، بل المستوطنون هم القطاع الأمني لدولة إسرائيل، فلو كان هناك مستوطنون، لما حدثت مذبحة 7 أكتوبر”، قال وزير المالية بتسلئيل سموتريتش في مقابلة مع “أخبار كان” في بداية الشهر.

سموتريتش مخطئ ومضلل. في 7 أكتوبر كان هناك أيضاً مستوطنون في منطقة المذبحة، لكنهم لم يمنعوا حدوثها فحسب، بل وفقدوا حياتهم فيها. سكان النقب الغربي الذين قتلوا على يد الحيوانات البشرية الحمساوية، الذين اقتحموا أسوار سجن غزة، كانوا مستوطنين. هذا الأمر يسري على ضحايا وادي القتل في حفلة “نوفا”، الذين جاءوا إلى حفلة الموت من الأجزاء المختلفة للاستيطان الإسرائيلي بين البحر والنهر.

من عام 1967 فما بعد، ومنذ تحولت إسرائيل من دولة قومية مع حدود دولية إلى حركة قومية – استيطانية، شبه دولة، وجد معظم مواطنيها أنفسهم مشاركين في مشروع المضي بالاستيطان خلف الخط الأخضر، الهادف إلى إبعاد شعب محلي عن أرضه، والنتيجة الحتمية هي خلق الاحتكاك والمواجهات العنيفة والمستمرة مع هذا الشعب. أصبح الإسرائيليون في الـ 56 سنة الأخيرة مستوطنين، لا لأنهم يمولون مشروع الاستيطان في مناطق الـ 1967 بأموال الضرائب فحسب، بل لأنه في ظل غياب حدود سياسية معترف بها ومتفق عليها بين إسرائيل والشعب الفلسطيني فإن جميع الإسرائيليين في المقدمة، وبشكل نادر أيضاً غير اليهود، ضحايا محتملون للمقاومة العنيفة للاستيطان. في نهاية المطاف، أن تكون مستوطناً، الفئة شبه العسكرية أكثر مما هي مدنية، يعني أن تكون معرضاً لهجمات السكان الحاليين في الفضاء الذي يشكل هدفاً للاستيطان. بهذا المعنى، فإن المستوطنين هم المواطنون الذين يستوطنون في الضفة الغربية والمواطنون الإسرائيليون الذين هم داخل الخط الأخضر.

لقد كان يتوقع من سموتريتش وأتباع أيديولوجيا “أرض إسرائيل الكاملة”، الذين يتنون “حكم نتساريم مثل حكم تل أبيب” هو مفهوم ساري المفعول أيضاً بعد الانفصال عن قطاع غزة، كان يتوقع منهم الاعتراف بأن ضحايا 7 أكتوبر كانوا من المستوطنين، بالضبط مثل المستوطنين في “يهودا والسامرة” في الوقت الحالي، أو المستوطنين في “غوش قطيف” سابقاً. ولكن في حينه، كان على سموتريتش الاعتراف بحقيقة أن سكان كيبوتسات غلاف غزة هم مستوطنون لم تمنع فقط المذبحة، بل كانت في الحقيقة هي سبب حدوثها.

نتيجة لذلك، كان عليه الاعتراف أيضاً بأنه لولا الانفصال لكان مستوطنو “غوش قطيف” ضحايا مذبحة مثل التي حدثت في 7 أكتوبر. المعنى، إن الانفصال الحقير ربما هو ما أنقذ حياتهم. في نهاية المطاف، وبعد أن يعترف بكل ذلك، كان عليه التوصل إلى الاستنتاج المطلوب؛ أن التوق للعودة إلى إقطاع غزة أمر تافه أمنياً، وأن الطريقة الوحيدة لمنع المذبحة القادمة هي وضع حد للطابع الاستيطاني الهش لوجود إسرائيل بين البحر والنهر، من خلال تحقيق تسوية سياسية دائمة بين دولة إسرائيل ودولة فلسطين، بضمانة العالم الحر ودول المنطقة.

في خطابه في الكونغرس الصهيوني الـ 22 (16/12/1946) أحسن دافيد بن غوريون صياغة المبدأ الأساسي الواقعي – التاريخي، الذي يلزم الصهيونية: “فقط هكذا، مفهوم مناهض للصهيونية”، معنى ذلك، أن ما خدم أهداف الصهيونية في السابق، قد يقوضها في الحاضر، وأن على الصهيونية أن تعرف كيفية ملاءمة طرق عملها مع تغيرات الوقت. هذا الفهم ما زال يسري بشكل واضح بخصوص قضية الاستيطان. لا خلاف بأنه وقبل قيام الدولة، كان الحلم بالاستيطان يعتبر وسيلة حيوية لتحقيق الهدف السياسي الأسمى للصهيونية – تقرير المصير القومي للشعب اليهودي في أرض إسرائيل.

لكن في الوقت الحالي، بعد إقامة دولة إسرائيل، بات الاستيطان اليهودي غير المحدود في أرض إسرائيل يعرض أمن إسرائيل للخطر ويعمل على تآكل مكانتها الدولية إلى درجة نزع شرعيتها، وبذلك يساهم في تقويض أسس وجود الصهيونية. في الوقت نفسه، فإن الاستيطان وروحه المتغلغلة بين المواطنين اليهود في إسرائيل، تجعل المذبحة التالية للمستوطنين أقرب – خلف الخط الأخضر أو داخله. لذلك، فإن أيديولوجيا الاستيطان باتت في جذور الوجود اليهودي في دولة إسرائيل، ولذلك فإن كل من يضعون سلامة الدولة وأمن مواطنيها في مقدمة اهتماماتهم، عليهم شن حملة فكرية وسياسية مضادة لهذه الأيديولوجيا.

---------------------------------------------

 

إسرائيل اليوم 22/2/2024

 

 

مشترطة عودة “المحتجزين”.. إسرائيل للغزيين: “سنحترم” أول 10 أيام من شهركم المقدس

 

 

بقلم: يوآف ليمور

 

لأول مرة منذ نشوب الحرب، طرحت إسرائيل إنذاراً واضحاً لحماس: إذا لم تتقدم المفاوضات لتحرير المخطوفين وتنضج في الأيام القريبة القادمة، فسنطلق عمليتنا في رفح شهر رمضان.

لهذه الخطوة أهمية لعدة أسباب: الأول أن إسرائيل تأخذ بالمبادرة؛ فبعد زمن طويل كانت سلبية فيه وتنتظر رد الطرف الآخر، ها هي ترسم حدوداً واضحة لها تاريخ انتهاء أيضاً: الأحد، 10 آذار، بداية شهر رمضان. إذا تم عقد صفقة حتى ذلك الحين، فستؤجل رفح أسابيع وربما أشهراً، تبعاً لكمية المخطوفين الذين سيتحررون. وإلا فستفكك إسرائيل كتائب حماس في رفح الآن، مع كل الأثمان المرافقة لذلك.

السبب الثاني هو أهمية شهر رمضان للمسلمين بعامة، للفلسطينيين بخاصة في هذه الحالة. يتجمع اليوم في رفح نحو 1.4 مليون فلسطيني، معظمهم لاجئون من شمال القطاع وخانيونس، حيث سبق للجيش الإسرائيلي أن عمل. حملة في رفح ستستوجب تحريكهم إلى منطقة أخرى في القطاع وستشوش الفرصة بحياة اعتيادية للصلاة والإفطار في العيد. حملة كهذه ستحول رفح أيضاً بالضرورة – وكذا معسكرات الوسط التي لم يعمل الجيش بعد في بعضها – إلى منطقة حرب سيدفع السكان فيها ثمنها في الشهر الأقدس والأهم لهم في السنة. تأمل إسرائيل في أن يحقق هذا التخوف ضغطاً جماهيرياً – شعبياً في غزة، يدفع قيادة حماس للعمل على صفقة الآن.

السبب الثالث دولي. فإسرائيل لا تهدد فقط بل وتمد يدها أيضاً، وتقول عملياً إنها مستعدة لاحترام شهر رمضان – والتخفيف في أثنائه من ضائقة الفلسطينيين في غزة – على أن تحظى ضائقتها، وعلى رأسها المخطوفون، بتخفيف موازٍ. هذه جزرة مهمة سيكون من السهل على إدارة بايدن وحكومات أخرى في الغرب وزعماء العرب تسويقها كنجاح لهم في تقليص حجوم الحرب وأضرارها.

السبب الرابع، بل والأهم هو داخلي. فمنذ بضعة أسابيع وعائلات المخطوفين تشك في أن قضيتهم قد نحيت جانباً باسم أهداف أخرى. ويؤمن بعضها بأن بين وزراء الحكومة من هم مستعدون للتضحية بالمخطوفين كي لا يدفعوا الثمن الكامن في إعادتهم إلى الديار بإرجاء الحرب وبتحرير سجناء أمنيين. الآن، تزيل إسرائيل هذه الشكوك وتؤشر إلى أنها مستعدة لمد اليد نحو مفاوضات إلى اتفاقات محتملة في المستقبل.

إن الطريق إلى الصفقة لا تزال طويلة. حماس وضعت وستضع قيوداً، وستطالب بأثمان باهظة، بعضها سيثير خلافاً داخلياً في إسرائيل. لإسرائيل ما تخسره إذا لم تنفذ الصفقة: بحياة وسلامة المخطوفين، وكذا تآكل دولي لمكانتها ودعمها، بحيث من المجدي عدم الاستخفاف بأضرار ذلك الفورية والمستقبلية. بالمقابل، لحماس أيضاً ما تخسره: ليس فقط في استمرار استنزاف قوتها العسكرية وتفكيك مؤسساتها السلطوية، بل أيضاً بالمس بقاعدة الدعم الشعبي لها – الشعب الفلسطيني.

وعليه، فالصفقة مصلحة مشتركة للطرفين. يمكن لإسرائيل أن تحتمل أثمانها بوقف مؤقت للقتال وبتحرير سجناء، لأنها ستسمح لها بالقيام بواجبها لتحرير المخطوفين، وربما أيضاً لاستغلال الهدنة في القتال لأجل إعادة بعض من سكان الجنوب والشمال إلى بيوتهم (على فرض أن تكون في الشمال هدنة موازية) والبدء بإعادة بناء الاقتصاد.

---------------------------------------------

 

هآرتس 22/2/2024

 

 

رئيس الوزراء الأسبق أولمرت محذراً نتنياهو: ستفتح الباب على يأجوج ومأجوج

 

بقلم: إيهود أولمرت

الهدف الأسمى للثنائي، بن غفير وسموتريتش، ليس في المقام الأول احتلال قطاع غزة. واستيطان أرجاء قطاع غزة المدمر ليس هو المأمول لمجموعة الحالمين المسيحانيين الذين سيطروا على الحكم في دولة إسرائيل. غزة هي فصل المقدمة، والمنبر الذي تريد هذه المجموعة إقامته كأساس تدير فوقه المعركة الحقيقية التي يتطلعون إليها: المعركة على الضفة الغربية والحرم.

الهدف النهائي لهذه الزمرة هو “تطهير” الضفة الغربية من السكان الفلسطينيين، و”تطهير” الحرم [المسجد الأقصى] من المصلين المسلمين وضم “المناطق” [الضفة الغربية] لدولة إسرائيل. وطريق هذا الهدف مشبعة بالدماء، الدماء الإسرائيلية في الدولة وفي المناطق التي تسيطر عليها منذ 27 سنة والدماء اليهودية أيضاً في أرجاء العالم الواسع. بالطبع أيضاً دماء فلسطينية كثيرة، في المناطق والقدس، وإذا لم يكن هناك مناص، ففي أوساط عرب إسرائيل أيضاً. هذا الهدف لن يتحقق بدون مواجهات عنيفة وواسعة النطاق. حرب يأجوج ومأجوج، حرب الجميع ضد الجميع. في الجنوب وفي القدس وفي أراضي الضفة، وإذا احتاج الأمر، على الحدود الشمالية أيضاً.

هذه الحرب ستعزز الانطباع بأننا نناضل على حياتنا وعلى وجودنا. ومسموح فعل أمور غير محتملة في الحرب على الوجود، و”شبيبة التلال” [المستوطنون الأكثر تطرفاً] يثبتون كل يوم بأن الكثيرين في أوساطهم مستعدون لذلك. زمرة المشاغبين هذه نجحت في الانتصار في المرحلة الأولى قبيل الفوضى والحرب الشاملة التي يبدو أنهم يريدون اندلاعها هنا. فقد سيطروا على الحكومة الإسرائيلية وجعلوا من يترأسها خادماً لهم. إمكانية أن يحلوا الحكومة وإبعاد رئيس الحكومة عن إدارة شؤون الدولة ليست هذياناً، بل هي عملية تحدث بالفعل في هذه الأثناء، مرحلة تلو أخرى.

أولاً، لقد قرر بن غفير وسموتريتش التضحية فعلياً بالمخطوفين. بهدف منع احتمالية إنهاء العملية العسكرية الناجحة، التي حققت حتى الآن إنجازات مثيرة للجيش الإسرائيلي، حتى لو كان ذلك بثمن باهظ، من الواضح أننا بعيدون عن “النصر المطلق”. هذا النصر غير ممكن. وحتى لو استمرت العملية العسكرية لشهرين آخرين، فإن الثمن الذي ستجبيه لا يساوي “حلم” الانتصار الذي لا احتمال حقيقياً لتحققه.

استمرار العملية العسكرية الآن سيجر الجيش إلى داخل رفح، هكذا يأملون. هذه العملية ستعرض اتفاق السلام بين إسرائيل ومصر للخطر بشكل حقيقي وفوري. ولا شك أن مصر والأردن والإمارات والسلطة الفلسطينية والسعودية أيضاً، جميعها تأمل أن يتم القضاء على حماس وتحطيمها، لكن مصر تعرف أن هناك احتمالية كبيرة بأن استمرار العملية العسكرية الإسرائيلية سيوقظ الإخوان المسلمين من سباتهم. فقد رأت مصر في السابق كيف أن النظام المصري الذي فرض الانضباط العسكري من أجل وقف هذه الجهات الإسلامية المتطرفة، لم يستطع الوقوف أمام مظاهرة المليون في شارع التحرير في مركز القاهرة. وإن جهوداً كبيرة، بدعم هادئ من المجتمع الدولي، هو الذي مكن الجهات الأكثر اعتدالاً برئاسة الرئيس عبد الفتاح السيسي، من السيطرة على مقاليد الحكم في مصر وقيادتها كعامل سياسي وعسكري يساعد على الاستقرار في الشرق الأوسط.

عبد الفتاح السيسي والقيادة العسكرية لن يقوموا بمخاطرة قد تدهور مصر إلى فوضى يصعب الخروج منها. استمرار العملية العسكرية في رفح، التي فيها أكثر من مليون فلسطيني، هو الفتيل الذي سيشعل الشوارع في المدن المصرية، وربما في الأردن، وهي الدولة الأخرى التي علاقاتها مع إسرائيل حيوية لأمننا.

قبل تدهور الأحداث سنقف أمام عدد من الدول العربية المعتدلة، التي فقدت ما بقي من الثقة بالقدرة على إيجاد شبكة علاقات تقوم على التعاون مع إسرائيل.

ولكن حتى الولايات المتحدة، الحليفة التي هبت بشكل مثير للإعجاب لمساعدة إسرائيل في وقت أزمة غير مسبوقة، عندما كانت الحكومة تقلق ورئيسها فقد ما بقي له من القدرة على التقدير والشعور بالمسؤولية، ستقوم هي الأخرى بخطوات تقوض قدرة إسرائيل على مواصلة إدارة العملية العسكرية والسياسية، واستقرار اقتصادها.

في ذروة كل هذه الأحداث، قرر نتنياهو إشعال منطقة الحرم. عندما تبدأ أعمال الشغب حول حرية الصلاة للمسلمين في إسرائيل والفلسطينيين من الضفة الغربية والقدس، ستندلع موجة إرهاب واسعة. وثمة خطورة خاصة تنطوي على هذا القرار إزاء مظاهر المسؤولية والتضامن لمواطني إسرائيل العرب مع الضائقة التي تمر فيها دولتهم. بدلاً من احترام تضامن المجتمع العربي، يقوم نتنياهو وبن غفير بتحديه والتحريض ضده. أي شخص عاقل يرى بالتأكيد هذه الديناميكية الحتمية. وبن غفير وسموتريتش وآلاف “شبيبة التلال” العنيفين وآخرين كثيرين في “المناطق” [الضفة الغربية]، الذين ما زالوا يحافظون على مستوى من ضبط النفس، يدركون ذلك.

لا طريقة لتفسير سلوكهم عدا عن أن هذا هو ما يريدونه، وأن هذا ما يأملونه. وعند اندلاع موجة الإرهاب سيقول لنا هؤلاء الحالمون المسيحانيون بأنه يجب وقف الإرهاب بالقوة، هكذا ستندلع الحرب في مناطق “يهودا والسامرة كلها”.

حتى الآن لم نقل أي شيء عن الحدود الشمالية. يمكن محاولة التوصل إلى تفاهمات مع لبنان حول حل قضية الحدود، التي قد تهدئ النار التي اشتعلت هناك وجعلت عشرات آلاف الإسرائيليين يهربون من بيوتهم. الإدارة السليمة المتأنية وبدون تصريحات متبجحة وتهديدات لانهائية، ربما تخلق معادلة تمكن حزب الله من عرض صورة شكلية لإنجاز عن طريق حل النزاع الذي امتد لسنوات طويلة حول عدد من النقاط على خط الحدود الحالي، وتبرير انسحابه إلى ما وراء الليطاني. هذا الأمر سيمكن إسرائيل من إعادة الشعور بالأمان في أوساط سكان الجليل وعودتهم إلى بيوتهم لمدة 17 سنة أخرى من الهدوء، كما فعلت حرب لبنان الثانية.

لكن بن غفير وسموتريتش لا يريدان تهدئة الحدود الشمالية. الحرب هناك ستعزز الادعاء بأنه لا مناص من القضاء على كل الأعداء، في كل الجبهات وفي كل القطاعات، بأي ثمن. رئيس الحكومة يدرك النتيجة الحتمية للاستسلام الكامل لعصابة المشاغبين الذين يسيطرون على الحكومة. هو يرى ويعرف، لكنه يتعاون.

في نهاية المطاف (ربما في بداية المطاف) بات نتنياهو مستعداً للتنازل عن المخطوفين وتقويض اتفاقات السلام مع مصر والأردن، التي تعتبر لبنة جوهرية في البنية التحتية لأمن دولة إسرائيل. وهو مستعد لتقويض العلاقات مع الولايات المتحدة إلى درجة الأزمة المكشوفة مع الرئيس الأكثر التزاماً في التاريخ بدولة إسرائيل، جو بايدن. نتنياهو يدرك أن استمرار هذه المغامرة سيؤدي إلى عزلة إسرائيل في المجتمع الدولي كما لم تكن في يوم ما.

مهما كانت الأقوال صعبة، فلا مناص من قولها: يا نتنياهو، هذا المسار سينتهي بالكثير من سفك الدماء. انظر، لقد تم تحذيرك.

---------------------------------------------

 

يديعوت أحرونوت 22/2/2024

 

 

ماذا يعني انتقال المفاوضات حول “الصفقة” من القاهرة إلى باريس؟

 

 

بقلم: ناحوم برنياع

 

لا توجد صفقة مخطوفين، وثمة محافل مسؤولة تتحدث عن فرصة حتى 50 في المئة، لكن استئناف المفاوضات يبدو قريباً. وكما نشر لأول مرة في “واي نت” أول أمس، تحقق توافق يفترض أن يسمح باستئناف المحادثات، السبت، في باريس هذه المرة. الانتقال من القاهرة إلى باريس أكثر من مجرد تغيير للمكان. فالفكرة العامة هي العودة إلى الوراء، إلى مقترح الإطار الذي اتفق عليه في باريس في بداية شباط، والتقدم من هناك.

كما يذكر، ردت حماس على مقترح الإطار الذي تبلور في باريس بمخطط إطار خاص بها. ودار جدال في الجانب الإسرائيلي: قدر طاقم المفاوضات بأنه يمكن التقدم رغم موقف حماس الأولي الصعب؛ وهكذا اعتقد بعض من وزراء “الكابينت المصغر”، أما نتنياهو فاستخدم الفيتو. في البداية، رفض إرسال الطاقم الإسرائيلي إلى القاهرة؛ ولاحقاً وافق على إرسال الطاقم لكنه سحب منه التفويض وضم إليه بيبي ستر أحد موظفي مكتبه. كما صلّب المواقف في مواضيع جوهرية.

إن بشرى استئناف محتمل للمحادثات في باريس تتيح لكل طرف الادعاء بأنه كان محقاً. سيدعي نتنياهو بأن نهجه الرافض أفضى إلى مرونة في موقف حماس، وهو مصر على أنه المنتصر. وسيدعي آخرون بأن هذا لم يحصل قط: وصل السنوار في الأسبوعين الأخيرين إلى اعتراف بأن فضائل الصفقة تفوق نواقصها. وثمة مسيرة مشابهة وقعت أيضاً بين مقرر السياسة في إسرائيل. التغيير تكتيكي. وهو هش وقد يتغير.

ما الذي تغير؟ في جانب الوسطاء، شدد الأمريكيون الضغط على قطر وعلى إسرائيل على حد سواء. الأمريكيون مقتنعون بأنهم لن يتمكنوا من الوصول إلى الصفقة الكبرى، الإقليمية، بدون صفقة مخطوفين الآن. يخشى المصريون من أن يؤدي استمرار القتال في رمضان إلى انفجارات في الحدود مع القطاع وفي أعمال للإخوان المسلمين في أرجاء مصر على حد سواء. في الجانب الحماسي، السنوار هو الرجل الذي يتخذ القرارات. والمنشورات التي تقول إنه مقطوع الاتصال أو هرب من القطاع كانت وهمية لصحافيين أو دعاية كاذبة لمحافل في إسرائيل.

 أوضحت حكومات دول النفط للسنوار ولزملائه في قيادة حماس بأنهم إذا لم يخففوا حدة مواقفهم فلن يتلقوا منهم أموالاً ولا ملجأ لهم ولعائلاتهم. ترى المنظمة في هذا تهديداً وجودياً، كما أنه احتدمت مسألة المسؤولية عن مصير السكان في غزة عشية رمضان، وربما أيضاً مسألة البقاء الشخصي لقيادة المنظمة في غزة. أما الصفقة فستعطيهم بوليصة تأمين.

في الجانب الإسرائيلي، التخوف من اندلاع انتفاضة ثالثة بالضفة في رمضان عزز الطلب للتهدئة. الجيش الإسرائيلي بحاجة إلى هدنة سيستغلها للانتعاش وتسريح جنود الاحتياط وتعلم دروس الحرب.

العنصر الأهم الذي تغير هو الوقت؛ الوقت الذي وضع حياة المخطوفين في خطر شديد.

مخطط الإطار يؤدي إلى تبادل مخطوفين بسجناء، وهدنة تستمر بضعة أسابيع، وتغيير في مرابطة قوات الجيش الإسرائيلي داخل القطاع. التفاصيل – الكمية، الوقت، المسافة- لم يتفق عليها. والفوارق في المواقف الأولية كبيرة.

الوثيقة التي كتبها آيزنكوت لـ “الكابينت المصغر” والتي نشر “يرون أبراهام” قسماً من مضمونها في القناة 12، دعت للمضي بالصفقة. التقدير السائد هو أن من سربها أراد المس بالاثنين: بنتنياهو وآيزنكوت. من المشوق من يكون. وربما لم يرد المسرب إلا إفادة نفسه فقط.

---------------------------------------------

 

يديعوت أحرونوت 22/2/2024

 

 

خطأ إسرائيل الرئيسي بشأن المفاوضات مع حماس

 

 

بقلم: الدكتور يوفال بنزيمان

 

 

محاضر في برنامج أبحاث الصراع في الجامعة العبرية في القدس

 

إن الخلاف الأساسي بين إسرائيل وحماس في المفاوضات الجارية بشأن عودة المختطفين في غزة، يكمن في رغبة حماس في أن يؤدي وقف إطلاق النار إلى إنهاء الحرب، مقابل الموقف الإسرائيلي الذي يرى أن الحرب يجب أن تستمر بعد الاتفاق.

ومنطق الموقف الإسرائيلي واضح على ما يبدو، وهو بما أن أهداف الحرب لم تتحقق، فإننا نريد أن نرى المفاوضات مؤقتة وجزئية، وبالتالي يمكننا الاستمرار في تحقيق أهداف الحرب بعد ذلك. ولكن من المفيد أن نتوقف عند هذا الموقف، ونتساءل: هل هذه هي الرغبة الإسرائيلية فعلا؟ هل نريد استمرار الحرب؟ أليس من مصلحتنا أن نأتي إلى المفاوضات لإنهاء الحرب بالشروط التي نطلبها، بل المطالبة باستمرارها؟

وإذا فرضنا أن الحرب فرضت علينا، وأننا لم نرغب فيها، وأنه في ظل عدم تحقيق الأهداف حتى الآن، فإننا مضطرون إلى الاستمرار فيها، لذلك فإن القول بأننا نسعى جاهدين لإنهاء الحرب ربما يكون غير ضروري. لكن كان ينبغي للعملية القانونية في محكمة العدل الدولية في لاهاي أن تعلمنا أن الكلمات لها معنى، وبالتالي يمكن فهم الفعل نفسه بطريقة مختلفة تماما اعتمادا على تصريحات الزعماء. فهناك فرق كبير بين فتح المفاوضات تحت عنوان «نريد مواصلة القتال» وبين «نريد نهاية القتال، ولكن...». سيكون من الصعب الجدال ضد المجتمع الدولي عندما يطلب منا إنهاء القتال بينما نقول صراحة إننا نريد استمراره ولا نوضح ما الذي نحتاجه لإنهائه.

هذا الخطأ في إدارة المفاوضات ليس تفسيرياً تكتيكياً فحسب، بل إنه ينبع من عدم استعداد إسرائيل للتعامل مع «اليوم التالي»، وتحديد الطريقة التي تطمح بها إلى رؤية غزة بعد نهاية الحرب وربما ينبع حتى من عدم قدرة إسرائيل على تحديد ماهية سياستها منذ عام 1967 فيما يتعلق بالضفة الغربية. وفي غياب سياسة أو أفق أو خطة على المدى القصير والطويل من المستحيل أن نقول كيف ستنتهي الحرب ومثل التحركات الاجتماعية والسياسية والسياسية الأخرى التي أوصلت الواقع إلى حد التطرف في الأشهر الأخيرة، فإن الموقف الإسرائيلي في المفاوضات الحالية يصل بالأمور إلى حد العبث إسرائيل تسعى إلى التفاوض على وقف إطلاق النار على أساس مطلب استمرار إطلاق النار.

ومن الممكن بالطبع أن يعني وقف إطلاق النار لفترة طويلة توقف الحرب الفعلية، وأن يكون موقف الحكومة من «استمرار القتال» مجرد وهم. ولكن حتى لو كان الأمر كذلك ، أليس من الصواب لإسرائيل أن تدير المفاوضات، وفي حين أنها بدلًا من التظاهر بوقف مؤقت لإطلاق النار سيصبح دائماً في الواقع العملي، تسعى جاهدة للتفاوض على وقف دائم لإطلاق النار؟ ففي نهاية المطاف، إذا كان الشرط الرئيسي لحماس يتلخص في وقف دائم لإطلاق النار، فإن إسرائيل قادرة على استغلال هذا لتحقيق إنجازات أكثر أهمية، بدلًا من التنازل عن إنجازات أقل لمجرد أنها تدعي التوصل إلى اتفاق جزئي ومؤقت.

ومهما كان الأمر، سواء من حيث الطريقة التي تجري بها المفاوضات، سواء من حيث الظهور في العالم أو من حيث إرادة المجتمع الإسرائيلي، فمن الصعب فهم الموقف الإسرائيلي. لماذا الدخول في المفاوضات من موقف «استمرار القتال وليس من موقف وقف القتال بشروط معينة»؟

---------------------------------------------

 

"إسرائيل" تُجهز على المرافق الصحية في قطاع غزّة

 

مجلة "ذا نيشن" الأميركية، تشير إلى أنّ الأنظمة الطبية والصحية في قطاع غزّة بالكاد تعمل، والأمراض تتفشى، ويتم اختطاف العاملين في المجال الطبي وتعذيبهم وقتلهم، والعالم يُشاهد ذلك ولا يتحرّك.

 

ماري طرفة -  22/2/2024

قبل تشرين الأول/ أكتوبر 2023، كان لدي انطباع ساذج بأنّ الطب يُعد بمثابة مؤسسةٍ مُقدّسة عالمياً في زمن الحرب. وكنت أعتقد أنّ الاستهداف الصريح للبنية التحتية الطبية لن يتمّ التسامح معه، أو على الأقل ستتم إدانته بشكلٍ قاطع.

وقد توقّعت ذلك بناءً على النمط العام السائد. فقد نددت منظمة "أطباء بلا حدود" والجهات الفاعلة الدولية الأخرى بالهجوم الذي شنّته طائرات حربية أميركية على مستشفىً لعلاج الإصابات البالغة تابع للمنظمة في مدينة قندوز في أفغانستان عام 2015، والذي أسفر عن مقتل 42 شخصاً.

وعندما قدّمت الولايات المتحدة اعتذارها ووصفت ما ارتكبته بالـ"خطأ"، عبّرت رئيسة "منظمة أطباء بلا حدود" عن شكوكها، وأصرّت على أنّ المنظمة "بحاجةٍ إلى معرفة ما حدث والسبب الذي أدّى قصف مستشفى معروف في المنطقة منذ أربع سنوات، والذي يعالج آلاف الأشخاص"، والجهة التي زوّدت الجيش الأميركي بإحداثياته. وقد غطّت وسائل الإعلام الغربية هذا الرد غير الملائم بصورةٍ مُقتضبة.

قبل فترة، شهدنا في غزّة خلال الأشهر الأربعة الماضية محاولة للاستخفاف بهذه الردود المنددة. فهجوم "إسرائيل" على البنية التحتية الطبية يرقى إلى مستوىً واحد من الأهداف العسكرية القليلة الواضحة في هذا العدوان. وهذا أمرٌ منطقي، لأنّ التزام مهنة الطب بالحفاظ على حياة البشر يُضرّ بالتنفيذ الفعال لنوايا الإبادة الجماعية.

ووفقاً لتقرير منظمة الصحة العالمية الصادر في 30 كانون الثاني/ يناير 2024، لا يزال 13 مستشفى فقط من أصل 36 في غزّة يعملُ بشكلٍ جزئي. (هناك نحو 6120 مستشفى في الولايات المتحدة. ووفقًا لحسابات أولية، مع تجاهل التباين المذهل في ما يمكن اعتباره "يعمل جزئياً"، فإنّ هذا يُعادل تعرض 4080 مستشفى أميركي للضرر أو التدمير). وذكر التقرير نفسه أنّ 13 من أصل 77 مرفقاً للرعاية الصحية الأولية يعمل وأنه تم الإبلاغ عن 342 هجوماً على البنية التحتية للرعاية الصحية، على الرغم من أن العدد الفعلي يُرجح أن يكون أعلى بكثير، بما أنّ التقارير الواردة من شمالي غزّة محدودة بشكلٍ مُتزايد.

بالإضافة إلى ذلك، قتلت القوات الإسرائيلية 627 عاملاً في مجال الرعاية الصحية حتى الآن، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية. وتعرّضت 47 سيارة إسعاف للأضرار أو للتدمير من خلال الاستهداف المباشر، وغالباً ما كان ذلك أثناء نقل ضحايا الغارة الجوية الإسرائيلية الأخيرة إلى المستشفى. وفي بعض الأوقات، تعتمد النساء في فترةٍ المخاض على الحمير لنقلهنّ إلى المرافق الطبية علماً أن هذه الحيوانات ليست في منأىً عن الاستهداف.

هذه البنية التحتية المُدمّرة من المفروض أنها تتعامل اليوم مع واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العصر الحديث. ففي التاسع من تشرين الأول/ أكتوبر، أصدر وزير الحرب الإسرائيلي، يوآف غالانت أمراً مخزياً يقضي بفرض "حصارٍ كامل" على غزّة، مضيفاً بأنّه "لن تكون هناك كهرباء، ولا طعام، ولا وقود، وكل شيء سيكون مغلقاً".

ونتيجة لذلك، فإنّ 95% من 600 ألف شخص يواجهون المجاعة في جميع أنحاء العالم في الوقت الحالي موجودون في غزّة، بحسب الأمم المتحدة. كما تتفشى الأمراض المعدية بسبب التدمير المتعمد للبنية التحتية المدنية في غزّة، بما في ذلك وسائل الصرف الصحي الأساسية، وتجمّع ملايين الأشخاص في جيوب متضائلة من البلاد. (من المستحيل هنا أن أطلب من القارئ أن يتجاهل الصدمات والقنابل، وأن يركز بدلاً من ذلك على الأوبئة، التي أشاد جنرال إسرائيلي متقاعد واحد على الأقل بانتشارها باعتبارها أداةً حاسمة في المعركة).

وفي أواخر كانون الأول/ ديسمبر، أفادت منظمة الصحة العالمية عن توافر مرحاض واحد لكل 480 شخصاً في غزّة. وتمّ الإبلاغ عن ثمانية آلاف حالة جديدة مصابة بالتهاب الكبد (أ) ونحو 45 ألف حالة طفح جلدي جديدة، فضلاً عن عشرات الآلاف من حالات التهابات الجهاز التنفسي الجديدة و165 ألف حالة جديدة مصابة بالعدوى المسببة للإسهال، من ضمنها ما يزيد عن 85 ألف حالة لدى الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 5 سنوات.

واليوم، وبسبب الحظر الإسرائيلي على أدوات التشخيص، والأهم من ذلك، منع الوصول الآمن إلى المستشفيات، لا يُمكن تشخيص الكثير من الأمراض المعدية بصورة رسمية. وفي حال تمكن الناس من الوصول إلى مرفق للرعاية الصحية أصلاً، فغالباً ما يكون العلاج غير متوافر، حتى بالنسبة لأمراض مثل الكوليرا (التي تسبب الإسهال المائي الحاد) التي يكون علاجها بسيطاً إلى حدٍ ما ويتمثّل في معالجة الجفاف.

هذا وتُعاني الكثير من مستشفيات غزّة من نقصِ السوائل الوريدية، وهي السوائل الأساسية في مجموعة أدوات الإنعاش التي يستخدمها الطبيب. وحتى لو حاول شخص ما معالجة الجفاف عن طريق الفم في غزّة، فمن المحتمل أن يُواجه صعوبات، بما أنّ "إسرائيل" تحدّ من دخول المياه إلى غزّة وتسمح بنحو لترٍ واحد للشخص الواحد (وهذا يشمل مياه الاستحمام والطهي وغيرها من الأمور. في المقابل، توصي منظمة الصحة العالمية بما لا يقل عن 15 لتراً للشخص الواحد يومياً، على الرغم من أنّ المواطن الأميركي العادي يستهلك نحو 300 لتر يومياً). وكانت "إسرائيل" قد استهدفت محطات تحلية المياه الثلاثة المتواجدة في غزة في وقت مبكر من الحرب، وحتى قبل تشرين الأول/ أكتوبر، لم تكن 97% من مياه الصنبور في غزة صالحة للاستهلاك.

وعلى أيّ حال، هذه ليست قائمة شاملة بالأهوال الطبية في غزّة. وللقراء المهتمين، ظلّت منظمة الصحة العالمية تنشر هذه البيانات منذ بداية الهجوم على غزّة، مع تضمين توصيات في نهاية كل وثيقة. ففي الثامن من تشرين الأول/ أكتوبر، تضمّن نص المداخلة الأول الموصى به "الوقف الفوري للأعمال العدائية". وفي 30 كانون الثاني/ يناير، تضمّن بيان المنظمة توصية تقضي بـ"وقفٍ فوريّ لإطلاق النار".

شكّلت تداعيات قصف المستشفى الأهلي في 17 تشرين الأول/ أكتوبر لحظة فاصلة ومهمة واختباراً حقيقياً للإنسانية. فقد فوجئت برؤية وسائل الإعلام الغربية تدين ما بدا وكأنّه هجومٌ إسرائيلي، حتى قبل إجراء تحقيق ميداني (والذي رفضته "إسرائيل"). واستقرّ العدد النهائي للقتلى عند 471 شخصاً، وهي مذبحةٍ وقعت في إحدى المستشفيات، عندها تساءلت بحذر عمّا إذا كانت هذه هي نقطة التحوّل في النهاية.

وفي أعقاب الاستهداف مُباشرةً، عقد الأطباء الفلسطينيون مؤتمراً صحفياً خارج المستشفى، حيث كانوا يُعالجون المرضى. ووقفوا محاطين ببحرٍ من الجثث (الشهداء) المُغطاة ببطانيات شتوية ملونة، في محاولة للحفاظ على كرامة الضحايا من دون التقليل من قدرة المشاهد على استيعاب فظاعة الجريمة المرتكبة.

عقب ذلك، تراجع الإعلام عن وصفه ما جرى بالـ"هجوم" واستخدم مصطلح "انفجار" للإيحاء بأنّ ما حصل ناجم على الأرجح عن صاروخ فلسطيني انحرف عن مساره. وأنتج "الجيش" الإسرائيلي مقطعاً صوتياً زعم من خلاله  أنه اعترض الصاروخ الصادر عن ميليشيات فلسطينية، وقد تمّ كشفه بسهولة على أنّه مُزيف. وقد أجرت وسائل الإعلام وجمعيات حقوق الإنسان تحقيقات، توصل الكثير منها إلى استنتاجات مختلفة بشكلٍ كبير حول ما حدث وعلى عاتق من تقع مسؤوليته، وتواصل نشر التقارير المتعلقة بهذه الحادثة.

بعد ذلك، وُضعت هذه القصة في الدرج إلى جانب المجازر الأخرى المرتكبة. إلّا أنّ الإدانة الأولية للهجوم كانت أيضًا بمثابة دعوة للناس للضغط من أجل تحقيق نتائج مُجدية في الحالات التي لا يكون فيها أي مجال للشك حول مسؤولية "إسرائيل".

وبعد حادثة المستشفى الأهلي المعمداني توالت الهجمات الواحدة تلو الأخرى على المستشفيات الأخرى من دون مساءلة الطرف المسؤول مطلقًا. وقد كانت "إسرائيل" وقحة في انتهاكها للقانون الدولي وثابتة في التزامها بقطع شرايين الحياة في غزّة. وقد نفذت هذه الهجمات إلى حدٍ كبير مع الإفلات من العقاب. وكشفت التغطية الإعلامية الغربية (أو غيابها) لهذه الهجمات عمّا يمكن التسامح معه، فضلاً عن الكيفية التي يُمكن بها نسج ونشر هذه الوسائل المروعة لخدمة غايات معينة مثل التطهير العرقي أو الإبادة الجماعية. وفي الـ12 من شباط/ فبراير، تصدّر صحيفة "نيويورك تايمز" العنوان الرئيس، التالي: "نفق يقدّم أدلّة حول كيفية استخدام حماس لمستشفيات غزّة". وهو عنوانٌ مُغاير لذاك الذي سبق أن تمّ وضعه والذي يفيد بأنّه عندما تقصف "إسرائيل" المستشفيات، فإنّ ذلك لا يُشكّل جريمةً واضحة على الإطلاق.

وتعود الهجمات الإسرائيلية على مستشفيات "العدو" على الأقل إلى حصار بيروت في عام 1982. وفي الهجمات السابقة على غزّة، غالباً ما استهدفت "إسرائيل" الأطباء خلال نومهم، عن طريق انهيار كتلة قاتلة من الخرسانة، عادة ما تكون على شكل منزل متعدد الطوابق، فوق رؤوس الأطباء وعشرات الأفراد من أسرهم. أمّا في الوقت الراهن، فإنّ الفرق يتعلّق بضخامة وإلحاح الحاجة إلى الانتقام. أمّا الهدف فلا يختلف عن ذاك أيام النكبة، على الرغم من تطور الوسائل والمنهجيات بشكلٍ كبير.

وخلال الأشهر الأربعة الماضية، تمّ اقتحام أجنحة قسم الولادة وغرف العمليات، وأُمطرت مستشفيات الأطفال بالفوسفور الأبيض، وتمّ قصف مراكز سرطان الأطفال وإخلاؤها. كما استُهدفت الألواح الشمسية في المستشفيات تزامناً مع منع دخول الوقود إلى غزّة. وقد أعلنت مُنظّمة الصحة العالمية أنّ أكبر مجمع طبي في غزّة، وهو مستشفى الشفاء، بات "أقرب إلى مقبرة" في أوائل تشرين الثاني/ نوفمبر، حيث ساعد الأطباء في حفر مقابر جماعية في باحة مجمع المستشفى، وتمّت مُحاصرة المبنى بالدبابات والعساكر. وفي الوقت الذي تمّ فيه التقاط عبارة "شبه مقبرة" وتداولها عبر وسائل الإعلام الأميركية، ردد الصحافيون أيضاً الدعاية الأميركية والإسرائيلية القائلة إنّ "هذه المستشفى كانت وكراً للإرهابيين".

في غضون ذلك، جرى اعتقال أطباء عاملين في مستشفيي الشفاء وكمال عدوان، ولا سيّما أولئك الذين حصلوا على تدريب متخصص، وتم نقلهم إلى أماكن غير معلنة واستجوابهم وتعذيبهم و/أو إخفائهم. وحتى كانون الثاني/ يناير، اعتقلت القوات الإسرائيلية في غزّة ما لا يقل عن 61 عاملاً في مجال الرعاية الصحية، بما في ذلك مدراء المستشفيات. وحتى تاريخ كتابة هذا المقال، لا يزال مكان المديرين الطبيين للمستشفيات الثلاثة المذكورة أعلاه (وهم على التوالي، الدكتور أبو سلمية، والدكتور الكحلوت، والدكتور مهنا) مجهولاً، وذلك بعد أسابيع من اختطافهم أثناء معالجتهم للمرضى.

وخلال مقطع فيديو عُرض أوائل شباط/ فبراير، تحدّث الدكتور سعيد معروف، طبيب الأطفال الذي تمّ احتجازه كرهينة أثناء عمله في المستشفى الأهلي، عن أساليب التعذيب المختلفة التي شهدها ويُشير وجهه المتعب إلى تعرّضه لإهانات لم يرغب في الإفصاح عنها. وأشار إلى أنّه بقي معصوب العينين ومقيد الساقين لمدة 45 يوماً. وهو يعاني حالياً من تنميل في يديه ويواجه صعوبة في الوقوف، وقد فقد أكثر من 50 رطلاً من وزنه. ومع ذلك، عاد فور إطلاق سراحه إلى المستشفى لرعاية مرضاه، على الرغم من المخاطر التي كان يعرفها جيداً. وفي الفيديو، اغرورقت عينا معروف عندما ذكر بأنه يجهل مكان زوجته وأطفاله الخمسة.

هذا وتستمر الهجمات بلا توقف. ففي 13 شباط/ فبراير، أي بعد يوم واحد من تبرير عنوان صحيفة "التايمز" المذكور أعلاه ضمنياً لهجمات "إسرائيل" المتواصلة على المستشفيات الفلسطينية، تمّ تداول مقطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي يُظهر رهينة فلسطينية تخاطب المشردين داخلياً الذين يبحثون عن مأوى في مستشفى النصر، وهو المستشفى الرئيس في خان يونس، والذي أصبح منذ ذلك الحين أكبر مستشفى لا يزال يعمل في قطاع غزّة بأكمله. وكان الخاطفون الإسرائيليون قد أرسلوا الرجل ليُحذّر من أنّ مستشفى النصر تشكّل هدفهم التالي. كما تم تداول مقطع فيديو آخر بعد ساعات للرجل داخل كيس الجثث (الشهداء)، بعد أن تمّ قنصه قبل مغادرة بوابات المستشفى وتنفيذ ما طُلب إليه.

وفي هذا الوقت، انطلقت رسالة من جرّافة إسرائيلية مُتموضّعة خارج مستشفى النصر، تقول: "اخرجوا يا حيوانات". وأكّد الدكتور هيثم أحمد، طبيب الطوارئ المتواجد في المستشفى "أننا نعيش حالة من الخوف والقلق وسط محاولات لإخلاء السكان الذين لجأوا إلى المستشفى. وقد أصيب العديد من المدنيين برصاص القناصة، وأغلبهم داخل حدود المستشفى". بالإضافة إلى ذلك، احتجزت القوات الإسرائيلية أحمد وأطباء آخرين كرهائن عندما داهمت مستشفى النصر، وقُتل الكثير من المرضى. واستهدفت طائرة مسيّرة الدكتورة إسراء أبو رجاء، التي كانت تقود مجموعة من الأشخاص الذين تم إجلاؤهم إلى رفح، وأصيبت بجروح خطيرة. ورغم ذلك، لم يتم تقديم أي تفسيرات، ولم تطلب وسائل الإعلام التقليدية أيّ تبرير من "إسرائيل". وبحسب منظمة الصحة العالمية، فقد بات مستشفى النصر حالياً خارج الخدمة.

وفي الوقت الذي يتركّز فيه الاهتمام الدولي على قطاع غزّة، تواصل الحملات العسكرية الإسرائيلية ضدّ البنية التحتية الطبية في الضفة الغربية توسعها. فقد اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي مستشفى ابن سينا ​​في جنين بتاريخ 30-1-2024، مُتنكرين بزيّ أطباء وممرضين ومرضى بهدف الدخول واغتيال مريض مشلول جزئيًا ومرافقيه في أثناء نومهم. وبرّرت "إسرائيل" فعلتها بأنها كانت تطارد "الإرهابيين" (المقاومين)، كما كان متوقعاً.

وفي هذا السياق، قال الدكتور توفيق الشوبكي، رئيس قسم الجراحة في مستشفى ابن سينا، بأنّ المداهمة كانت أكثر إثارة للقلق لأنها شكلت سابقة خطيرة أخرى. ففي الماضي، استهدف الإسرائيليون سيارات الإسعاف في الضفة الغربية ومنعوا المرضى من الوصول إلى المستشفى، أو حاصروا الأشخاص بداخلها. كما دخلوا المستشفيات بالزي العسكري، بل وتنكروا في زي المرضى للقيام بالاعتقالات. لكن التنكر في هيئة طاقم طبي لقتل الناس كان أمراً جديداً.

ومع تصاعد حدّة القتال بين لبنان و"إسرائيل" من حرب مُنخفضة الشدة إلى حرب متوسطة الشدّة، هدد غالانت المدنيين اللبنانيين، قائلاً: "ما نستطيع أن نفعله في غزّة، يمكننا أن نفعله في بيروت". ومن بين الأمور التي أظهرت "إسرائيل" أنها تقوم بها بشكلٍ جيد للغاية استهداف البنية التحتية الطبية. وفي حال لم يتغير شيء، فليس من غير المعقول أن نفهم تهديدات غالانت بتضمين تدمير مستشفيات بيروت واستهداف الطواقم الطبية اللبنانية في حرب مستقبلية محتملة.

إنّ الهجمات التي تستهدف البنية التحتية الطبية الفلسطينية لم تُعدّ "صادمة" بعد اليوم، إذا قمنا بقياس مستوى الصدمة بما يتناسب مع سخط وسائل الإعلام الرئيسة. ففي وصفها لاستهداف البنية التحتية الطبية والعاملين في مجال الرعاية الطبية في غزّة، تمتنع وسائل الإعلام عادة عن النظر في احتمال أن تكون هذه الهجمات موجهة ضد المستشفيات وسيارات الإسعاف والأطباء في حدّ ذاتها، كما يفعلون في ما يتعلق بالغارات الجوية الروسية، وذلك بذريعة "مطاردة حماس". وهو أمرٌ واضح بشكلٍ كافٍ لأولئك الذين يرغبون في رؤية ما يجري على أرض الواقع؛ فعلى سبيل المثال، تُعدّ الهجمات الإسرائيلية ضد البنية التحتية الصحية في غزة ممنهجة بما يكفي لتبرز بشكلٍ جليّ كدليل مقنع على الإبادة الجماعية الوارد ذكرها في القضية التي رفعتها دولة جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية.

المُحصّلة: تمّ تكريس سابقة خطيرة لا تُبشّر بالخير في مستقبل الحروب الحديثة، ولا سيّما في خدمة الإمبراطورية. وستصبح نقطة التحول سابقةً إذا واصلنا المضي قدماً بدلاً من تغيير مسار الحرب. نحن نجد أنفسنا في عالمٍ جديد أشدّ قسوةً ووحشية بلا حدود. فما هي الخطوط الحمراء التي لا يجب تجاوزها؟ ومتى نقول "كفى" أو بالأحرى ما الذي يُمكننا فعله بشكلٍ مُختلف حتى يصبح تعريف "لن يحدث مرة أخرى أبدًا" بعيدًا عن متناول الأشخاص الذين يصرون على تكرار ذلك مرّة أخرى، بل ويفعلون ما هو أسوأ من ذلك؟

 

وقد غرّد الطبيب النفسي الفلسطيني في غزّة الدكتور مصطفى المصري في 6 شباط/ فبراير، قائلاً: "قد يبدو أنّ ما يجري يتكرر، لكن أتمنى ألا تعتادوا عليه أبداً: الاعتداء [الإسرائيلي] على المرافق الطبية مُستمرّ. وقد تمّ إخلاء مستشفى الأمل في خان يونس جنوبي قطاع غزّة قسراً، ولم يتمكّن بعض الأطباء من مغادرته وأنتم على علمٍ بما سيجري لاحقاً". آمل بألّا تعتادوا على هذا الوضع!

------------------انتهت النشرة------------

أضف تعليق