26 نيسان 2024 الساعة 18:40

ما الفرق بين سياسات ترامب وبايدن؟

2020-10-15 عدد القراءات : 566
أفاد آخر استطلاع للرأي أجرته صحيفة «واشنطن بوست» وشبكة «إيه بي سي نيوز» عن تقدّم المرشح الديمقراطي جو بايدن على الرئيس الأميركي دونالد ترامب بفارق مريح، إذ أظهر أن 54% من الناخبين المحتملين يفضّلون بايدن، فيما 42% يفضلون ترامب. بينما حصل مرشح «الحزب التحرري» جو جورغينسن على 2%، ومرشح «حزب الخضر» هووي هوكينز على 1%.
وحسب الاستطلاع الذي نشرت نتائجه أخيراً (10/10)، فإن ترامب فشل في تقليص الفارق مع بايدن بعد سلسلة من الأحداث؛ شملت المناظرة الرئاسية الأولى، والمناظرة بين نائب الرئيس مايك بنس والسناتور الديمقراطية كاميلا هاريس، وإصابة ترامب بفيروس كورونا، التي أدّت إلى الغاء المناظرة الرئاسية الثانية، وبقيت مناظرة أخيرة في 22 من الشهر الجاري.
وأظهرت استطلاعات سابقة تفوّق بايدن حتى بين الأميركيين البيض، المحسوبين تقليدياً على «الجمهوريين». في حين يعتبر أنّ «الديمقراطيين» يمثلون التعددية الاثنية والدينية والثقافية في البلاد. ويشكل البيض نسبة 77% من عموم الأميركيين، وأكثر من 80% من نسبة المقترعين. وكان ترامب تفوق بين البيض بنسبة 7% خلال انتخابات عام 2016، لكن استطلاعات الرأي تظهر اليوم تخلّفه عن منافسه «الديمقراطي» بواقع نقطتين.
وعزا محللون تدهور شعبية ترامب بين البيض إلى أدائه في مكافحة انتشار وباء كورونا، وهو الوباء الذي تأثر به سلباً ملايين المواطنين والشركات، وحصد أرواح الآلاف من الأميركيين البيض المتقاعدين، ممن يسكنون في دور عناية خاصة بكبار السنّ.
وقد حمل إعلان الرئيس الأميركي (2/10)، بخصوص إصابته بفيروس كورونا أخباراً غير سارة لحملته الانتخابية. وخلّف تساؤلات جدية حول إمكانية استفادة غريمه الديمقراطي من هذا الأمر، في ظل الانتقادات التي وجّهت لترامب في تعامله مع الوباء، وتشكيكه في الاحتياطات التي أوصى بها الخبراء لتجنب العدوى. وذكّرت بعض الصحف الأميركية بأن ترامب كرّر غير مرة بأنه يتوقع «نهاية الفيروس واختفاءه قريباً»، كما أنه شكّك بآراء خبراء الصحة في إدارته، قائلاً إنه «يُحسّ بأنه يعرف أحسن منهم»!، فضلاً عن عدم التزامه بارتداء الكمامات، ولا بقواعد التباعد الاجتماعي.
اسفاف وتبادل إهانات
وفي نظر كثير من المراقبين، كشفت المناظرة الأولى في السباق الرئاسي عن مدى الإسفاف الذي وصل إليه المتنافسان بعد انزلاقهما إلى تبادل الاتهامات والإهانات الشخصية، بدلاً من تقديم مقاربات محددة تجاه عدد من القضايا الساخنة التي تهمّ الجمهور الأميركي والعالمي؛ مثل السياسة الاقتصادية، والحق في الرعاية الصحية والتعليم، والتحديات العرقيّة التي تسمّم السّلم الأهلي، إضافة إلى الحروب التجاريّة المفتعلة مع بعض الدول، وفي مقدمها الصين، وكذلك قضايا تلوث المناخ والهجرة وغيرها من المسائل الإستراتيجية، التي تمسّ الولايات المتحدة وبقيّة دول العالم.
شاغر المحكمة العليا
ومن القضايا التي اهتمت بها المناظرة قضية تعيين قاضية جديدة في المحكمة الفدرالية العليا، خلفاً لروث غينسبورغ التي توفيت منذ أشهر. ويراهن ترامب على تعيين قاضية «جمهورية» لتعزيز كفة حزبه داخل المحكمة العليا، واستنهاض مؤيديه ورفع شعبيته، وخصوصاً بين البيض، في حين يرى بايدن أن «تعيين القاضية البديلة يجب أن يأتي بعد الانتخابات، لا قبلها».
وقبل وفاة غينسبورغ، كان توزيع القضاة التسعة ينقسم إلى خمسة جمهوريين وأربعة ديموقراطيين، وإذا استبدلت بقاضية «جمهورية»، يصبح التوزيع ستة إلى ثلاثة، وهو ما يمنح الجمهوريين تفوقاً، وإمكانية الحكم وفقاً لرؤيتهم تجاه بعض القضايا المثارة أمام المحكمة.
ومن أبرز الأحكام المتنازع عليها تلك المتعلقة بنسف أو إبقاء قانون الرعاية الصحية المعروف بـ «أوباما كير»، والقانون المرتبط بالإجهاض الذي يؤيده الديموقراطيون ويعارضه الجمهوريون، والقوانين المتعلقة بالأحوال المدنية لمثليي الجنس، الذي يعارضه الجمهوريون ويؤيده الديموقراطيون أيضاً.
القضية العرقية
كما تناولت المناظرة القضية العرقية، حيث وجّه بايدن انتقادات لاذعة لمنافسه معتبراً أنه «جعل أميركا أكثر انقساماً وضعفاً وفقراً، في حين تضاعفت ثروات أصحاب المليارات». وأوضح بايدن أنّ «معظم ضحايا كورونا كانوا من الأميركيين ذوي الأصول الأفريقية»، مشيراً إلى «ظلم ممنهج في تطبيق القانون».
أما ترامب فرأى أنّ إدارته «تعاملت مع الاحتجاجات العرقية وفقاً للقانون»، واتهم «الديمقراطيين واليسار الراديكالي بقيادة الاحتجاجات العرقية»، معتبراً بايدن «دمية في يد اليسار الراديكالي»!.
الاقتصاد
واتضح خلال المناظرة أنّ المرشحيّن يعرضان برنامجين اقتصاديين متناقضين، لاسيما بشأن الضرائب، حيث يعتزم ترامب مواصلة تخفيضها في حال فوزه بولاية ثانية، فيما يريد بايدن زيادتها. وقد هاجم الأخير سياسات خصمه الضريبية، التي استفاد منها، خصوصاً، الشركات الكبرى وكبار الأثرياء الذين ضاعفوا أرباحهم وراكموا المزيد من الثروات بسببها.
وأعلن بايدن أنه يريد من الشركات الكبرى وكبار الأثرياء أن يدفعوا ضرائب إضافية بقيمة أربعة تريليونات دولار خلال السنوات العشر المقبلة، لإعادة توظيف هذه الأموال في برامج رعاية اجتماعية وفي التعليم، وكذلك في إعادة تأهيل البنى التحتية المترهلة التي تحتاج إلى تحديث. ورأى الخبراء أن الأسر ذات الدخل الضعيف والمتوسط ستستفيد من سياسة المرشح الديمقراطي، الذي يُعرّف عن نفسه كـ«مرشح الطبقات الوسطى».
رؤيتان متناقضتان
وقبل المناظرة، كان مؤتمرا الحزبين الديموقراطي والجمهوري، اللذان عقدا في نهاية شهر آب/ أغسطس، عرضا رؤيتين متناقضتين حول واقع الولايات المتحدة، الذي يعاني من جائحة خطيرة، وأسوأ أزمة اقتصادية يمرّ بها منذ عقود.
ورسم الديموقراطيون صورة قاتمة للبلاد في حقبة الرئيس ترامب على خلفية اخفاقه في القيادة، التي أدّت إلى «هدر أرواح الأميركيين وتهديد أرزاقهم»، كما قالت السناتور هاريس المرشحة لمنصب نائب الرئيس. واعتبر الخطباء الديموقراطيون أنّ كل ما يفعله ويمثله الرئيس ترامب «يتناقض ويخالف الأعراف والتقاليد والقوانين والقيم الأميركية»!.
وفي المقابل، اعتبر الجمهوريون أنهم «يمثلون الوطنية الأميركية والتعلق بالأمن والنظام، والتمسك بالحقوق الدستورية»، وأبرزها التعديل الذي يسمح للمواطن باقتناء الأسلحة النارية.
واتفق الخطباء «الجمهوريون» على وصف الحزب الديموقراطي بأنه «متطرف ويساري، وحتى ماركسي»، وبأنه يسعى لـ«تقويض القيم والتقاليد الأميركية، وتهديد الأمن والنظام، وفتح الحدود الأميركية للهجرة غير المضبوطة». وادّعى هؤلاء أن «عودته إلى البيت الأبيض تعني أن الفوضى ستسود في البلاد»، وذلك على خلفية احتجاجات التمييز العنصري غير المسبوقة منذ حركة الحقوق المدنية، خلال ستينات القرن الماضي.
السياسة الخارجية
ومع احتدام السباق الرئاسي، جعل ترامب من قضية «تقليص وجود القوات الأميركية في الخارج قضية مركزية في حملته الانتخابية». وهو لطالما انتقد «الحروب الأميركية التي لا نهاية لها». وعلى رغم ذلك، وجد نفسه مجبراً على «عدم الالتزام بتعهداته السابقة بانسحاب كلي من العراق» على خلفية النزاع مع إيران ذات الحضور القوي في الساحة العراقية.
أما بايدن، فدعا كذلك إلى ضرورة تقليص عدد قوات بلاده في العراق، لكنه رأى أنه «سيحتفظ بوجود صغير للقوات الأميركية في العراق وأفغانستان.
ولئن اتفق الطرفان على مسألة خفض عديد القوات الأميركية في العراق، إلا أنهما كانا على طرفي نقيض في ملفات أخرى، لعلّ أبرزها الملف الإيراني، حيث يتبنى المرشح الديمقراطي وجهة نظر مختلفة، ويدعو إلى إعادة إحياء الاتفاق النووي مع طهران الذي تخلى عنه الرئيس ترامب، ويتبع بدلاً منه سياسة العقوبات والضغوط القصوى ضدها.
ويرى مراقبون أن مقاربة بايدن للسياسة الخارجية الأميركية ترتكز أساساً على توجهات الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، التي تتعارض في جزء كبير منها مع سياسات البيت الأبيض الحالية. وتعهد بايدن بإعادة أميركا إلى «رأس الطاولة، وتقوية علاقاتها مع الحلفاء لحشدهم في مواجهة التحديات التي تواجه العالم اليوم». وقال المراقبون إن سياسة كهذه هي على طرف نقيض مع سياسة ترامب «أميركا أولا»؛ التي جعلت تأثير الولايات المتحدة يتراجع على مستوى العالم.
وعلى صعيد العلاقات الأميركية مع إسرائيل، يعارض بايدن خطة نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، وتوجّه الحكومة الإسرائيلية نحو ضم نحو 30% من الضفة الغربية المحتلة، كما يرفض منح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو «صكّاً على بياض» في سياساته تجاه الفلسطينيين.
وفي ما يعمل الرئيس ترامب على تعزيز علاقات بلاده مع دول الخليج، مع الضغط عليها لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، وإقامة تحالف بينهما برعاية أميركية، في مواجهة ما يصفه بـ«السياسة العدائية لإيران». فإن بايدن سيتخذ على الأرجح نهجاً مغايراً، على غرار نهج أوباما الذي اتسم عهده بفتور العلاقات مع الدول الخليجية، على رغم أنها حليف تاريخي وأساسي للولايات المتحدة في المنطقة.
أما عموم العالم العربي فينتظر، كجري عادته، النتائج التي  قد تتمخّض عنها الانتخابات، على أمل أن يحدث ذلك فرقاً في السياسات التي تنتهجها الدولة الأقوى في العالم، إزاء قضاياه ومشاكله الكثيرة والمتنوعة.
وفي الواقع، إذا كان الرئيس المنتخب (وحزبه من ورائه) يتمتع بحيز واضح في صنع وصياغة السياسات والقرارات الداخلية، حيث تتمثل المصالح المباشرة للناخبين الأميركيين، فإن الأمر ليس كذلك على صعيد السياسة الخارجية، التي لا تتأثر غالباً بأيّ فارق يُذكر، (أقله من الناحية العملية)، إذ أن الفارق يكون في السلوك الدبلوماسي، أو في الشكل واللهجة فقط، من سياسة ولهجة خشنة ومباشرة، كما تفعل إدارة ترامب، إلى سياسة ناعمة ومواربة، كما قد تفعل إدارة ديمقراطية تحت رئاسة بايدن. وفي كل الأحوال، يبقى ضمان أمن إسرائيل وتفوقها العسكري، هو الذي يحتل الأولوية في سياسة كلّ الإدارات الأميركية المتعاقبة، جمهورية كانت أم ديمقراطية!.

أضف تعليق