26 نيسان 2024 الساعة 18:25

.. ومع ذلك!

2019-07-02 عدد القراءات : 556
■ كما كان متوقعاً، وقبل أن تجف حبر البيانات والتصريحات والمواقف الفلسطينية، في رفضها صفقة ترامب – نتنياهو، ورفض حضور ورشة البحرين، أخذت بعض الأقلام، لكتّاب معروفين بقربهم من بعض العواصم الخليجية، ينتقدون ما وصفوه «سلبية الموقف الفلسطيني»، ينعتون المواقف الفلسطينية بالمواقف الصفرية المبنية على مبدأ «كل شيء أو لا شيء».
دعت هذه الأقلام والتصريحات ذات اللون السياسي المعروف، الفلسطينيين إلى إعادة النظر بمواقفهم «المتسرعة» و«الخاطئة»، من الدعوة لورشة البحرين، كما دعت هذه الأقلام إلى الدخول مع ورشة البحرين، ومع المشروع الأميركي في سياسة «الاشتباك الإيجابي»، بدلاً من سياسة الاشتباك السلبي..
أي الذهاب إلى طاولة البحرين، وتوفير الغطاء السياسي الفلسطيني لها، ولمن يشاركون بها، ثم الخروج والإعلان عن رفض ما جاء فيها.. وبذلك تكون الورشة قد نالت شرعيتها، ويكون الفلسطينيون قد قطفوا النتائج البائسة لما يسمى «الاشتباك الإيجابي» سابقاً.
في إطار سياسة تكريس موقع م.ت.ف، ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني، وفي إطار مواجهة بعض العواصم مزاحمة المنظمة على هذا التمثيل أو مشاركتها فيه، رفعت القيادة الفلسطينية مبدأ يقول «علينا ألا نغيب عن أي حفل دولي يكون موضوعه فلسطين، فالمنظمة هي العنوان الفلسطيني الوحيد لشعبها».
لكن، بعد فترة، تحول هذا المبدأ إلى عكس وظيفته وصار حضور «المنظمة» لا يخدم المصلحة الفلسطينية خاصة في المحافل الدولية التي من شأنها أن تمس الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني وأن يشكل الوجود الفلسطيني الرسمي «مباركة» للنتائج السلبية.
البداية كانت في مؤتمر مدريد، حيث تم الحضور الفلسطيني بشروط شديدة الانخفاض، كادت أن تمس استقلالية الكيانية واستقلالية القرار الفلسطيني، لكن ما أعاد تصويب الأمر، مسألتان:
الأولى الانتفاضة الناهضة في المناطق المحتلة، والثانية صلابة الوفد الفلسطيني برئاسة الراحل الكبير الدكتور حيدر عبد الشافي الذي اشترط، لإطلاق المفاوضات، وقف الاستيطان.
التفاف القيادة الرسمية على وفدها في واشنطن أدرجته في سياسة «الاشتباك الإيجابي»، فذهبت إلى أوسلو من وراء ظهر الجميع، وقبلت بما هو معروض عليها، وهو هزيل جداً، مكسبها الكبير فيه أنه حافظ لها على مصالحها كقيادة متنفذة.
قبلت القيادة الفلسطينية الرسمية اتفاق أوسلو، لكن دولة الاحتلال، التي وقعته إلى جانب ممثل م.ت.ف، عطلته، ومازال يجرجر نفسه في مرحلته الانتقالية التي امتدت ربع قرن من الزمان، بينما جدولتها الرسمية لا تتجاوز الثلاث سنوات.
قبلت القيادة الفلسطينية الرسمية برتوكول باريس الاقتصادي، على حساب المصالح الاقتصادية للشعب الفلسطيني، وبعد أن أدركت دولة الاحتلال أن البروتوكول المذكور حقق لها أهدافها، وحول الاقتصاد الفلسطيني إلى جزء لا يتجزأ من الاقتصاد الإسرائيلي، وأسيراً له، وبعد أن تحولت البيروقراطية العليا في السلطة الفلسطينية إلى طبقة ترتبط مصالحها بإدامة بروتوكول باريس، وأسيرة له، انقلبت على نصوص البروتوكول، وبدأت تنفذ ما تراه في خدمة الاستعمار الاقتصادي الإسرائيلي. عندما ذهبت القيادة الرسمية تطالب بإعادة التفاوض حول البروتوكول كان الجواب الإسرائيلي واضحاً: لقد مات بروتوكول باريس ونحن الآن نعمل بما تمليه علينا مصلحة إسرائيل. وأغلق الباب في وجه دعوات «تعديل بروتوكول باريس».
عندما أطلقت «خطة خارطة الطريق» هرعت القيادة الفلسطينية إلى الموافقة عليها بلا شروط، واعتبرتها خشبة الإنقاذ لمأزق أوسلو المركب والمعقد. بعد أن ضمنت دولة الاحتلال أن السقف السياسي الفلسطيني انخفض إلى مستوى «خطة الطريق»، الأميركية الصنع، انقلبت عليها ورفضتها ودعت إلى خطة بديلة، تكون نقطة البداية فيها الموقع الهابط الذي وصلت إليه مواقف القيادة الفلسطينية في موافقتها غير المشروطة على خارطة الطريق.
عندما نودي على القيادة الفلسطينية للذهاب إلى مؤتمر أنابوليس عام 2007، رأت في النداء خشبة إنقاذ جديدة لها، تعيدها إلى المعادلة السياسية بعد الانقلاب الدموي في قطاع غزة، والذي ألقى بظلال الشك على المؤسسة الفلسطينية.
تحولت مفاوضات أنابوليس إلى مفاوضات علاقات عامة، انتهت بمجزرة إسرائيلية ارتكبت نهاية العام 2008 ومطلع العام 2009 في قطاع غزة، وباعتذار سخيف من بوش الابن إلى رئيس السلطة الفلسطينية لأنه لم يستطع أن يحقق له وعد «حل الدولتين».
حتى عندما لوحت واشنطن بصفقة القرن رحبت بها القيادة الرسمية، واعتبرتها مشروع الإنقاذ الأميركي للعملية التفاوضية الميتة سريرياً. واستعجلت واشنطن للإعلان عنها.
والبقية معروفة، إحدى تجلياتها، ورشة البحرين التي من أهدافها، تكريس النتائج السياسية للخطوات التطبيقية لصفقة ترامب، وإسنادها وتعميقها اقتصاديا.
آن الأوان لوضع حد لمهزلة «الاشتباك الإيجابي» والانتقال إلى «الاشتباك الميداني» حيث هناك يرسم الفلسطينيون مصيرهم ويفتحون طريقهم نحو الاستقلال والعودة■

أضف تعليق