26 نيسان 2024 الساعة 21:15

السودان.. من «احتجاجات الخبز» إلى «اسقاط النظام»!

2018-12-30 عدد القراءات : 527
 لجأ نظام البشير إلى «نظرية المؤامرة» والبحث عن شمّاعة لتحميلها مسؤولية الاحتجاجات، موجّهاً اللومَ إلى «مندسين»، أخرجوا التظاهرات عن مسارها و«حولوها إلى نشاط تخريبي»!
توسعت رقعة الاحتجاجات التي يشهدها السودان، وخرجت من بعدها المطلبي المباشر، المرتبط بتردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وغلاء الأسعار، لتكتسي مضموناً سياسياً واضحاً عبر المطالبة بإسقاط نظام الرئيس عمر البشير، وذلك في ظل عجز الأخير عن احتواء الحراك، وكذلك الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد منذ سنوات، (وتفاقمت جداً في الأشهر الأخيرة)، على نحو لم يعد مجدياً معه تقديم المزيد من الوعود لأنها لم تعد تنطلي على أحد!.
وبعد دعوته إلى إضراب عام في عموم البلاد، قام «تجمّع المهنيين» بتسيير تظاهرة إلى القصر الجمهوري (25/12)، بهدف تسليم مذكرة للرئاسة «تطالب بتنحّي البشير فوراً استجابة لرغبة الشعب». علماً أنّ الأخير كان يمهّد الطريق لتعديل دستوري يضمن بقاءه في السلطة عبر ترشّحه لفترة رئاسية جديدة في انتخابات العام 2020، وسط شائعات تدور عن خلافات بين بعض المسؤولين بشأن خلافته.
وعلى رغم تصاعد الاحتجاجات، فقد أكد الرئيس البشير استمرار الدولة في إجراء ما أسماه «إصلاحات اقتصادية توفر للمواطنين حياة كريمة»، وذلك خلال لقائه مع قيادة جهاز الأمن والمخابرات الوطني (24/12).
وعلى غرار ما فعل قادة الجيش السوداني، أكد المدير العام لجهاز الأمن والمخابرات الوطني «التفاف قوات الجهاز حول قائدها الأعلى، واضطلاع الجهاز بمهامه الدستورية في الحفاظ على أمن الوطن وسلامة المواطنين وحماية المكتسبات الوطنية مع الالتزام بالمعايير المهنية»!.
حراك عفوي
وبعد قرار الحكومة زيادة أسعار الخبز ثلاثة أضعاف، انفجرت المظاهرات (19/12)، في كبرى المدن السودانية (شرق وجنوب البلاد ووسطها) ، بما فيها العاصمة الخرطوم وتوأمها أم درمان، في تحرك قد يكون الأضخم على الإطلاق خلال ثلاثة عقود من حكم البشير، وتخلّلته صدامات دامية.
وقال محللون إن التظاهرات جاءت هذه المرة على خلاف سابقاتها، لجهة غياب أي توجيه أو تأثير من قوى أو جهات معارضة، وكانت أقرب إلى رد فعل عفوي من الشارع، الذي لم يعد قادراً على تحمل المزيد. ورأى المحلّلون أنّ الأوضاع مفتوحة على كل الاحتمالات، معتبرين أنّه «إذا كان المحرّك الأساسي للاحتجاجات هو الوضع الاقتصادي، إلا إنّه مرتبط في النهاية بسياسات الحكومة».
وسبق أن شهد السودان تحركات احتجاجية عدة على مدار السنوات الماضية، كان آخرها في كانون الثاني/ يناير الماضي، بيد أن الأجهزة الأمنية سرعان ما قمعتها، لكنّ الحراك هذه المرة يبدو وكأنه «يخرج عن السيطرة»، كما لاحظ المحللون. ولفت المحللون إلى أن النظام سيجد صعوبة كبيرة في احتواء الاحتجاجات، وأن اعتماده على منطق القوة المفرطة «قد يأتي بنتائج عكسية ويؤجّج الوضع أكثر»!.
ورأى المحللون أنّ الاحتجاجات المتتالية تعكس «أزمة هيكلية عميقة تعيشها البلاد، لم تفلح محاولات الرئيس عمر البشير في تلافيها». وذهب بعضهم حدّ اعتبار أنّ النظام السوداني «دخل اختباراً حاسماً هذه المرة، قد يتحدد على أساسه مستقبله السياسي»، من منطلق أنّ الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد متجذرة، وكاشفة لمرحلة استهلك فيها الرئيس البشير كل أدواته التقليدية لتجنّب عدم تفجّرها.
وفي الواقع، يعاني السودان من أزمات تطال الخبز والطحين والوقود والمحروقات، نتيجة تراجع قيمة الجنيه مقابل الدولار في الأسواق الموازية (غير الرسمية)، في وقت يواجه المصرف المركزي صعوبات في توفير النقد الاجنبي، كما ارتفع معدل التضخم ووصل الى 69 %، وفقاً لتقارير رسمية.
كما بدا حزب «المؤتمر الوطني» الحاكم، مشلولاً، ولم يجرؤ على التعامل مع الأزمة بطريقة الحشود والوعود. وكان استهداف مقراته وحرق بعضها في عدد من الأقاليم، مؤشراً إلى حجم الغضب الذي يعتمل في نفوس السودانيين تجاه هذا الحزب الذي اعتمد على شقّ صفوف معارضيه، و«السعي إما إلى إغوائهم واستقطابهم، أو قمعهم وإقصائهم، مع التمسّك بأفكار عقيدية (إسلامية سياسية) رأى فيها وسيلته المفضلة للبقاء في السلطة»!.
القوة المفرطة
ولم تجد السلطات وسيلة للتعاطي مع الاحتجاجات سوى في استخدام القوة المفرطة، حيث سقط عشرات الضحايا والمصابين خلال أيام قليلة. كما لجأت إلى إعلان حال الطوارئ في عدد من الولايات، إضافة إلى الاعتقالات، وتعليق الدراسة في كل مستوياتها المدرسية والجامعية، في معظم المدن الكبيرة، بما فيها العاصمة الخرطوم.
وأعلنت المعارضة السودانية عن اعتقال 14 شخصية من قياداتها، من بينهم سكرتير الحزب الشيوعي محمد مختار الخطيب، وفاروق أبو عيسى (85 عاماً)، رئيس «تحالف قوى الإجماع الوطني السوداني»، الذي يعد أحد تحالفين رئيسيين للمعارضة في البلاد.
وبدا واضحاً أن النظام الحاكم ينتهج ذات السياسة المُعتادة، فلجأ إلى «نظرية المؤامرة» والبحث عن شمّاعة لتحميلها مسؤولية الاحتجاجات، منكراً الدور الذي لعبه هو في تأجيج الأزمة، ومفضّلاً توجيه اللومَ إلى «مندسين»، أخرجوا التظاهرات عن مسارها وحولوها إلى «نشاط تخريبي، استهدف المؤسسات والممتلكات العامة والخاصّة بالحرق والتدمير»!.
ووجّه المتحدّث باسم الحزب الحاكم أصابع الاتهام إلى «أجندات سياسية؛ بعضها داخلي لأحزاب يسارية تريد خلخلة بنية الدولة وبعضها خارجي» مرتبط بـ«حركة تحرير السودان» (جناح عبدالواحد نور)، وحمّل الأخيرة مسؤولية أحداث العنف، واتهمها بأنها «تلقّت دعماً من إسرائيل»، مشيراً إلى «شبكة في العاصمة الكينية نيروبي جاءت بهم إلى السودان لإثارة العنف». وحدث ذلك، على رغم أنّ الفريق أول صلاح عبدالله قوش، المدير العام لجهاز الأمن والمخابرات الوطني، حرص في لقاء له مع وسائل الإعلام (22/12)، على الحديث عن «عمق الأزمة وأسبابها المتعددة، مُحدِّداً دوافعها في الشق الاقتصادي وشيوع الفساد الذي ينخر في مؤسسات مختلفة منذ فترة».
«الشيوعي السوداني».. لا مخرج من الأزمة إلا بإسقاط النظام 
أصدر الحزب الشيوعي السوداني عدداً من البيانات لمواكبة الاحتجاجات، جاء في أحدها (23/12): «كان طبيعياً أن تنفجر المظاهرات الجماهيرية العارمة في أغلب مدن السودان ضد سياسات النظام الاقتصادية والقمعية، وضد الغلاء وانعدام الدواء، حتى أصبحت الحياة لا تطاق.. وارتفع سقف المطالب مع توسع المظاهرات، وأصبح شعارها «الشعب يريد اسقاط النظام»... وأثبتت الجماهير جاهزيتها الثورية باحتلال بعض المدن».
ولفت الحزب إلى ما تقوم به أجهزة أعلام النظام من «اتهام بعض القوى الوطنية بالتعاون مع إسرائيل والقيام بعمليات التخريب .. متناسية تدخل الدولة الصهيونية لحماية النظام لدى الإدارة الأميركية..».
وقال في بيان آخر: «إن سياسات النظام المتبّعة منذ انقلاب 1989، الخادمة للرأسمالية الطفيلية والمعادية للعمل الانتاجي ومصالح الطبقات والفئات المنتجة، قادت إلى تدمير مقومات الانتاج الزراعي والصناعي والخدمي والخدمات العامة الضرورية، وممارسة الفساد في أشكاله المختلفة ورهن إرادة الدولة واقتصاد البلاد للقوى الأجنبية ممثلة في البنك وصندوق النقد الدوليين والإغراق في ديون خارجية، والشروع في بيع موارد وثروات البلاد وأراضي السودان للأجانب بعد طرد أهلها..».
وخلص إلى أنه «لا مخرج من هذه الأزمة الشاملة إلا بإسقاط النظام وتفكيكه وتصفيته»، داعياً جماهير الشعب وعلى رأسها القوى صاحبة المصلحة في التغير الجذري، إلى «مواصلة الخروج للشارع والتعبير عن رفضها لهذه السياسات، وصولاً إلى الإضراب السياسي والعصيان المدني حتى اسقاط النظام».
ودعا الحزب، جميع القوى السياسية والديمقراطية الحريصة على مصلحة الوطن لتكوين «أوسع جبهة لمناهضة النظام والاصطفاف لإنجاح الانتفاضة والعصيان المدني للإطاحة بالنظام».
وقبل ذلك، أشار الحزب الشيوعي إلى سقوط 43 متظاهراً بنيران قوات الأمن، وطالب بالوقف الفوري لأعمال القمع، ومحاسبة الذين أصدروا الأوامر بإطلاق النار على المتظاهرين المسالمين، والإفراج عن جميع المعتقلين وبينهم هنادي فضل، عضو المكتب السياسي للحزب.
«الدوحة» تتضامن مع البشير!      
تنظر معظم العواصم العربية والإفريقية بقلق إلى التطورات الجارية في السودان، بيد أن الموقف اللافت كان لقطر التي سارع أميرها الشيخ تميم بن حمد إلى الاتصال بالرئيس السوداني معرباً عن استعداده لدعمه فيما اسماها بـ«المحنة» التي يمر بها.
وانتقد نشطاء سودانيون «ازدواجية الموقف القطري»، مشيرين إلى دعمها ومساندتها بكل الأشكال لتحركات احتجاجية في دول عربية وضعها أفضل بكثير، وقد سعت عبر ماكينتها الإعلامية إلى التسويق إلى أن ما يحدث بتلك الدول «ثورات ضد أنظمة دكتاتورية جوعت شعوبها»، في المقابل، سارعت إلى إعلان وقوفها مع النظام في السودان واصفة ما يمر به بـ«المحنة»، لسبب بسيط وهو أن هذا النظام هو وليد «تجربة الإسلام السياسي الإخوانية»!.

أضف تعليق