08 آيار 2024 الساعة 16:20

الصحافة الإسرائيلية الملف اليومي صادر عن المكتب الصحفي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين الاحد 7/4/2024 العدد 980

2024-04-08 عدد القراءات : 106
الصحافة الاسرائيل– الملف اليومي

افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

 

هآرتس 7/4/2024

 

غزة: توسيع نطاق المساعدات لن يعوّض عن غياب الهدف السياسي

 

 

بقلم: عاموس هرئيل

 

يواصل الغياب المتعمد لهدف سياسي واضح وعلني لحرب اسرائيل ضد «حماس» تصعيب ترجمة الإنجازات العملياتية للجيش الإسرائيلي في قطاع غزة إلى نتائج استراتيجية مفيدة. إن قتل 7 من عاملي منظمة الإغاثة الدولية في القصف الإسرائيلي قرب دير البلح في الأسبوع الماضي يوفر مثالا نموذجيا لذلك. اسرائيل ردت ببطء، خلال شهرين على طلبات أميركا السماح بوتيرة أعلى لإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة. وفي ظل غياب تفاهمات سياسية فإن النجاح التكتيكي المتمثل بقتل المخربين وتدمير وسائل قتالية لن يؤثر بشكل مباشر على نتائج المعركة. إضافة إلى ذلك أخطاء الجيش الإسرائيلي وأحداث مأساوية على الأرض (مثل موت 100 فلسطيني الذين احتشدوا حول قافلة شاحنات في مدينة غزة في 29 شباط) أدت إلى ضغط دولي على اسرائيل، الذي في نهايته اضطرت إلى الموافقة على تنازلات رفضت قبولها من قبل.

نشر الجيش الإسرائيلي في نهاية الأسبوع نتائج التحقيق حول ظروف قصف قافلة منظمة الإغاثة. حسب رواية الجيش فإن عاملي الإغاثة سافروا في ثلاث سيارات، اندمجت ضمن قافلة الشاحنات التي نقلت الغذاء. على ظهر إحدى السيارات تم تشخيص مسلح، الذي بسببه تقرر في قيادة لواء الناحل مهاجمة السيارات الثلاث، بعد أن انفصلت عن قافلة الشاحنات. في قيادة اللواء اعتقدوا بالخطأ أن الأمر يتعلق بسيارات لـ«حماس». سبعة من المسافرين فيها قتلوا. ومجرد تشخيص المسلح يبدو مشكوكا فيه، لكن التشويش كان اخطر. فرغم أنه من المعروف أن مسلحي «حماس» يصعدون على شاحنات منظمات الإغاثة، سواء لإظهار سيطرة «حماس» أو محاولة نهب الإرساليات، فإنهم في القيادة تعاملوا مع هؤلاء المسافرين في السيارات على أنهم جميعا من رجال «حماس».

توجد هنا في الواقع مشكلة أخرى، اكثر عمقا. حتى قبل قصف القافلة أعلنت اسرائيل ردا على طلبات الولايات المتحدة بأنها ستسمح بزيادة الإرساليات، لكن من اجل ضمان أن هذه ستجري كالعادة ولن تواجه بفوضى، السرقة والنهب، يجب السماح بأداء لسلطة مركزية. اسرائيل بالطبع امتنعت عن ذلك لأنها لا تريد «حماس» أو أي بديل يكون مرتبطا بالسلطة الفلسطينية. المس الممنهج برموز سلطة «حماس»، لا سيما رجال الشرطة في جهاز الأمن العام، هو احد أهداف الجيش الإسرائيلي. بكلمات أخرى، الجيش يضرب «حماس» ويضعفها في إطار حربه ضد سيطرة هذه المنظمة. ولكن في  الوقت نفسه هو يصعب بذلك على نجاح توزيع منظم للمزيد من المساعدات.

اكثر من الحادثة في 29 شباط فإن القصف الذي حدث في الأسبوع الماضي أدى إلى فقدان تام لصبر الأميركيين تجاه اسرائيل. رئيس الحكومة، الذي خلال اشهر ساوم الأميركيين على خطوات الحرب وحجم المساعدات التي ستنقل، اضطر إلى التراجع. في إملاء أميركي سيزداد الآن كثيرا حجم المساعدات وسيفتح المسار القصير لإدخال المساعدات إلى شمال القطاع، من ميناء أسدود إلى معبر «إيريز»، بعد تملص اسرائيل عدة مرات.

جعلت النتائج القاسية للتحقيق رئيس الأركان هرتسي هليفي يقرر عزل ضابطين في الاحتياط، رئيس قيادة لواء الناحل وضابط تنسيق النيران، وتوبيخ ثلاثة ضباط كبار. كما هو متوقع تطورت على الفور عاصفة سياسية لأن رئيس الهيئة المعزول، العقيد نوحي مندل، هو من سكان «غوش عتصيون». يبدو أنه لم يحدث حتى الآن حادثة اتخذت فيها خطوات انضباطية ضد ضابط من الصهيونية الدينية (الحركة، وليس القائمة في الكنيست) ولم تسمع صرخة احتجاج جماعية من ناحيتها.

عمليا، لم يكن لرئيس الأركان أي مناص سوى العزل إزاء خطورة الأحداث – حسب التحقيق في قيادة الناحل تجاهلوا توجيهات قيادة الفرقة المسؤولة، كما أن تطبيق القانون على المسؤولين يقلص المخاطرة في أن يكون بالإمكان ملاحقته قضائيا في الخارج. الجمهور الإسرائيلي، اليمين بشكل خاص، لا يستوعب تداعيات الحرب بخصوص وضع ضباط الجيش الإسرائيلي أمام هيئات قضائية في الخارج. عملية «الرصاص المصبوب» (التي في أعقابها نشر تقرير غولدستون) وعملية «الجرف الصامد» ستكون لعبة أولاد مقارنة بما يتوقع هنا، على خلفية تقارير حول موت اكثر من 20 ألف فلسطيني، معظمهم من الأطفال والفتيان منذ بداية الحرب.

 

تشديد في المواقف

 

لا يتمثل الضغط الأميركي المتزايد فقط بالمطالبة بفتح أبواب المساعدات الإنسانية، التي سيتعين على اسرائيل الآن الاستجابة إليها. في محادثة بايدن – نتنياهو في مساء يوم الخميس، وفي سلسلة تصريحات للإدارة الأميركية منذ ذلك الحين، يظهر تقدم تدريجي لقرارين محتملين سيصعبان الأمر على نتنياهو. من جهة، مطالبة حازمة اكثر من اسرائيل للتوصل إلى وقف لإطلاق النار، التي ربما وللمرة الأولى لن تكون مرهونة بصورة واضحة حتى بصفقة تبادل. ومن جهة أخرى، في الولايات المتحدة هناك نقاش محموم بخصوص فرض قيود على المساعدات العسكرية لإسرائيل، يشمل جزءا آخذا في الازدياد من أعضاء الحزب الديمقراطي في مجلس الشيوخ وفي مجلس النواب.

لذلك، يحتمل أن تكون هناك تداعيات سلبية أيضا على المفاوضات بشأن المخطوفين. عسكريا، «حماس» تواصل تكبد خسائر وفقدان ممتلكات. عملية الجيش الإسرائيلي في مستشفى الشفاء ألحقت بـ»حماس» أضرارا باهظة، تضاف إلى اغتيال مروان عيسى، رقم 3 في قيادة «حماس» في القطاع. لكن عندما ينظر رئيس «حماس»، يحيى السنوار، إلى الواقع الاستراتيجي فإنه يلاحظ أيضا تطورات إيجابية. هذه أنباء سيئة من ناحية المفاوضات لأن «حماس» يمكن أن تتشدد أكثر في طلباتها إزاء الشرخ المتزايد بين الولايات المتحدة واسرائيل.

المفاوضات بين اسرائيل والوسطاء يمكن أن تستأنف في القاهرة. وليام بيرنز، رئيس    الـ»سي.آي.ايه»، سيصل إلى المنطقة للمشاركة في المحادثات. هذا دليل آخر على التزام الإدارة الأميركية بالتوصل إلى انعطافة. لكن في هذه الأثناء لا يلوح في الأفق أي سبب للتفاؤل. حتى عندما يحقق الجيش الإسرائيلي إنجازا عمليا في جهوده للعثور على مخطوفين فإنه يصعب الحديث عن نتيجة جيدة.

أمس، اعلن الجيش أنه انقذ جثة المخطوف جلعاد كتسير من كيبوتس «نير عوز»، التي دفنت في خان يونس. حسب الجيش الإسرائيلي فإن رجال «الجهاد الإسلامي» الذين احتجزوا كتسير قتلوه قبل شهرين تقريبا. لكن إعادة الجثة هي فقط عزاء صغير للعائلة، التي كانت تأمل عودته على قيد الحياة. وهذه الحادثة تزيد من تخوفات عائلات المخطوفين الباقين. هي أيضا تذكر بالفشل الذريع للجيش الإسرائيلي وجهاز الاستخبارات في قضية المخطوفين رغم كل الجهود. حتى الآن تم إنقاذ فقط ثلاثة من المخطوفين على قيد الحياة وتمت إعادة عدة جثث لمخطوفين دفنوا في الأسر. الأغلبية الساحقة من المخطوفين الذين تمت إعادتهم كانت بفضل المفاوضات. من هنا فإن استمرار التظاهرات وتصعيد المناخ فيها بصورة تضغط كثير على رئيس الحكومة الذي يخشى من إمكانية تصاعدها.

 

الذعر قل

 

في نهاية الأسبوع، الذعر قل قليلا في اسرائيل من رد إيراني. النظام في طهران بدا مصمما على الانتقام لموت الجنرال حسن مهداوي، رجل حرس الثورة الذي قتل مع شخصيات رفيعة أخرى في قصف في دمشق في الأسبوع الماضي. لكن خلافا لجزء من التقديرات التي انتشرت في البداية في اسرائيل فإنه مشكوك فيه أن ايران تسارع نحو حرب شاملة.

الإيرانيون ينوون الرد لأن مهداوي كان رجلهم الأول في سورية وفي لبنان. ومنذ بداية الحرب في غزة فقدوا نحو 20 من رجالهم في هجمات في سورية نسبت لإسرائيل. مع ذلك، هناك عدد من السيناريوهات المحتملة للرد، ليست جميعها تؤدي بالضرورة إلى مواجهة عسكرية أوسع، التي تشمل مباشرة ايران واسرائيل. هذا مرتبط كما يبدو أيضا بدرجة نجاح جهاز الأمن في اعتراض مثل هذا الهجوم، ومنع حدوث إصابات في الجبهة الداخلية. الوضع متوتر جدا ولكنه لا يدل حتى هذه الأثناء على تدهور معروف مسبقا إلى حرب إقليمية.

---------------------------------------------

 

 

 

معاريف 7/4/2024

 

فـــي "نـير عـــوز" سقـطــت إسـرائيـل

 

 

بقلم: بن كسبيت

 

في النصف سنة المعينة التي مرت علينا توجد ذروة ودرك. كانت هذه هي الساعة القاسية إن لم نقل البائسة للقيادة السياسية والعسكرية. كانت هذه هي الساعة العظمى للشعب ومقاتليه. من الصعب أن نتخيل شعبا آخر ينهض من رماد 7 أكتوبر، من الهزيمة المهينة، من السقطة الأليمة والدامية، غير شعبنا. من الصعب التفكير بجيش آخر ينتعش في غضون يوم واحد من أحد الإخفاقات الأكبر في تاريخه وفي تاريخ الشعوب. طوبى لنا أننا حظينا بمقاتلين ومواطنين كهؤلاء. مصيبتنا أننا حظينا بهؤلاء الزعماء وببعض من هؤلاء القادة.

ليس في العالم دولة ديمقراطية كانت حكومتها ستبقى على حالها أكثر من أسبوع بعد مذبحة 7 أكتوبر. أما عندنا، فليس فقط المجرمون يبقون في مكان الجريمة بل يواصلون التنكيل بالدولة التي اختارتهم لمناصبهم. بعض منهم يفعلون أيضا آلات السم المتطورة ضد العائلات التي تركت لمصيرها في 7 أكتوبر. بدلا من أن يقفوا أمام عائلات المخطوفين والمغدورين مطأطئي الرأس خجلا فإن بعض من «زعمائنا» يتهمون المواطنين الذين تركوا لذبحهم بالسقطة كلها.

ليس ثمة مثل كيبوتس «نير عوز» لتجسيد الكارثة. كيبوتس صغير، 380 عضوا بالإجمال، يعيش بتواضع على هوامش الغلاف، بعيدا عن المركز، قريبا جدا من غزة. زراعة، فلاحة، أبقار وطيور، وكذا مصنع لمواد التغليف. لأكثر من عشرين سنة تربى أطفال الكيبوتس في ظل صواريخ «القسام». ومثل باقي أطفال الغلاف كله، لا يتذمرون ولا يشكون، يشعرون بأنهم محميون في محميتهم الطبيعية الصغرى الجميلة والمليئة بالخضرة.

في 7 أكتوبر، احترق كل هذا وتغمس بالدماء. «نير عوز» يمثل فظاعة 7 أكتوبر لأنه هو المكان الوحيد الذي لم يصل إليه أحد للنجدة في ذاك الصباح. لا شرطي، لا جندي، لا مقاتل، لا ضابط، لا إطفائي، لا مسؤول.

لم يأتِ احد. الكيبوتس احترق وحده. وسكانه كافحوا النار من داخل غرفهم الأمنية، يقاتلون كي لا يختنقوا، يكافحون لحماية أطفالهم، للبقاء على قيد الحياة.

مثل «نير عوز»، تضررت أماكن كثيرة أخرى بشدة، وبينها «بيري»، «كفار عزة» و»سديروت». في هذه الأماكن دارت معارك. كانت مقاومة. وصل إلى هناك ممثلو السيادة الإسرائيلية. مقاتلون، دبابات، مروحيات، شرطة، شيء ما. كانوا قلة أمام كثرة، لكنهم قاتلوا.

في «نير عوز» لم يكن احد. في صباح فرحة التوراة عاد «نير عوز» إلى الوراء في الزمن. إلى أيام أخرى، رهيبة، أيام لم يكن فيها من يحمي اليهود. على مدى كل أيام حياة أرئيل شارون الراشدة كان يقول، إن إسرائيل قامت كي يكون مكان يمكن لليهود فيه أن يدافعوا عن أنفسهم بقواهم الذاتية. في 7 أكتوبر 2023، صباح فرحة التوراة سقطت إسرائيل. خانت مهمتها، اختفت.

تحول الكيبوتس الصغير والفخور ليصبح بلدة يهودية تخضع لرحمة الزعران الذين يتراكضون في شوارعها ويحطمون رؤوس نسائها وأطفالها. رمزيا. حرق، يا أخوتي، حرق. لأول مرة منذ قيام دولة إسرائيل وجد مواطنوها أنفسهم بلا أي حماية. متروكين لمصيرهم. متروكين لرحمة المشاغبين، محاصرين في غرفهم الأمنية، في بيوتهم المحروقة، في كيبوتسهم المحترق، بلا وسيلة تماما.

في 7 أكتوبر، عادت الاعتداءات الجماعية إلى إسرائيل ووقعت بكل شرها، في «نير عوز». قصة «نير عوز»، رويت مرة أخرى في تقرير بث يوم الجمعة الماضي في أستديو يوم الجمعة. أعضاء الكيبوتس الذين التقى بهم التقرير شددوا على أنهم ليسوا ناجين بل باقون. بمعنى انه لم يأتِ احد لينقذهم بل بقوا على قيد الحياة كيفما اتفق بقواهم الذاتية.

كان هذا إفلاسا تاما للدولة. إعلان إفلاس رسمي. آباء، وأمهات وأطفال قاتلوا في سبيل حياتهم من داخل الغرف الأمنية المحترمة. يسألون أنفسهم أين الجيش، أين الشرطة، أين الفرقة، أين سلاح الجو، أين «الشاباك»، أين الكل؟ لكن أيا من هؤلاء لم يكن هناك. فقط مخربو النخبة الذين لم يصدقوا حظهم السعيد. قتلوا، دمروا، احرقوا، سلبوا ونهبوا. ببساطة لم يتبقَ لهم عمل. فقط في 14:00 ظهرا دخلت إلى «نير عوز» سيارتا دورية شرطة. قليل جدا، متأخر جدا. «نير عوز» يجب أن يتحول إلى نصب تذكاري. هذا الكيبوتس يجب أن يزدهر من جديد، لكن النصب التذكاري يجب أن يخلد لأجل الأجيال التالية. نصب تذكاري للغرور، لعدم المبالاة، للتعالي، للتسيب، للاعتداد بالنفس وللإهمال. خمسون سنة ويوم واحد بعد أن حصل لنا هذا، للأسباب ذاتها في الملابسات ذاتها.

بعد هذا الدرك الذي ليس دونه شيء جاءت الذروة، مظاهر البطولة التي اندلعت في ذاك اليوم من كل صوب لم تظهر أبدا في مطارحنا. مقاتلون، ضباط، مواطنون عاديون، أناس القوا بأنفسهم إلى اللظى، كي يقاتلوا، كي يدافعوا، كي ينقذوا الحياة. بعضهم دفعوا الثمن بحياتهم. اليقظة السريعة للجيش الإسرائيلي، الذي نجح في أن يقلب الجرة على فمها ويستخدم قوته بشكل لم يبقِ شكا حول موازين القوى الحقيقية. المجتمع المدني الذي انجذب إلى فراغ الدولة المجرمة ورمم، أخلى، زود، جمع، دعم، ساهم وأصبح نوعا من الحكومة القومية، كلية القدرة، المفعمة بالطاقات المجنونة التي لا يوجد مثلها في أي مكان آخر على وجه الأرض.

بقدر ما يتبين أن الحكومة المنتخبة والقائمة ليست إلا إدارة فارغة من الانتهازيين عديمي أي قدرات، هكذا تبينت العظمة الكامنة في هؤلاء الأشخاص أنفسهم. الإسرائيليون. روح التطوع التي لا تنتهي. التضحية الشخصية، الاحتياطيون الذين تركوا كل شيء وهرعوا لخدمة العلم، المتقاعدون الذين دقوا بوابات القواعد. عظمة أثبتت مرة أخرى بأنها لا تهزم. يمكن أن تفاجئها، يمكن أن تضربها، يمكن أن تحرجها، يمكن أن تهينها لكن لا يمكن أن تهزمها.

---------------------------------------------

هآرتس 7/4/2024

 

جميعــنــا شركــاء في تجــويــع غـــزة

 

 

بقلم: يولي تمير

 

التجويع الجماعي ممنوع أخلاقياً، وهو يلغي حق الوجود الأخلاقي لدولة إسرائيل.

كل حرب عادلة يوجد لها حدود! الادعاء بأن الهدف يبرر كل الوسائل هو ادعاء خبيث وخاطئ.

عشرات النقاشات في فلسفة الأخلاق تناولت مسألة الحدود المسموحة من ناحية أخلاقية ونفعية.

حتى لو لم يكن أي اتفاق نظري على مكان مرور الحدود، إلا أن هناك اتفاقاً على أنه توجد حدود، وهي المعاناة الإنسانية. هدفنا لم يكن التسبب بمعاناة الآخرين.

تجاوزت حماس هذه الحدود في 7 أكتوبر. أعمال الذبح الصادمة، إحراق الناس وهم أحياء، تدمير بلدات بالكامل – لا يوجد لها أي مبرر، حتى لو كان النضال من أجل وجود وطني مستقل للشعب الفلسطيني هو نضال عادل. لذلك فإن حماس سيتم ذكرها بالسوء إلى الأبد. هكذا أيضاً حكومتنا والأعمال التي تتم باسمها حتى الآن في غزة.

الوضع الذي حدث في غزة هو تجاوز واضح للحدود وعلم أسود يرفرف فوقها وفوقنا.

في بداية كانون الثاني قال الاقتصادي الأول في برنامج الغذاء العالمي، عريف حسين، إن 80 في المئة من إجمالي الأشخاص في العالم الذين يعيشون جوعاً كارثياً، يعيشون في غزة.

حسب قوله هو لم يشاهد في أي يوم "شيئاً كهذا، شيئاً يشبه ما يحدث في غزة وبهذه السرعة".

الوضع في غزة هو وضع فريد مقارنة مع أزمات أخرى، لأن الذين يعيشون في القطاع محصورون في منطقة دون وجود إمكانية للبحث عن الطعام في أماكن أخرى.

في شهر شباط قالوا في منظمة الغذاء والزراعة التابعة للأمم المتحدة "الفاو" إنه "لم يسجل في أي يوم مستوى شديد من الجوع ونقص الأمن الغذائي مثل الموجود في غزة".

في آذار 2024 نشر تقدير آخر لمستوى عدم الأمن الغذائي في غزة. حسب التقرير فإن أكثر من 670 ألف مواطن غزي يعانون من الجوع، وأكثر من 870 ألف غزي يوجدون في حالة طوارئ إنسانية.

ويتبين أيضاً أنه إذا لم يتغير الوضع حتى منتصف تموز 2024 فإن نصف سكان القطاع سيعانون من الجوع.

تجويع جماعي لبني البشر بشكل عام، وللنساء والأطفال والشيوخ بشكل خاص، هو أمر غير محتمل.

التجويع يمس أيضاً بالمخطوفين الذين يعانون من شدة الجوع. كيف يمكننا الاعتراض على جوع المخطوفين عندما نسمح لمئات آلاف الأشخاص بالمعاناة من نقص التغذية.

القيادة الحالية في إسرائيل تجعلنا جميعنا شركاء، نحن شركاء في أن الناس يموتون بسبب الجوع والعطش، وأنهم يقتلون بعضهم البعض من أجل قطعة خبز، وأنهم يأكلون أعلاف الطيور ويشربون المياه الملوثة، نحن شركاء في أن عاملي الإغاثة يقتلون أثناء عملهم الإنساني والأخلاقي جداً، توزيع الوجبات الساخنة.

عندما نشرب القهوة في الصباح ونختار نوع الحليب المناسب لنا (في كأس من الزجاج أو كأس من البلاستيك) نكون شركاء في التجويع.

عندما نفكر بمائدة العيد والخروج من مصر، نكون شركاء في التجويع.

عندما نناقش هل يجدر تقديم السمك على الطريقة المغربية أو الفسيخ نكون شركاء في التجويع. وحتى عندما ننام في الليل نكون شركاء في التجويع.

لذلك، ليس من حقنا أن نسأل لماذا العالم يديننا. لماذا لا يسمحون للمحاضرين الإسرائيليين بإلقاء المحاضرات في الخارج. ولماذا لا يريد العالم الاتجار مع إسرائيل أو زيارة إسرائيل. لماذا كل "الأخيار" لا يقبلون بنا ولا يفهموننا.

الأعمال التي تحدث الآن هي أعمال غير أخلاقية بشكل واضح، وهي تضعضع الهوية الأخلاقية لكل دولة إسرائيل ومواطنيها.

إسرائيليون كثيرون قالوا بعد 7 أكتوبر إن كل سكان قطاع غزة مذنبون لأنهم اختاروا حماس وسمحوا بحكمها.

قالوا إنه لا يوجد أبرياء في غزة لأن السكان عرفوا وصمتوا. من هذه الناحية نحن مثل الغزيين، جميعنا شركاء.

وهذا لا يعني أنهم أو نحن نستحق الموت بسبب الجوع، أو نقتل بصاروخ أو طعن أو قذيفة. ولكن هذا يعني أنه ملقاة علينا مسؤولية ثقيلة، وأنه يجب علينا الوقوف ضد النظام الذي يلقي علينا هذه الشراكة بالذنب رغم أنفنا.

كان من الجدير تحويل الهدايا التي حصل عليها كثيرون منا في العيد إلى طعام وإرسالها إلى غزة، ولو كإشارة شخصية وإنسانية تليق بالعيد والروح اليهودية.

لنرسل الغذاء والماء لأولئك الذين يوجدون على أطراف مصر والذين ليس لهم خلاص.

نحن كنا عبيداً في أرض مصر، وعلينا الأمل بأن نكون قد تعلمنا درساً أخلاقياً في الحرية والمسؤولية.

--------------------------------------------

 

 

 

إسرائيل اليوم 7/4/2024

 

الأهـــداف كلّهـــا بعـيـدة عــن التحقــق

 

 

بقلم: يوآف ليمور

 

نصف سنة بالضبط على نشوب الحرب، وعلى إسرائيل أن تعيد احتساب المسار: كل الأهداف التي وضعتها لنفسها في بداية الطريق بعيدة عن التحقق.

وضع للحرب هدفان مركزيان. الأول، إسقاط حكم حماس. الثاني، إعادة المخطوفين.

إلعاد كتسير الذي أعاد جثته ليل السبت إلى البلاد مقاتلو الكوماندو هو دليل على الفشل المدوي في موضوع المخطوفين.

فقد اختطف حياً، وأشرطته في الأسر نشرها آسروه مرتين قبل أن يقتلوه.

لو أديرت مفاوضات أنجع، وأساساً في المراحل الأولى من المعركة لكان ممكناً أن يكون كتسير على قيد الحياة في بيته ومثله مخطوفون كثيرون آخرون.

إسرائيل سبقت في مراحل كثيرة الضغط العسكري على إدارة المفاوضات، بادعاء أنه كلما حشرت حماس في الزاوية ستلين شروطها.

يدل الخط المتصلب الذي تطرحه حماس في الأشهر الأخيرة على أن هذا النهج فشل. حقيقة أن شمال القطاع وخان يونس احتلا وسحقا، وتقريباً كل سكانهما أصبحوا لاجئين وأن 12 ألفاً من نشطاء حماس صفوا (حسب معطيات الجيش الإسرائيلي) لن تثني يحيى السنوار.

يمكن أن نتعرف من ذلك على مدى حرصه على سكانه وإن كان يمكن قول أمور مشابهة عن حكومة إسرائيل وموقفها من المخطوفين.

 

 

المفتاح­: عملية في رفح

 

السبب الوحيد لتأجيل موضوع المخطوفين كان الحاجة لإنهاء هزيمة حماس.

هنا أيضاً إسرائيل بعيدة عن تحقيق أهدافها. فلكي يحصل هذا، مطلوب العمل في رفح وفي مخيمات وسط القطاع.

صحيح حتى يوم أمس، هذا لم يحصل، وحتى لو صدرت التعليمات بذلك، فسيتطلب الأمر أسابيع عديدة لإخلاء اللاجئين وإقامة بنى تحتية داعمة قبل أن تخرج هذه الحملة إلى الطريق.

التأخير في استكمال الحرب في غزة ينبع من فشل مدوٍ للحكومة في إدارة الجانب السياسي الاستراتيجي من المعركة.

قد خرجت إسرائيل إلى الطريق مع شرعية غير مسبوقة في أعقاب وحشية هجمة 7 أكتوبر. كل العالم (الغربي والعربي) أيد قرارها سحق حكم حماس.

بعد نصف سنة من ذلك، فقدت إسرائيل كل الشرعية التي كانت لها وتبقت منعزلة أكثر من أي وقت مضى ومكشوفة بشكل خطير للمقاطعات، للعقوبات وللإجراءات القضائية ضد كبار مسؤوليها وضباطها.

والأسباب الأساسية لذلك هي القرارات السائبة للصدام مع إدارة بايدن، انعدام الاستعداد للانشغال بمسألة اليوم التالي في القطاع وتصريحات وزراء ونواب تؤيد طرد سكان القطاع وإعادة إقامة المستوطنات – بخلاف موقف الحكومة والوعود الصريحة التي أعطيت للأسرة الدولية.

 

لا أفق حتى في الشمال

 

لكن ليس فقط في غزة تحصل الحكومة على علامة راسب. في الساحة الشمالية لا يوجد أفق لحل عسكري أو دبلوماسي يبعد حزب الله عن الجدار كي يتمكن المخلَوْن من العودة إلى بيوتهم.

المعالجة الفاشلة لهم في كل مجال محتمل – اقتصادي، تشغيل، تعليمي واجتماعي - يدل على واحد من اثنين: إما أن حكومة إسرائيل لا يهمها هؤلاء أو أن ليس لديها أي فكرة عما تفعله.

كما أن التفاقم في الوضع في كل الجبهات الأخرى، وفي هذه الأيام أيضاً مباشرة مع إيران، يثير التساؤل هي توجد للحكومة أي استراتيجية في أي مجال.

نصف سنة منذ هجمة أكتوبر، وضع إسرائيل ساء من كل ناحية ممكنة.

الانهيار السياسي، الضائقة الاقتصادية، الورطة الأمنية والصدوع الاجتماعية والسياسية تفترض التركيز الأساس والجهد لاستقرار السفينة.

لشدة الأسف، الحكومة منشغلة بدلاً من هذا بمشادات صبيانية من السياسة والكرامة، والكنيست اختارت الخروج إلى إجازة في استعراض مدوٍ للقطيعة.

---------------------------------------------

 

عن "معهد بحوث الأمن القومي" بجامعة تل أبيب 7/4/2024

 

 

عن الجغرافيا السياسية للطاقة وصراع الكبار هـنــــا تـقــــع غـــــزة

 

 

عـلـى خـارطــة اللــعـبــة الــعــالــمــيـة الجديــدة (1 من 2)

 

 

بقلم: تومر ديكل

 

 

مقدمة

 

ما هو موقف دول العالم من إسرائيل في حربها ضد "حماس"؟ في الأيام التي تلت هجوم 7 أكتوبر 2023، تعرضت إسرائيل لردود فعل متنوعة على الساحة العالمية، فاجأ بعضها الكثيرين، بل وأدى إلى انهيار المفاهيم وبدء إعادة التفكير في علاقات إسرائيل مع مختلف الدول. من ناحية، كان الدعم القوي من عدد من الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، التي زادت من قوتها العسكرية ووضعتها بلا هوادة إلى جانب إسرائيل. في المقابل، وكما كان متوقعاً، هاجمت دول «محور المقاومة» بقيادة إيران إسرائيل حتى قبل أن ترد على جريمة الحرب المرتكبة بحقها. بين هذين النقيضين، حدثت أحداث درامية لا تقل حدة: أصوات في الدول الإسلامية، أعربت، على عكس الماضي، عن إدانة "حماس"، ومن بينها المملكة العربية السعودية؛ ومن ناحية أخرى، هناك القوتان العظميان روسيا والصين، اللتان اختارتا إدانة إسرائيل دون أن يكون لها على ما يبدو أي صلة أيديولوجية بالصراع (على سبيل المثال: عيناف، 2023؛ فيلدمان وميل مان، 2023)

إن استعداد "حماس" للدخول في مواجهة خطيرة مع إسرائيل لا ينبع من أملها في تحقيق نصر عسكري، بل من طموحها إلى تعزيز مكانتها على الساحة الدولية، من أجل تحقيق أهدافها على المدى الطويل (غازيت، 2014). فالساحة الدولية تشكل إلى حد ما ساحة قتال أساسية بالنسبة لإسرائيل، وليس من الممكن تحقيق النصر في المعركة ضد "حماس" دون الفهم الكامل للعمليات العميقة التي تشكلها. ولتحقيق هذه الغاية، يحلل هذا المقال أحد أهم العناصر التي تشكل المصالح الجيوسياسية والاقتصادية للدول، وبالتالي يحدد إلى حد كبير رد فعل إسرائيل على الصراع مع "حماس": الجغرافيا السياسية للطاقة. ومن خلال رسم خريطة صراعات القوى العالمية حول السيطرة على موارد الطاقة وممرات الطاقة - والتي سيتم تأطيرها كجزء من "اللعبة الكبرى الجديدة" في آسيا الوسطى والشرق الأوسط - يتعمق التحليل في مجموعة محددة من المصالح التي ظهرت، مؤخراً، حول إسرائيل. ومنه يمكن فهم الدور الذي أسنده مبعوثوها إلى "حماس"، ومتابعته أحد الأسباب البارزة للموارد الكثيرة التي تدفقت بين يديها على مر السنين لتحفيزها على التصرف كما فعلت.

في بداية المقال مراجعة الأدبيات حول الجغرافيا السياسية للطاقة في العالم وفي إسرائيل حتى وقت قريب. وبعد ذلك، تتم دراسة التحالفات والصراعات المحيطة بقضية الطاقة في دوائر جغرافية متنامية: في الشرق الأوسط؛ روسيا والولايات المتحدة؛ موقف الصين من الفضاء الأوراسي بأكمله؛ وأخيرا، سيتم فحص دول إضافية وتناسبها مع مجموعة التحالفات التي تمت مراجعتها، كجزء من "اللعبة الكبرى الجديدة".

 

الجغرافيا السياسية لممرات الطاقة

 

لا توجد مناطق النفط والغاز والمناطق عالية الإشعاع في العالم عادة حيث يوجد المستهلكون الرئيسيون، أي الاقتصادات الصناعية المأهولة والمتقدمة أو تلك التي تتطور بسرعة - أوروبا والصين والهند (وبهذا المعنى الولايات المتحدة استثناء، لأن أراضيها لديها احتياطيات نفطية واسعة). وتؤدي هذه الحقيقة إلى حقيقة مفادها أن السيطرة على ممرات الطاقة التي يتم من خلالها توجيه النفط والغاز (وقريبا الهيدروجين والأمونيا)، من المنتجين إلى المستهلكين، هي أحد الجوانب الحاسمة في الجغرافيا السياسية العالمية، ويرى كثيرون أنه الأكثر أهمية على الإطلاق (Johannesson & Clowes, 2022; Månsson, 2014; Milina, 2007).

وهذا هو السبب الذي يجعل الاختناقات التي تتدفق إليها معظم حركة الطاقة والبضائع في العالم، وخاصة بعض المضايق، مسرحا للصراع المستمر: مضيق هرمز، الذي يربط الخليج الفارسي الغني بالنفط والغاز بالمحيط الهندي وإيران. وهو مشهد من الصراع المستمر بين إيران والمملكة العربية السعودية؛ ومضيق ملغا الذي يربط المحيط الهندي ببحر الصين الجنوبي والصين التي تعتمد عليه؛ ومضيق باب المندب، الذي يربط خليج عدن في المحيط الهندي بالبحر الأحمر، ومن هناك عبر قناة السويس إلى البحر الأبيض المتوسط ​​ومن هناك إلى أوروبا. وهذه الممرات الضيقة الثلاثة مسؤولة عن حصة ضخمة من الطاقة ونقل البضائع على مستوى العالم، ومن الممكن أن تشكل "نقطة تفتيش" لبعض البلدان، إذا تم حظرها أو تهديدها عسكرياً. وعلى نحو مماثل، قد تتعرض خطوط أنابيب الطاقة التي تمر عبر دول العبور للتهديد في أي نقطة على طول طريقها الطويل. إن السيطرة على ممرات الطاقة أو الحفاظ عليها تحدد القوة الاقتصادية للدول واستقلالها في أوقات الأزمات ونفوذها الجيوسياسي على الدول التي تعتمد عليها لضمان إمدادات الطاقة أو تسويقها عبر هذه الممرات. وكل قوة أو تحالف من البلدان (على سبيل المثال، الاتحاد الأوروبي) ملزم بضمان سيطرته على الممرات ذات الصلة، إما من خلال الاتفاقيات الثنائية (بين البلدان) وبناء أسواق ومؤسسات الطاقة الدولية، أو من خلال الوسائل العسكرية، من خلال النقل المباشر. أو السيطرة غير المباشرة، من خلال الدول والمنظمات الوكيلة.

إن تطوير ممرات الطاقة عملية معقدة ومكلفة. ويشمل ذلك، من بين أمور أخرى، مد أنابيب خاصة لمئات وآلاف الكيلومترات، ومرافق التخزين ومحطات الضخ والمعابر البحرية، وإنشاء الموانئ وحفر القنوات وصيانتها. بعد الإنشاء، يشترط الأمن على طول الممر، وكذلك الدفع لدول العبور. ولهذا السبب، وبسبب الأهمية الاستراتيجية لشراء أو بيع الطاقة، فإن إنشاء ممر بين الدول يعتبر خطوة مهمة في تشكيل التحالف. قد يخفف مشروع الممر الصراع بين البلدان ويعزز التعاون، لكن العكس أيضا قد يحبط الصراع مشروعا محتملا للبنية التحتية من شأنه أن يربط بين البلدان (هاو وآخرون، 2020؛ ماسودا، 2007). لتوضيح الاحتمال الأول - عمل الاتحاد السوفييتي السابق خلال الحرب الباردة، في سبعينيات القرن الماضي، على إنشاء خطوط غاز إلى ألمانيا الغربية، بهدف التقريب بينها وإحداث الاعتماد الاستراتيجي بينهما (شاتنبرغ، 2022). واستمرت هذه العملية أيضا في العقود الأخيرة بقيادة روسيا، التي حققت نجاحا واضحا وأصبحت "قوة طاقوية" (ميلينا، 2007، ص 30)، والتي تعتمد حاليا العديد من الدول الأوروبية بشكل كبير على الغاز الذي يتم توفيره منها (كامبوس وفرنانديز، 2017)، وعلى الرغم من الحرب في أوكرانيا (مسألة سيتم تفصيلها لاحقا).

 

الجغرافيا السياسية للطاقة في إسرائيل – رؤية تاريخية

 

تُظهر حالة إسرائيل طوال معظم تاريخها الاحتمال المعاكس، حيث يحبط الصراع مشروعا للطاقة. تنتشر إسرائيل مثل إسفين عبر شريط ضيق - النقب - يسد أحد أهم الجسور البرية في العالم الذي يربط آسيا وأفريقيا من الشرق إلى الغرب ويربط ميناء إيلات على البحر الأحمر وموانئ إسرائيل بالبحر الأبيض المتوسط. كانت الأهمية الاستراتيجية لهذا الامتداد من الأرض دائما كبيرة - ما أدى إلى غزوات إمبراطورية متكررة من قبل المصريين والبابليين والآشوريين واليونان وروما والعرب والعثمانيين والبريطانيين (قائمة جزئية). حتى قبل قيام دولة إسرائيل، أدرك ديفيد بن غوريون الأهمية الاستراتيجية للنقب واستثمر بكثافة في استيطان الصحراء من أجل إقناع الأمم المتحدة بتعريفها كجزء من الأراضي الوطنية. كما أن حروب إسرائيل اللاحقة تمحورت أكثر من أي شيء آخر حول الحركة في الممر البحري البري. اندلعت حرب العام 1956 بسبب تأميم قناة السويس من قبل المصريين ومنع السفن الإسرائيلية من الإبحار عبرها. وقد دعم البريطانيون والفرنسيون إسرائيل بالنية (التي فشل تنفيذها) لتعزيز سيطرتهم من خلالها في القناة مرة أخرى. وفي حرب الأيام الستة أيضا العام 1967، بدأت إسرائيل حربا بسبب حصار مضائق تيران عند مدخل خليج إيلات، وانتهت عند قناة السويس. وفي حرب يوم الغفران العام 1973، حاول المصريون مرة أخرى السيطرة على هذه المنطقة، ووقع ذلك في أيديهم عقب اتفاقية السلام التي أدت إليها هذه الحرب، وقد هز الحظر النفطي الذي أعلنه العالم العربي عقب حرب يوم الغفران الطاقة العالمية بأكملها. وجلبت معها التضخم والركود الاقتصادي العالمي، الذي استمر حتى بعد رفع الحصار (رودريغ، 2004).

منذ تأسيسها وبسبب الصراع مع جيرانها، اعتمدت إسرائيل على استيراد الطاقة من الدول البعيدة، على الرغم من أن العديد من جيرانها المباشرين هم من بين أكبر منتجي النفط والغاز في العالم. كما باءت محاولات إسرائيل للتحول إلى دولة انتقالية بالفشل. خط أنابيب النفط الذي بناه البريطانيون في ثلاثينيات القرن الماضي، من الموصل في العراق إلى ميناء حيفا، تم التخلي عنه خلال حرب الاستقلال ونهبت بقاياه وبيعت كخردة معدنية. وحدثت حالة مماثلة أيضا لخط أنابيب "كاتسا" للنفط من إيلات إلى عسقلان، والذي تم بناؤه في السبعينيات بشراكة إسرائيلية إيرانية. وقد استخدمت إيران خط الأنابيب هذا لتجاوز قناة السويس المصرية (وطريق مصري آخر، وهو خط أنابيب سوميد، الذي يربط موانئ خليج السويس بميناء الإسكندرية على البحر الأبيض المتوسط). ومع الانقلاب الإسلامي في إيران العام 1979 وما ترتب على ذلك من عودة إيران إلى إسرائيل، انخفض استخدام خط الأنابيب هذا لسنوات عديدة ولم يتزايد استخدامه مرة أخرى إلا في العقود الأخيرة، باعتباره طريقا لنقل النفط من أذربيجان وعدد من الدول الأخرى. وخط أنابيب الغاز العربي الذي يربط مصر بالأردن وسورية يتجاوز اسرائيل بقدر كبير وبشكل غير طبيعي من شمال سيناء إلى العقبة.

الخرق الأول لـ«عزل الطاقة» تحقق في اتفاق السلام مع مصر. منذ ذلك الحين، ولعدة سنوات، اشترت إسرائيل النفط من مصر. حتى نهاية التسعينيات بدأت المصادر تتضاءل وأعلنت مصر أنها لم تعد قادرة على توريد البضائع (كورين، 1996). ولم يحدث اختراق صغير آخر في هذا المجال إلا في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عندما تم مد خطوط أنابيب الغاز بين إسرائيل ومصر. ولعدة سنوات، اشترت إسرائيل الغاز من مصر بهدف معلن هو تعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وبالتالي تدفئة السلام البارد السائد بينهما (بهجت، 2008). تعرض تحالف الغاز لاختبارات عديدة وكاد ينهار بسبب سلسلة طويلة من الهجمات على خط الأنابيب في شبه جزيرة سيناء من قبل تنظيمات تابعة لحركة الجهاد الإسلامي العالمية التي زرعت وتدا في سيناء بعد أحداث الربيع العربي العام 2011. (إيفان، 2012؛ تويتيل، 2014).

 

تحالفات الشرق الأوسط عشية يوم 7 أكتوبر 2023

 

لقد غيرت اكتشافات الغاز الطبيعي على سواحل إسرائيل مجموعة العلاقات الموصوفة أعلاه. منذ العام 2019، غيّر الغاز في خطوط الأنابيب اتجاه التدفق، عندما بدأت إسرائيل في بيع الغاز إلى مصر وكذلك إلى الأردن مرة أخرى - مع النية المعلنة بأن هذا من شأنه أن يدفئ السلام البارد معهما. وفي العام 2016، تم توقيع اتفاقية توريد الغاز مع الأردن، وتشير التقديرات، اليوم، إلى أن معظم اقتصاد الطاقة الأردني يعتمد على الغاز الإسرائيلي (Almes, 2023a). تشتري مصر الغاز الإسرائيلي لتلبية احتياجاتها الداخلية المتزايدة، ولتسييله وبيعه إلى الأسواق الأوروبية بسعر مرتفع مقارنة بالمادة الخام، وهي صناعة لها وزن كبير في اقتصادها.

أسست إسرائيل بالتعاون مع مصر منتدى غاز شرق البحر الأبيض المتوسط ​​(EMGF)، الذي ربط إسرائيل في تحالف للطاقة مع مصر وقبرص (التي تقع على أراضيها حقول الغاز) والأردن واليونان وإيطاليا والسلطة الفلسطينية (ميتشل، 2021ب؛ ولفروم، 2019). وفي الآونة الأخيرة، يتعرض المصريون لضغوط متزايدة لزيادة تدفق الغاز، نظرا لطموحهم في أن يصبحوا مركزا إقليميا للتصنيع والتصدير، وبسبب اعتمادهم الكبير على هذه الصناعة. وفي أيار 2023، أُعلن عن إنشاء خط أنابيب غاز آخر سيمر عبر المعبر الحدودي في نيتسانا (Alms, 2023c). وقد أرست هذه الاتفاقيات والتحالفات البنية التحتية المهمة لمزيد من الاتفاقيات المهمة على طريق إسرائيل لكي تصبح مصدراً للطاقة (حتى لو لم تكن لاعباً رئيساً في هذا المجال) ودولة عبور لممرات الطاقة من الشرق إلى الغرب.

وعلى هذا فإن معارضي إسرائيل لديهم مصلحة واضحة في الإضرار بمركزها الإقليمي في مجال الطاقة. في هذه المرحلة من النقاش، تدخل إيران، وهي قوة إقليمية مسؤولة عن جزء كبير من تمويل "حماس" (بقدر مئات الملايين من الدولارات سنويا) والجزء الأكبر من تسليحها العسكري. واستمرت هذه العلاقة لسنوات طويلة، حتى وإن عرفت صعودا وهبوطا. ولهذا السبب، يمكن اعتبار "حماس" منظمة وكيلة لإيران، تخدم أهدافها العسكرية في صراعها ضد إسرائيل. وتقود إيران "محورا" أو "معسكرا" من الدول والمنظمات التابعة الأخرى المنتشرة في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك "حزب الله" في لبنان وسورية والميليشيات في العراق والحوثيون في اليمن (شين وكتران، 2018؛ سيليكتار ورضائي، 2020). وتتقاسم هذه القوة الإقليمية مع "حماس" وجهة نظر دينية إسلامية متطرفة، على الرغم من كونها دولة شيعية تدعم هذه المنظمة السُنّية ـ وهما مجموعتان عرقيتان دينيتان تخوضان في سياقات أخرى معركة رهيبة داخل العالم الإسلامي. ويتحد المعسكر السني في مجموعة دول بقيادة المملكة العربية السعودية وتضم، من بين دول أخرى، البحرين والإمارات العربية المتحدة والأردن ومصر.

قطر، التي تشكل عامل تمويل ثقيلا آخر لـ"حماس"، هي لاعب فريد في هذا النظام. وعلى الرغم من انتمائها المبدئي إلى المعسكر السني، إلا أنها كانت تميل دائما إلى تجنب استراتيجية الانضمام إلى السعوديين وتلقي الرعاية منهم (المواكبة) لصالح التحوط من المخاطر (التحوط)، من خلال التعاون الثانوي مع لاعبين من جميع المعسكرات. ومن الجدير بالملاحظة بشكل خاص علاقاتها مع إيران، والتي كانت دائماً ودية إلى حد مدهش (مقارنة بعلاقات جيرانها) لأسباب مختلفة، ولكن في المقام الأول قضية الطاقة. وتشترك الدولتان في أحد أكبر حقول الغاز في العالم (بارس الجنوبي)، وتنتج منه قطر، ثاني مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم، أكثر بكثير مما ينتجه الإيرانيون (وعلى حساب إيران واحتياطياتها). إن الخوف من الصراع على إنتاج الطاقة وحركة الطاقة في الخليج يدفع قطر إلى التحرك قدر استطاعتها لصالح إيران على الساحة الجيوسياسية (Kamrava, 2017). لكن هذه التصرفات، إلى جانب دعمها لحركة حماس، أدت إلى ابتعادها المتزايد عن المعسكر السني، وأصبح مكانها الآن غير واضح (تشزيزا، 2020). وعلى الرغم من الحالات الاستثنائية مثل قطر أو الحوثيين في اليمن، يمكن تقسيم الشرق الأوسط على طول خطوط جغرافية صعبة إلى قطاع شمالي بقيادة إيران وقطاع جنوبي بقيادة المملكة العربية السعودية. وفي المنتصف، عند النقطة الاستراتيجية للجسر البري، تقع إسرائيل وقطاع غزة.

أحد أركان الصراع الإيراني السعودي هو التهديد المتبادل لحركة ناقلات النفط والغاز من الخليج الفارسي إلى مستهلكي النفط والغاز في العالم، وخاصة في مضيق هرمز، الذي يعد بوابة الخليج. ويشتد التهديد الرئيس للسعودية مع تعزيز التنظيمات التابعة لها والتي تطل على باب المندب المصري في الممر المؤدي إلى البحر الأحمر وقناة السويس، فضلا عن تعزيز التنظيمات الجامحة مثل خلايا "داعش" في شبه جزيرة سيناء. إن الهجمات المتكررة على البنية التحتية للطاقة وناقلات النفط في هذه المناطق تضر باستقرار إمدادات الطاقة وتهدد استقرار الاقتصاد العالمي بأكمله، وبالتالي فإن مصلحة المحور السعودي تمس المصالح المميزة للولايات المتحدة وحلفائها الغربيين. وهؤلاء ملتزمون تجاه السعودية بالمعنى الضيق كشريك استراتيجي، وبالمعنى الواسع يسعون جاهدين لمنع أزمات الطاقة من أجل الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي.

إن استخدام إسرائيل كممر طاقة بري من الإمارات وغرب السعودية هو بديل محتمل للمحور البحري المهدد للنفط والغاز والهيدروجين وسلع أخرى، على الأقل كاحتياطي في حالة تحقق التهديد على الطريق الرئيس عن طريق البحر. إن مد خطوط الأنابيب التي تؤدي إلى طريق أكثر أمانًا إلى مداخل أوروبا في البحر الأبيض المتوسط ​​هو مصلحة سعودية، ولهذا السبب على وجه التحديد، فإنه يسبب خوفا أساسيا في إيران من انخفاض النفوذ الاستراتيجي في نقاط الاختناق الخاضعة لسيطرتها، ما يهدد قدراتها على المنافسة. وبدأت الخطوة الأولى في إنشاء هذا الممر باتفاقيات أبراهام العام 2020، والتي وافقت على إثرها إسرائيل والإمارات العربية المتحدة على تدفق النفط الإماراتي عبر خط أنابيب كاتسا من إيلات إلى عسقلان، وكذلك استخدام مرافق التخزين الضخمة على طوله. ومن المقرر أن يتم إرسال النفط الخام المنتج في آبار الخليج عن طريق السفن إلى إيلات أو حتى التدفق عبر خطوط الأنابيب إلى مدينة ينبع السعودية (ينبع) إلى ساحل البحر الأحمر، ليتم نقله شمالا حتى إيلات ومن هناك إلى ميناء أسدود (بركات، 2020). وليس من قبيل الصدفة أن "حماس" بادرت بهجوم صاروخي في جولة القتال 2021 (حملة الجدار الصامد)، ونجحت في إصابة خزان كبير لتخزين النفط في عسقلان وإشعال النيران فيه. وأدت جولة القتال أيضا إلى إغلاق آبار الغاز الجنوبية في إسرائيل، ما أظهر بشكل أكبر قدرة غزة على تهديد أصول الطاقة الإسرائيلية والمحور السعودي (ليفي، 2021).

ورغم ذلك استمرت اتصالات مهمة من أجل تكثيف الممر الذي يمر عبر الفضاء السعودي الإسرائيلي ويستمر غربا أو شرقا. في الأشهر التي سبقت أكتوبر 2023، تم الكشف عن عمليات الموافقة على عدد من مشاريع البنية التحتية واسعة النطاق واحدة تلو الأخرى:

- الأول – إنشاء خط أنابيب يربط حقول الغاز الإسرائيلية بمنشأة التسييل القبرصية التي ستقوم بتسويق الغاز المسال إلى اليونان، ومن هناك إلى أوروبا (كيلر لين، 2023). وهذا تطوير لجزء من مشروع طموح بدأ التخطيط له منذ حوالى عقد من الزمن، وهو خط أنابيب شرق البحر الأبيض المتوسط "​​إيست ميد". وقد تم تصميمه لربط خزانات إسرائيل باليونان وأوروبا، لكن لم يتم إثبات إمكانية تطبيقه اقتصاديا وفنيا نظرا لكونه أطول خط أنابيب تحت الماء مخطط له في العالم (كراسنا، 2023).

- الثاني - خط الطاقة تحت الماء من مشروع EuroAsia Interconnector، والذي سيربط شبكات إسرائيل وقبرص واليونان ويجعل من الممكن تحقيق استقرار إمدادات الكهرباء بين البلدين واستخدام فائض الكهرباء المولد من الآخر لصالح أحدهما (كاهانا، 2023؛ ميشيل، 2021).

- الثالث - الأبرز - خط سكة حديد مع إمكانية مد خطوط أنابيب للطاقة على طوله، والذي سيربط أوروبا عبر ميناء حيفا وبيسان والأردن والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والهند. كل ذلك تحت المظلة الأميركية التي تتوسط وتوحد الأطراف على طول الممر وتضمن ضمانتها للقضية المركزية المطلوبة لربط قطع اللغز وهي اتفاق التطبيع بين إسرائيل والسعودية (كابور، 2023).

- الرابع - خط أنابيب غاز جديد من إسرائيل إلى مصر سيوسع قدرة مصر على تسييله وتصديره إلى أوروبا (Elmas, 2023c; Elmas, 2023)، وحتى تركيب خط أنابيب غاز بين مصر والمملكة العربية السعودية عبر مضيق تيران. لبيع الغاز المصري والإسرائيلي للسعودية (رغم أن لديها التماسات احتياطيات من الغاز، ولم تتقدم بعد بتأسيس صادراتها وتستخدم الكثير من الغاز للاستهلاك الداخلي) (زكان، 2023).

- الخامس - إنشاء خط أنابيب الهيدروجين الذي سيتدفق إلى أوروبا من مشروع البنية التحتية المستقبلي في مدينة نيوم السعودية إلى ساحل البحر الأحمر، وأيضاً من الحقول المخطط لها في الهند عبر خطوط الأنابيب التي سيتم مدها على طول المسار غرباً. السعودية إلى ميناء حيفا (مارتن، 2023.)

لدى الولايات المتحدة والكوكبة التي تقودها العديد من المصالح المتأصلة في إسرائيل والمملكة العربية السعودية، معا وبشكل منفصل، ولكن هناك مصلحة واحدة واضحة تبرز في هذا الوقت فوق البقية - وهي الحرب ضد "الكوكبة الآسيوية" الناشئة. بداية هذا النضال هي تحرير ألمانيا من عناق روسيا النشط، كما هو موضح أدناه.

 

عناق الدب

 

وكما سبق وصفه، أصبحت روسيا في العقود الأخيرة قوة طاقة تهيمن على احتياطيات ضخمة من النفط والغاز، وتستخدمها لتحقيق استراتيجية جيوسياسية متميزة. وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي وتحت حكم بوتين الطويل الأمد، تبذل هذه القوة العظمى جهوداً لاستعادة نفوذها الدولي الكبير. وكجزء من هذا، يتزايد اهتمامها بالشرق الأوسط (مرة أخرى). ومن بين أمور أخرى، تطمح إلى تشكيل تحالفات مع مختلف الدول الإسلامية أو تصوير نفسها كشريك لها، لأنها بهذه الطريقة تتخلص من ضغوطها عندما يتعلق الأمر بصراعاتها الصعبة مع الأقليات المسلمة في الجنوب. إن إنقاذها لنظام الأسد في سورية، إلى جانب إيران، عزز التحالف الذي كان يتم بناؤه بينهما ووضع سورية، التي وصلت إلى أدنى مستوياتها خلال الحرب الأهلية، كنوع من دولة المحسوبية المشتركة. وعلى الرغم من الاختلافات الثقافية والدينية والأيديولوجية بين الدول، فإنها تجد قاسما مشتركا في نفورها من الغرب والهيمنة الأميركية. وفي هذا يتم تقاسم قيمهم وقيم الصين، كما سيتم وصفه لاحقا. في هذا الوضع، تعمل روسيا وإيران بشكل متزايد على تعزيز التعاون الاقتصادي، وخاصة العسكري. وقد تم الكشف عن ذلك، على سبيل المثال، في استخدام الروس للطائرات بدون طيار الإيرانية في هجومهم على أوكرانيا وبعد 7 أكتوبر، وفي بيع طائرات مقاتلة روسية متقدمة من طراز "سوخوي 35" إلى إيران (Barr, 2023).

كان الادعاء الأبرز أن الأمر يتعلق بصد التهديد الغربي من حدود روسيا، وهو ما تم التعبير عنه في المناقشات التي بدأت حول انضمام أوكرانيا إلى التحالف الدفاعي لدول الناتو.

استخدم الكثيرون هذه الحجة لانتقاد الولايات المتحدة والدول الغربية وإلقاء اللوم عليهم في بدء القتال في المقام الأول. ومن دون إلغاء هذه الحجة، من المناسب تقديم حجج مهمة، حتى لو كانت أقل بروزا في الخطاب والبحث: أولاً، يوضح التسلسل الزمني للأحداث أن أوكرانيا كانت مترددة فعليا حتى العام 2014 في التعاون مع حلف شمال الأطلسي، وأن الهجمات الروسية هي التي دفعتها إلى أحضان الغرب. ثانياً، لم يكن رد فعل روسيا مماثلاً عندما انضم جيرانها المقربون مثل بولندا أو المجر أو دول البلطيق إلى حلف شمال الأطلسي. وفي ضوء ذلك يبحث الباحثان يوهانسون وكلاوس عن مصلحة روسيا الأساسية في الصراع ويجدونها في قضية الطاقة، سواء في جانب الإنتاج أو في جانب الاستهلاك. لقد اختارت روسيا مهاجمة وضم أجزاء معينة من أوكرانيا، وهي ليست من قبيل الصدفة أغنى المناطق بمعادن الغاز والفحم، وعلى أساسها كانت أوكرانيا تأمل في الانفصال عن اعتمادها الكبير على الغاز الروسي وتصبح مصدراً منافساً لأوروبا. وتوجد في تلك المناطق العديد من الصناعات الثقيلة التي تستهلك كميات كبيرة من الغاز الروسي. كما أن حوالى 19% من الغاز الروسي المتجه إلى أوروبا يمر عبر أوكرانيا (أكثر من 75 مليار متر مكعب سنويا بتكلفة عبور تزيد على مليار دولار في العام 2017). أي أن الأمر يتعلق بالاستيلاء على المعادن، والتحقق من السيطرة على إمدادات الغاز لكبار المستهلكين الأوكرانيين والسيطرة على ممرات الغاز التي يعبرها الروس عبر أوكرانيا، لتجنب المنافسة التي من شأنها تقليل الاعتماد الأوروبي عليها (جوهانسون وكلويس، 2022).

قوبل هجوم العام 2022 بدعم غربي قوي لأوكرانيا، وهو ما ربما لم يتوقعه الروس. والولايات المتحدة، التي ترى بقلق التعزيز العدواني لمنافستها القديمة، لم تكتف بتسليح أوكرانيا فحسب، بل فرضت أيضاً عقوبات اقتصادية على روسيا. ولتحقيق هذه الغاية، طلب الرئيس بايدن تعاون اقتصادات الاتحاد الأوروبي، وهنا كانت تلاحقه استراتيجية الطاقة الروسية، التي ضمنت مسبقا أن تعتمد أوروبا بشكل كبير على الغاز الروسي (دريدجر، 2022؛ شاتنبرج، 2022). وبينما تتعاون العديد من الدول مع معظم العقوبات، فقد كافحت وتجنبت تطبيقها على صناعة الغاز. ومن أبرزها ألمانيا التي تعتمد صناعاتها وسكانها بشكل كبير على الغاز الروسي، لكن بلجيكا وإسبانيا وفرنسا وغيرها استمرت أيضا في استهلاكه بكميات كبيرة (معهد اقتصاديات الطاقة والتحليل المالي، 2023).

وبعد أن أدرك الاتحاد الأوروبي لأول مرة حجم التهديد الروسي، لجأ إلى كتابة وتنفيذ خطة لتنويع موردي الغاز - "إعادة التشغيل" (REPowerEU) - وعمل بقوة على إنشاء البنى التحتية التي تربطه بحقول الغاز في أوروبا. شمال أفريقيا وشرق البحر الأبيض المتوسط ​​(كما هو موضح أعلاه) وخطوط أنابيب الغاز والهيدروجين السعودية - الإسرائيلية التي طال انتظارها - (المفوضية الأوروبية، 2022).

كما يتزايد الطلب الأوروبي على موردي النفط الجدد، بسبب العقوبات المفروضة على النفط الروسي. وفي هذا الوضع، اتجهت روسيا إلى بيع النفط الرخيص إلى شرق آسيا، وبذلك تنافس في السوق التي كانت تهيمن عليها السعودية والإمارات حتى الآن. ويتجه هؤلاء بدورهم لتلبية الطلب الأوروبي الناشئ حديثا ويبحثون عن طريق التفافي إلى باب المندب في مصر. بينما تتم دراسة إمكانية توسيع استخدام خط إيلات - عسقلان (في صفقة إسرائيل مع الإمارات، الموصوفة أعلاه)، بسبب المخاطر البيئية المتمثلة في الأضرار التي لحقت بميناء إيلات (Retig، 2023 )، فمن المحتمل جدا أن يتم تمديد خطوط أنابيب النفط على طول المسار من الرياض إلى ميناء حيفا. لقد اصبح نجاح أوروبا في الارتباط بموردي الطاقة البديلة عبر إسرائيل يشكل مصلحة أميركية مركزية، لأن هذه هي الطريقة الوحيدة التي تستطيع بها الولايات المتحدة إنقاذ أوروبا من عناق الدب وممارسة الضغوط بشكل كامل على روسيا.

---------------------------------------------

هآرتس 7/4/2024

 

بعد نصف سنة من السادية والتعطش للدماء: بلغ السيل الزبى

 

 

بقلم: جدعون ليفي

 

اليوم أصبح عمرها نصف سنة، ويبدو أنها لن تكون المرة الأخيرة التي سنحتفل فيها بنصف سنة من الحرب؛ لا أحد في إسرائيل لديه أي فكرة عن كيفية إنهاء الحرب الأسوأ في تاريخها، التي تتراكم أضرارها بسرعة كبيرة، ولا إنجازات لها. لذا، يجب استجماع الشجاعة والقول: بعد مرور نصف سنة على كوارثها، كان من الأفضل ألا تندلع.

لا وألف لا، لقد كان أمام إسرائيل خيار وبحق، عدم شن الحرب. وإذا كانت هذه هي نتائجها، فمن الأفضل أن تتصرف بانضباط وتعاقب من كان يجب معاقبته على الأفعال الفظيعة في 7 أكتوبر والسير قدماً. عندها كان الجميع سيخرجون رابحين، باستثناء “الأنا” الذكورية والعسكرية في إسرائيل، التي تملي علينا دائماً الرد والانتقام والمعاقبة بشكل غير متزن، مهما كان الثمن. هذه سياسة صبيانية وغبية ولا مثيل لها. الشيء المخيف أكثر هو أن تتصرف إسرائيل هكذا حتى مع إيران.

لقد كتب عن كل شيء، بدون نجاح أو تأثير، لكن الأخطر من كل ذلك هو تشويه وجه إسرائيل الأخلاقي، وفي أعقاب ذلك تشويه مكانتها في العالم. هذه أمور لا يمكن إرجاعها. روسيا ستحتاج إلى سنوات كثيرة لترميم مكانتها بعد أوكرانيا. وستضطر إسرائيل إلى استثمار سنوات لترميم مكانتها بعد غزة. ولكن إسرائيل ليست روسيا، هي هشة أكثر بكثير.

اتركوا كل أوصاف اللاسامية في العالم، البعض منها صحيح. كل من يشاهد ما تفعله إسرائيل في غزة، يكرهها ويشمئز منها. لكن اتركوا العالم وانظروا ماذا حدث لنا. كنا دائماً غير مبالين إزاء معاناة الفلسطينيين، لكننا الآن سجلنا أرقاماً قياسية مدهشة. يتم بتر الأطراف بشكل روتيني في منشأة الاعتقال “سديه تيمان” وكأن شيئاً لا يحدث. 17 ألف طفل يتيم نتركهم لمصيرهم في غزة، ولا رد، لا الأطباء يحتجون على “سديه تيمان” ولا العاملون الاجتماعيون يحتجون على الأطفال المقتولين والجائعين. أصبحنا نشبه الوحوش، ليس في أفعالنا فحسب، بل أولاً وقبل كل شيء باللامبالاة.

في وقت ما كان هناك إسرائيليون أصيبوا بالصدمة واضطروا إلى فعل شيء. هؤلاء لم يعودوا موجودين تقريباً. كتب طبيب في “سديه تيمان” رسالة ولا نعرف إذا كان يواصل عمله مع المجرم. 7 أكتوبر، اليوم الذي كان قبل نصف سنة، حطم ضمائر الإسرائيليين. جدول الأعمال الحصري لكل إسرائيل، بدون استثناء، فقط كوارثنا ومعاناتنا وضحايانا، وليحترق كل ما تبقى.

المزيد من الإسرائيليين بدأوا يفهمون ويتجرأون على الحديث والاستيقاظ من الأوهام. الآن تزداد الدعوات لوقف الحرب على الفور وبدون شروط، حتى على صفحات “هآرتس”. ولكنها جاءت متأخرة ومترددة جداً. التعطش للدماء والسادية خرجت من الصندوق في نصف السنة الأخير هذا. وهذا الأمر يعتبر صواباً سياسياً في إسرائيل.

النصف الثاني من العام قد يكون أسوأ من سابقه. اجتياح رفح قد يجعل عمليات القتل الجماعي التي نفذناها حتى الآن تظهر كمقدمة. إذا حدث ذلك، فستشتعل المنطقة الشمالية وسيجتاح إيران الغضب. من الأفضل عدم الدخول إلى سيناريوهات رعب واقعية تماماً. إسرائيل ستواصل تجميع جثث المخطوفين مثل أمس، والضفة الغربية ستنضم إلى زبائن الحرب، وللمرة الأولى في تاريخها ستقف إسرائيل وحدها أمام كل ذلك. يفضل التوقف هنا. وقف صور يوم القيامة الواقعية تماماً ووقف الحرب. النصف سنة الأول يكفينا ويزيد، بلغ السيل الزبى.

---------------------------------------------

 

هآرتس 7/4/2024

 

 

بتفعيل نتنياهو لـ”نظام هنيبعل”: إنهم يتركون “المخطوفين” ضحية لأحلامهم المسيحانية

 

 

بقلم: أسرة التحرير

 

نصف سنة مرت منذ 7 أكتوبر و133 من أصل 253 من المدنيين والجنود الذين اختطفتهم حماس إلى غزة لا يزالون محتجزين لديها، يذوون في الأسر، كثيرون منهم لم يعودوا على قيد الحياة. تحدد عدد المخطوفين أمس بعد أن علم بمقتل العاد كتسير في الأسر وجيء به ليلة أول أمس إلى إسرائيل. “لعله يعترف به كمصاب أعمال عدائية، لكن التعبير الدقيق هو “مصاب أعمال تسيب”. فقد ترك سائباً في 7 أكتوبر وترك سائباً 183 يوماً في الأسر، كان يمكن فيها إعادته حياً”، كتبت أمس كارنيت بلاتي كتسير، شقيقته. كل يوم تتأخر فيه الصفقة لإعادتهم يعرض صحة كل منهم النفسية والجسدية للخطر. كل يوم يمر هو تعذيب لكل منهم، وجحيم لأبناء عائلاتهم الذين يخرجون عن أطوارهم من شدة القلق والحزن والألم والشوق.

نتنياهو هو المسؤول الرئيس عن وضعهم. أتاح اختطافهم منذ البداية جراء سياسته الفاشلة. وهو المذنب الرئيس في بقائهم هناك نتيجة تماطله منذ المذبحة. الويل للمخطوفين والويل لعائلاتهم في أنهم متعلقون به جداً لإعادتهم إلى إسرائيل. هم في الأيادي الأكثر سوءاً التي يمكن تصورها. ما يؤكد أكثر من ذلك الحاجة العاجلة والوجودية لاستبداله. نتنياهو يلعب لكسب الوقت، وعائلات مخطوفين كثيرة باتت تقول هذا على رؤوس الأشهاد. عيناب تسنجاوكر، أم الجندي المخطوف متان، ذكرت بصراحة الحبل القصير الذي أعطاه رئيس الوزراء للمتفاوضين عن إسرائيل: رئيس الموساد دادي برنياع، ورئيس “الشاباك” رونين بار، ورئيس قيادة الاستخبارات والعمليات اللواء نيتسان ألون. “كفوا عن قصقصة التفويض للطاقم المهني الذي يسافر هذا الأسبوع، حرر لهم الحبل وأعطهم التفويض. لا تبعث بهم هكذا لغير غرض”، صرخت من دم قلبها.

على الجمهور ألا يترك تسنجاوكر وكل عائلات المخطوفين أن يقفوا وحدهم أمام نتنياهو وحكومته، ويجب ألا تترك عائلات المخطوفين لمصيرها في كفاحها، فهذا ما يفعله نتنياهو وشركاؤه في الجريمة من الحكومة. نتنياهو لا يفهم إلا لغة القوة السياسية، ومن يمارس عليه القوة السياسية اليوم هم متطرفو اليمين، الكهانيون والهنباليون، الذين يضغطون عليه لمواصلة الحرب حتى على حساب حياة المخطوفين. من ناحيتهم، المخطوفون ضحية شرعية لتحقيق أحلامهم المسيحانية عن الاحتلال والاستيطان وعن ترحيل الفلسطينيين.

على الجمهور في إسرائيل أن يقف إلى يمين عائلات المخطوفين حتى يضع وزناً سياسياً مضاداً في وجه المتطرفين. وعليه أن ينضم إلى عائلات المخطوفين في مطلب تحريرهم والإيضاح بأن ليس للحكومة تفويض لتفعيل نظام هنيبعل على 133 مخطوفاً في صالح استمرار الحرب. مرت نصف سنة من اليوم الرهيب في حياة الدولة ووضع إسرائيل يتفاقم. نحن ملزمون بإعادة المخطوفين، ملزمون بإنهاء الحرب، ونتنياهو ملزم بالرحيل. هذه مسألة حياة وموت.

---------------------------------------------

 

يديعوت أحرونوت 7/4/2024

 

 

هل بنت إسرائيل استراتيجيتها العسكرية لحرب طويلة الأمد وفي أكثر من جبهة؟

 

 

بقلم: يوسي يهوشع

 

مع مرور نصف سنة على الحرب التي لم يكن لها مثيل، واجب أن نتناول بتوسع النجاحات والإخفاقات. لكن لنفهم الأحداث بعمق منذ 7 أكتوبر، يجب التوجه إلى المكان الذي لا أحد يتحدث عنه: الشكل الذي بني به الجيش الإسرائيلي على مدى أكثر من السنوات العشر الأخيرة وكيف اصطدمت هذه المخططات بالجبل الجليدي للواقع، بحيث وجدت إسرائيل نفسها في ورطة استراتيجية.

تجدر الإشارة مسبقاً إلى أن مبنى القوة هو إجراء معقد ومركب، والمسؤول عنه هو المستوى العسكري، ولكن ذلك يأتي وفقاً لسياسة الحكومة ورئيسها، الذين يولون اهتمامهم للأمن القومي.

الفكرة التأسيسية لمبنى القوة هي حروب قصيرة: في الخطط متعددة السنين تقررت فترات زمنية مثالية لبضعة أسابيع. وثمة مبدأ آخر، وهو أن الجيش الإسرائيلي يبني قوته للحسم في ساحة واحدة، في هذه الحالة لبنان، في ضوء التهديد الذين يمثله حزب الله في ظل بناء قدرات دفاعية في الساحات الأخرى، التي تعد غزة واحدة منها.

المستوى السياسي يعرف ثمن الإعداد للحسم في ساحتين: ارتفاع في حجم الجيش وعلى الأقل مضاعفة الميزانية لأن المال لا ينبت على الشجر، وهناك حاجة إلى سلم أولويات.

وعليه، فإن حقيقة خوض إسرائيل أكثر من جبهة منذ أكثر من 180 يوماً، دليل على العقدة. إن المناوشات التي تجري في الشمال وحالة التأهب لثأر إيراني، تضع الجيش في سيناريوهات لم يكن مبنياً لها، لا في حجم القوة البشرية في “النظامي” وفي “الاحتياط” ولا في شكل تنفيذ سياسة “اليوم التالي”.

من جهة أخرى، مرغوب فيه توضيح سياسة “اليوم التالي” ليعرف الجيش الإسرائيلي كيف يستعد لها. أما هذه الفوضى فوقعت دون أن تكون لبنان وسوريا وإيران هي أول من تهاجم إسرائيل، بل منظمة بحجم حماس، التي تعتبر دون حزب الله بعدة أضعاف.

واضح أن الجيش يستعد لتحديث الخطط مع بضع نقاط انطلاق محتمة، مثل نمو عاجل في جملة منظومات متقدمة ومتأخرة وإنتاج ذاتي للذخيرة للامتناع عن التعلق بقوى عظمى صديقة وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا.

رغم كل الزمن المنقضي، ثمة إحساس في أن الدمج بين السبت الأسود، وانعدام الثقة بالقيادة، وكذا امتناع وسائل الإعلام عن عرض الصور القاسية في غزة، يمنع عن الجمهور فهم ما أحدثته إسرائيل هناك وفي مناطق معينة أخرى في لبنان من حيث استخدام السلاح الهجومي والدفاعي: 340 طائرة هبطت في إسرائيل و60 سفينة رست في شواطئها لتوفر القوة الهائلة التي استخدمت، والتي حسب الخبراء لا مثيل لها في التاريخ الحديث. هذا الحجم يدل على احتياجات الجيش الإسرائيلي الهائلة للوسائل.

ورغم ذلك، على الجيش أن يستكمل التحقيقات الشاملة قبل تلقيه شيكاً مفتوحاً ليزيد الوسائل القتالية. مع كل الاحترام للغضب، ينبغي فحص الكميات المجنونة من الذخيرة التي ألقيت في غزة في بداية الحملة، والتي حطمت كل الأرقام القياسية المعروفة بالنسبة لكل يوم قتالي.

لا يزال الجيش يتباهى بالإنجاز الأهم بعد الهزيمة الرهيبة في 7 أكتوبر، ألا وهو القدرات التي أبداها الجيش البري، في ظل تعاون غير مسبوق في نوعيته مع سلاح الجو والاستخبارات، بعد أن صدر أمر بالدخول إلى شمال غزة. لقد دفعت إسرائيل، وتدفع أثمانا أليمة جداً في الحرب، لكن الصورة العامة هي صورة بضع إنجازات لا بأس بها، بالتأكيد مقابل الترددات والمخاوف التي كانت قبل ذلك.

قلة فقط آمنوا بأن الجيش الإسرائيلي سيطور نظرية قتال حديثة حيال تهديد الأنفاق في الزمن الحقيقي. يصر الجيش رغم العدد الهائل من النساء والأطفال الذين قتلوا، على أن القتال تم في ظل أقصى جهد لمنع المس بالأبرياء. وبالفعل، تشير معطياته إلى نتائج مبهرة لكل جيش آخر في العالم.

مثلما في كل مواجهة عسكرية، تفحص هذه الأعداد جهات كهذه أو غيرها. ومهم جداً عدم الاستخفاف بهذا الموضوع. مثلما فهم في قضية قتل متطوعي منظمة المطبخ المركزي العالمي، فإن مثل هذه الأحداث قد تغير اللعبة.

إن المس بقدرات حماس أدى إلى تفكيك أطرها العسكرية، لكن الحقيقة المحبطة هي أن الحسم لم يتحقق بعد، ولا يبدو ذلك. يخيل أن خط الانكسار هو وقف النار الأول الذي تحرر في أثنائه نساء وأطفال تحت الضغط العسكري والأزمة الإنسانية في القطاع. مع استئناف القتال، فوت المستوى السياسي والعسكري فرصة حرجة للعمل في رفح ومخيمات الوسط. كان يمكن العمل أيضاً في خانيونس في وقت مبكر أكثر.

موقف الجيش منطقي: كانت أهمية عسكرية ورمزية للانقضاض على شمال القطاع ومدينة غزة، كمركز سلطوي. وإلقاء أربع فرق في وقت واحد ليس شيئاً اختبره الجيش الإسرائيلي في العقود الأخيرة، وكانت هناك قيمة عظيمة للعملية التي أظهرت لحماس بأن مستشفى الشفاء هو الآخر غير محصن من الهجوم، وأظهرت للجمهور الإسرائيلي بأن جيل المقاتلين الحالي لا يقل عن جيل الـ 1948.

غير أنه تقرر تسريح القوات وأساساً الاحتياط، بدلاً من استغلال الزخم والضغط على كتائب حماس في رفح وفي مخيمات الوسط. في تلك الأيام، لم تكن رفح تتفجر باللاجئين بذات المستوى، وكان الائتمان الدولي أكبر بكثير: كان لا يزال للولايات المتحدة صبر على رئيس الوزراء، بخلاف الوضع الخطير الآن الذي يجعل الدخان يتصاعد من أذني رجال الرئيس بايدن بمجرد ذكر اسم نتنياهو في البيت الأبيض.

في هذا السياق، يصر نتنياهو على أن يكون محقاً، لكن غير حكيم. نهجه تجاه دولة فلسطينية في الضفة وغزة تقبله أغلبية الجمهور في 7 أكتوبر، لكن سلوكه تجاه الإدارة الأمريكية لا يحقق أهدافه التي وضعها بنفسه.

الرجل الذي ألقى خطاب بار ايلان دون أن يقصد كلمة منه، كان يمكنه أن يقول “نعم، لكن” للطلبات الأمريكية، وأن يعتمد على تقاليد فاخرة للرفض الفلسطيني، ثم السماح للجيش بالسعي للحسم في المناطق التي لا يوجد نصر بدون معالجتها.

ما الذي خرج لنا من هذا؟ أصبح الضغط على يحيى السنوار ضغطاً على إسرائيل. زعيم حماس في القطاع يستغل القليل من الاتصالات التي لديه مع العالم الخارجي كي يفرك يديه باستمتاع حين يوبخ بايدن نتنياهو، وكل الدول تنتظر الثأر الإيراني في هذه الأثناء. لا يرى السنوار سبباً يجعله يعقد اتفاقاً إضافياً لتحرير المخطوفين والمخطوفات.

هذا الوضع محبط لرئيسي أركان سابقين، دخلا إلى كابينت الحرب في وضعية بدت كتهديد وجودي، والآن مقيدان بين التردي الزاحف في مكانتيهما وضغط الاحتجاج مقابل الرغبة في تحقيق اتفاق والتصدي للرد الإيراني أيضاً. كل من يعرف شيئاً أو شيئين عن “كابينت الحرب” يفهم بأن مطالبتهما بتركه الآن ليست جدية، وليست مسؤولة في خلفية التهديد الإيراني.

نصل بأسف شديد إلى السطر الأخير؛ أن القيادة كبلت نفسها بوعود متفجرة لا تتيح خطوات زعامية وإبداعية ومستشرفة للمستقبل، لكن ليست شعبوية بالضرورة. الجيش بحاجة إلى إنعاش المقاتلين وتصليح الآليات وتجديد المخزونات، وعلى أي حال، حجم القوات في غزة هو الآن الأدنى منذ بداية الحرب. في مثل هذا الوضع، حين لن تتم العملية في رفح غداً ولا حتى بعد أسبوعين، كان من الصواب الإعلان عن نهاية الحرب والانتقال إلى القتال ومواصلة العمل في المنطقة حيثما ينبغي.

خطوة كهذه كانت ستؤثر على الساحة الشمالية. معقول الافتراض بأن نصر الله كان سيوقف النار أو على الأقل يخفضها دراماتيكياً. ومع أن سكان الشمال ما كانوا سيعودون إلى بيوتهم، لكن ثمة وقت لإعداد الجمهور بشكل أفضل لحرب الحملة في غزة. ومطلوب لهذا الغرض أيضاً ترميم العلاقات مع الأمريكيين الذين كانوا يريدون انتهاء الحرب. من يعتقد أن بإمكانه معالجة التهديد الإيراني دون الأمريكيين، يجدر به أن يشتري ساعة منبه بدلاً من مولد كهرباء وسداسية ماء.

غير أن إنهاء الحرب معناه الإشارة لتقديم الحساب على مجرد نشوبها. كان بود نتنياهو ورئيس الأركان أن يؤجلا هذا الموعد قدر الإمكان. لكن كليهما على علم جيد بساعة الرمل الجماهيرية وهي مسبب للأخطاء، التي ندفع ثمنها أيضاً.

---------------------------------------------

 

هآرتس 7/4/2024

 

 

لبايدن: هل تعلم أنك تمول المستوطنين وإرهابهم ضد أهالي الضفة الغربية؟

 

 

بقلم: عميره هاس

 

في آذار الماضي تم تسجيل 147 اعتداء لإسرائيليين يهود ضد فلسطينيين في الضفة الغربية. بمتوسط 5 اعتداءات كل يوم. لم يتم تسجيل اعتداءات في يومين من الـ 31 يوماً، أحدهما السبت 23 آذار. بالتالي، في أيام السبت الأربعة الأخرى تم تسجيل اعتداءات. كنت نشرت الأسبوع الماضي عن اقتحام ومهاجمة في يوم السبت 30 آذار ضد سكان قرية مخماس جنوب شرق رام الله، وعن اقتحام ومهاجمة لقرية عقربة في 19 آذار، التي قتل في نهايتها فخر بني جابر (40 سنة) بالرصاص الحي.

نعود إلى الاعتداء في مخماس: يهودي ضرب سمحان أبو علي (55 سنة) بقضيب من الحديد على رأسه وهو مرمي على الأرض، قام اثنان أو ثلاثة من المقتحمين بضربه بحجر وعصا. وأطلق عدد من الغزاة – المعتدين، النار في الهواء. حصيلة المهاجمين كانت كسراً في اليد، وفكاً في الكتف، وجرحاً عميقاً في رأس أبو علي. قبل ذلك، عندما تقدم المهاجمون ملوحين ببنادقهم ويطلقون النار جهة سكان القرية، أصيب شاب ابن 22 سنة بالرصاص الحي في قدمه. سارع أبو علي وتقدم نحوه لأنه خاف من أن يضربه المهاجمون وهو مرمي ينزف على الأرض. عندها انقضوا على الرجل المسن والشجاع الذي اعتقد أن عمره سيحميه. اثنان من السكان أصيبا بالحجارة، ولكنهما لم يحتاجا إلى علاج في المستشفى. وحسب المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي، “تم الحصول على تقرير عن مهاجمة راع إسرائيلي، وفي أعقاب ذلك تطور احتكاك ورشق حجارة متبادل بين المواطنين اليهود والفلسطينيين”. هل رأيتم فلسطينياً يهاجم راعياً يهودياً (إما يكون مسلحاً أو يرافقه حراس مسلحون) ولم يعتقل فوراً أو في تلك الليلة؟ يمكن الإشارة إلى عدم اعتقال أي مواطن من مخماس في الأسبوع الماضي بسبب مهاجمة إسرائيلي.

سأكتب الآن الشعار المطلوب: لو أن يهودياً بعمر 55 سنة هو الذي تعرض للمهاجمة بهذا الشكل قرب بيته من قبل ثلاثة فلسطينيين، لصرخت العناوين: عملية وحشية، ضربوه لأنه يهودي. ولكن لأن هؤلاء هم فلسطينيون في بيوتهم، والإسرائيليون – اليهود هم الذين يهاجمون، فلا يستحق حدث كهذا أن يذكر.

 هناك أفلام وصور تظهر السير التهديدي للمسلحين الملثمين نحو الفلسطينيين على أراضيهم. لا توجد صور عن اللحظات الأكثر عنفاً، ولكن النموذج معروف من أحداث كثيرة أخرى التي يحافظ فيها إسرائيليون يهود على الوصايا، كما هو الأمر هنا لهم ملامح خارجية (قبعات، أهداب وسوالف)، يهاجمون المزارعين والرعاة الفلسطينيين، كباراً في السن وشباناً. لقد أصابوا أيضاً “نشطاء إسرائيليين ضد الاحتلال”، وناشطات أيضاً وحاخامات. سنقول للمرة المليون بأن النموذج المعروف منذ عشرات السنين يدل على أن السلطات التي لا تمنع ولا تعتقل ولا تسجن، ولا تحاكم وتعاقب، هي سلطات معنية باستمرار الاعتداءات.

 على خلفية الصور، قال مصدر أمني إن أحد المهاجمين الذي كان يرتدي الزي العسكري ومسلح هو مركز الأمن في مستوطنة “معاليه مخماش” الواقعة في شمال شرق القرية. وأضاف بأن ثلاثة مسلحين آخرين يرتدون ملابس مدنية هم جنود في إجازة. ليعرف الرئيس الأمريكي: السلاح الذي معهم هو سلاح أمريكي، وهو مخصص لإلقاء الذعر. الكثير من سكان مخماس لديهم الجنسية الأمريكية. هم أصحاب الحقول والبساتين، كيف لا يمكنهم الوصول إليها بسبب تهديد اليهود المسلحين الذين سيطروا على أراضيهم. هكذا يفعل مثلاً أحفاد الفروع المجاورة لمستوطنة “معاليه مخماش”: البؤر الاستيطانية “نفيه ايرز” و”نحلات تسفي”. ثمة منشور لنحلات تسفي يدل على أن خطتها هي “وضع حقائق جديدة على الأرض أمام “السيطرة” العربية في المنطقة”. المستوطنون هم مبعوثو دولة إسرائيل وصهاينة متحمسون. ليعرف الرئيس الأمريكي الأكثر صهيونية في تاريخ الولايات المتحدة أن كل اقتحام واعتداء لهم والتلويح بالبندقية الأمريكية تقرر الحقائق على الأرض.

في آذار، سجل 147 اعتداء، وفي شباط 145، وفي كانون الثاني 108، وفي تشرين الأول 2023 كان الرقم قياسياً كما هو متوقع، 408 اعتداء، وفي حزيران 2023 كان 184. بالإجمال، في الـ 12 شهراً الأخيرة سجل 1926 اعتداء ليهود ضد الفلسطينيين. استوعبوا: 1926. الهجمات التي تم ذكرها هي من كل الأنواع: اقتحام مسلحين لقرى، وحقول وكروم والينابيع والخيام، تهديد بالبنادق، تخريب الأشجار والممتلكات، سرقة أغنام، رشق حجارة على البيوت والسيارات، ضرب مبرح وتكسير عظام وقتل، كل ذلك برفقة وحماية الجنود أو وحدهم.

هذه الأحداث يوثقها قسم المفاوضات في م.ت.ف، الذي لم يبق له حول ماذا ومع من يتفاوض. ترتكز القائمة إلى تقارير تصل إلى أجهزة الأمن الفلسطينية والصحافيين في الوقت الحقيقي. لا يعرفون عن جميع عمليات الاعتداء، أحياناً المعلومات التي تنشر تكون أولية ومقتضبة، وهي غير دقيقة 100 بالمئة. ولكنها بالتأكيد تعطي فكرة حول ما هو الإرهاب المتراكم. هي ترسم خطوط نظام التخويف والذعر والتهجير الذي يوازي رعب وطرد الجيش، الذي أقامه مواطنو الدولة ومبعوثوها وممثلوها وأعزاؤها، في الضفة الغربية.

------------------انتهت النشرة------------------

أضف تعليق