05 آيار 2024 الساعة 21:53

الصحافة الإسرائيلية الملف اليومي صادر عن المكتب الصحفي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين الثلاثاء 20/2/2024 العدد 940

2024-02-21 عدد القراءات : 45
 الصحافة الاسرائيل– الملف اليومي

افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

 

 

 

 

هآرتس 20/2/2024

 

 

شطب المسألة الفلسطينية: قصة فشل بطلها نتنياهو

 

 

بقلم: ألون بنكاس

 

بنيامين نتنياهو يُعتبر هرتسل الدولة الفلسطينية أو الذي يبشر بها. هو أيضا الشخص الذي ساهم اكثر من أي شخص آخر بسياسته عديمة المسؤولية على تحويل ايران إلى دولة حافة نووية. ورفض هذه التطورات، القدرة النووية العسكرية لإيران والدولة الفلسطينية، شكل حياة نتنياهو السياسية، وفيهما سجل الفشل الذريع، في الوقت الذي ما زال يقوم فيه بإلقاء الخطابات الفارغة. يقوم بالتخويف والمهاجمة بشدة في السيناريوهين، لكنه يقوم بفعل القليل جدا لمنع تحققهما. ايران توصلت في فترة قصيرة نسبية إلى حافة القدرة النووية ولديها كمية غير مسبوقة من اليورانيوم المخصب؛ والدولة الفلسطينية أصبحت قضية رئيسة على جدول الأعمال الدولي.

"حتى 7 تشرين الأول كان يصعب ملء غرفة في واشنطن لمناقشة الدولة الفلسطينية"، قال لي سيناتور مقرب من الرئيس الأميركي جو بايدن. "الآن في سياق الشرق الأوسط يتحدثون فقط عن ذلك". ورغم أنه كان يجب عليه الاستقالة على الفور في منتهى يوم السبت ذاك، أو تحمل المسؤولية الكاملة عن ذلك والإعلان بأنه ينوي الاستقالة بعد الحرب، للمفارقة الواقع أعطى لنتنياهو طريقا سحرية للتكفير عن أخطائه، والصورة الشخصية التي تبناها بأسلوب لويس الرابع عشر. وكأن دولة إسرائيل لن تكون بدونه. التكفير سيكون ممكنا إذا وافق على "خطة بايدن" لإقامة الدولة الفلسطينية. ليس بالمعنى الذي رآه وقدسه، بل من خلال المفاوضات وربما حتى حل الكنيست والذهاب إلى الانتخابات.

الولايات المتحدة لا تريد منه اكثر من ذلك، رغم تباكيه المصطنع من العالم الذي يحاول فرض "إملاءات" على إسرائيل. بالطبع هو لن يفعل ذلك. وفي واشنطن لا يعتبرونه حليفا في هذه الخطة. عمليا، نتنياهو لا يعتبر حليفا للولايات المتحدة في أي مجال. وسعيه إلى مواجهة  الإدارة الأميركية بصورة مباشرة، تحول من التقدير إلى فرضية عمل. منذ 7 تشرين الأول فإن حب ودعم الرئيس الأميركي لإسرائيل يتغلب على الاشمئزاز الكبير من نتنياهو، خلافا لبعض الشخصيات القيادية في حاشيته، مثل نائبته كمالا هاريس ووزير الخارجية أنتوني بلينكن ومستشار الأمن القومي جاك ساليفان.

الحكومة الإسرائيلية نشرت، أمس، بشكل احتفالي قرارا لا معنى له يفيد بأنها ترفض "الإملاءات الدولية" وتعارض أي اعتراف أحادي الجانب بالدولة الفلسطينية. أولا، لا توجد أي إملاءات دولية، أو أي إملاء أميركي بشكل خاص. ثانيا، لا يوجد اعتراف أحادي الجانب بالدولة الفلسطينية. يتم فحص اعتراف محتمل بدولة مستقبلية، باعتبار ذلك وسيلة للتعبير عن التفضيل السياسي – في نهاية عملية تكون إسرائيل شريكة فيها.

الواقع الاستراتيجي أوسع من الحرب في غزة، وبالتأكيد أوسع من إعلان الحكومة. في القريب، إسرائيل ستضطر إلى حسم واختيار أمر من اثنين. إما قبول كأساس للمفاوضات "خطة بايدن" التي تتبلور في هذه الأثناء والتي جوهرها هو تغيير تدريجي للديناميكية السياسية في الشرق الأوسط والبنية الهندسية المعمارية الأمنية في المنطقة؛ أو التمسك بـ"خطة نتنياهو" التي تعني بقاءه في الحكم ونفي الواقع الجيوسياسي وإخضاعه لأغراض سياسية وشخصية وتجاهل العلاقة بين الهجوم الإرهابي الدموي في 7 أكتوبر والقضية الفلسطينية، والمسارعة بعيون مفتوحة نحو واقع "الدولة الواحدة" والعزلة الدولية.

 

خطة المراحل

 

الخطة الأميركية التي لا تزال غير مكتملة، تدمج أفكارا أميركية نبعت من الرد في واشنطن على 7 أكتوبر مع صيغة محدثة لـ"المبادرة السعودية" من العام 2002. هذه الخطة تشمل عدة بنود رئيسة متدرجة، وكل مرحلة تنبع من نجاح المرحلة السابقة لها. المرحلة الأولى هي صفقة تبادل مرفقة بوقف لإطلاق النار مدته 45 يوما. الحديث يدور عن شرط أساسي، حتى لو كان على الورق، باسم "هدنة طويلة المدى" أو "وقف مؤقت للقتال". الرئيس بايدن كان واضحا في أقواله في يوم الجمعة، "مطلوب وقف مؤقت لإطلاق النار من اجل إطلاق سراح المخطوفين... لا أتوقع أن تبدأ إسرائيل بغزو كثيف في رفح في هذه الأثناء، واعتقد أن هذا لن يحدث. الأمل هو أن ننجح في استكمال صفقة المخطوفين".

قطر، السعودية، مصر والأردن، تقوم بالضغط من اجل التوصل إلى صفقة قبل 10 آذار، بداية شهر رمضان. أيضا تقديرات المخابرات الأميركية كما جاء في الإحاطات التي قدمت لأعضاء في الكونغرس، تتحدث عن موعد هدف مشابه. استمرار الحرب واقتحام محتمل في رفح يمكن أن يؤدي إلى تصعيد الدوائر الأبعد من القطاع. إذا وبحق تم الاتفاق على وقف لإطلاق النار فإن المرحلة الثانية ستكون النقاش حول غزة: من سيحكمها وبأي شروط وما هي العلاقة السلطوية مع الضفة الغربية.

الولايات المتحدة تفترض أن الجيش الإسرائيلي سيبقى في مناطق معينة في القطاع، وهي غير مستعدة لمواصلة حكم حماس. ولكنها تعتبر وقف إطلاق النار الطويل الذي يعني إنهاء الحرب فعليا بالصيغة الحالية، هو فرصة لتشكيل قوة متعددة الجنسيات، التي ستحكم غزة، وفي داخلها مركب عربي رئيس توجد فيه السلطة الفلسطينية. الشعار الفارغ لنتنياهو "لن نسمح لحماستان أن تصبح فتحستان"، لا يترك الانطباع على أي أحد، لا سيما أنه هو الشخص الذي سمح بإقامة حماستان بشكل متعمد. هذا الشعار يجعل إسرائيل الحلقة الأضعف في الخطة طالما أن نتنياهو هو رئيس الحكومة. الولايات المتحدة، بريطانيا ودول أخرى، ستفحص اعترافا مشروطا بدولة فلسطينية مؤقتة ومستقبلية دون رسم حدودها ودون أي مطالبة جغرافية من إسرائيل في هذه المرحلة. فكرة أخرى هي القيام بالاعتراف على شكل قرار في مجلس الأمن "يكون خاضعا للمفاوضات بين الطرفين".

المرحلة التالية هي اعتراف السعودية وقطر ودول أخرى بإسرائيل، والإعلان عن خطة لتطبيع العلاقات معها. البيت الأبيض لا يستبعد بيانا وصورة مشتركة تمثل هذه القفزة. عمليا، هذه الخطة توجد في مبادرة السلام التي نشرها ولي عهد السعودية السابق، عبد الله بن عبد العزيز، في العام 2002. الأميركيون اقتنعوا مؤخرا أنه من اجل تخفيف استخدام مفهوم "الدولتين" أو "دولة فلسطينية" وتقييده بـ"دولة مستقبلية منزوعة السلاح" من خلال الاعتراف بأن المزاج في إسرائيل منذ 7 أكتوبر مليء بالتخوفات والمعارضة الطبيعية. الأميركيون على قناعة بأنه في  الوقت نفسه يتطور في أوساط الجمهور الإسرائيلي الإدراك بأن الوضع القائم مع الفلسطينيين خطير بدرجة لا تقل عن ذلك. بالنسبة للأميركيين كان لـ 7 أكتوبر تداعيات تأسيسية على الشرق الأوسط، التي أوجدت محورين، محور الفوضى والإرهاب الذي يشمل ايران وسورية و"حزب الله" والحوثيين و"حماس" بدعم من روسيا، ومحور الاستقرار والتكامل الذي يشمل الولايات المتحدة واسرائيل والسعودية ومصر والأردن وقطر.

تحقيق هذا الهدف غير سهل، وهناك ادعاءات ثقيلة الوزن ضد الخطة الأميركية. فهي خطة طموحة جدا وتوجد فيها أجزاء متحركة وتغيرات كثيرة ولا يوجد تزامن كاف للمصالح؛ عدد من اللاعبين الإقليميين غير موثوقين – من هنا فإن الولايات المتحدة تضع نفسها على مسار الفشل. ولكن عيب الخطة الأساسي ليس درجة إمكانيتها، بل حقيقة أن نتنياهو ليس شريكا فيها. إضافة إلى ذلك في واشنطن يعترفون بأنه فعليا لا يوجد لهم أي حلفاء في النظام السياسي في إسرائيل، حتى في أحزاب المعارضة، التي تسارع إلى الترديد بصياغة أخرى الرفض الذي يعبر عنه رئيس الحكومة.

---------------------------------------------

 

هآرتس 20/2/2024

 

 

أوهام اليمين الإسرائيلي

 

 

بقلم: نوعا لنداو

 

وصلت الحلقة التي يعلق فيها النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني إلى نقطة اتخاذ القرار المألوفة: إما التوصل إلى تسوية سياسية واسعة النطاق وطويلة المدى، أو الاستمرار في الانتقال بين جولات القتال إلى أبد الآبدين. ما كان يطلق عليه قادة اليمين "إدارة النزاع" أو "العيش على حد السيف إلى الأبد" والآن، غسل الكلمات المحدث حسب مدرسة "الليكود"، في أجواء الخطاب الجديد الذي تمت صياغته في 1984، الذي يسمونه بصبيانية مدهشة "النصر المطلق".

خلافا للادعاء بأن أحداث 7 أكتوبر كانت "تغيير نهج" إقليميا، فإنها فعليا كانت تصعيدا شديدا ووحشيا جدا للنموذج نفسه بالضبط: جولات إرهاب وقتال لانهائية. هذه الحلقة التي نعلق فيها جميعنا ليست دائرة مغلقة تكرر نفسها. هذه دوامة متصاعدة، في كل عودة لها إلى النقطة نفسها على محور التاريخ – التصعيد، الاسترخاء، التصعيد – حدة الواقع ترتفع درجة.

لذلك فإنه من غير المفاجئ أنه حتى التسوية التي تطرحها الآن الإدارة الأميركية كرد على التصعيد الشديد، ارتفعت درجة. لم تعد هناك عودة إلى "تفاهمات الجرف الصامد" أو "زيادة مساحة الصيد وحصة العمال الفلسطينيين" أو "سلام اقتصادي"، بل خطة بعيدة المدى لإقامة دولة فلسطينية حقيقية. فجأة الجميع اصبحوا يدركون بأنه لا يوجد لنا الوقت أو ترف التخيل بأن اتفاقات التطبيع مع دول إسلامية بعيدة هي التي ستجلب التهدئة المأمولة، وأنه يجب معالجة الجرح نفسه وليس أعراضه.

هذا الاقتراح هو فرصة تاريخية، كما يبدو لن تعود مرة أخرى بالصورة نفسها. في القريب ربما لن نتمكن من العودة إلى مفترق طرق مشابه للحسم. في الولايات المتحدة، الآخذة في التغير على جانبي المتراس السياسي، تجلس الإدارة الأكثر تعاطفا مع إسرائيل التي يمكن تخيلها. في رام الله ما زالت تجلس القيادة الأكثر براغماتية واعتدالا في تاريخ الفلسطينيين. هاتان الكوكبتان لن تبقيا على حالهما فترة طويلة – نحن في الطريق إلى اتخاذ خطوة لا رجعة عنها في دوامة حياتنا.

في اليمين، يحاولون الادعاء بأن حلولهم لم تتم تجربتها في أي يوم، في حين أنه فعليا فقط حلولهم هي التي تمت تجربتها في ظل حكم زعيمهم اللانهائي. هم يحبون القول، إن حلول اليسار هي ساذجة وغير منطقية، في حين أنهم يرقصون بهستيريا ويدعون من اجل إخفاء مليوني فلسطيني بالشعوذة. كل زعيم يميني متعطش للدماء يبدو مختلفا عندما تكون المسؤولية في يده، ويتبين أن الوعود الشعبوية بالتدمير والهزيمة غير واقعية. اليمين يجب عليه الاستيقاظ من الأوهام الصبيانية قبل فوات الأوان، وإلا فنحن سنعلق إلى الأبد في دائرة دموية لانهائية. إذا رفضنا العرض الأميركي الآن فسننظر باشتياق إلى الوراء، إلى الفترة التي كان يجلس فيها بايدن في البيت الأبيض ومحمود عباس في رام الله. أيضا في الطرف الإسرائيلي فإن دمية الماتريوشكا اليمينية ستواصل انجاب ممثلين متطرفين حتى اكثر من إيتمار بن غفير.

---------------------------------------------

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

يديعوت أحرونوت 20/2/2024

 

 

الدولة الفلسطينية: أفكار منفصلة عن الواقع

 

 

بقلم: ميخائيل ميلشتاين

 

فضلا عن كون هذه الحرب مفترق طرق تاريخيا في علاقات إسرائيل والفلسطينيين فإنها تشكل أيضا حجر طريق في تصميم الساحة السياسية. فالمواجهة الحالية تنطوي على نجاح غير مسبوق لـ"حماس" في إملاء جدول الأعمال الفلسطيني والاستراتيجية الوطنية، في ظل دحر التيار الوطني الذي تمثله السلطة – والذي قاد الساحة الفلسطينية على مدى عشرات السنين لكن تأثيره عليها محدود جدا، اليوم. في ضوء هذا الوضع المعقد، وطالما تدور رحى معركة في غزة بلا نهاية منظورة للعيان، فإن طرح أفكار للإعلان عن دولة فلسطينية من جانب محافل في الإدارة الأميركية وفي أوروبا يبدو منقطعا تماما عن الواقع.

إن فكرة الدولة الفلسطينية يصعب عليها أساسا تقديم جواب للمشاكل الحادة التي تنطوي عليها المعركة الحالية. الأولى – تحدي "حماس". فالمنظمة بقدراتها العسكرية وتطلعها لإبادة إسرائيل لن تختفي حتى لو أعلنت دولة مستقلة محاولة احتوائها وتوجيهها إلى فعل سياسي، هدف مآله الفشل مسبقا في ضوء الحماسة الأيديولوجية الكامنة في التيار الإسلامي. لقد تعلمت إسرائيل على جلدتها، وبشكل صادم بأن تهديد "حماس" يمكن القضاء عليه فقط من خلال خطوات عسكرية، وبالتالي من الضروري مواصلة المعارضة لكل فكرة دمجها في شكل جديد في الساحة الفلسطينية.

المشكلة الثانية هي الضعف الحاد للسلطة الفلسطينية. فأداؤها متردٍ، صورتها في نظر الجمهور الفلسطيني في الدرك الأسفل، والإعلانات الصادرة عن رام الله عن الاستعداد لأخذ المسؤولية عن اليوم التالي في غزة أو إجراء إصلاحات تبدو بائسة جدا.

المشكلة الثالثة تكمن في العداء العميق الذي تطور بين المجتمعين منذ 7 أكتوبر ولا يسمح بتسوية سياسة، فما بالك مصالحة تاريخية. الإسرائيليون لا يزالون في حالة صدمة عميقة من مذبحة 7 أكتوبر وليس اقل من ذلك من التأييد الواسع الذي تحظى به في الشارع الفلسطيني ومن انعدام العطف والنقد الذاتي في أوساطه. وذلك إلى جانب الفهم الذي يتغلغل في الكثير من الإسرائيليين – بمن فيهم أولئك الذين ايدوا رؤيا الدولتين، ويقضي بأن مصادر النزاع لا تنبع بالضرورة من الاحتلال أو من الفوارق الاقتصادية بل من عوائق عميقة ليست قابلة للحل إلا من خلال الوعي الفلسطيني وبمبادرة فلسطينية ما لا يبدو في الأفق في هذه المرحلة.

في مثل هذا الواقع، فإن الحديث عن دولة فلسطينية سيؤدي إلى التوتر بين المجتمعين اكثر من أن يساعد على تلطيف حدته. مثلما في مسألة التطبيع مع السعودية، يدور الحديث عن مبادرات إيجابية في أساسها، لكنها تأتي في سياق غير صحيح ودون ملاءمة مع نوع وشدة المشاكل القائمة.

إسرائيل مطالبة بأن تبلور استراتيجية مرتبة في الموضوع الفلسطيني، تحل محل "سياسة البلاستر" التي سادت سنوات طويلة والشعارات التي طرحت في الحرب الحالية. في المدى المنظور للعيان مطلوب التركيز على القضاء على قدرات "حماس" العسكرية والسلطوية، ما يوجب سيطرة عملية على كل قطاع غزة، إلى جانب المعرفة في أن طريقة العمل الحالية المتمثلة بالاجتياحات والمعركة المضادة ستصعب عليها أحداث تغيير جذري في واقع القطاع.

في المدى المتوسط وفقط بعد إنهاء المرحلة الأولى سيكون ممكنا البدء في تطوير بديل لـ"حماس" كصاحبة سيادة، وأساسا من خلال بلورة إدارة مدنية تقوم على أساس قوى محلية لا تتماثل مع المنظمة، وتقيم ارتباطا بالحكم في رام الله. في المدى البعيد، والاهم، على إسرائيل أن تفحص تسوية بعيدة المدى تقوم على أساس فصل مادي بين المجتمعين اللذين يتميزان بثقافتين مختلفتين من جهة، لكن من الجهة الأخرى ألا تأخذ مخاطر تنشأ عن حرية فلسطينية كاملة مثلما حصل في غزة منذ فك الارتباط. في هذا السياق تبرز الحاجة للسيطرة على بوابات أي كيان فلسطيني يقوم في المستقبل إلى العالم، سواء في القطاع أو في الضفة، وذلك لزمن غير محدود.

إن مجرد طرح الأفكار الدولية إقامة دولة فلسطينية يجب أن يكون شارة تحذير لإسرائيل. ليس هذا تعبيرا عن عداء خارجي، وبالتأكيد ليس من الولايات المتحدة، الحليف الشجاع، بل حقيقة أن إسرائيل لا تعرض استراتيجية مرتبة أو تتخذ مبادرات، وفي الغالب تتمترس في رفض الأفكار أو في طرح أفكار ليست لها جذور في ارض الواقع. بدون تغيير ذاك النهج، من شأن إسرائيل أن تواجه ليس فقط مبادرات تتعارض ومصالحها القومية بل بجهود لفرضها عليها.

--------------------------------------------

 

هآرتس 20/2/2024

 

 

نصر نتنياهو المُطلق: شعار لرجل دعاية بلا ضمير

 

 

بقلم: عيديت زرتال

 

يوجد لميخائيل كولهاس، بطل قصة "هنريخ فون كلايست"، طلب عادل وهو إعادة خيوله التي سرقها منه صاحب العزبة. لكن سعيه إلى العدل المطلق حوله خلال رحلة الانتقام الفظيعة إلى شخص خارج على القانون، سارق وقاتل، وتسبب في نهاية المطاف بالدمار لحاشيته وبيته وهو نفسه. يهودا عميحاي كتب في السابق أنه في المكان الذي نكون فيه على حق فإنه لن تزهر أبدا الأزهار في الربيع. هكذا كرر السطر اللاتيني المكتوب على مباني المحاكم وعلى رموز كليات الحقوق في العالم: "ليتحقق العدل وليدمر العالم".

قوموا بتغيير العدالة المطلقة بالنصر المطلق، أو قوموا بدمجهما معا وستكون لنا رحلة إلى الدمار الذاتي والضياع. المحطة المؤقتة في هذه الحملة هي كارثة 7 تشرين الأول، التي كما يبدو لم نتعلم منها أي شيء. هذان المفهومان يعبران عن خيال أكثر مما هما واقع حقيقي. محاكاة للوقائع، انعكاس لوضع نفسي.

النصر المطلق لنتنياهو ليس سوى تركيب لفظي، هذيان، خيال، مبدأ إيماني يفيد في الوقت الحالي، شعار لرجل دعاية عديم الضمير يكرر بشكل استحواذي، كما لو أنه منوم مغناطيسيا، العلامة التجارية التي اخترعها، هذا الشيء الموهوم فارغ مثل الذي اخترعه. شعار "سننتصر معا" سبق وتمت إزالته من جدول الأعمال. الآن هو وانتصاره الشخصي، انتصاره وحده فقط. "أنا أصدرت الأوامر ووجهت لتحقيق النصر المطلق".

هذا المفهوم لا يوجد له أي علامة أو تعريف، باستثناء أنه شعار يتم وضعه على القبعة أو القميص، لا توجد له حدود أو أهداف واضحة مصاغة أو خطة. نحن لم نسمع أي تفسير أو أي شرح واحد حتى لهذا المفهوم. كالعادة نتنياهو لا يتطرق إلى التفاصيل، ويجب على الآخرين تحطيم الرؤوس للبحث عنها. لذلك فإن هذا النصر المطلق يراوح في المكان بدون أي توجه أو جدوى، وهو يشرعن أي أعمال فظيعة، وباسمه كل شيء مباح وممكن، أيضا قتل عشرات آلاف الغزيين غير المقاتلين، ومن بينهم حوالى 10 آلاف طفل، وتدمير مدن وبلدات بالكامل على سكانها، مساجد، مدارس مستشفيات، عيادات، جامعات، مؤسسات حكومية وثقافية.

في عمق الشهر الخامس للحرب، التي ساد اتفاق في بدايتها على انه لا يوجد اكثر عدالة منها، وأنها تستهدف، على الأقل في نظر المتعقلين بيننا، إعادة المخطوفين إلى بيوتهم، وتحقيق العدالة للقتلى والمصابين الآخرين في 7 تشرين الأول، وإعادة الكرامة المفقودة للجيش الإسرائيلي وقوة الردع – صورة الحرب التي تظهر خلف ستارة الجيش الدعائية وفي الاستوديوهات هي مخيفة حقا. بالأرقام الحديث يدور عن حوالى 1500 قتيل إسرائيلي: جندي ومواطن، وحوالى 30 ألف قتيل غزي. إلى هذا يجب علينا إضافة بضع عشرات من القتلى في الضفة الغربية، في الوقت الذي ما زالت فيه الحرب تستمر في غزة. خسارة إنسانية لا تصدق. من اجل تمتع الأذن وإعطاء فكرة عن حجم القتل الذي نرتكبه في غزة وعن معنى الضحايا الفلسطينيين، حتى الآن نقول، إن هذا العدد يقترب من إجمالي قتلى إسرائيل في كل حروبها وفي العمليات الإرهابية ضدها منذ إقامتها.

القتلى في حربنا توجد لهم أسماء ووجوه، عائلات وأصدقاء سيحزنون عليهم، قصص بطولة ومراسم دفن، عبادة موت وخلاص. في المقابل، العدد الكبير من القتلى لديهم بقوا مجهولين وبدون وجوه، كتلة كبيرة ممن كانوا ذات يوم ولم يعودوا موجودين الآن وتم نسيانهم. عائلات كاملة تمت إبادتها هناك، ولا يوجد من يقوم بالحداد عليهم ويتذكرهم. الموت هو فنان في غزة، ناجع ومتطور بدرجة مخيفة. فقط بعض الصالحين مثل عميره هاس أو شلومي الدار أو سكان الكيبوتسات على طول حدود القطاع، المتضررون الرئيسيون من كارثة 7 أكتوبر، يصممون منذ سنوات على إعطاء هؤلاء الأشخاص أسماء، وإعطاء معنى لحياتهم، وأن نروي قصتهم ونتماهى مع مصيرهم. هم أيضا يؤمنون بإمكانية التفاهم والتعايش معهم. الدكتورة في مستشفى شنايدر، التي كانت مسؤولة عن علاج الأطفال الذين عادوا من الأسر، تحدثت بانفعال عن أم مخطوفة تم تحريرها، التي تحدثت عند عودتها بالتحديد عن المصير الصعب للنساء في غزة.

"في الوقت الذي لا يوجد فيه للغزيين ما يخسرونه، نحن نخسر الكثير"، كتب قبل خمس سنوات عوديد لايفشيتس، الصحافي وعازف البيانو من كيبوتس "نير عوز"، كتب عن غباء وتفاهة حروبنا في غزة والضحايا من الطرفين. كل جولات القتال في غزة أعادتنا إلى نفس نقطة البداية مع الشعور بالضياع ومعادلة دموية مخيبة للآمال. ("حامي إسرائيل لا يحميها"، "هآرتس"، 14/1/2019). عوديد ويوخفاد لايفشيتس، في التسعينيات من عمرهما، ومن النشطاء في مجال حقوق الإنسان، ناضلا لسنوات من اجل حق سكان غزة بحياة كريمة وسليمة، وكانا يقومان بنقل المرضى من هناك لتلقي العلاج في إسرائيل، تم اختطافهما في 7 أكتوبر. يوخفاد تمت إعادتها إلى البيت ولكن عوديد ما زال هناك. هذا المقال يتم تكريسه لهما ولذكرى فيفيان سلفر، التي قتلت في بيتها في كيبوتس "بئيري".

"النصر المطلق" لنتنياهو هو شعار سياسي، وليس خطة عسكرية استراتيجية أو خطة سياسية. وعلى الرغم من أنه يكرر الشعار بشكل دائم من فوق كل منصة، فإن نتنياهو نفسه لم يحدد حتى الآن ما هو هذا النصر المطلق. تجريده وعدم محدوديته هي قوته. هو لا يفسر من الذي سيقرر متى سيتحقق النصر، وما هي معاييره وشروطه وما هو ثمنه. تحديده الملموس سيكون نهايته. مثلا، ماذا سيحدث إذا لم تصل يدنا الطويلة ذات يوم إلى يحيى السنوار؟ إذا كانت تصفية هتلر غزة كما يعدون هي قريبة - أياما، أسابيع أو اشهرا - فهل حسابنا مع "حماس" أو حسابها معنا سيتم إغلاقه وينتهي الإرهاب وتنتهي الحروب؟ أين هو مكان المخطوفين في وهم النصر المطلق؟ هل في الخطة التي لا توجد خطوط عريضة لتحقيقها؟.

لأنه في هذه الأثناء وفي عاصفة الحرب والانفجار المسيحاني الهستيري الذي جلبته إلى السطح، فإن المخطوفين وعائلاتهم، مثل المصابين في 7 أكتوبر، اصبحوا مكشوفين وهم عائق يجب إزالته من الطريق إلى النصر والخلاص. اتهام عائلات المخطوفين برفع ثمن إعادة أعزائهم من خلال وقف القتال، والمس بقيمة من سقطوا الذين قاموا بتوصيتنا بتحقيق النصر المطلق أو تحمل المسؤولية عن "المذبحة القادمة"، تحول إلى شعار المعركة لمعسكر الـ 64. عندما نشر في هذه الصحيفة في 20 تشرين الأول 2023 بأن "تفضيل تحويل غزة إلى انقاض على نشاطات إنقاذ المخطوفين وإعادتهم إلى البيت بأي ثمن، هو أمر وحشي، لا سيما من ناحية من يتحمل المسؤولية النهائية عن مصيرهم"، لم يكن بالإمكان أن يخطر بالبال كم هي النفعية والقذارة التي سيكون عليها موقف نتنياهو تجاه المخطوفين؛ وكيف والى أي مدى سيتم التخلي عنهم من اجل تحقيق انتصاره المطلق بعيد المنال، وبأي طريقة سيتم استخدامهم كأداة في نضاله للحفاظ على حكمه وتزيين جرائمه وحشد معسكره اليميني المسيحاني المتطرف، الذي يتوق إلى الحرب الأبدية. بالتالي، إعادة المخطوفين على قيد الحياة هو كابوس نتنياهو، الذي سيؤدي إلى إنهاء الحرب وأيضا إلى إبعاده عن الحكم وعن حياتنا.

الحروب لا تعتبر أحداثا شفافة. وأيضا محاضر الجلسات السرية لا تروي كل القصة عن الأسباب التي تجعل أمة تقوم بشن الحرب. معظم الحروب هي زائدة، وبشكل عام هي غير عادلة؛ أي أنها ليست دفاعية ووجودية. صياغة أهدافها وتحديدها غير منطقية. الحسابات الشخصية والتاريخية والأنانية والنرجسية تلعب على الأغلب دورا في مأساة التجنيد والتجند للحرب. دافع نتنياهو لشن الحرب على غزة كما يبدو لن نعرفه بالتأكيد في أي يوم. يمكن فقط تخمينه. فهو يهتم ليس في أن ترك خلفه بصمات مكتوبة أو مسجلة، إلا إذا قفز أمامه مضمون النص المكبوت فجأة من الدرع المغلق الذي اصبح بالنسبة له طبيعة أخرى. في أوقات الأزمة دائما يختفي ويتبخر وكأنه لم يكن موجودا.

حرب لبنان الأولى في 1982 يمكن أن تعلمنا أمرا أو أمرين عن دوافع الحرب. وقد اعتبر زئيف شيف ويهودا يعاري هذه الحرب حربا غبية. "أساسها يقوم على أوهام، وطريقها مليئة بالتحايل ونهايتها خيبة الأول، والتي جبت منا ثمنا باهظا بالأرواح وتسببت بالضرر لمناعة الجيش والدولة". حتى إصدار كتابهما قتل في الحرب 500 جندي، لكن حتى الانسحاب النهائي لإسرائيل من لبنان ارتفع العدد إلى 1200 جندي قتيل. للوهلة الأولى فإن إسرائيل شنت الحرب ردا على اغتيال سفيرها في لندن ومن اجل إخراج مستوطنات الجليل "من مدى نار الإرهابيين في لبنان"، رغم أن الجليل كان هادئا لأكثر من سنة قبل اندلاع الحرب. لكن أهداف وزير الدفاع في حينه، اريئيل شارون، كانت طموحة اكثر بكثير: "حل" المشكلة الفلسطينية مرة واحدة والى الأبد، تصفية القيادة الفلسطينية وإقامة "نظام جديد" في المنطقة، وبنفس الثمن التعافي من صدمة الانسحاب من شبه جزيرة سيناء".

رئيس الحكومة في حينه مناحيم بيغن حركته صدمة أشباح عميقة. فإلى جانب الحاجة إلى إصلاح "الانسحاب من سيناء" أراد أن يستخدم الانتصار في لبنان لعلاج  الانكسار العميق في حرب يوم الغفران. نحن فعلنا كل شيء من اجل منع الحرب والثكل، قال بيغن في جلسة الحكومة في 5 حزيران 1982، لكن "في ارض إسرائيل لا مناص من المحاربة بإخلاص. صدقوني، بديل ذلك هو (تريبلنكا). وقد قررنا أنه لن تكون (تريبلنكا) أخرى". بعد ذلك قام بيغن بتشبيه ياسر عرفات المتحصن في بيروت بهتلر الذي اختبأ في حصنه في برلين. في الخيال الإسرائيلي هتلر لم يمت بالكامل. فقد بعث ويتم تجسيده مجددا على هيئة العدو في تلك اللحظة.

أنا أتوقف قليلا عند حرب لبنان في 1982 لأنه منذ ذلك الحين كانت حروب إسرائيل جميعها موجهة ليس ضد دول وجيوش نظامية، بل ضد المنظمات الإرهابية والسكان المدنيين المستضيفين؛ هذه الحرب شرعنت قتالا إسرائيليا من نوع جديد من خلال إزالة العوائق الأخلاقية والنفسية التي منعت المس بالتجمعات السكانية في المدن، والتجمعات السكانية المأهولة باكتظاظ. الساحة الرئيسة للحروب وحملات العقاب التي شنتها إسرائيل في الأربعين سنة الأخيرة كانت قطاع غزة، التي كانت جميعها مبادرا إليها وغير متناسبة. هدفها الأساسي هو تعزيز وتعميق الاحتلال ومعاقبة السكان والردع واستعراض السيطرة على الأرض.

في نظر إسرائيل الرسمية، وحسب الأغلبية الساحقة في إسرائيل، غزة كانت دائما تمثل مكرهة وقلقا، شوكة في الخاصرة أو في المؤخرة. والغزيون لم يتم حساب لهم، ولذلك فإنه لم يتم الاكتراث بهم. التصور الإسرائيلي الموهوم كان وما زال هو أنهم سيتلاشون في الهواء، أو أنهم سيختفون دون إحداث ضجة كبيرة. كونهم زائدين هو الذي عرّفهم. هم لم يعتبرون موضوعا، بشرا بحد ذاتهم، بل نوع من الرمز لما حدث لهم. أشياء مجردة تشهد على عبثية وجودهم وغيابهم. مطرودون ولاجئون إلى الأبد. يستحقون الموت لمجرد وجودهم.

قسم كبير من سكان القطاع هم أحفاد اللاجئين من العام 1948. وحسب ما كتب بني موريس في بحث له بعنوان "ولادة مشكلة اللاجئين"، كانوا في حينه 200 ألف شخص الذين تم طردهم أو هربوا إلى غزة من المجدل (عسقلان) ومن أسدود ومن قرى أخرى في جنوب البلاد. خطة غزة لإعادة نحو 100 ألف شخص منهم إلى قراهم الأصلية تمت بلورتها في مؤتمر لوزان في 1949، الذي رسم حدود الدولة. إسرائيل أفشلت هذه الخطة لأسباب أمنية بالطبع، وبسبب أن ذلك يعرض الأغلبية اليهودية للخطر.

في 29 نيسان 1956 قتل روعي روتبرغ، مسؤول الأمن في "ناحل عوز"، أثناء محاولته حماية المزارعين في حقول الكيبوتس. وقد كان عمره 21 سنة عند موته. عملية القتل والتنكيل به أثارت عاصفة في أرجاء البلاد. رئيس الأركان في حينه موشيه ديان، الذي عرف روتبرغ في الجولة التي قام بها في المنطقة قبل بضعة أيام وأعجب به، قام بتأبينه بشكل نموذجي يشبه إشعار هوميروس من حيث جمالها. هذه الحادثة الفظيعة عادت وطفت على السطح في أعقاب الهجوم الدموي في 7 أكتوبر. ولكن رجال دعاية الحرب في الاستوديوهات اقتبسوا التأبين، فقط الأسطر المريحة لهم مثل "يجب علينا عدم الخوف من رؤية الاختناق الذي يرافق ويملأ حياة مئات آلاف العرب، الذين يجلسون حولنا وينتظرون اللحظة التي يمكنهم فيها الوصول إلى دمائنا. هذا هو قدر جيلنا. هذا هو خيار حياتنا، أن نكون مستعدين ومسلحين وأقوياء، وإلا فان السيف سيسقط من قبضتنا، وحياتنا ستنقطع".

لكن رؤية موشيه ديان بعين واحدة كانت أوسع واشمل من رؤية الآخرين بعينين. فهو لم يرفع عينه عن مأساة الشعب الآخر، وعن الشعبين المتداخلين ببعضهما. جملة الافتتاح في التأبين هي جملة نادرة من حيث الحكمة، وهي غير منقوشة في الذاكرة والخطاب الإسرائيلي، لكنها نوع من الوصية التي يجب عدم السماح بمحوها. "يجب علينا عدم إلقاء الاتهامات على القتلة"، قال ديان. "لماذا نحتج على كراهيتهم الشديدة لنا؟ ثماني سنوات وهم يعيشون في مخيمات اللاجئين في قطاع غزة، ونحن أمام ناظريهم نقوم بتحويل الأرض والقرى التي كانوا يعيشون فيها هم وأجدادهم إلى أملاك خاصة. ليس من العرب الذي يوجدون في قطاع غزة، بل من انفسنا، نحن نطلب دم روعي".

---------------------------------------------

 

إسرائيل اليوم 20/2/2024

 

 

عملية رفح: «متى» وليس «هل»!

 

 

بقلم: أوري داغون

 

لا يوجد لرؤساء جهاز الأمن أي شكوك على الإطلاق. مسألة رفح هي "متى" وليس "هل". في الأسبوع الذي يحذر فيه كل العالم وينبه دولة إسرائيل إلا تدخل إلى المدينة الأكثر جنوبا في القطاع خوفا من كارثة، في الجيش الإسرائيلي يذكرون: الكل قالوا، "لا تناوروا برا، فالنتائج ستكون رهيبة"، وبعد ذلك قالوا، "لا تدخلوا مدينة غزة والشفاء"، وبعدها صرخوا أن الجيش لن يعود إلى مستوى الأداء ذاته والى الكثافة ذاتها بعد وقف النار – لكن ما حصل في الواقع بات معروفا. كما قالوا، إن الجيش لن يدخل معسكرات الوسط وخان يونس وانه سيكون توقف في حدث يقع فيه مصابون كثيرون، وكان لأسفنا حدث كهذا، ولا تزال أقدام المقاتلين تطأ كل بيت في المدينة.

 

إذاً، قالوا، وهكذا سيكون في رفح أيضا

 

"الزمن يعمل لمن يعمل معه"، تقول محافل أمنية رفيعة المستوى في حديث مع "إسرائيل اليوم". السكان سينقلون، الخيام ستقام في مكان جديد، مراكز المساعدة والمستشفيات المؤقتة التي أقامتها دول أجنبية في رفح ستفكك وتقام في مكان آخر يبقى فيه السكان الغزيون. في رفح يوجد، اليوم، 1.5 مليون نسمة. بعد النقل، سيبقى نحو نصف مليون نسمة. وهو فن حقيقي حين تطوى الصفحة إلى ستة أجزاء – طوينا من شمال القطاع نحو وادي غزة، من هناك إلى مناطق الشاطئ، وبعد ذلك إلى خان يونس والآن السكان في رفح. وهم سينتقلون للتو إلى مكان جديد. هذه ليست مهمة في السماء وبالتأكيد يمكن القيام بها، هكذا يقولون في جهاز الأمن.

لغرض الفهم، قاتل الجيش الإسرائيلي وفكك كتائب "حماس" في شمال القطاع، حين كان يتواجد في المنطقة نحو 300 ألف محلي. رفح ليست شيئا ما لم يحصل في الأشهر الأربعة الأخيرة من القتال. صحيح أنها أكثر تعقيدا بكثير، لكن أربع كتائب "حماس" الكاملة في المنطقة ستفكك.

قبل ثلاثة أشهر، عندما كانت المناورة البرية في بدايتها رُسم الوضع الذي نوجد فيه الآن في القطاع في إحاطة قدمها مصدر امني للصحافيين، "هذا سيستغرق وقتا. عندما يتمكن اللواء من الانتقال من الشمال إلى جنوب القطاع في حركة شبه حرة، وفي فترة زمنية قصيرة سنعرف أننا في المكان الصحيح لنجاح الأهداف التي وضعناها لأنفسنا" – وهذا هو الوضع في غزة الآن. لواء ينفذ في ليلة واحدة ما نفذته فرقة في بضعة أيام. كل السلسلة القيادية لـ"حماس" تقريبا أصيبت. لا يمر أي أمر قتالي من منظمة الإرهاب من فوق إلى تحت، كل شيء يجري في تنظيم محلي في الميدان. قائد وحدة يتخذ القرارات التي كان قائد لواء في "حماس" يتخذها.

 

ضمان مستقبلنا

 

في 7 أكتوبر، ضُرب الجيش الإسرائيلي وهُزم. بينما تعيش عائلات المخطوفين والمواطنين هذه المشاعر كل يوم منذئذ، لدى قادة الجيش ثمة مثابة فقاعة قتالية بدأت غداة الإخفاق وفيها يفكك الجيش تقريبا كل قدرات "حماس". قدرات القيادة والتحكم سحقت، لا يوجد مرور حر للسكان من الجنوب إلى الشمال، بينما 25% فقط من السكان بقوا في أماكنهم. كل صور حفظ النظام المزعوم في القطاع، هي عرض لدقيقتين أمام كاميرا محلية – وفور ذلك هم يصفون أو يفككون وحدهم.

لكن في الفقاعة القتالية أيضا من واجب القادة أن يذكروا الهدف الأكثر جدارة وسموا أكثر من أي هدف آخر – ألا وهو إعادة المخطوفين. في جهاز الأمن يعملون من خلال حرب عنيدة، مع مناورة برية مهمة وبالتشديد على عدم المهاجمة بأي شكل كان المناطق التي بتقدير الاستخبارات يوجد فيها مخطوفون – وكل ذلك في ظل التخطيط والتنفيذ غير المتوقفين.

هذا هو الواجب الأخلاقي الأكبر للجيش في أن يحقق النتائج بينما المستوى السياسي ملزم بأن يعرف كيف يستخدمها أيضا في المفاوضات لإعادة المخطوفين إلى البلاد وضمان مستقبلنا عشرات السنين إلى الأمام.

---------------------------------------------

 

هآرتس 20/2/2024

 

 

بعد أن قسم وجزأ، نتنياهـو يتحدث عن الوحد كي

 

 

يسكت منتقديه .. هذا ليس سخيفاً بل وخطير ايضاً

 

بقلم: يوسي فيرتر

بلفتة منه كشف نتنياهو عن رأيه في الدعوة الى تبكير موعد الانتخابات من اجل استبدال حكومة الفشل برئاسته ، وهي الدعوة التي تؤيدها اغلبية الجمهور. "الانتخابات يوجد لها موعد، وهو بعد بضع سنوات" ، قال بالاشارة الى نهاية تشرين الاول . 2026 عندها سيتم اجراء الانتخابات في ظل غياب احداث خاصة. بعد لحظة حاول نتنياهو تصحيح الانطباع فقال: "أنا لا اقترح الانشغال في ذلك في فترة الحرب. نحن الآن بحاجة الى الوحدة". ليس فقط أنه لا يوجد شيء يثير الضحك أكثر من بنيامين نتنياهو وهو يتحدث عن "الوحدة"، بل ايضا لا يوجد أي شيء اخطر منه عندما يتحدث عن ذلك. هذه الكلمة، التي تعتبر محجر اسرائيل الذي يحاول قصفه منذ عقود، هي الآن سلاحه ضد منتقديه، أي ضد اغلبية الجمهور. إن كشف نواياه حول أن هذه الحكومة الدموية ستنهى حياتها في الموعد القانوني وليس قبل لحظة واحدة (لو أنه استطاع لما كان هذا الموعد ايضا سيتم الوفاء به)، يجب أن يغرق شارع كابلان في تل ابيب بالمتظاهرين بالفعل عشية يوم السبت القادم.

مثلما في ذروة المظاهرات ضد الانقلاب النظامي، حيث حينها ناضل كثيرون جيدون من اجل هوية اسرائيل الديمقراطية، التى نتنياهو وياريف لفين وسمحا روتمان و61 شريكا آخر في الجريمة ارادوا تصفيتها. الآن واجب اقصاء وبسرعة الشخص المسؤول عن السنة الاكثر فظاعة في تاريخ الشعب اليهودي منذ الكارثة يصبح واجبا ملحا اكثر بكثير. هذا الشيء في روحنا.

العملية في كريات ملاخي التي قتل فيها اسرائيليان وأصيب آخرون تعامل معها باستخفاف بقوله المأثور: "كل" البلاد تعتبر جبهة". في الفترة القصيرة لحكومته السابقة فان نتنياهو وسموتريتش وبن غفير وميري ريغف، رقصوا بسعادة على دم كل قتيل. وقد كان يئير لبيد محقا عندما قال بأنه لو أن المذبحة في ٧ تشرين الاول حدثت في عهده لكان نتنياهو سيرسل أشخاصا لإحراق بيته.

ظهوره أمس الاول اثبت المعروف جيدا للجميع وهو أنه بالنسبة لرئيس الحكومة فان الفشل في ٧ تشرين الاول هو حملة سياسية اخرى تنطوي على كل الدلائل المعروفة، الاكاذيب والتحريض وتأجيج الاحاسيس. وقد خصص فصلا مطولا للقاء مع الجنود المصابين حيث كل ذلك تم التخطيط له ليكون المقدمة لتسويق حلقة هامشية من المفروض فيها أن يسأل شخص جنديا بترت ساقه كيف تجرأ على مقابلة رئيس الوزراء.

هذه القصة بحد ذاتها كانت المقدمة للنهاية التي فيها تم الكشف عن الحبكة الحقيقية لعقد المؤتمر الصحفي، هجوم وحشي، متباكي، على وسائل الاعلام المنحازة التي "لا تقوم بالتحقيق" في مصادر تمويل حملة التحريض ضده، وبدلا من ذلك تنشغل في صغائر الامور مثل المسؤولية عن المذبحة وتمويل حماس وتجاهل تحذيرات المستوى الامني وخلق الانقسام في الشعب وتآكل الردع ومكانة اسرائيل الدولة. امور تافهة.

العارض يعرف جيدا رؤساء الحملة التي تتسبب بجنون من يعيشون في قیصاريا  و "ميامي " . هم قاموا باجراء مقابلات في تقرير "ملحق هآرتس" الاخير. جزء من مواردهم هو بتمويل من الجمهور، وجزء آخر من تبرعات اسرائيليين اثرياء ويهتمون. ولكن بالنسبة لأي ديكتاتور، سواء في جوهره أو تشكيله، فان أي مظهر انتقادي، احتجاج أو غضب ، هو اضرار بالدولة، بمناعتها و"وحدتها". ومثلما يهتم فلادمير بوتين بأن يقمع بالقوة احتجاج الجمهور على موت الكسيه نفالني ، هكذا نتنياهو يقوم بتأجيج كتائبه على كل من يتجرأ على انتقاده. ولو أنه استطاع لكان زجهم جميعا في السجن.

حملة "أنت الرئيس، أنت المذنب " هي حملة شفافة بالكامل. الديمقراطية في ابھی صورھا . لا يوجد اصحاب مليارات اجانب يقفون من ورائها. لا توجد أموال غير قانونية تنتقل في قنوات مشكوك فيها محاولة اظهارها كحملة فاسدة هي محاولة بائسة مثل نفس الشخص الذي يفعل ذلك. والرد عليها هو صحي. الشبكات الاجتماعية مليئة بالاعلانات عن التبرعات.

ألاعيبه تحطم الارقام القاسية. مرة اخرى يتفاخر بأنه صادق على عملية اطلاق سراح المخطوفين في رفح هو لم يتحمل المسؤولية عن عمليات سابقة، التي صادق عليها وانتهت بقتل المخطوفين ، لأنه في نهاية المطاف كل شيء يدور حوله. ومثلما في اللقاء مع العائلات الثكلى، الذي شكرتهم فيه زوجته سارة بسبب

اظهار الشجاعة وكلفوا انفسهم عناء القدوم لشد أزر رئيس الحكومة".

مثلما في مؤتمرات صحفية سابقة له فانه في نموذج الـ "وحدة" اختار بالقطارة المساحة التي يجب تعظيمها والمساحة التي يجب تجاهلها بشكل دائم تقريبا من يحصلون على التكريم هم اشخاص يتماهون مع اليمين والجمهور الديني - القومي ودون أن يحمر وجهه تحت طبقة الماكياج الثقيلة فانه يمتدح من جهة الوحدة في الدبابة وناقلة الجند المدرعة، ومن جهة اخرى هو يعمل على الدفع قدما بقانون الاعفاء من الخدمة للحريديين، الذين بدونهم كان أمره سينتهي.

بنيامين نتنياهو اثبت في السابق بأنه بالنسبة له لا يوجد أي ثمن لن يتم دفعه، ولا يوجد أي حدود لن يتم تجاوزها من اجل بقائه. لقد أخذ عجزه وسخريته الدولة الى النهاية. واذا لم يتم وقفه وابعاده من هنا فهو سيدفع اسرائیل بسهولة نحو الهاوية.

---------------------------------------------

هآرتس 20/2/2024

 

هكذا حققت إيران لنفسها مكانة استراتيجية مميزة أثناء حرب غزة

 

 

بقلم: تسفي برئيل

 

منذ 4 شباط لم يُبلّغ عن أي هجمات لمليشيات مؤيدة لإيران على أهداف أمريكية، مقارنة بـ 20 اعتداء في الأسبوع في الفترة السابقة، وحوالي 160 اعتداء في العراق وسوريا منذ 7 تشرين الأول. في الأسبوع الماضي، نشر موقع “آرام” في أبو ظبي نقلاً عن مصادر إيرانية بأن سبب وقف الهجمات زيارة قائد “قوة القدس” في حرس الثورة الإيراني، إسماعيل قاآني، للعراق بعد فترة قصيرة على مهاجمة قاعدة أمريكية على الحدود الأردنية في نهاية كانون الثاني، التي قتل فيها ثلاثة جنود أمريكيين.

حسب التقرير، التقى قاآني رؤساء المليشيات المؤيدة لإيران في بغداد، وطلب منهم وقف الهجمات، وافق معظمهم على ذلك باستثناء رؤساء مليشيا واحدة باسم النجباء، الذين وافقوا هم أيضاً في نهاية المطاف. وقف الهجمات في الحقيقة لم يمنع هجمات الرد الأمريكية، ولكن يبدو أنها هجمات كانت ضئيلة من حيث الحجم والكثافة مما كان متوقعاً أو مما أشارت إليه الإدارة الأمريكية في واشنطن.

القرب الزمني بين زيارة قاآني ووقف مهاجمة الأهداف الأمريكية، ليس مفاجئاً. في الحقيقة، عادت إيران وأعلنت بأن أي شريك في “محور المقاومة”، ضمن ذلك حزب الله في لبنان والحوثيون في اليمن والمليشيات المؤيدة لإيران في العراق، يعمل بشكل مستقل “حسب الشروط والظروف التي تناسبه في كل ساحة”. ولكن ظهور قاآني في العراق أثبت وضوح، إذا كانت حاجة للإثبات، وجود علاقة مباشرة بين طهران وقيادات “محور المقاومة” في المنطقة.

لهذه العلاقات الوثيقة قيود فرضت عليها، وهي ترسم قيود قوة التأثير. مثلاً، يمكن التساؤل لماذا كان يجب إرسال قاآني، الذي لا يتحدث اللغة العربية، للالتقاء مع قادة المليشيات وعدم الاكتفاء بتوجيه عبر الهاتف. سبب ذلك مزدوج.

الحكومة في العراق دخلت مؤخراً في حوار مكثف مع الجيش الأمريكي حول سحب كل قواته من العراق، الذي فيه نحو 2500 جندي أمريكي. خافت إيران أن تؤدي المواجهة بين الجيش الأمريكي والمليشيات في تأخير انسحاب القوات الأمريكية، وتوفير الذريعة للولايات المتحدة لتمديد وجودها في العراق. احتاج قاآني إلى جدول زمني للتنسيق مع الحكومة العراقية بهدف السماح بالانسحاب والتأكد من عدم نية العراق التراجع عن قراره.

ويكمن السبب الثاني في ضرورة تسوية العلاقات بين المليشيات الحكومة العراقية. المليشيات في العراق غير متشابهة؛ فلكل منها، إضافة إلى مشاركتها في محور المقاومة، أجندة خاصة بها مرتبطة بإيران، وبالزعماء الحزبيين في العراق، وسلوك الحكومة العراقية برئاسة محمد السوداني.

على سبيل المثال، في حزيران 2020، بعد نصف سنة على تصفية سلفه في المنصب، قاسم سليماني، اضطر قاآني للمرة الأولى إلى التزود بتأشيرة دخول إلى العراق كي يستطيع القيام بزيارة عمل في هذه الدولة. رئيس الحكومة في حينه كان مصطفى الكاظمي، الذي قرر تقليص حجم نشاطات ونفوذ المليشيات المؤيدة لإيران، بل وعمل ضدها بشكل غير مسبوق عندما أمر وحدة مكافحة الإرهاب في الجيش الإسرائيلي باقتحام قاعدة مليشيا “كتائب حزب الله” في العراق. وعُثر في القاعدة على سلاح ومواد متفجرة وصواريخ، أُعدت للإطلاق على أهداف أمريكية.

لم يكن لقاآني في حينه أي بشرى سارة لرؤساء المليشيات. فقد قال لهم إن إيران تنوي تقليص ميزانياتهم، وأن عليهم الاعتماد على تمويل يحصلون عليه من ميزانية وزارة الدفاع في العراق، الذي كان يبلغ في حينه 2 مليار دولار في السنة لكل المليشيات. أصبحت المليشيات في العراق قوة عسكرية تهاجم قواعد الولايات المتحدة، بل وتهدد قدرة سيطرة الحكومة على الدولة، حسب النموذج الذي يعمل به “حزب الله” في لبنان. وتحولت هذه المليشيات إلى قوة اقتصادية كبيرة جداً، وسيطرت على مشاريع حكومية. قادة المليشيات يشغلون معابر حدودية خاصة، لا سيما على الحدود مع إيران، ويهددون المستثمرين الأجانب ويديرون بنوكاً خاصة. هكذا، هم يفشلون جهود رئيس الحكومة في العراق لتجنيد المستثمرين الأجانب، لا سيما من الغرب.

تستطيع إيران السيطرة على نشاطات هذه المليشيات ضد الأهداف الأمريكية. ولكن في كل ما يتعلق بسلوكها في العراق وإزاء الحكومة العراقية، فإن موقفها معقد ومحدود إلى درجة أنه يبدو أنه في الميزان بين المصالح الإيرانية وبين مصالح الزعماء المحليين، معظم المليشيات تفضل العمل حسب أوامر السياسيين المحليين وليس حسب التوجيهات الإيرانية، إلى الدرجة التي تتعلق فيها الأمور بالسياسة الخارجية الإيرانية والأمن الإيراني.

إن تشغيل المليشيات والقوات الحربية المحلية الأخرى عن طريق التحكم عن بعد، حسب أسلوب “وحدة الساحات”، يملي على إيران شروطاً مقيدة حتى في ساحات اليمن وسوريا ولبنان. أول أمس، نشر أن الحوثيين أطلقوا صواريخ على سفينة بريطانية ومسيّرة أمريكية. في المقابل، نشرت القوات الأمريكية بأنها أصابت للمرة الأولى سفينة للحوثيين تعمل تحت سطح المياه. الولايات المتحدة وبريطانيا في الواقع تهاجمان أهدافاً في اليمن يومياً، ولكنها هجمات لم تحقيق بعد الردع المطلوب لوقف استمرار الحرب في البحر الأحمر، التي يرتفع ثمنها الاقتصادي كل يوم.

إيران في الحقيقة هي التي سلحت الحوثيين بالسلاح المتطور والمعرفة والتكنولوجيا التي تمكنهم من صناعة الصواريخ والمسيرات بأنفسهم. ولكن من غير الواضح مدى قدرة إيران تحديد شروط تشغيلهم وأهدافهم.

للحوثيين جدول أعمال مستقل، ليس بالضرورة مرتبطاً بجدول الأعمال الإيراني. الرئيس الأمريكي جو بايدن، قرر وضعهم على قائمة المنظمات الإرهابية مرة أخرى، في مكانة أقل من التي كانت في فترة ترامب في البيت الأبيض، لكن بصورة تمكن من فرض عقوبات دولية عليهم. في الوقت نفسه، يتفاوضون مع السعودية على إنهاء الحرب في اليمن، ويبدو أنهم ينوون استغلال المواجهة أمام قوات التحالف في البحر الأحمر بهدف ابتزاز الإنجازات لأنفسهم، دون صلة بموقف إيران. لذلك، لا تأكيد على موافقة الحوثيين في جبهتهم “الخاصة”، على الانضمام لوقف إطلاق النار في الحرب في غزة وقت حدوثه، حتى ولو طلبت إيران منهم وقف الهجمات في البحر الأحمر.

تدرك إيران أيضاً أن سوريا لا يمكنها المشاركة في معادلة “وحدة الساحات” أمام إسرائيل. لا لأن وكلاء إيران في سوريا، بما في ذلك قادة كبار في حرس الثورة الإيراني، يتعرضون لخطر التصفية، بل إن الرئيس بشار الأسد أوضح لإيران حدود نشاطات المليشيات المؤيدة لإيران ضد إسرائيل.

على سبيل المثال، اضطرت إيران في 2021 بتعليمات من الأسد لإعادة الجنرال أحمد مدني من سوريا، المعروف بلقب “الحاج جواد الجعفري”، والذي عمل في منصب قائد قوة القدس في سوريا. أحد أسباب إعادته القسرية، مبادرته إلى هجمات من داخل سوريا ضد إسرائيل وضد أهداف أمريكية، التي أوشكت على أن تؤدي إلى حرب ضد سوريا. وتم استبداله بالجنرال رضي موسوي، الذي صفّي في كانون الأول بهجوم نسب لإسرائيل.

ليست إسرائيل وحدها التي تعمل ضد القوات الإيرانية في سوريا؛ فروسيا أيضاً تقيد نشاطاتها العسكرية في إطار تفاهماتها مع إسرائيل التي تتمتع بحرية نشاطاتها الجوية المنسقة ضد أهداف إيرانية أعدت لمساعدة حزب الله، لكنها ستمتنع عن المس بأهداف حكومية في سوريا.

إيران نفسها لم تدفع بعد ثمن تشغيل المليشيات والمنظمات التي تعمل باسمها في المنطقة. حيث إنه إلى جانب تنصلها من المسؤولية، تطرح نفسها بأنها الدولة الوحيدة التي تمسك بيدها تشغيل فضاء الساحات العنيفة في المنطقة، حتى في وقت يكون فيه تحكمها بهذه المليشيات غير كامل ومطلق، ويتعلق باعتبارات محلية لا تخضع لتوجيهاتها دائماً.

هكذا، بفضل الحرب في غزة، حققت إيران لنفسها مكانة استراتيجية متميزة. وهي مكانة تعززت بفضل استئناف العلاقات الدبلوماسية مع السعودية والحوار السياسي غير المباشر مع واشنطن، التي تحاول تقييد فضاء هذه الساحة.

---------------------------------------------

 

يديعوت أحرونوت 20/2/2024

 

 

بإغلاقها “الأقصى” أمامهم: إلى أي درجة تأبه إسرائيل لغضب المليار مسلم؟

 

 

بقلم: بن – درور يميني

 

ليس صدفة أن اختارت حماس اسم “طوفان الأقصى” لعملها الإجرامي في 7 أكتوبر، وليس صدفة أن كل حكومات إسرائيل ترددت تجاه هذه الكرة الملتهبة التي يسجل عليها “خطر اشتعال”. والتهديد، الوهمي والحقيقي، يتجاوز القضية الفلسطينية إلى العالم الإسلامي بأسره؛ لوجود شيء ما في هذا المكان يثير اضطرابات ويضرم النار منذ أكثر من مئة سنة. هذه ليست مجرد تصورات، فقد قتل الكثيرون أثناء الصراع على هذا المكان. القدس، التي لم تكن عملياً إلا البلدة القديمة، كانت مكاناً مهملاً. ابتداء من منتصف القرن التاسع عشر، كان اليهود أغلبية في البلدة القديمة، حسب كل الإحصاءات، وكانوا أبناء الحاضرة القديمة. أما المسجد الأقصى الواقع في البلدة القديمة فلم يكن على رأس فرحة المسلمين في عهد الإمبراطورية العثمانية.

من اللحظة التي نالت فيها التطلعات لإقامة وطن قومي للشعب اليهودي اعترافاً دولياً، بدأ الانتظام الإسلامي المضاد. وبدأت اضطرابات ضد اليهود في القدس منذ 1920. قتل ستة واغتصبت نساء يهوديات. ولاحقاً، وجد أمين الحسيني السبيل لإثارة حماسة المسلمين من خلال “فرية الأقصى”: اليهود، وفقاً للمحرض الأكبر منذ بداية الصهيونية، يخططون للسيطرة على المجال لهدم المسجد وإقامة الهيكل الثالث مكانه. من الغني عن البيان أنه لم تكن خطة صهيونية كهذه، وحتى وإن كانت، فهي في هوامش الهوامش ليهود مسيحانيين يحلمون بها.

منذ مئة سنة والقدس تجبي نصيبها من الدماء بسبب تحريض شرير؛ مرة من المفتي النازي، ولاحقاً من دعاة أرادوا أن يروا أنفسهم خلفاء له. صعدت القدس إلى ارتفاعات جديدة في خطاب السلطة الفلسطينية أيضاً. كان هذا من عرب إسرائيل، وخصوصاً الشيخ رائد صلاح، الذي واصل هو أيضاً تنمية “فرية الأقصى” بل وربّى جيلاً من الشبان المتطرفين الذين نفّذ بعضهم عمليات إرهابية.

قبيل شهر رمضان، طرحت مسألة جبل البيت والمسجد الأقصى هذه السنة أيضاً. فكيف تصان حرية العبادة دون سفك دماء؟ لا توجد صيغة سحرية لتهدئة الخواطر؛ لأننا نتعامل هنا مع فريات من نوع مقيت للغاية. منذ حرب الأيام الستة واليهود يقعون في تمييز ضدهم. فدخولهم إلى “جبل البيت” [المسجد الأقصى] مقيد، وتهديدات المتطرفين تتسبب بالردع. وبالتأكيد، هكذا هذه الأيام عندما، فلا تحتاج إسرائيل إلى جبهة أخرى.

هذه ليست أياماً بسيطة، بل إضافة إلى رئيس الوزراء القائم، ثمة رجل يتعلق به كل الائتلاف، الرجل الأكثر تطرفاً في الساحة السياسية، الرجل الذي هو شخصية غير مرغوب فيها في كل عواصم العالم تقريباً. هذا الرجل، بن غفير، يسعى الآن لإملاء سياسته على الحكومة.

يعرف نتنياهو بالضبط مع من يتعامل. في الماضي، رفض السماح لبن غفير بالحجيج إلى “جبل البيت”. ” كان بن غفير سيشعل الشرق الأوسط. كان سيثير غضب مليار مسلم علينا”، قال نتنياهو، “قلت إن هناك حدوداً. وثمة أمور لست مستعداً لفعلها”. مرت أربع سنوات فقط، وبدا اليوم نتنياهو آخر، ليس نتنياهو الذي يقود، بل الذي يقاد. بن غفير يطلب، ونتنياهو يطيع.

ربما ترتكب إسرائيل خطأ تاريخياً في 1967، عندما أبقت سيطرة إسلامية كاملة على “جبل البيت”. لكن نتنياهو 2020 قال أموراً صحيحة. ونتنياهو 2024 قد يتخذ قراراً حتى وإن لم يثر علينا غضب مليار مسلم، فربما يشعل غضب مئات الآلاف. ولا حاجة لمئات الآلاف لإشعال المنطقة. حتى الآلاف يمكنهم فتح جبهة إضافية.

مرت إسرائيل بتجربة قاسية في أيار 2021 بمواجهة مع حماس، حين حدثت قصة الأقصى. الآلاف من عرب إسرائيل خرجوا إلى الشوارع، بعضهم شاركوا في أعمال الشغب وأعمال فتك. في أعقاب 7 أكتوبر، كان تخوف من حصول هذا مرة أخرى، لكن هذا لم يحصل. ثمة مظاهرات هنا وهناك، ولكن الاستطلاعات والشوارع الهادئة تشير إلى اختاروا انضمامهم مع إسرائيل، لا مع حماس.

غير أن هذا ليس مضموناً إلى الأبد. فقد أملت حماس في خلق جبهة متعددة الساحات تضم عرب “المناطق” [الضفة الغربية] وعرب إسرائيل، وهذا لم يحصل، ولكن هذا قد يتغير في أي لحظة. وإذا ما أصر نتنياهو على معاقبة عرب إسرائيل ومنعهم من “زيارة جبل البيت” [يقصد صلاتهم في المسجد الأقصى]، حينئذ يكون تخوف من بدء بضعة آلاف بإحداث اضطرابات. هذا بالضبط ما تريده حماس. مرة أخرى، يتعين على نتنياهو أن يقرر بين المصلحة القومية والمصلحة البنغفيرية. وقبل أن يتخذ قراره النهائي، يجدر برئيس الوزراء أن يكرر الأقوال الصحيحة التي قالها في 2020. وهي صحيحة أيضاً في 2024.

---------------------------------------------

 

معاريف 20/2/2024

 

 

ماذا وراء قبول نتنياهو اقتراح بن غفير منع المقدسيين و”فلسطينيي الـ48 من “الأقصى” في رمضان؟

 

 

بقلم: يعقوب بيري

 

القرار الذي اتخذه رئيس الوزراء نتنياهو حول زيارة عرب إسرائيل للحرم في شهر رمضان بدا غريباً وغير واضح، وقد يتسبب باضطراب مقلق. جاء هذا في فترة هي دوماً حساسة ومتوترة وكثيرة الأحداث الأمنية الصعبة.

إن قرار رئيس الوزراء قبوله، ولو جزئياً، موقف الوزير بن غفير، خطير وقابل لتفسيرات متنوعة، ويمكن تفسيرها بموافقة سياسية أكثر منها قراراً متوازناً وأمنياً وحساساً.

لقد حافظ عرب إسرائيل على هدوء تام منذ 7 أكتوبر، وعليه فلا مجال لتوتير واحتدام شبكة العلاقات مع الوسط وجر أجزاء منه إلى الاضطراب والمواجهة، بخاصة على خلفية الحرم، ثم دفعهم للانضمام إلى خطة حماس الأصلية.

يوشك الجيش الإسرائيلي على الدخول إلى رفح. فضلاً عن الإشكالية مع مصر، واحتمالية وجود السنوار هناك، ينتظر الجيش الإسرائيلي معركة قاسية ومعقدة سواء عسكرياً أم سياسياً.

وإذا ما انتقلنا إلى مسألة المخطوفين، يجدر بأن نشكر رونين تساف ولنمتن، على مساهمته، ونشير بأن شكّل قيادة للمخطوفين وفعلها وأدارها، ورفعها إلى مستوى مهم لتعمل فيه.

مع ذلك، يبدو أن المفاوضات لإعادة المخطوفين تراوح مكانها، وإذا لم يتنازل أحد الطرفين فستتواصل معاناة العائلات. وما الذي يحصل في الساحة السياسية؟ لقد اتخذت حكومة إسرائيل بالإجماع قراراً يعارض قيام دولة فلسطينية. ومع أنه يمكن تغيير هذه القرارات في المستقبل، فيجب القول إن القيادة الإسرائيلية لا تساعد على إيجاد حل ما يوفر لنا أي أمل مستقبلي.

ما هكذا ينبغي لقيادة الدولة أن تقود، وليس لمثل هذه الطريق يستحق مواطنو إسرائيل الرائعون. بل نتوقع منها أن تشق طريقاً أكثر تفاؤلاً، تخلق أملاً وتتيح لمواطني الدولة إحساساً إيجابياً مفعماً بالنور وبتوقع إيجابي.

وختاماً، فإن أيام رمضان أيام متوترة ومليئة بالأحداث، والمنظومة الأمنية تعد نفسها لها. كثرة الأحداث هذه السنة شاذة في نطاقها: معركة في الجنوب، وفي الشمال، والضفة، وعرب إسرائيل، والحرم. ويضاف إليها المبادرات الدولية، وقانون التجنيد، ومسألة المخطوفين غير المحلولة.

ونرى اليوم استئناف المظاهرات في شارع كابن في تل أبيب، وربما يتكتل احتجاج عائلات المخطوفين مع الاحتجاج ضد الإصلاح القضائي، في الصراع، لأسباب مختلفة، ضد الحكومة. أيام متوترة، مليئة بالأحداث وقابلة جداً للتفجر. ليتنا نجتاز هذه الأيام بهدوء وأمان.

---------------------------------------------

 

هآرتس 20/2/2024

 

 

مصادر مطلعة: اتهام نتنياهو لقطر كسب للوقت ومحاولة لتخفيف الضغط الداخلي عنه

 

 

بقلم: يونتان ليس

 

دخل نتنياهو في الأسابيع الأخيرة في مواجهة متواصلة مع قيادة قطر، التي تتوسط بين إسرائيل وحماس في المفاوضات حول صفقة جديدة لتبادل المخطوفين. كرر نتنياهو هجومه علناً على الإمارة الخليجية لأنها لا تفعل بما فيه الكفاية للدفع قدماً بإطلاق سراح الـ 134 مخطوفاً إسرائيلياً المحتجزين في قطاع غزة. في الخطاب الذي ألقاه نتنياهو أول أمس في القدس بمشاركة رؤساء الجاليات اليهودية في أمريكا، الأعضاء في لجنة الرؤساء، قدم فيه إيماءات بأن طاقم المفاوضات القطري يمكنه أن يفعل أكثر مما يفعل لضغط على حماس، وحتى إنه يتحمل المسؤولية عن تأخير إطلاق سراح المخطوفين.

سواء دار الحديث عن تقديرات حقيقية أم عن محاولة تكتيكية لزيادة الضغط على حماس، فأقوال نتنياهو أغضبت القائمين على قناة المفاوضات الأكثر أهمية مع المنظمة الإرهابية في غزة. المتحدث بلسان وزارة الخارجية في قطر، ماجد الأنصاري، اتهم أمس نتنياهو بمحاولة “إطالة الحرب” عن طريق المماطلة في المفاوضات، وقبل بضعة أسابيع قدر بأن نتنياهو يعمل على إفشال الصفقة لأسباب سياسية.

نتنياهو، الذي لا يكثر من إلقاء الخطابات في أحداث علنية منذ 7 أكتوبر، وقف أول أمس في متحف التسامح في القدس لتقديم الاحترام لأعضاء لجنة الرؤساء. وتوجه للحضور في القاعة، وطلب منهم زيادة الضغط على قطر كي تستخدم تأثيرها على حماس لإطلاق سراح المخطوفين. “استخدام الضغط لا يجب أن يكون على حماس فقط، بل على الذين يمكنهم الضغط على حماس، وقطر في المقام الأول”، قال نتنياهو. “لدى قطر إمكانية ضغط على حماس أكثر من الآخرين. فهي تستضيف قادة حماس والمنظمة تعتمد عليهم اقتصادياً”.

 ورداً على خطاب ألقاه نتنياهو في المؤتمر، قال المتحدث بلسان وزارة خارجية قطر: “أرفض بشدة اتهامات فارغة من رئيس حكومة إسرائيل، التي تفيد بأن جهود قطر لإعادة إعمار القطاع ومساعدته تستهدف تمويل حماس”. وأكد الأنصاري أن نتنياهو يعرف جيداً بأن هذه الجهود “تم تنسيقها بشكل كامل مع إسرائيل والولايات المتحدة ومصر والأمم المتحدة والأطراف ذات الصلة بهذا الأمر”. وأضاف: “دعوة نتنياهو الموجهة لقطر من أجل الضغط على حماس لإطلاق سراح المخطوفين، هي محاولة لإطالة زمن القتال لأسباب واضحة للجميع”.

حسب أقوال الأنصاري، فإن الدوحة تدعو نتنياهو إلى “التركيز على المفاوضات التي تخدم الدفع قدماً بالأمن في المنطقة، وإنهاء المأساة المتواصلة جراء الحرب بدلاً من الانشغال بمثل هذه التصريحات في كل مرة تتساوق فيها هذه التصريحات مع أجندته السياسية الضيقة”.

التشاجر العلني لم يبدأ في هذا الأسبوع؛ ففي نهاية كانون الثاني نشرت “أخبار 12” تسجيلات سرية لنتنياهو في لقاء مع عائلات المخطوفين، قال فيها إنه لا يثق بوساطة قطر. “قطر لا تختلف جوهرياً عن الأمم المتحدة، أو عن الصليب الأحمر. وبمعنى ما، هي أكثر إشكالية. لا أوهام عندي بخصوصها”. حسب قوله، فإن سبب استعانته بوساطة الدوحة أن “لديها أداة ضغط على حماس. لماذا لها أداة ضغط؟ لأنها تموّلها”، وأضاف بأنه يتجنب بشكل متعمد شكر قطر على جهود الوساطة.

وأوضح الأنصاري لوسائل الإعلام أن الدوحة “أصيبت بالصدمة من التصريحات التي نسبت لنتنياهو في وسائل الإعلام. فهي تصريحات غير مسؤولة، وتحطم الجهود المبذولة لإنقاذ الحياة. وإذا كانت أقواله صحيحة، فهي تفشل الوساطة في صفقة كبيرة تستهدف خدمة حياته السياسية بدلاً من إعطاء الأولوية لإنقاذ حياة الأبرياء”.

مصادر مطلعة على شبكة العلاقات بين إسرائيل وقطر، قدرت أن المواجهة استهدفت مساعدة نتنياهو على تقليص ضغط الجمهور الإسرائيلي عليه، بسبب تأخير الصفقة. الأنصاري ومصادر أخرى مقربة من طاقم قطر، أشارت إلى أن المواجهة العلنية لا تمس بالمفاوضات من أجل الصفقة أو التزام الدولتين بمسار الوساطة التي تقوم بها قطر.

---------------------------------------------

 

 

 

 

 

 

 

إسرائيل اليوم 20/2/2024

 

 

هل تخرج إسرائيل “الجني الديني” من قمقمه بإغلاق “الأقصى” في وجه المسلمين؟

 

 

بقلم: نداف شرغاي

 

إن المنع التام لدخول “عرب إسرائيليين” المسجد الأقصى للصلاة في شهر رمضان ربما يخرج الجني الديني من القمقم في القدس أيضاً، الجني الذي نجحت إسرائيل في حبسه حتى الآن على الأقل.

إن منع سكان شرقي القدس وعرب إسرائيل من دخول “الجبل” [المسجد الأقصى] في رمضان، قد ينزلهم عن الجدار ويدفع الكثيرين منهم إلى التماثل العلني مع غزة، ويلقيهم إلى أذرع حماس، وإلى شراكة فاعلة في الإرهاب.

ليس لإسرائيل مصلحة في المواجهة – فما بالك دينية – مع عرب إسرائيل وشرقي القدس. لذا، الأفضل الإنصات لموقف شرطة القدس التي أبقت -بفضل عملها الذكي والمهني في الأشهر الأربعة الأخيرة (إلى جانب “الشاباك”)- شرقي المدينة بعامة و”جبل البيت” بخاصة (باستثناء حالات خاصة)، خارج أحداث الحرب.

لا أحد يجادل مع النجاح: لو كان سكان شرقي المدينة وعرب إسرائيل الآن جزءاً من عين العاصفة والإرهاب والعنف، لكان منطقياً منعهم دخول “الجبل” [الحرم القدسي]. ولما كان الواقع هناك، بشكل عام، معاكساً، فلا معنى لدفعهم إلى هناك بالقوة، بإغلاق الجبل في وجه الجميع.

من الأصح العمل مع قوائم سوداء: منع “الجبل” [دخول المسجد الأقصى] عن محرضين ومخربين وفئات سكانية محددة، سجلهم مليء بالاستفزازات والاضطرابات والعمليات. وهؤلاء كثيرون، خصوصاً سكان أم الفحم وكفر كنا، تجمعان تابعان للجناح الشمالي من الحركة الإسلامية في إسرائيل، الذي أخرج عن القانون.

خرجت من أم الفحم عمليات غير قليلة على مدى السنين، أبرزها في “جبل البيت”، قتل فيها حارسان في تموز 2017. جنازة القتلة الذين صفوا أصبحت مظاهرة كراهية لإسرائيل، شارك فيها نحو 10 آلاف من سكان المدينة. أما في كفر كنا، حيث يسكن المحرض الأكبر الشيخ كمال الخطيب، فحدثت في فترة “حارس الأسوار” اضطرابات شديدة شاركت فيها الجماهير أيضاً.

أما حورا، في النقب، ففيها أيضاً عدة تجمعات للسكان خرجت منها رجال “داعش”؛ وكذلك مخيم شعفاط للاجئين في شرقي القدس، وهو عش الدبابير بحد ذاته، الذي أصدر هو الآخر غير قليل من المخربين، ممن قتلوا أو حاولوا قتل يهود، بعد أن حُرضوا على تصديق فرية الدم الكاذبة: “الأقصى في خطر”.

حتى لو وثق مئات من عرب إسرائيل منذ بدأت الحرب في جملة من مظاهر التضامن مع حماس أو مع المذبحة، وحتى لو فكر آلاف آخرون هكذا واختاروا الصمت، فلن يظل هذا سبباً كافياً لمنع جمهور من نحو 2 مليون نسمة (21 في المئة من السكان في إسرائيل) من القدوم إلى الجبل في رمضان والصلاة فيه.

الوضع مختلف في كل ما يتعلق بسكان شرقي القدس. هناك، مثلما في الضفة، معدلات عالية لتأييد لحماس، غير أن الردع والهدوء النسبيين اللذين تحققا حتى الآن في هذه المنطقة، والرغبة في الحفاظ على هذا، يستوجب منا أن نكون حكماء لا محقين فقط. الشرطة و”الشاباك” في القدس يعرفون الأحياء والسكان في شرقي المدينة، كي يصيدوا منهم ممنوعي الدخول إلى “الجبل” والسماح للآخرين.

الوعاء في شرقي القدس يغلي، لكنه لم يطفُ على جنباته. وعندما يحصل مثل هذا، ستتغير شروط اللعب. أما حالياً، ينبغي السماح لقسم من سكان شرقي المدينة الدخول إلى “الجبل” في رمضان لمنع هذا التحول. هذا “ضفدع” من المجدي لإسرائيل أن تبتلعه.

---------------------------------------------

 

تدمير إسرائيل الذاتي‏: نتنياهو.. الفلسطينيون وثمن الإهمال‏ (2-1)

 

 

ألوف بن‏* - (فورين أفيرز) 2024/2/7

 

في أحد الأيام المشرقة من شهر نيسان (أبريل) 1956، استقل موشيه ديان، رئيس أركان جيش الدفاع الإسرائيلي الأعور، سيارته واتجه جنوبًا إلى "ناحال عوز"، وهو "كيبوتس" كان قد أنشئ حديثًا بالقرب من حدود قطاع غزة. جاء ديان لحضور جنازة روي روتبرغ (21 عامًا)، الذي كان قد قُتل في صباح اليوم السابق على يد فلسطينيين بينما يقوم بدورية في الحقول على ظهر حصان. وكان القتلة قد سحبوا جثة روتبرغ إلى الجانب الآخر من الحدود، حيث تم العثور عليها مشوهة، وعيناها مقتلعتان. وكانت النتيجة صدمة وعذابًا على المستوى الوطني.‏

‏ولو كان ديان يتحدث في إسرائيل الحديثة، لكان قد استغل تأبينه إلى حد كبير للهجوم على القسوة الرهيبة لقتلة روتبرغ. لكنّ خطابه، كما كان مؤطرًا في خمسينيات القرن العشرين، كان متعاطفًا بشكل ملحوظ مع الجناة. قال ديان: "دعونا لا نلقي باللوم على القتلة. منذ ثماني سنوات، كانوا يجلسون في مخيمات اللاجئين في غزة، وأمام أعينهم كنا نقوم بتحويل الأراضي والقرى التي سكنوا فيها هم وآباؤهم إلى ممتلكات لنا". كان ديان يلمح إلى ‏‏النكبة‏‏، عندما تم طرد الغالبية العظمى من العرب الفلسطينيين إلى المنفى بسبب انتصار إسرائيل في "حرب الاستقلال" في العام 1948. وتم طرد العديد منهم قسرًا إلى غزة، بمن فيهم سكان المجتمعات التي أصبحت في نهاية المطاف بلدات وقرى يهودية على طول الحدود.‏

ولم يكن ديان مؤيدًا للقضية الفلسطينية. في العام 1950، بعد انتهاء الأعمال العدائية، قام هو نفسه بتنظيم تهجير المجتمع الفلسطيني المتبقي في بلدة المجدل الحدودية، التي أصبحت الآن مدينة عسقلان الإسرائيلية. ومع ذلك، أدرك ديان في ذلك الحين ما يرفض العديد من اليهود الإسرائيليين قبوله: لن ينسى الفلسطينيون أبدًا ‏‏النكبة،‏‏ أو يتوقفوا عن الحلم بالعودة إلى ديارهم. وأعلن ديان في تأبينه: "دعونا لا نردع أنفسنا عن رؤية الكراهية التي تُشعل وتملأ حياة مئات الآلاف من العرب الذين يعيشون حولنا. هذا هو خيار حياتنا -أن نكون مستعدين ومسلحين، أقوياء ومصممين، لئلا يُسقَط السيف من قبضتنا وتنقطع حياتنا".‏‏

‏في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، تحقق تحذير ديان القديم بأكثر الطرق الممكنة دموية. وفق خطة دبرها يحيى السنوار، أحد قادة "حماس" المولود لعائلة أُجبرت على الخروج من المجدل، قام مسلحون فلسطينيون بغزو إسرائيل في حوالي 30 نقطة على طول حدود غزة. وبتحقيق مفاجأة كاملة، اجتاحوا دفاعات إسرائيل غير الكثيفة وشرعوا في مهاجمة مهرجان موسيقيّ وبلدات صغيرة وأكثر من 20 كيبوتسًا. وقتلوا في الهجوم حوالي 1.200 مدني وجندي واختطفوا أكثر من 200 رهينة. واغتصبوا ونهبوا وأحرقوا وسرقوا**. لقد عاد أحفاد سكان مخيمات اللاجئين الذين تحدث عنهم ديان -والذين تغذيهم نفس الكراهية التي وصفها، لكنهم الآن أفضل تسليحًا وتدريباً وتنظيمًا- للانتقام.

‏كان ‏‏7 تشرين الأول (أكتوبر)‏‏ أسوأ كارثة في تاريخ إسرائيل. وهو نقطة تحول وطنية وشخصية لأي شخص يعيش في البلد أو يرتبط به. وبعد فشله في وقف هجوم "حماس"، رد الجيش الإسرائيلي بقوة ساحقة، فقتل آلاف الفلسطينيين ودمر أحياء كاملة في غزة. ولكن، حتى بينما يُسقط الطيارون القنابل ويقوم جنود الكوماندوز بإغراق أنفاق "حماس"، لم تفكر الحكومة الإسرائيلية في العداوة التي أنتجت الهجوم -أو ما هي السياسات التي قد تحول دون التعرض لهجوم آخر. ويأتي صمتها بناء على طلب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الذي رفض وضع رؤية أو نظام لما بعد الحرب. وقد وعد نتنياهو بـ"تدمير حماس"، لكنه لا يعرض -أبعد من القوة العسكرية- أي استراتيجية للقضاء على الحركة، ولا خطة واضحة لما يمكن أن يحل محلها كحكومة فعلية في غزة ما بعد الحرب.

ولم يكن فشله في وضع استراتيجية من قبيل الصدفة، ولا هو عمل من أعمال النفعية السياسية المصممة للحفاظ على تماسك ائتلافه اليميني. لكي تعيش إسرائيل في سلام، سيتعين عليها أخيرًا أن تتصالح مع الفلسطينيين، وهو شيء عارضه نتنياهو طوال حياته المهنية. وقد كرس فترة ولايته كرئيس للوزراء، وهي الأطول في تاريخ إسرائيل، لتقويض وتهميش الحركة الوطنية الفلسطينية. ووعد شعبه بأن يتمكنوا من الازدهار من دون سلام. وباع البلاد كل الوقت فكرة أنها يمكن أن تستمر في احتلال الأراضي الفلسطينية إلى الأبد، بتكلفة محلية أو دولية زهيدة. وحتى في الوقت الراهن، في أعقاب 7 تشرين الأول (أكتوبر)، لم يغير هذه الرسالة. وكان الشيء الوحيد الذي قال ‏‏نتنياهو‏‏ إن إسرائيل ستفعله بعد الحرب هو الحفاظ على "محيط أمني" عازل حول غزة - وهو تعبير ملطف مبطن عن الاحتلال طويل الأمد، بما في ذلك فرض طوق يمتد على طول الحدود، والذي سيلتهم شريحة كبيرة من الأراضي الفلسطينية الشحيحة أصلًا.‏

‏ولكن، لم يعد من الممكن أن تظل إسرائيل ضيقة الأفق إلى هذا الحد. وقد أثبتت هجمات 7 تشرين الأول (أكتوبر) أن وعد نتنياهو كان أجوف. على الرغم من عملية السلام الميتة وتراجع الاهتمام بهم من البلدان الأخرى، أبقى الفلسطينيون قضيتهم حية. وفي لقطات الكاميرات المثبَّتة على الأجساد التي التقطتها "حماس" في 7 تشرين الأول (أكتوبر)، أمكن سماع الغزاة وهم يصرخون: "هذه أرضنا" أثناء عبورهم الحدود لمهاجمة أحد الكيبوتسات. وقد أطّر السنوار العملية على الملأ بأنها عمل من أعمال المقاومة، وكان مدفوعًا شخصيا، جزئيا على الأقل، ‏‏بالنكبة الفلسطينية‏‏. وكان قائد "حماس" قد أمضى 22 عامًا في السجون الإسرائيلية، ويقال إنه دأب على إخبار زملائه في الزنزانة بضرورة هزيمة إسرائيل حتى تتمكن أسرته من العودة إلى قريتها.‏

‏أجبرت صدمة 7 تشرين الأول (أكتوبر) الإسرائيليين، مرة أخرى، على إدراك أن الصراع مع الفلسطينيين هو شأن أساسي لهويتهم الوطنية وتهديد لرفاههم، وأنه لا يمكن التغاضي عنه أو الالتفاف عليه. وأن استمرار الاحتلال، وتوسيع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، وفرض الحصار على غزة، ورفض التوصل إلى أي تسوية إقليمية (أو حتى الاعتراف بالحقوق الفلسطينية) لن يجلب الأمن الدائم للبلاد. ومع ذلك، فإن التعافي من هذه الحرب وتغيير المسار لا بد أن يكون شأنًا بالغ الصعوبة -وليس فقط لأن نتنياهو لا يريد حل الصراع الفلسطيني. لقد أمسكت الحرب بإسرائيل في أكثر لحظاتها انقسامًا في التاريخ. في السنوات التي سبقت هجوم "حماس"، انقسمت البلاد بسبب جهود نتنياهو لتقويض مؤسساتها الديمقراطية وتحويلها إلى حكم استبدادي ثيوقراطي قومي. وأثارت مشاريع قوانينه وإصلاحاته احتجاجات واسعة النطاق، وشقاقًا هدد بتمزيق البلاد قبل الحرب، والذي سيعود ليطاردها بمجرد انتهاء الصراع. في الواقع، سوف يصبح الصراع على البقاء السياسي لنتنياهو أكثر حدة مما كان عليه قبل 7 تشرين الأول (أكتوبر)، مما يجعل من الأصعب على البلد السعي إلى تحقيق السلام.

‏ولكن، مهما يكُن ما يحدث لرئيس الوزراء، فإن من غير المرجح أن تُجري إسرائيل نقاشًا جادًّا حول تسوية مع الفلسطينيين. لقد تحول الرأي العام الإسرائيلي ككل إلى اليمين. وتنشغل ‏‏الولايات المتحدة‏‏ باطراد بانتخابات رئاسية حاسمة. ولن يكون هناك سوى القليل من الطاقة أو الدافع لإعادة إحياء عملية سلام ذات معنى في المستقبل القريب.‏

يظل 7 تشرين الأول (أكتوبر) نقطة تحول مركزية، لكن الأمر متروك للإسرائيليين ليقرروا أي نوع من التحول هي التي سيكونها. إذا استجابوا أخيرا للتحذير الذي أطلقه ديان، فيمكن للبلد أن يتحد وأن يرسم طريقًا للسلام والتعايش الكريم مع الفلسطينيين. لكن المؤشرات حتى الآن تشير إلى أن الإسرائيليين سيواصلون، بدلاً من ذلك، الاقتتال فيما بينهم والإبقاء على احتلالهم إلى أجل غير مسمى. وهو ما يمكن أن يجعل من 7 تشرين الأول (أكتوبر) بداية عصر مظلم في تاريخ إسرائيل - عصر يتسم بمزيد من العنف المتزايد. ولن يكون الهجوم في تشرين الأول (أكتوبر) حدثًا لمرة واحدة، وإنما نذيرًا بما سيأتي فحسب.

 

وعد لم يتحقق‏

 

‏في تسعينيات القرن العشرين، كان نتنياهو نجمًا صاعدًا في المشهد اليميني في إسرائيل. وبعد أن صنع اسمه كسفير لإسرائيل لدى الأمم المتحدة من العام 1984 إلى العام 1988، أصبح مشهورًا على نطاق واسع من خلال قيادة المعارضة لاتفاقيات أوسلو -خطة العام 1993 للمصالحة الإسرائيلية الفلسطينية التي وقعتها الحكومة الإسرائيلية ومنظمة التحرير الفلسطينية. وبعد اغتيال رئيس الوزراء، إسحاق رابين، في تشرين الثاني (نوفمبر) 1995 على يد متعصب إسرائيلي يميني متطرف، وموجة من الهجمات (الإرهابية) الفلسطينية في المدن الإسرائيلية، تمكن نتنياهو من هزيمة شمعون بيريز، المهندس الرئيسي لاتفاقية أوسلو للسلام، بهامش ضئيل للغاية في السباق على منصب رئيس الوزراء في العام 1996. وبمجرد توليه المنصب، وعد بإبطاء عملية السلام وإصلاح المجتمع الإسرائيلي من خلال "استبدال النخب"، التي اعتبرها ناعمة وميالة إلى تقليد الليبراليين الغربيين، بمجموعة من المحافظين الدينيين والاجتماعيين.

‏مع ذلك، قوبلت طموحات نتنياهو المتطرفة بمعارضة مشتركة من النخب القديمة ومن إدارة الرئيس كلينتون. كما أن المجتمع الإسرائيلي الذي كان ما يزال في ذلك الحين يدعم بشكل عام اتفاقية السلام، سرعان ما وضع العراقيل أمام تحقيق أجندة رئيس الوزراء المتطرف. وبعد ثلاث سنوات، أطاح به السياسي الليبرالي إيهود باراك، الذي تعهد بمواصلة عملية أوسلو وحل القضية الفلسطينية بشكل كامل.‏

‏لكن باراك فشل أيضًا، وكذلك فعل الذين خلفوه. عندما أكملت إسرائيل انسحابها أحادي الجانب من جنوب لبنان في ربيع العام 2000، أصبحت تتعرض لهجمات عبر الحدود ومهدَّدة من حشد عسكري هائل لـ"حزب الله". ثم انهارت عملية السلام عندما أطلق الفلسطينيون "الانتفاضة الثانية" في خريف ذلك العام. وبعد خمس سنوات، مهد انسحاب إسرائيل من قطاع غزة الطريق أمام ‏‏"حماس"‏‏ لتولي المسؤولية هناك. والجمهور الإسرائيلي، الذي كان ذات مرة مؤيدًا لصنع السلام، فقد شهيته بسبب المخاطر الأمنية التي جاءت معها. وانتشرت فكرة شائعة تقول: "عرضنا عليهم القمر والنجوم وحصلنا على انتحاريين وصواريخ في المقابل". (الحجة المضادة - أن إسرائيل عرضت القليل جدا وأنها لن توافق أبدًا على قيام دولة فلسطينية قابلة للديمومة- لم تجد صدى يذكر). ثم، في العام 2009، عاد نتنياهو إلى السلطة، شاعرًا بأن العودة أضفت الصلاحية على مواقفه. ففي نهاية المطاف، تحققت تحذيراته ضد التنازلات في الأراضي لجيران إسرائيل.‏

بعد العودة إلى منصبه، عرض نتنياهو على الإسرائيليين بديلاً مناسبًا لصيغة "الأرض مقابل السلام" التي فقدت مصداقيتها الآن. إن إسرائيل، كما قال، يمكن أن تزدهر كدولة على النمط الغربي -بل وأن تمد يدها إلى العالم العربي ككل- بينما تدفع الفلسطينيين إلى الخطوط الجانبية. كان المفتاح هو سياسة فرق تسد. في الضفة الغربية، حافظ نتنياهو على التعاون الأمني مع "السلطة الفلسطينية"، التي أصبحت المقاول من الباطن للشرطة والخدمات الاجتماعية في إسرائيل، وشجَّع ‏‏قطر‏‏ على تمويل حكومة "حماس" في غزة. وقال نتنياهو للكتلة البرلمانية لحزبه في العام 2019: "على من يعارض إقامة دولة فلسطينية أن يدعم تسليم الأموال إلى غزة، لأن الحفاظ على الفصل بين ’السلطة الفلسطينية‘ في الضفة الغربية و’حماس‘ في غزة سيمنع إقامة دولة فلسطينية". وهو بيان عاد الآن ليطارده.

‏اعتقَد نتنياهو أن بإمكانه إبقاء قدرات "حماس" تحت السيطرة من خلال فرض حصار بحري واقتصادي، وأنظمة دفاع صاروخي وحدودي تم نشرها حديثًا، وشن غارات عسكرية دورية على مقاتلي الحركة وبنيتها التحتية. وقد أصبح هذا التكتيك الأخير، الذي أُطلق عليه اسم "جز العشب"، جزءًا لا يتجزأ من العقيدة الأمنية الإسرائيلية، إلى جانب نهج "إدارة الصراع" والحفاظ على الوضع الراهن. واعتقد نتنياهو أن النظام السائد أصبح دائمًا. ومن وجهة نظره، كان ذلك الوضع أيضًا هو الوضع الأمثل: كان الحفاظ على صراع منخفض المستوى للغاية أقل خطورة من الناحية السياسية من إبرام اتفاق سلام، وأقل تكلفة من خوض حرب كبرى.‏

‏على مدار أكثر من عقد من الزمن، بدت استراتيجية نتنياهو ناجحة. غرق ‏‏الشرق الأوسط‏‏ وشمال أفريقيا في الثورات والحروب الأهلية التي صاحبت "الربيع العربي"، مما جعل القضية الفلسطينية أقل بروزا بكثير. وانخفضت ما توصف بالهجمات الإرهابية إلى مستويات متدنية جديدة، وعادة ما تم اعتراض الصواريخ التي تُطلَق من غزة بين فينة وأخرى. وباستثناء حرب قصيرة ضد "حماس" في العام 2014، نادرًا ما احتاج الإسرائيليون إلى خوض مواجهة مع المسلحين الفلسطينيين. وبالنسبة لمعظم الناس، في معظم الأحيان، كان الصراع بعيدًا عن الأنظار، وبعيدًا عن الذهن أيضًا.‏

وبدلاً من القلق بشأن الفلسطينيين، شرع الإسرائيليون في التركيز على عيش الحلم الغربي بالازدهار والهدوء. في الفترة ما بين كانون الثاني (يناير) 2010 وكانون الأول (ديسمبر) 2022، ارتفعت أسعار العقارات بأكثر من الضعف في إسرائيل، وامتلأ أفق تل أبيب بأبراج الشقق السكنية ومجمعات المكاتب الشاهقة. وتوسعت المدن الأصغر لاستيعاب الطفرة الاقتصادية. ونما الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بأكثر من 60 في المائة، حيث أسس رواد الأعمال في مجال التكنولوجيا أعمالاً ومؤسسات ناجحة، وعثرت شركات الطاقة على رواسب بحرية من الغاز الطبيعي في المياه الإسرائيلية. وأحدثت اتفاقيات الأجواء المفتوحة مع الحكومات الأخرى انتقالة واسعة في السفر إلى الخارج، وهو جانب رئيسي من نمط الحياة الإسرائيلي، وحولته إلى سلعة رخيصة. وبدا المستقبل مشرقًا. بدا أن البلد قد تجاوز الفلسطينيين، وفعل ذلك من دون التضحية بأي شيء - لا أرض، ولا موارد ولا أموال - من أجل التوصل إلى اتفاق سلام. لقد حصل الإسرائيليون على كعكتهم، وأكلوها أيضًا.‏

‏وعلى الصعيد الدولي، كان البلد مزدهرًا أيضًا. صمد نتنياهو أمام ضغوط الرئيس الأميركي ‏‏باراك أوباما‏‏ لإحياء حل الدولتين وتجميد المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، جزئيا من خلال إقامة تحالف مع الجمهوريين. وعلى الرغم من فشل نتنياهو في منع أوباما من إبرام اتفاق نووي مع إيران، فقد انسحبت واشنطن من الاتفاق بعد فوز دونالد ترامب بالرئاسة. كما نقل ترامب السفارة الأميركية في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس، واعترفت إدارته بضم إسرائيل لمرتفعات الجولان من سورية. وفي عهد ترامب، ساعدت الولايات المتحدة إسرائيل على إبرام "اتفاقيات إبراهيم"، وتطبيع علاقاتها مع البحرين والمغرب والسودان والإمارات العربية المتحدة - وهو احتمال بدا مستحيلًا في السابق من دون التوصل إلى اتفاق سلام إسرائيلي فلسطيني. وبدأت الطائرات المحملة بالمسؤولين الإسرائيليين والقادة العسكريين والسياح في التردد على الفنادق الفاخرة لمشيخات الخليج وأسواق مراكش.‏

‏بينما همَّش القضية الفلسطينية، عمل نتنياهو أيضًا على إعادة تشكيل المجتمع المحلي في إسرائيل. بعد فوزه في إعادة انتخابه بشكل مفاجئ في العام 2015، شكل نتنياهو ائتلافًا يمينيًا لإحياء حلمه القديم بإحداث ثورة محافظة. مرة أخرى، شرع رئيس الوزراء في انتقاد "النخب"، وشنّ حربًا ثقافية ضد المؤسسة السابقة التي اعتبرها معادية له شخصيًا وليبرالية للغاية بالنسبة لمؤيديه. وفي العام 2018، فاز بتمرير قانون رئيسي مثير للجدل يعرِّف إسرائيل بأنها "الدولة القومية للشعب اليهودي"، وأعلن أن لليهود الحق "الفريد" في "ممارسة حق تقرير المصير" على أراضيها. وأعطى الأغلبية اليهودية في البلاد الأسبقية، وأخضع الشعب غير اليهودي فيها.

وفي العام نفسه، انهار ائتلاف نتنياهو. وعندئذٍ غرقت إسرائيل في أزمة سياسية طويلة، حيث عبرت البلاد خمسة انتخابات بين العامين 2019 و2022 -شكلت كل منها استفتاء على حكم نتنياهو. وزادت حدة المعركة السياسية بسبب قضية فساد رُفعت ضد رئيس الوزراء، وأفضت إلى اتهامه جنائيًا في العام 2020 وإلى محاكمته التي ما تزال مستمرة. وانقسمت إسرائيل بين "البيبيين" والذين "ليسوا بيبيين". ("بيبي" هو لقب نتنياهو). وفي الانتخابات الرابعة التي أجريت في العام 2021، تمكن منافسو نتنياهو أخيرًا من استبداله بما وصفت بأنها "حكومة تغيير" بقيادة اليميني نفتالي بينيت، والوسطي يائير لابيد. وللمرة الأولى، ضم الائتلاف الحكومي حزبا عربيا.

ولكن، حتى مع ذلك لم تكن المعارضة لنتنياهو تتحدى أبدًا الفرضية الأساسية لحكمه: أن إسرائيل يمكن أن تزدهر من دون العمل على معالجة القضية الفلسطينية. وأصبح الجدل حول السلام والحرب، وهو موضوع سياسي حاسم تقليديا بالنسبة لإسرائيل، مجرد خبر جانبي في الصفحات الخلفية. وقد ساوى بينيت، الذي بدأ حياته المهنية كمساعد لنتنياهو، الصراع الفلسطيني بـ"شظية في المؤخرة" يمكن أن تتعايش معها البلاد. وسعى هو ولابيد إلى الحفاظ على الوضع الراهن تجاه الفلسطينيين والتركيز ببساطة على إبقاء نتنياهو بعيدًا عن المنصب.

ولكن، ثبت طبيعة الحال أن هذه الصفقة مستحيلة. انهارت "حكومة التغيير" في العام 2022 بعد أن فشلت في إطالة أمد الأحكام القانونية الغامضة التي سمحت للمستوطنين في الضفة الغربية بالتمتع بالحقوق المدنية التي يُحرَم منها جيرانهم غير‏ الإسرائيليين. وبالنسبة لبعض أعضاء التحالف العربي، كان التوقيع على أحكام الفصل العنصري هذه تنازلًا أكثر من اللازم.‏

‏بالنسبة لنتنياهو، الذي ما يزال يواجه المحاكمة، كان انهيار الحكومة هو بالضبط ما يأمل فيه. وبينما نظم البلد انتخابات أخرى إضافية، قام نتنياهو مرة أخرى بتحصين قاعدته من اليمينيين واليهود الأرثوذكس المتطرفين واليهود المحافظين اجتماعيًا. ولاستعادة السلطة، تواصل بشكل خاص مع مستوطني الضفة الغربية، وهم شريحة ديموغرافية ما تزال ترى الصراع الإسرائيلي الفلسطيني على أنه سبب وجودها نفسه. وقد ظل هؤلاء الصهاينة المتدينون ملتزمين بحلمهم بتهويد الأراضي المحتلة وجعلها جزءًا رسميا من إسرائيل. وكانوا يأملون أنه إذا أتيحت لهم الفرصة، فسيكون بوسعهم طرد السكان الفلسطينيين في الأراضي المحتلة. وقد فشلوا في منع إجلاء المستوطنين اليهود من غزة في العام 2005 عندما كان أرييل شارون رئيسًا للوزراء، لكنهم استولوا في السنوات التي تلت ذلك تدريجيًا على مناصب رئيسية في الجيش الإسرائيلي وجهاز الخدمة المدنية ووسائل الإعلام، حيث حول أعضاء المؤسسة العلمانية تركيزهم إلى كسب المال في القطاع الخاص.

كان لدى المتطرفين مطلبان رئيسيان من نتنياهو. الأول، والأكثر وضوحًا، هو زيادة توسيع المستوطنات اليهودية. والثاني هو تأسيس وجود يهودي أقوى في الحرم القدسي، الموقع التاريخي لكل من الهيكل اليهودي والمسجد الأقصى الإسلامي في البلدة القديمة في القدس. (يُتبع)

 

‏*ألوف بن Aluf Benn: ‏‏صحفي‏‏ إسرائيلي ومؤلف ورئيس تحرير صحيفة ‏‏"هآرتس"‏‏ اليومية الإسرائيلية الليبرالية. بدأ العمل في صحيفة "هائير" ‏‏Ha'ir‏‏ في العام 1986. وانتقل إلى صحيفة "هآرتس" في العام 1989، حيث شغل مناصب مختلفة، بما في ذلك محرر ليلي وصحفي استقصائي ورئيس قسم الأخبار، وكتب عن المسائل الأمنية. نشرت مقالاته في مجموعة متنوعة من الصحف الدولية، بما في ذلك "‏‏نيويورك تايمز"‏‏.

*نشر هذا المقال تحت عنوان: Israel’s Self-Destruction: Netanyahu, the Palestinians, and the Price of Neglect

**يصرّ بعض كتاب الكيان ومناصروه على تأكيد الرواية الرسمية لحكومة الاحتلال عن أعمال لم تثبت صحتها تنسبها إلى المقاومين في غزة. ولا ينتبه هؤلاء الكُتاب إلى التحقيقات التي تنشرها حتى صحفهم نفسها، وتشكك صراحة في هذه الرواية.

---------------------------------------------

 

هآرتس 20/2/2024

 

 

لا تكتفوا بإسقاط نتنياهو وطالبوا بسلطة تعيد الأمل

 

 

بقلم: نوعا ليمونا

 

بعد صدمة 7 تشرين الأول (أكتوبر)، في الأسابيع الأخيرة، يبدو أن نتنياهو قد استيقظ. اللون عاد الى وجهه، ليس فقط بفضل طبقة الماكياج، وعادت بلاغته المعتادة أيضا، سياسة الخوف والوهم: الآلية قديمة ومعروفة، نفس السيدة مع تغيير تجميلي فقط.

في المرحلة الأولى يلاحظون تهديدا وجوديا خارجيا ويبدأون في تكرار التخويف منه. ذات يوم كان ذلك القنبلة الإيرانية، الآن "القتلة". "ليس فقط الذين يأتون من غزة"، كما قال نتنياهو في المؤتمر الصحفي في منتهى السبت الماضي، بل "كل البلاد هي جبهة"، "هم يريدون قتلنا جميعا". يضاف الى التهديد الخارجي التهديد الداخلي الذي يعرض وجودنا للخطر. هل تذكرون اليساريين الخونة؟ العرب الذين يتدفقون الى صناديق الاقتراع؟، ها هم يظهرون مرة أخرى، هذه المرة على شكل عائلات المخطوفين التي تتجرأ على التظاهر ضد رئيس الحكومة، وفي المقابل تحصل على حملة مثيرة للاشمئزاز تصفهم بأنهم "خونة". زوجته تقوم بنصيحتهم بحميمية كي يصمتوا، وهو يكرر مرة تلو الأخرى الكذبة ذاتها، وهي أن صفقة التبادل الآن تساوي الهزيمة أمام حماس.

كالعادة، في خطابه الأخير، المقسم الرئيسي، قلب الواقع على رأسه عندما شبه معارضيه بالمقسمين ورسم خطا فاصلا وهميا بينهم وبين المقاتلين الأبطال، مع قصة جريح تعرض للانتقاد لأنه تجرأ على الالتقاء مع رئيس الحكومة. هل فهمتم؟ من يعارض نتنياهو هو سيئ للدولة. يساريون، مواطنو إسرائيل العرب وعائلات المخطوفين.

هذه آلية ناجعة؛ ليس عبثا أنه يعمل هنا منذ سنوات كثيرة. أولا، لأنه من غير الصعب التخويف هنا، في بلادنا الصغيرة المحاطة بالأعداء. ثانيا، لأن التخويف يخلق الشلل والخضوع، الأمر الذي يعني تقليصا شبه مطلق للمعارضة. أيضا التقسيم، فرق تسد، معروف، هو يتسبب بالشلل والإسكات. الجمهور منشغل في الشجارات الداخلية حول نتنياهو بدلا من النظر مباشرة الى الواقع. هكذا فعل نتنياهو دائما، وهكذا يفعل الآن أيضا.

بعد تحديد الأعداء الخارجيين والأعداء في الداخل وزرع الخوف والذعر والانقسام، سننتقل الى مرحلة بيع الأوهام. العيش في خوف بشكل دائم يبعث على اليأس. لذلك، نحن ملزمون برمي للجمهور عظمة، شيء وهمي ليتمسك به. قبل 7 تشرين الأول (اكتوبر) كان هذا وهم الأمن المطلق. الآن عندما تبين أن هذه حيلة لم تساعد، تم استبداله بـ"النصر المطلق"، المدحوض بدرجة لا تقل عن ذلك. ولكن هذه الأوهام كالعادة تقوم على نفي الواقع. وهم أن حماس خائفة وأنه يمكن "إدارة النزاع" وتركيز الأمن فقط على الجدران والتوقيع على اتفاقات سلام لا يكون الفلسطينيون جزءا فيها، ارتكز على نفي وجود الشعب الفلسطيني وطموحاته القومية.

هذه الأوهام تحطمت بشكل فظيع في 7 تشرين الأول (اكتوبر). فقد تبين أن المشكلة التي قمنا بإبعادها لم تختف، بل تطورت الى أبعاد كارثة. أيضا الجدران التي أقمناها حولها كي لا تتسرب الى وعينا لم تساعد. يبدو أنه إذا تجمدت في مكانك وأغلقت عينيك، فإن هذا لا يعد حلا جيدا في الوقت الذي يكون فيه قطار سريع ينطلق نحوك. ولكن بدلا من استخلاص الدرس المطلوب، نحن مرة أخرى استسلمنا لآلية نتنياهو. الاحتجاج ضده يراوح في المكان، وكذلك احتجاج المخطوفين، والاهتمام العام ما يزال يتهرب من الأفكار الجدية حول اليوم التالي. اقتراح الرئيس الأميركي لحل سياسي يسقط على أذن صماء.

لقد حان الوقت للتنازل عن خطاب الخوف والوهم، واستبداله بسياسة من الشجاعة والأمل. الاحتجاج القادم سيكون ملزما بأن يكون أكثر جرأة، وعليه أن يطالب ليس فقط بإسقاط نتنياهو، بل بقيادة تعرض على الجمهور مستقبلا أفضل من العيش على حد السيد الى الأبد. هذه القيادة ستوافق على اقتراح بايدن وستبث في الإسرائيليين أملا واقعيا بحل سياسي.

---------------------------------------------

 

هآرتس 20/2/2024

 

 

الانتخابات قريبة.. والعنف في المجتمع العربي يتصاعد

 

 

بقلم: ضياء حاج يحيى

 

في الشرطة يلاحظون ارتفاعا واحدا في أعمال العنف تجاه منتخبي الجمهور والذين يعملون في السلطات المحلية في المجتمع العربي في الأشهر الاخيرة كلما اقترب موعد الانتخابات للسلطات المحلية، قال للصحيفة مصدر في الشرطة. ارتفاع مشابه سجل أيضا في شهري آب (أغسطس) – أيلول (سبتمبر) 2023، قبل اندلاع الحرب وتأجيل إجراء الانتخابات المحلية.

حسب أقوال نفس المصدر، الذي يشارك في التحقيق في الجريمة الخطيرة، فانه توجد صعوبة في توفير الأمن الكامل للأشخاص الذين يتعرضون للتهديد في المجتمع العربية على خلفية الانتخابات القريبة. "هناك أشخاص دخلوا إلى فئة المهددين، ضمن ذلك رؤساء السلطات المحلية ومرشحون لمناصب مختلفة، لكن يوجد لدى الشرطة الكثير من الأعمال الأخرى في المجتمع العربي، بدءا بالانتخابات ومرورا بالجريمة الاقتصادية وانتهاء بافشال عمليات القتل لمنظمات الجريمة وحماية الشهود في ملفات كبيرة، كل ذلك يثقل على الشرطة بشكل كبير".

المصدر أضاف بأنه في كل ما يتعلق بالانتخابات المحلية في الوسط العربي فإن عمل الوحدة الخاصة لمكافحة الجريمة يتركز على الحفاظ على طهارة الانتخابات. "عدد غير قليل من محاولات منظمات الجريمة والزعران للتأثير على نتائج الانتخابات للسلطات المحلية تم منعها في السابق بسبب العمل المهني للمحققين ورجال الشرطة الذين يعملون صبح مساء"، قال المصدر واشار الى عمليات الاعتقال التي تم تنفيذها قبل 7 تشرين الأول (أكتوبر) في طمرة والناصرة وكفر كنا وكفر ياسيف واللقية. "هذه الفترة هي تحد كبير"، قال. "بعد الأحداث الأخيرة وفي ظل التآكل الاقتصادي هناك محاولة للسيطرة على مصادر التمويل عن طريق السلطات، والتخوفات فقط تزداد".

في الشهر الماضي كانت هناك عملية قتل وحادثان لاطلاق النار. قبل أسبوعين قتل ادهم حمود، وهو المهندس في المجلس المحلي في الجديدة – المكر. في الشرطة حتى الآن هم غير متأكدين من أن خلفية عملية القتل هي عمله أو أنه كان ضحية للصراع على السيطرة بين منظمات إجرامية فقط لأنه من أبناء عائلة أحدها. على أي حال لم يتم اعتقال حتى الآن أي شخص مشتبه به في هذه الحادثة. في الأسبوع الماضي تم إطلاق النار على مبنى المجلس المحلي في النقب للمرة الثانية في غضون بضعة اشهر. في نفس الوقت، بدون أي صلة، أطلق مجهولون النار على بيت المهندس في اللجنة المحلية للتخطيط والبناء في وادي عارة، ولم يصب أحد. أيضا في هذه الأحداث الشرطة لم تعتقل أي مشتبه فيهم. في يوم الجمعة الماضي قدم رئيس بلدية الطيبة، شعاع منصور، شكوى تهديد بالقتل في الشبكات الاجتماعية والشرطة بدأت في التحقيق.

من بيانات مركز الطوارئ لمكافحة الجريمة والعنف التابع للجنة رؤساء السلطات المحلية يظهر أنه منذ أيار(مايو) 2023 كان هناك 18 حادثة اطلاق نار وتهديد وأعمال تخريب واعتداء متعلقة بشكل مباشر أو غير مباشر بمنتخبين أو موظفين في السلطات المحلية العربية. في آب الماضي تم قتل المدير العام في بلدية الطيرة عبد الرحمن قشوع قرب مركز الشرطة في المدينة. وقبل بضعة أشهر قتل أدير غانم، الحارس الشخصي لرئيس بلدية الطيبة، باطلاق نار على بيت الاخير. في أيلول (سبتمبر) الماضي أصيب مصعب دخان، رئيس لجنة التدقيق في بلدية الناصر باطلاق نار على مدخل بيته بعد يوم على ترشيح نفسه لمنصب رئيس البلدية. في أعقاب إطلاق النار هذا أعلن عن سحب ترشحه.

سامية (اسم مستعار)، التي تعمل مستشارة في إحدى السلطات المحلية في الشمال، تعرضت للتهديد اثناء الانتخابات المحلية عندما تم إطلاق النار على سيارتها في شهر أيلول (سبتمبر). "هذا الأمر كان صادما، أنا أصبت بالصدمة"، قالت للصحيفة. "لا يوجد أي سبب كي أتعرض لحادث كهذا. هذا العنف يحدث ليس فقط اثناء الليل، الآن لا يترددون في المس بالموظفين العامين حتى اثناء العمل في وضح النهار، حتى لو كانوا في مناصب رفيعة، لا يوجد أي أحد محصن. عمليا، الموظفون العرب في السلطات المحلية يضطرون إلى الاختيار بين طريقين. الاولى هي الطريق الخطرة، البقاء في المنصب والتقدم. الثانية هي طريق الانسحاب والخسارة، التنازل عن المنصب من شأنه أن يبني لك حياة مهنية ويحقق حلمك ويحقق مصالح المجتمع. لو أن الوزارات الحكومية تعمل كما هو مطلوب، وكانت تقوم بحل المشكلات الصغيرة قبل تحولها إلى مشكلات كبيرة لما كنا نوجد في هذه الفوضى. يوجد هنا تخلي عن الناس وتركهم لمصيرهم. كل ما يحدث حول السياسة المحلية، تهديد الموظفين العامين وما شابه، ينعكس على المواطن بشكل سيئ جدا لأن العمل الجماهيري اليومي تضرر بشكل كبير".

حسب رئيسة مركز الطوارئ، المحامية راوية حندقلو، فإن أعمال عنف كثيرة ترتبط بالانتخابات المحلية لا يتم أبدا الإبلاغ عنها. "الناس لا يسارعون إلى الإبلاغ عن التهديد بسبب عدم الثقة بجهاز الشرطة ومن أجل حماية حياتهم وحياة أبناء عائلاتهم"، وأضافت "عندما يدور الحديث عن النساء فإن الضرر يكون مزدوجا. فالنساء في المجتمع العربي يمشين طريقا طويلة للوصول إلى المنصب ويناضلن من أجل مكانتهن في كل الساحات. المس بالنساء يتسبب بالضرر الكبير، حتى بقدرتهن على التأثير على جدول الأعمال اليومي".

حندقلو أشارت أيضا إلى أن الخطة الخمسية للحكومة في الحقيقة أدت إلى تغيير للأفضل. ولكن السلطات المحلية العربية بقيت منظومة فقيرة وضعيفة، تواجه الكثير من التحديات، كمؤسسة ديمقراطية وكمقدمة للخدمات المدنية للسكان. وقد قالت "بدلا من محاربة منظمات الجريمة فإن الدولة تحارب السلطات المحلية وتعطي هدية للمنظمات وتمكنها من توسيع سيطرتها وإملاء نظام جديد من الخضوع والعنف".

"كل شخص لديه موقف يختلف عن موقف المجلس، وكل شخص يوجد من لا يروق له في البلدية يقرر إطلاق النار على المجلس المحلي. هذا عمل حقير جميع المواطنين يشمئزون منه، ايضا الذين لا يؤيدون خطي السياسي"، قال رئيس المجلس المحلي في اللقية، احمد الاسد، في أعقاب عمليات إطلاق النار هناك. "حتى الآن نحن لا نعرف الخلفية. في الشرطة يقولون بأنه توجد لديهم اتجاهات تحقيق وأنه تم نقل الملف الى الوحدة المركزية، لكني لا اتوقع أن يتم اعتقال أي مشتبه فيهم. بسبب الانتخابات فإن الأجواء الآن هي أجواء متوترة".

---------------------------------------------

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

معاريف 20/2/2024

 

 

عاصفة رمضان

 

 

بقلم: آنا برسكي وآخرين

 

أثارت مداولات أول من أمس عن الاستعداد لرمضان عاصفة في الساحة السياسية. وما لم يساعد في تهدئة الخواطر هو حقيقة أن التقارير عن المداولات كانت متضاربة وغامضة.

في اثناء المداولات أعطى رئيس الوزراء نتنياهو الانطباع بأنه يميل إلى قبول موقف الشرطة التي أوصت بتقييد حجيج عرب إسرائيل الى الحرم لابناء 40 فما فوق. وهذا بخلاف توصية الجيش والشباك اللذين عارضا فرض أي قيود.

ومع ذلك حرص نتنياهو بالتوازي أيضا على أن يشدد بأن القرار سيتخذ لاحقا، وذلك على أساس توصيات الجهات المختصة. وفي خلاصة المداولات، وجه نتنياهو المستوى المهني لفحص كل التوصيات المطروحة، من حيث التداعيات والمخاطر ورفع ورقة موقف له لاجل اتخاذ القرارات في موضوع الحرم في فترة رمضان.

أما موقف وزير الأمن القومي ايتمار بن غفير الداعي للسماح باقتحام قوات الأمن للحرم في كل حالة يدعو فيها المؤذن إلى التمرد أو إذا رفعت اعلام حماس أو منظمة التحرير الفلسطينية، فقد رفضه رئيس الوزراء. على أي حال، يفترض بالقرار أن يلقى الإقرار من الكابينت السياسي الأمني، وبعد ذلك تجرى مداولات خاصة تتقرر في نهايتها القيود المتعلقة بمدى العمر وبالطبع بعدد الزوار.

اما بن غفير من جهته فسارع قبل يومين لنشر بيان وكأن موقفه الذي يتبنى فرض قيود على عرب إسرائيل قد أقرمما اعطى الإشارة لردود أفعال حادة من المعارضة.

وواصل أول من أمس خطه الحازم في جلسة كتلة عظمة يهودية وقال ضمن أمور أخرى انه "في السنوات الأخيرة حاولت حكومات إسرائيل على امتدادها بكل القوة أن تكون لطيفة لحماس وان تحتويها، وأدخلت عشرات آلاف النشطاء وحولت الحقائب مع ملايين الدولارات، وتدلل سجناء حماس في السجون في زنازينهم كما يشاؤون مع سياسة كله مشمول. وحتى عندما اطلقوا علينا الصواريخ كانت هناك جهات تقول دوما ان هذا مطر أو عطل كهربائي.

ورغم كل هذا، في 7 تشرين الأول (أكتوبر) تحطم هذا الوهم الصبياني. والتفكير في أننا فقط إذا كنا لطفاء لحماس وفقط إذا احتويناهم – أصبح وهما عظيما تحطم لنا جميعا في الوجه. اعداؤنا يفحصوننا حتى في هذه الدقائق ويريدون أن يروا إذا كنا مصممين واقوياء أم اننا خائفون وخانعون".

وإلى ذلك في الليكود قرروا أول من أمس الا يرفعوا إلى التصويت الإعلان ضد خطوة أحادية الجانب للاعتراف بدولة فلسطينية مثلما أعلنت عن ذلك الولايات المتحدة بل فقط تسليم بيان في الهيئة العامة للكنيست وإجراء التصويت (اليوم). وهذا بعد أن طلبت كتلة إسرائيل بيتنا ان ترفع الى التصويت في إطار المداولات صيغة أخرى للقرار ترفض تماما إقامة دولة فلسطينية وليس فقط الخطوة أحادية الجانب مثلما في الصيغة التي اقرت في الحكومة.

في أعقاب ذلك نشر رئيس الوزراء بيانا فقط دون إمكانية طرح اقتراحات أخرى وهكذا سيسد الطريق على اقتراح إسرائيل بيتنا.

في تصريحه قال ضمن أمور أخرى اننا "جمعينا متحدون في الموقف بانه محظور على إسرائيل الاستسلام لاملاء دولي في موضوع على هذا القدر من الوجودية. ارحب بهذا. بالتأكيد سيفوز الاقتراح بأغلبية جارفة. هذا سيوضح للعالم بانه توجد وحدة واسعة جدا في داخل إسرائيل ضد المحاولة الدولية لفرض دولة فلسطينية علينا".

------------------انتهت النشرة------------------

أضف تعليق