30 نيسان 2024 الساعة 08:22

التوغّل الفاشل ومفاجآت المقاومة وجحيم غزة المنتظر

2023-11-04 عدد القراءات : 161
شرحبيل الغريب

تكبّد الاحتلال الإسرائيلي منذ بدء التوغّل البري في يومه الأول لأطراف قطاع غزة خسائر مباشرة عسكرية وبشرية فادحة، ودفع ثمناً كبيراً لم يكن في حساباته وتقديراته رغم الدعم العسكري الأميركي المطلق، والدفع بحاملة طائرات وتعزيزات عسكرية كبيرة لضرب غزة واجتياحها بهدف تخليص الجنود الأسرى لدى حركة حماس. 

راهنت "إسرائيل" على العملية البرية كخيار لا مفرّ منه بعد الفشل الكبير الذي منيت به في تحقيق إنجاز عسكري بعد قصف قطاع غزة بشكل جنوني هستيري وحشي غير مسبوق، ما عكس حالاً من الانتقام الأعمى لكلّ ما هو فلسطيني على مدار أكثر من أسبوعين. 

ما قبل طوفان الأقصى ليس كما بعده، فقد ألحقت المقاومة الفلسطينية هزيمة أخرى بـ"إسرائيل" بعد الهزيمة الكبرى يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، وحطّمت أسطورتها كقوة في الشرق الأوسط، فما حقّقته في طوفان الأقصى، وحال الصمود الكبير في أرض المعركة، وما أظهرته من مفاجآت حيث التجهيز والإعداد والخطط الدفاعية والهجومية، والخسائر المتتالية التي أوقعتها في صفوف آليات ودبابات الاحتلال في اللحظة التي تباهت فيها "إسرائيل" بدبابة النمر المتطوّرة، أظهر "إسرائيل" المأزومة المكسورة المهزومة. 

المقاومة الفلسطينية الشرسة في مواجهة دبابات "جيش" الاحتلال الإسرائيلي على أطراف قطاع غزة، والخسائر الفادحة التي وقعت في صفوفه وصلت إلى حد تدمير كتيبة كاملة من دباباته، أصابت قادة "إسرائيل" بهيستريا وجنون، وضراوة القتال جعلت قادة الاحتلال الإسرائيلي يسجّلون اعترافاتهم لأول مرة في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، كان أبرزها تصريح رئيس الأركان في "جيش" الاحتلال الذي قال: "نخوض حرباً مع عدو قاسٍ، ولهذه الحرب ثمن مؤلم  وباهظ علينا، لقد فقدنا عدداً من خيرة جنودنا خلال المعارك مع غزة"، أما عضو مجلس الحرب بيني غانتس فقد اعترف بشكل صريح فقال: "الصور القادمة من المعركة البرية مؤلمة ودموعنا تتساقط عند رؤية جنود جفعاتي يسقطون".

وتصريحات أخرى لمسؤولين إسرائيليين جاء فيها أن صورة الانتصار التي يبحث عنها "جيش" الاحتلال الإسرائيلي في غزة غير موجودة، المقاتلون هناك يقاتلون حتى الموت ولا يرفعون أيديهم ولا يستسلمون. واعتراف إسرائيلي آخر ببسالة رجال المقاومة في الميدان، وهو ما نشرته صحيفة معاريف قالت فيه: "القوات المقاتلة بعيدة جداً عن الانكسار، ورغم التصفيات والاغتيال، تنجح حماس في معظم الحالات في الحفاظ على طريقة قتال منظّمة تستند أساساً إلى قتال الأنفاق والخروج من فوّهاتها، وتحديداً من خلال إطلاق الصواريخ المضادّة للدروع بجرأة". 

أما قائد وحدة متخصصة في جيش الاحتلال فقال أيضاً :"لأول مرة في تاريخ حروبنا مع العرب، نجد أنفسنا في موقع الدفاع وليس الهجوم، بات جنودنا يتساءلون كلّ يوم عمّن سيموت، جنودنا في حالة انهيار نفسي وباتوا يخشون الصعود في الآليات التي ستدمّرها صواريخ كورنيت التي تسلّمتها حماس من حزب الله.

خروج قادة الاحتلال الإسرائيلي على وسائل الإعلام بهذا الشكل من الاعترافات الصريحة في حال الارتباك، يعد مؤشّراً ومقياساً على عدم الثقة بمجريات الحرب الدائرة على غزة، ومؤشّراً على أن العقل الميداني الإسرائيلي لم يستوعب بعد خطط المقاومة والفشل في التخطيط لاجتياح ناجح لقطاع غزة، في وقت لم تفق "إسرائيل" بعد من الصدمة التي تعرّضت لها وراهنت على وهم ما زالت تعيشه وتعبّر عنه في انتقامها الأعمى وقصفها الوحشي للمدنيين، وهو أنّ القضاء على المقاومة أمر وارد وممكن.

‏حال من الارتباك والضبابية والغموض الكبير باتت تعيشه "إسرائيل" بفعل هزيمتها وخسائرها في الحرب مع المقاومة الفلسطينية، وما يعزّز ذلك هو عدم الإفصاح عن عدد القتلى الحقيقي في صفوف جنودها، ثم إن الإعلان عن تحديث قائمة الأسرى لدى كتائب القسام بين حين وآخر يجب الوقوف عنده، ويطرح تساؤلاً حول ما إذا كان ارتفاع عدد الأسرى في "جيش" الاحتلال من 228 في وقت سابق الى 242 مع اقتراب انتهاء الشهر الأول من العدوان الإسرائيلي، فهذا معناه أن حماس قد تكون أسرت مزيداً من جنود الاحتلال الجدد خلال التصدي لعملية التوغّل البري.

عبثاً يحاول الاحتلال الإسرائيلي رسم صورة انتصار موهوم، من خلال كثافة القصف بآلاف الأطنان من القنابل والصواريخ، والحشد بأرتال الدبابات وهي تتقدّم أمتاراً معدودات، إلا أن المشهد جاء مغايراً على الأرض لما تفرضه الخطة الإسرائيلية، فقد نجحت المقاومة الفلسطينية في كي وعي الجندي الإسرائيلي في أن الذهاب إلى غزة معناه الذهاب إلى الجحيم المنتظر، في وقت باتت أسلحة المقاومة بأنواعها كافة تلاحق "جيش" الاحتلال ودباباته وجنوده براً وجواً وبحراً، بل ما زالت المقاومة تستدرجه نحو جحيم غزة الأكبر. 

تقترب المواجهة مع الاحتلال من الشهر، وجنود الاحتلال ما زالوا أسرى في قبضة أبطال المقاومة، ومن جهة أخرى هو غير قادر على التقدّم لعمق غزة، بل إن محاولات التقدّم أكثر تفشل في كل ساعة، وبات غير قادر على التراجع، ويستحيل البقاء في مكانه من دون تلقّيه ضربات الكورنيت والياسين 105 وأصناف الأسلحة الأخرى، والتي أدّت إلى سقوط منظومة دبابات النمر، ما جعل قادة الاحتلال يفتحون تحقيقاً فورياً تجاه قدرة حماس على تفجير هذا النوع المتطور من الآليات.

مجريات الحرب منذ بداياتها تكشف حقيقة ثابتة أن "إسرائيل" كلّها في أزمة وباتت تحت تهديد خطر وجودي حقيقي، وحال الدعم المطلق لها يؤكد أنها ضعيفة، وهزيمتها ممكنة، وأنها من دون الدعم الأميركي الغربي لن تكون قادرة على مواجهة أيّ من قوى المقاومة ومحورها في المنطقة. 

طوفان الأقصى وثبات الفلسطينيين وتمسّكهم بأرضهم ورفضهم لمخطط التهجير دمّر أساطير "إسرائيل" وقوتها، والأهم في هذا المشهد أن العالم بعد عبور المقاومة يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر بات يعرف حجم "إسرائيل" الحقيقي.

أضف تعليق