02 كانون الأول 2024 الساعة 17:34

الديمقراطية الفلسطينية وحقوق المرأة ودورها

2023-03-07 عدد القراءات : 745
8 آذار/ مارس، يوم المرأة العالمي ليس فقط يوماً احتفالياً بالإنجازات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية للمرأة، بل يوم للعمل من أجل تسريع التكافؤ الاجتماعي والمساواة الحقيقية بين الرجل والمرأة، المساواة المبنية على النوع الاجتماعي، والدعوة إلى التغيير الإيجابي للنهوض بالمرأة وتمكينها من نيل حقوقها كاملة، وفي الحالة الفلسطينية أمران يعيقان النهوض بأوضاع المرأة في مجتمعنا، أولاً: واقع الاحتلال الذي يثقل دورها بقيود تحول بينها وبين توظيف طاقتها الكاملة في بناء مستقبل واعد للأجيال في دولة مستقلة توفر الأمن والأمان والاستقرار والازدهار والتقدم لمواطنيها دون خوف من مجهول.
وثانياً: واقع اجتماعي لمجتمع ذكوري يضع المرأة في منزلة أدنى، ويفرض أنماطاً سلوكية تقليدية عليها لا تتماشى مع روح العصر، وما زالت التقاليد المتوارثة تكبل دورها في المجتمع في جميع المجالات سواء اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية.
في هذه المرحلة التي تعيشها الحركة الوطنية الفلسطينية تكتسب مسألة العلاقة بين بناء الديمقراطية وبين حقوق المرأة أهمية خاصة في مجرى جدل صاخب حول الديمقراطية ومضمونها يدور في أحد أبرز محاوره حول صياغة وتطوير الدستور ومدى مواءمته للمعايير المعتمدة أممياً لحقوق الانسان بما فيها حقوق المرأة.
سادت فكرة ساذجة في الأوساط الفلسطينية عموماً تقيم علاقة سببية تلقائية بين التحرر الوطني والتحرر الاجتماعي، أن حركة التحرر الوطني الفلسطيني بقدر ما تتقدم على طريق تحقيق أهدافها تقود إلى التحرر الاجتماعي الذي يشمل أيضاً قطاع المرأة، ولم تدرك الاتجاهات الديمقراطية واليسارية في وقت مبكر أن المضمون الاجتماعي لحركة التحرر الوطني يمكن أن ينزاح نحو مضامين اجتماعية محافظة لا بل رجعية، لاسيما حيال مسألة المرأة باعتبارها الموضوع الأبرز في ملف المساواة في المواطنة وفي حقوق المواطنة، وهذا برز على الخصوص عند قيام سلطة الحكم الإداري الذاتي على السكان في العام 1994، وقد اضطلعت السلطة بمسؤوليات في الشأن الداخلي الفلسطيني في الضفة والقطاع وهو المجال الجغرافي المستهدف في المشروع الوطني لإقامة الدولة الفلسطينية عليه. هذا الواقع المستجد جعل الحالة الفلسطينية تقف للمرة الأولى أمام مهام متداخلة وطنية وديمقراطية سياسية واجتماعية.
في 8 آذار/مارس 2009 صادق الرئيس الفلسطيني محمود عباس على «اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة» السيداو، وبذلك أصبحت فلسطين العضو الـ19 الذي يصادق على هذه الاتفاقية من بين أعضاء جامعة الدول العربية الـ22. إن المصادقة الفلسطينية على السيداو رغم تضمينها ما ينص على «بما ينسجم وأحكام القانون الأساسي الفلسطيني»، وهو ما يربطه البعض بالمادة 4 فقرة 2 من القانون الأساسي أي (مبادئ الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع) هذه الإضافة لا تضع المصادقة الفلسطينية على نسق المصادقات العربية التي ربطتها بوضوح بتحفظات على مواد محددة في الاتفاقية (المواد2،7،9، 15،16،29)، بينما الرئيس الفلسطيني لم يكتفِ بالمصادقة، بل طالب الحكومة الفلسطينية والجهات المختصة كافة، كل فيما يخصه، تنفيذ أحكام هذا المرسوم، ويعمل به من تاريخ صدوره، وينشر في الجريدة الرسمية، لكن مجلس الوزراء عمم التحفظات على اتفاقية سيداو.
رغم ذلك يعتبر انضمام دولة فلسطين إلى السيداو إنجازاً وطنياً يجب حمايته والبناء عليه، لقد دعت المؤسسات العاملة في أوساط المرأة، وعديد من القوى السياسية الجهات المعنية في «م.ت.ف.» ودولة فلسطين إلى التعامل بكل مسؤولية مع التزامات دولة فلسطين بتطبيق الاتفاقية، ووضع تشريعات صارمة لحماية الأسرة من العنف والحد من حالات قتل النساء بداعي الشرف، وإعادة قراءة القوانين والتشريعات التي تنطوي على كثير من التمييز بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات وفتح حوار مجتمعي يضم جميع الأطراف ذات العلاقة، للمناقشة في أية قضايا تتعلق بمواءمة التشريعات الفلسطينية مع متطلبات الاتفاقية، وعدم التردد بنشر الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التي انضمت إليها دولة فلسطين، بما فيها اتفاقية سيداو، في جريدة الوقائع الرسمية الفلسطينية.   
إن الخطاب الرسمي ينحاز للنساء قولاً، ويتجاهل حقيقة وضعهن قولاً وعملاً، فليس من رابط بين نتائج دراسة المكتب المركزي للإحصاء حول «أوضاع المرأة الفلسطينية» والتي تبين مدى مشاركة النساء في المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وبين الخطاب الرسمي البعيد عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فهو يتكلم عن المرأة بلغة العواطف باعتبارها الأم والأخت والزوجة، لكن لا شيء عن التمييز في الأجور، ولا شيء عن تطبيق القرار بإضافة 30% من عضوات المجلس الوطني الفلسطيني إلى المركزي، في هذا السياق، منحت المرأة بعضاً من حقوق المساواة مع الرجل في شؤون عائلية، ودعت إلى إعادة النظر في قانون العقوبات لجهة توفير الحماية للمرأة الفلسطينية، لكن الحماية الحقيقية للمرأة الفلسطينية في مجتمعها المحلي تتحقق عندما تجري مواءمة حقوقها في التشريعات الوطنية بشكل كامل مع الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها دولة فلسطين، والتزم نظامنا السياسي بها، وخاصة السيداو.
إن احتباس القوانين والسياسات القادرة على إحداث النقلة النوعية باتجاه التغيير، يعود إلى أن المرأة وحدها في ميدان النضال الديمقراطي والمساواة التامة، بينما معركة مواءمة القوانين لا تتحقق دون مشاركة مجتمعية شاملة، بمعنى نضال الرجال والنساء معاً، في جميع عمليات التنمية والتطوير المجتمعي الذي يؤدي بالضرورة إلى استنهاض المشاركة المتكافئة والفاعلة في العملية الوطنية، بما في ذلك دمج القضايا الاجتماعية للنساء في الحياة النضالية اليومية، بدءاً من مشاركتها في صياغة القرار السياسي والاجتماعي المتناسب مع ثقلها الاجتماعي، ودورها الكفاحي، ومؤهلاتها العلمية، مروراً بتطوير البنى الحزبية ومأسستها قانونياً وثقافياً على أساس المساواة التامة والمناصفة في النضال والقرار، وانتهاء بالعمل الجاد لجسر الهوة بين الالتزام النظري والتطبيق العملي.
إن المرأة الفلسطينية تدفع الثمن مضاعفاً جراء ممارسات الاحتلال السياسية والاقتصادية، وفي مجال الحريات العامة، وتتعرض للإجحاف نفسه جراء سياسة الانقسام بما ينجم عنه من تراجع للحريات العامة، يمس بحقوق النساء قبل وأكثر من غيرهن، لذا فمن مصلحتها ومصلحة المجتمع أن تتم المصالحة الوطنية بإنهاء الانقسام وبإعادة بناء نظام سياسي فلسطيني نظام ديمقراطي برلماني يحترم حقوق الانسان، والمساواة التامة أمام القانون لجميع المواطنين، ويضع في مقدمة اهتماماته تمكين المرأة من نيل حقها في الحرية والمساواة في مختلف مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتعزيز دورها في الشأن السياسي، وفي مؤسسات صنع القرار.
لقد أثبتت تجارب حركات التحرر الوطني في المنطقة العربية – والحركة الوطنية الفلسطينية ليست استثناء- أن الرهان على تقدمها وانتصار أهدافها لا يقود تلقائياً إلى تقدم وانتصار أهداف الديمقراطية سياسياً واجتماعياً وبما يلبي مصالح الكادحين والشباب والمرأة، أي تلك القوى الاجتماعية التي قامت على أكتافها هذه الحركات وحققت انتصاراتها، الفئات الكادحة بالمقياس الطبقي، والشباب بالمقياس العمري، والمرأة بمقياس النوع الاجتماعي.
إن التقدم نحو أهداف النضال الوطني التحرري ينبغي أن يسير يداً بيد مع تعزيز الديمقراطية السياسية والاجتماعية، وتعميق مسارها أثناء مرحلة التحرر الوطني، وامتداداً في مرحلة البناء الوطني التي تعقبها.
في هذا السياق لابد من التأكيد على أن التلازم بين المسارين الوطني والاجتماعي يجب أن يتفادى تأجيج الصراعات الاجتماعية، بأي خلفية كانت، الأمر الذي يتناقض مع أولوية صون وحدة الشعب بمختلف فئاته في مواجهة الاحتلال.
لقد تعاطت الحركة الوطنية الفلسطينية مع قضايا المرأة وحقوق النساء عموماً باعتبارها ليست من صلب الحياة السياسية اليومية للشعب الفلسطيني، ليست متواشجة معها وليست متداخلة فيها، ولا تأخذ الحركة الوطنية الفلسطينية بعين الاعتبار أن تطوير مجتمعنا يتطلب تطويراً مؤسساتياً وقانونياً وثقافياً يقوم على مشاركة نصف المجتمع في النضال السياسي اليومي المرأة، هذا ينطبق على مختلف فصائل العمل الوطني الفلسطيني، الاسلامية والوطنية واليسارية.
وفي هذا المضمار، وبالنسبة للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين فقد جاء متأخراً الوعي لوجود قضية أساسية وذات بعد استراتيجي، قضية قائمة بذاتها في مرحلة التحرر الوطني التي تجتازها الحركة الوطنية الفلسطينية ألا وهي «مسألة المرأة».
إن عدم تعاطي الحزب ككل مع مسالة المرأة كقضية قائمة بذاتها محورها المساواة والحقوق المشتقة، والنضال في سبيلها كملف متكامل تحت شعار مركزي يحمله شعار المساواة، قاد إلى تركيز هذا الملف وما ترتب عليه من مهام بيد المنظمات الديمقراطية للمرأة في مختلف الأقاليم، بدلاً من رفعه إلى مستوى المهمة البرنامجية المطروحة على جدول أعمال الحزب ككل، ما حول هذا الملف إلى قضية مطلبية بدلاً من أن تكتسي مضمونها وتغنيه في آن، كقضية فكرية وسياسية وطبقية وحركية من الطراز الأول.  
بالإضافة إلى ذلك لم يواكب النص البرنامجي واقع الممارسة الفعلي ولم يضطلع بدوره المفترض في إضاءة الطريق أمام الفاعلين في الميدان، ترتب على ذلك نتائج سلبية على مدى التقدم الذي كان بالإمكان إحرازه، سواء على مستوى تعزيز مكانة المرأة ودورها في إطار الجبهة الديمقراطية، أو على مستوى الفعل والتأثير في صفوف الحركة النسوية بشكل عام.
لقد تخلف البرنامج السياسي نصاً في موضوع المرأة عن أداء المؤسسات المعنية بقضايا المرأة في الميدان، وفي قطاع المرأة بالذات، مما جعل الأداء يتقدم على أسلوب تناول قضايا المرأة في البرنامج السياسي لفترة طويلة من الزمن، ولم يضطلع بدوره التوجيهي إلا في وقت متأخر، أي بدءاً من المؤتمر الوطني العام الثالث 1994 الذي فتح الطريق أمام مقاربة أوفت قضية المرأة حقها، ووجدت امتدادها في تعديلات على فقرة المرأة في البرنامج السياسي المقررة في المؤتمر الوطني العام السادس 2013. لقد شهد البرنامج السياسي على امتداد تاريخ الجبهة الديمقراطية صيغتين:
الصيغة الأولى: أنجزتها اللجنة المركزية الثانية عام 1975، بناء على تفويض من الكونفرنس الوطني العام الأول 1971 أي بعد تأسيس الجبهة بـ6 سنوات، تناولت هذه الصيغة موضوع المرأة في إطار حقها في إقامة منظمتها الجماهيرية أسوة بسائر الفئات الاجتماعية وفق الفقرة التالية: ضمان حق النساء والطلبة والمعلمين والشبيبة، وسائر فئات الشعب في إقامة منظماتهم الجماهيرية والمهنية المستقلة.
وفي المؤتمر الوطني العام الثاني 1981 اقتصر التعديل الذي أجراه المؤتمر على ما يلي:«.. النضال من أجل حقوق المرأة وتطوير دورها في النضال الوطني ..» أما الكونفرنس الوطني العام الثاني 1991 فلم يتطرق إلى هذا الموضوع.
الصيغة الثانية: للبرنامج السياسي 1994 تناولت موضوع المرأة ضمن المهمات النضالية المطروحة على جدول أعمال منظمتي الجبهة في الضفة والقطاع، كما يلي: «الدفاع عن حرية المرأة وحقوقها في المساواة، ومن أجل تعزيز مكانتها الاجتماعية، ودورها في النضال الوطني، وتشجيع انخراطها في كافة مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، والنضال من أجل حق النساء العاملات في المساواة والرعاية الاجتماعية».

أضف تعليق