03 آيار 2024 الساعة 18:16

الصحافة الإسرائيلية الملف اليومي صادر عن المكتب الصحفي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين الاثنين 22/4/2024 العدد 990

2024-04-23 عدد القراءات : 46

  الصحافة الاسرائيل– الملف اليومي

افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

 

 

هآرتس 22/4/2024

 

رداً على “نكتة واشنطن”: “نيتسح يهودا” ليست وحدها… كل إسرائيل فاغنر

 

 

بقلم: روغل الفر

 

العقوبات التي فرضتها الإدارة الأمريكية على كتيبة “نيتسح يهودا” بسبب خرق حقوق الإنسان في الضفة هي بمثابة القليل جداً والمتأخر جداً. خلافاً لمنظمة “لاهافاه” ومؤسسها بنتسي غوفنشتاين ونشطاء آخرين من اليمين المتطرف، الذين هم أشخاص عاديون، فإن كتيبة “نيتسح يهودا” تعمل باسم دولة إسرائيل وكل مواطنيها، جميعهم بدون استثناء. وهي تنفذ سياسة قائد المنطقة الوسطى وسياسة رئيس الأركان وسياسة وزير الدفاع وسياسة رئيس الحكومة. وتعمل من منطلق قوة الصلاحيات التي منحتها إياها الدولة ومؤسساتها.

الجيش الإسرائيلي تنظيم هرمي. كتيبة “نيتسح يهودا” تنفذ سياسة أبرتهايد واحتلال ودعم لعنف المستوطنين ضد الفلسطينيين. وتفعل ذلك بأوامر حصلت عليها. يقول المنطق إنه إذا كانت الكتيبة مذنبة، فإن رئيس الأركان ووزير الدفاع ورئيس الحكومة مذنبون أيضاً. بإعادة صياغة لوصف أذرع الأخطبوط المنسوب في إسرائيل لإيران، فإن كتيبة “نيتسح يهودا” هي الوكيل. وأذرع الأخطبوط تجلس في “الكرياه” وفي مكتب رئيس الحكومة.

لكن “نيتسح يهودا” ليست تنظيماً مارقاً في الجيش الإسرائيلي. والحديث لا يدور عن مليشيا غير خاضعة لأوامر رئيس الأركان. العلاقة بين “نيتسح يهودا” وهيئة الأركان ليست كالعلاقة بين الحوثيين وطهران. المسؤولية الوزارية عن “نيتسح يهودا” تخضع بالكامل لرؤساء جهاز الأمن في الدولة، وتقع على غانتس وأفيف كوخافي ويئير لبيد ونفتالي بينيت وهرتسي هليفي وغادي آيزنكوت ويهودا فوكس، وبالتأكيد على نتنياهو. الولايات المتحدة تخطئ عندما تعفيهم من العقوبات. ويدل على ذلك رد غانتس البافلوفي، الذي دافع عن “نيتسح يهودا”. هذا الشخص غير المهذب والبديل عنهم جميعاً وممثل التيار العام في إسرائيل، لم يستوعب شيئاً من رصاصة التحذير الأمريكية. يمكن القول إن فرض العقوبات على “نيتسح يهودا” لا تردع إسرائيل عن الاستمرار في خرقها الممنهج لحقوق الإنسان في “المناطق” [الضفة الغربية].

الرسالة، كما يحبون القول في هذه الأثناء، لم تمر ولم تستوعب. الخرق الممنهج في الضفة سيستمر، بكامل القوة وبشكل أشد. سيستمر مشروع الاستيطان في توسعه بميزانيات ضخمة من الحكومة. وستواصل إسرائيل خلق حقائق على الأرض تمنع إقامة الدولة الفلسطينية. سيكون من الصحيح أن يؤدي فرض العقوبات على “نيتسح يهودا” إلى تخلي كبار المسؤولين العسكريين والعامين الذين يتحملون المسؤولية المباشرة عن هذه الكتيبة وعن قواعد سلوكها في “المناطق”، لكن العكس هو ما يحدث. فهم يحتضنونها.

ويؤكد هؤلاء القادة بأنهم منتخبو الجمهور، وأن الجمهور منحهم الصلاحيات في انتخابات ديمقراطية. وإذا كان الأمر هكذا، فإن رأس الأخطبوط الحقيقي هو الجمهور الإسرائيلي. لذا، يجب فرض العقوبات. الجمهور الإسرائيلي هو الذي يخرق حقوق الإنسان بشكل ممنهج في “المناطق” بواسطة منتخبيه. الجمهور هو الذي ينتخب رئيس الحكومة، ورئيس الحكومة يعين وزير الدفاع الذي هو أيضاً منتخب من الجمهور. وزير الدفاع يعين رئيس الأركان، الذي بدوره يعيين قائد المنطقة الوسطى، الذي تنفذ “نيتسح يهودا” تعليماته. سلسلة القيادة واضحة، من مواطني إسرائيل وحتى “نيتسح يهودا”.

هل هناك منطق في فرض عقوبات على المارينز مع تجاهل حقيقة أنهم يخضعون مباشرة لرئيس الأركان والرئيس الأمريكي؟ هل تشبه “نيتسح يهودا” قوة فاغنر؟ هل هؤلاء مرتزقة يقومون بعمل جيش إسرائيلي قذر مقابل الأموال؟ هل يشبه قائد “نيتسح يهودا” يفغيني بريغوجين؟ من الواضح أن لا. الإدارة الأمريكية تعرف ذلك. لذا، هذا مخيب للآمال.

---------------------------------------------

هآرتس 22/4/2024

 

بعد 200 يوم.. لأعضاء الكابينت: فشلتم فشلاً ذريعاً.. لا تضللونا بـ “رفح”

 

 

بقلم: عاموس هرئيل

 

ايتان غونين، والد الفتاة رومي ليشم غونين التي اختطفت في 7 أكتوبر من حفلة “نوفا”، لا ينوي الاحتفال بعيد الفصح هذه الليلة. وقال الأسبوع الماضي في مقابلة مع راديو “كان” بأنه لا يرى معنى للاحتفال بعيد الحرية وابنته مخطوفة مع 132 آخرين، الكثير منهم أموات، ما زالوا محتجزين لدى حماس في قطاع غزة. هذا شعور لدى عائلات المخطوفين، ولدى الجمهور الإسرائيلي كله.

بمناسبة اليوم الـ 200 على الحرب ضد حماس، التي انتشرت إلى جبهات أخرى في هذه الأثناء، لا مناص من الحديث عن فشل ذريع في الوضع الأمني الوطني. إيران حددت نقطة أخرى مقلقة بقرارها إطلاق أكثر من 300 صاروخ ومسيرة نحو إسرائيل قبل أسبوع. حزب الله زاد هجماته من لبنان بالمسيرات والصواريخ المضادة للدروع، في حين أن نحو 50 ألف شخص من سكان المنطقة الشمالية ما زالوا مهجرين من بيوتهم. وعودة سكان غلاف غزة إلى بيوتهم تتقدم ببطء، والتجمعات التي تم تدميرها قرب الحدود ستنتظر فترة طويلة لإعادة الترميم والبناء.

يضاف إلى كل ذلك عدم تحقيق إسرائيل لأهداف الحرب المعلنة. سلطة حماس في القطاع لم يتم تدميرها، جزء (صغير نسبياً) من قدرتها العسكرية ما زال قائماً ولم تتهيأ الظروف لإعادة جميع المخطوفين. ضائقة المخطوفين هي الأكثر إلحاحا وإيلاماً. مشكوك فيه إذا كان معظم الإسرائيليين قد اعتقدوا أننا سنحتفل بعيد الفصح بدون عودتهم، بصفقة تفرض على حماس. بعد الشرخ الكبير في الروح الإسرائيلية الذي تسببت به المذبحة نفسها عندما لم يصل الجيش الإسرائيلي في الوقت لإنقاذ العائلات التي صرخت طالبة المساعدة في المناطق الآمنة في الكيبوتسات والمحتفلين الذين قتلوا في حفلة “نوفا”، لقد حدث هنا شرخ آخر كبير.

التضامن الأساسي الذي تفاخر به المجتمع منذ سنوات تضرر تماماً. في العام 2011 تم إطلاق سراح 1027 سجيناً فلسطينياً في صفقة مختلف عليها، بينهم مئات المخربين القتلة مقابل جندي مخطوف واحد هو جلعاد شاليط. في هذه المرة، يقبع المخطوفون ويتعذبون في الأسر، وجزء كبير من المستوى السياسي يظهر اللامبالاة، حتى العداء تجاه صراخ عائلاتهم. ثمة خطر ملموس لتكرار مأساة الطيار رون أراد، الذي لم يُعرف مصيره بعد مرور أربعة عقود على سقوط طائرته في لبنان. وكلما مر الوقت يكلف أعضاء الائتلاف بصعوبة أنفسهم عناء دفع ضريبة كلامية على معاناة المخطوفين، في حين أن من يؤيدون الحكومة في الشبكات الاجتماعية يتطاولون عليهم علناً. دماء أخوتنا تصرخ من غزة، من تحت الأرض؛ ومن يسوقون لعيد الفصح يتصرفون كما العادة.

الشرك الاستراتيجي الذي علقت به إسرائيل يبدو جلياً الآن، ويندمج مع تطورات أوسع في الساحة الدولية، على رأسها وقوف محور روسيا – إيران (بدعم ما وبشكل خفي من الصين) ضد الهيمنة الأمريكية الطويلة. ولأن رئيس الحكومة نتنياهو يرفض، خلافاً لأي منطق موضوعي، مناقشة جوانب الحرب السياسية والحلول المطلوبة في أعقابها، ولأن إسرائيل فقدت جزءاً كبيراً من دعم الغرب بسبب نشاطاتها العسكرية في القطاع، فإنها الآن في مكانة عضو مشروط في المعسكر الليبرالي – الديمقراطي. الولايات المتحدة ودول أوروبية هبت لمساعدتها ضد هجوم إيران، لكنها في الوقت نفسه تطالبها بضبط النفس في غزة وتضغط عليها لإنهاء الحرب.

على المدى البعيد يحلق خطر أكبر يتمثل في ترسخ وضع يشبه الوضع في أوكرانيا: سيستمر القتال بحجم محدود، لكن بصورة تصعب على الحياة الاقتصادية هنا، وسيشل السياحة، ولن يسمح بالعودة إلى المستوطنات على الحدود مع لبنان وإلى غلاف غزة. إيران ستدعم حزب الله وحماس بإطلاق الصواريخ بين حين وآخر، والعالم الغربي سيثرثر ويشرح لإسرائيل بأن تكون واقعية وتأخذ هذه الضغوط في الحسبان. خلافاً لأوكرانيا، لم يتم احتلال أي مناطق لدينا بشكل ثابت، لكننا الآن لا ننجح في إعادة توطين مناطق داخل أراضي سيادتنا. الحرج يزداد، لا سيما في الشمال. فهناك آلاف العائلات التي لا تحصل على حماية من الحكومة والجيش كي تستطيع تسجيل أولادها في المؤسسات التعليمية الأصلية قبيل 1 أيلول.

الشرك الاستراتيجي الذي تعلق فيه إسرائيل أضحى ملموساً في غزة ولبنان والضفة الغربية وأمام إيران، وفي القريب أمام تركيا التي تنوي إرسال قافلة مساعدات استفزازية إلى القطاع. البشرى السيئة، مثل القرار المناوب بشأن خفض التصنيف الائتماني (هذه المرة لشركة إس.آند بي)، تقف في تناقض مع الخطاب الفارغ والوعود التي لا أساس لها التي ينثرها رئيس الحكومة. في الفترة الأخيرة، في احتفال رأس الكؤوس التقليدي بمناسبة عيد الفصح مع كبار قادة جهاز الأمن، كانت لنتنياهو شجاعة للتحدث عن الانقسام الداخلي على اعتبار أنه الخطر الرئيسي الذي يهدد دولة إسرائيل. وكأن خطواته في السنوات الأخيرة، مثل التحريض ضد اليسار وجهاز القضاء والحملات الانتخابية والموقف المنفر تجاه المؤسسة الأمنية ورجال الاحتياط، وفوق كل شيء إدخال متعصبين يمينيين متطرفين إلى مناصب رئيسية في حكومته، لم تكن المحرك الذي أطلق العمليات التي ورطت إسرائيل في أكبر مشكلة في تاريخها.

 

ما زال النصر بعيداً

 

بعد مرور أكثر من شهرين على التهديدات العلنية، يبدو أن إسرائيل وبحق تقوم في الأسبوع الأخير بالعمليات الأولية قبل احتمالية الدخول العسكري إلى رفح. حتى الآن، ليس واضحاً حجم العملية، هذا إذا حدثت أصلاً. إزاء الخلاف حول هذا الأمر مع الإدارة الأمريكية، الذي ظهر مرة أخرى في نهاية الأسبوع عبر لقاء “زوم” بين جهات رفيعة لدى الطرفين، تشير التطورات على الأرض إلى استعداد لحدوث تغيير.

جند الجيش الإسرائيلي لواءين في الاحتياط في فترة قصيرة، ربما يحتلان الممر الذي يفصل بين شمال القطاع وجنوبه وتحرر لواءين نظاميين، لواء “الناحل” ولواء المدرعات 401، كي يستعدا قبل دخول رفح. انسحاب القوات من خان يونس يسمح لمئات آلاف الفلسطينيين بالعودة من رفح إلى الشمال، إلى بيوتهم المدمرة، بصورة تقلص حجم السكان المدنيين في جنوب القطاع. والإعدادات التي يقوم بها النظام المصري على منطقة الحدود مع القطاع مع عدة تسريبات من القاهرة، تدل على أن مصر تعلم باقتراب العملية الإسرائيلية.

نتنياهو ووزير الدفاع، وأحياناً الوزير بني غانتس وقادة كبار في الجيش الإسرائيلي، جميعهم يتحدثون عن الحاجة لضغط عسكري للدفع قدماً بصفقة جديدة لإطلاق سراح المخطوفين الباقين. ما زالت أربع كتائب قطرية لحماس تتمترس في رفح. وحسب الجيش الإسرائيلي، فإن حوالي 18 كتيبة من كتائب حماس في القطاع تم تفكيكها بالكامل، وقتل حوالي 12 ألف مخرب في حماس و”الجهاد الإسلامي”. ما زالت كتيبة أو كتيبتان في حماس تعملان بشكل جزئي في مخيمات اللاجئين في وسط القطاع، ولكنها تكبدت مؤخراً خسائر في العملية الإسرائيلية في مخيم النصيرات.

احتلال رفح سينزل ضربة قاسية على حماس، لكن من يعتبر ذلك نهاية المعركة يضلل الجمهور. دليل ذلك ما يحدث في شمال القطاع. الجيش الإسرائيلي أخلى المنطقة بصورة مطلقة، وعادت حماس وسيطرت هناك بالتدريج. تضاءلت قدرة حماس العسكرية، وتعمل اقتحامات إسرائيل المتواترة في شمال القطاع على إبقاء الوضع على حاله. ولكن حماس لا تجد صعوبة في إعادة رموز السلطة المدنية، في الوقت الذي يقوم فيه رجالها بقتل نشطاء حركة فتح ورؤساء العائلات المحلية الذين يتجرأون على إظهار علامات الاستقلالية.

منذ تشرين الثاني والإدارة الأمريكية تتوسل لنتنياهو لمناقشة دخول السلطة الفلسطينية المحدثة (ما زال اقتراحاً على الورق حتى اليوم) إلى القطاع في اليوم التالي. رئيس الحكومة، الذي يبتزه شركاؤه في اليمين المتطرف، يرفض. والذريعة ايديولوجية (محظور إعطاء هدية للسلطة الفلسطينية مقابل المذبحة، والتي هي تؤيد الإرهاب أيضاً)، لكن الذريعة الحقيقية سياسية – عملية. بدون الوزيرين بن غفير وسموتريتش لن يحقق نتنياهو هدفه السامي، وهو البقاء في الحكم إلى نهاية 2026 ثم الفوز في الانتخابات. لذا، لا تغيير على الوضع في القطاع، في حين يحارب نتنياهو حركات الاحتجاج ويقرب إليه أعضاء الكنيست الذين يعتبرون حلقة ضعيفة في الائتلاف، والذين يفكرون بالانفصال. نسمع اعترافاً صادقاً بثلاثة استنتاجات في كل لقاء مع جهات رفيعة في جهاز الأمن: لم ننتصر (البعض يضيف: حتى الآن)؛ لا يوجد حل بدون موطئ قدم للسلطة الفلسطينية في قطاع غزة؛ والعجز السياسي يبدد الإنجازات العسكرية.

في نهاية الأسبوع الماضي، اتهمت بعض الجهات الأمريكية الرفيعة قيادة حماس برفض اقتراح حل الوسط الذي قدمه الوسطاء لعقد صفقة التبادل. رئيس حماس في القطاع، يحيى السنوار، السادي الواضح، يستمر بوضع العراقيل أمام أي صيغة معقولة من أجل التوصل إلى الاتفاق. ولكن المماطلة في المفاوضات في الأشهر الثلاثة الأخيرة التي كان فيها نتنياهو شريكاً رئيسياً ومدركاً، ساهمت في تفويت نافذة الفرص لعقد الصفقة، إلى درجة تظهر وكأنه تم إغلاقها الآن. في ظل غياب الضغط العسكري وإدخال المساعدات الإنسانية بالحجم الذي طلب مسبقاً (500 شاحنة في اليوم)، لا يشعر السنوار بالحاجة إلى الاستعجال.

ليس صعباً تخمين ما يريده – إنهاء الحرب. وإذا أرادت إسرائيل إنقاذ جميع المخطوفين الذين هم على قيد الحياة قبل موت المزيد منهم في ظروف أسر صعبة أو قتلهم على يد حماس، فعليها فحص حل بديل: تقليص الخسائر والإعلان عن إنهاء الحرب والخروج من القطاع. بعد ذلك، عندما يعود المخطوفون وجثث أصدقائهم إلى البيت، ستكون إمكانية للبحث عن ذريعة (ستوفرها حماس بطبيعتها) لمواصلة الحرب في ظروف أفضل. هذه هي المقاربة التي سمعت من أعضاء مركز الأسرى والمفقودين في الجيش الإسرائيلي. أمس، تم عقد مجلس الحرب لمناقشة قضية المخطوفين، للمرة الأولى بعد حوالي أسبوعين. القيادة التي تهتم بإعادتهم لا تتصرف بهذا النحو.

الصعوبة في هزيمة عدو شبه متبلور بدرجة ما، الذي يقوم بالمداهمة وتغيير الشكل والاختباء تحت الأرض ويلف نفسه بأحزمة حماية مدنية، تأخذنا أحياناً إلى أماكن غريبة. وفي ظل غياب النصر الكامل، كما يعرف الآن كل مواطن إسرائيلي ذكي ولسنا على بعد خطوة منه، تحاول إسرائيل التعلق بآمال أخرى. ولرفع المعنويات بدأت وسائل الإعلام تبث مقابلات كثيرة مع قادة وجنود بصورة ثابتة. وهذا بالتأكيد أفضل من إجراء المقابلات مع الوزراء وأعضاء الكنيست في الائتلاف، الذين يساعدون على تحطيمها.

---------------------------------------------

 

هآرتس 22/4/2024

 

 

هكذا نقل نتنياهو اليهود من “الوصايا العشر” إلى ضربات قصمت ظهر الدولة

 

 

بقلم: أسرة التحرير

 

عبادة الشخصية. رئيس الوزراء يقدس هدفاً واحداً فقط: حفظ حكمه بأي ثمن. صفحات الرسائل وعبارات اللغة تتغير لكن المضمون واحد: نتنياهو ملك إسرائيل ولا يوجد غيره، والدولة موجودة كي ترفعه وتمول نمط حياته.

تحطيم الديمقراطية. لتنفيذ عبادة الشخصية، يسعى نتنياهو لتدمير الكوابح والتوازنات؛ ولهذا دفع قدماً بالانقلاب النظامي لسحق جهاز القضاء، وعين فزاعة مراقباً للدولة، وعرض قادة جهاز الأمن كأصفار، واتهم المتظاهرين ضده بالخيانة.

الشقاق والتحريض. كل سنوات نتنياهو في الحكم كرست للنزاع بين الجماعات في المجتمع الإسرائيلي الذي انقسم إلى بيبيين ومعارضيهم، ولا بأس أن “تحترق الدولة”.

شرعة الكهانية. مناورات “فرق تسد” لدى نتنياهو أودت بإسرائيل إلى أزمة سياسية متواصلة إلى أن وجد شركاء يروقون لقلبه، مثل العنصريين بن غفير وسموتريتش، وهذان ضمنا كرسيه لقاء تبني أيديولوجيتهم الفاشية.

تخليد النزاع. نتنياهو كرس حياته لمكافحة الحركة الوطنية الفلسطينية وتصفية المسيرة السلمية وتقسيم البلاد. وفضل التعاون مع حماس، الملتزمة بتصفية دولة إسرائيل، على المفاوضات والتسوية مع محمود عباس، المعارض للإرهاب.

الضم المتواصل. يعمل نتنياهو على سلب أراضي الفلسطينيين في الضفة بدلاً من منحهم الاستقلال، لذا أطلق العنان لزعران التلال اليهود ليقتلوا ويهينوا ويحرقوا ويطردوا جيرانهم الفلسطينيين.

التمييز في الداخل. بعرضه المجتمع العربي وممثليه “كجماعة مؤيدين للإرهاب”، وبتسليم الشرطة لتلاميذ الحاخام مئير كهانا، رفع نتنياهو أسوار العنصرية والإقصاء تجاه المواطنين العرب، وتُركوا لمصيرهم في أيدي منظمات الجريمة وموجة القتل المتصاعد.

انهيار الاقتصاد. نتنياهو تباهى بفهمه الاقتصادي وبنجاحاته حين كان وزير المالية، لكن بصفته رئيس وزراء يعمل على تدمير الاقتصاد وتصفية النمو بإعطاء ميزانيات طائلة للمجتمع الحريدي وفي سلوك سائب أدى إلى تخفيض التصنيف الائتماني لإسرائيل.

التحدي لأمريكا. رئيس الوزراء على وعي بتعلق إسرائيل بالولايات المتحدة الذي تعاظم، ومع ذلك يصر على الشقاق مع الرئيس الودي بايدن، وتعريض المصالح القومية الحيوية للخطر.

ضربة الضربات. كل هذه الضربات تتقزم في ضوء كارثة 7 أكتوبر التي يعدّ نتنياهو هو المسؤول عنها في أعقاب إضعاف الدولة والجيش. كارثة تواصلت في حرب فاشلة ووحشية في غزة وفيها عشرات آلاف الفلسطينيين ومئات الجنود القتلى؛ في مواجهة عديمة الجدوى في الشمال؛ وفتح جبهة مع إيران؛ وفوق كل شيء بترك المخطوفين الإسرائيليين في أنفاق حماس، في وقت لا يأبه رئيس الوزراء لحريتهم.

--------------------------------------------

 

هآرتس 22/4/2024

 

 

الثمن الحقيقي لمشروع الاستيطان

 

 

بقلم: شاؤول اريئيلي

 

خلال سنوات كثيرة حاولوا الاجابة على سؤال ما هو الثمن الذي يجبيه مشروع الاستيطان في الضفة الغربية من دولة اسرائيل، وقد نجحوا في اضاءة القليل فقط من هذا "الثقب الاسود". الجميع ركزوا على تكلفة البناء والبنى التحتية والتطوير والتسهيلات المبالغ فيها والأمن. الآن فهم الاحداث الاخيرة يلزم بتوسيع حدود منظومة العوامل التي ينطوي عليها الثمن، واضافة الى ذلك ثمن العمليات التي نفذتها اسرائيل ضد حماس في قطاع غزة في الـ 15 سنة الاخيرة، وثمن الانقلاب النظامي، وفوق كل ذلك الثمن الباهظ في 7 اكتوبر والحرب في غزة.

 نفتالي بينيت، الذي كان المدير العام لمجلس "يشع"، وشريكته اييلت شكيد، اطلقا في 2012 "خطة التهدئة"، وهي الضم الكامل لمناطق ج التي تشكل 60 في المائة من اراضي الضفة الغربية، منذ ذلك الحين، من خلال عشرات مشاريع القوانين للضم بعد انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة (2016)، ومن خلال "خطة الحسم" لبتسلئيل سموتريتش (2017)، ومئات التصريحات في السنة الاخيرة لاحتلال قطاع غزة ، فان اسرائيل برئاسة بنيامين نتنياهو انشغلت بسيناريو سياسي واحد وهو ضم الضفة الغربية.

 من اجل ضم الضفة الغربية أو معظمها فانه يتعين على اسرائيل خلق الظروف المناسبة، لذلك؛ نحن نحتاج وقت طويل: وقت لبلورة تحالف دولي برئاسة الولايات المتحدة يؤيد الضم، وقت لتغير الميزان الديمغرافي، تحقيق سيطرة جغرافية، طرد الفلسطينيين وابعادهم وانهيار السلطة الفلسطينية.

 الوقت المطلوب لاحداث التغيير ارادت اسرائيل أن تحققه من خلال تجميد أي عملية سياسية مع م.ت.ف. التجميد وفرته حكومات اسرائيل منذ العام 2009 برئاسة نتنياهو، وبينيت ايضا، بواسطة استراتيجية الفصل. أي تعزيز منظمة حماس واضعاف السلطة الفلسطينية وم.ت.ف، الممثل الشرعي المعترف به للشعب الفلسطيني، بما في ذلك من قبل اسرائيل، وهذا تم من اجل منع اقامة الدولة الفلسطينية الى جانب اسرائيل، والفصل بين المستقبل السياسي لقطاع غزة والمستقبل السياسي للضفة الغربية عن طريق الضم الكامل أو الجزئي لاسرائيل.

 بكلمات اخرى، نحن قمنا برمي للفلسطينيين "عظمة غزة"، التي كل مساحتها 1 في المائة من مساحة ارض اسرائيل، وبعنا للعالم، وبالاساس لانفسنا، بأنه الآن يمكنهم "قضمها" الى أن تأخذ صورة سنغافورة الشرق الاوسط. نحن قمنا باخفاء حقيقة أنه بذلك نحن نأمل أن يعطونا الهدوء الامني من اجل اجراء التغيير المطلوب لضم الضفة الغربية.

على خلفية ذلك منذ العام 2009 اسرائيل لم تحارب حقا حماس، وسمحت لقطر بتحويل مليارات الدولارات اليها التي عززت قوتها وتسلحها ونشرهما حول اسرائيل. من جهة اخرى، اسرائيل اضرت بالسلطة الفلسطينية بكل الطرق، سياسيا واقتصاديا وأمنيا.

اسرائيل استغلت الوقت لخطوات سياسية وما شابه. في مجال السياسة اطلق في 2020 "حلم السلام" لترامب، الذي تمت صياغته من قبل نتنياهو ومساعديه، وكانت تنقصه أي قيمة سياسية في ظل غياب الفلسطينيين ومعظم الدول العربية والعالم لهذه العملية وتبني الخطة. اهمية ذلك لاسرائيل كانت في الحصول على الدعم من ادارة ترامب لضم الضفة في نهاية فترة الاقتراح، بسبب رفض الفلسطينيين المتوقع. ايضا تم التوقيع على "اتفاقات ابراهيم" مع بعض الدول العربية من اجل تجاوز القضية الفلسطينية.

اضافة الى ذلك اسرائيل استثمرت عشرات المليارات في مشروع الاستيطان. فقد قامت بتوسيع المستوطنات وسمحت باقامة البؤر الاستيطانية والمزارع غير القانونية واطلقت خطة رئيسية للمواصلات في يهودا والسامرة بتكلفة 13 مليار شيكل وقامت بشرعنة عشرات البؤر الاستيطانية غير القانونية وحولت منحا غير مسبوقة للسلطات اليهودية وطبقت خطة مياه في الضفة بتكلفة 2 مليار شيكل وبدأت في اقامة مناطق صناعية جديدة، ولم تحارب في أي وقت كما هو مطلوب الارهاب اليهودي ضد الفلسطينيين.

 سياسة التفريق فشلت امام حماس ليس فقط في 7 اكتوبر. بل هي فشلت مرة تلو الاخرى في الوقت الذي اضطرت فيه اسرائيل الى تنفيذ عشرات العمليات ضد المنظمة بثمن مئات القتلى وعشرات مليارات الشواقل. الاخفاقات لم تجعل الجمهور يستيقط، الذي عاد وانتخب بشكل ثابت حكومات يمينية متطرفة في الـ15 سنة الاخيرة. حتى أنه كان هناك كثيرون برروا هذا الثمن مقابل هدف منع اقامة الدولة الفلسطينية دون الادراك بأن العمليات كانت فقد المقدمة لـ7 اكتوبر بالنسبة لحماس. الفصل فشل ايضا على الصعيد السياسي. فأي دولة عربية لم تتنازل عن حل الدولتين، بل العكس، وهكذا ايضا ادارة جو بايدن والدول الاوروبية والامم المتحدة.

هذا كان فقط مسألة وقت حتى 7 اكتوبر والحرب في غزة. نتنياهو عزز قوة المتدينين المتطرفين في الطرفين: المسيحانيون القوميون المتطرفون وحماس. هؤلاء تعززوا الى أن شعروا بالراحة لنشر خطط (تقريبا متشابهة) لهزيمة الطرف الآخر بشكل كامل تقريبا. سموتريتش نشر كما قلنا خطة الحسم في 2017 وحماس نشرت خطة "آخر الزمان" في 2019.

في العام 2023 لاحظ الطرفين فرصة لتشكيل الحكومة الجديدة. في حين أن سموتريتش وبن غفير قاما بقدر الامكان زيادة التوتر مع الفلسطينيين من اجل الوصول الى مواجهات في الضفة ستمكن من تطبيق خطة الحسم، حماس أجرت الاستعدادات في غزة لـ"طوفان الاقصى". 7 اكتوبر والحرب في غزة كانت النتيجة لهذا التصعيد بادارة نتنياهو الذي كان متغطرسا ولا يرى نتائج سياسته.

 هذا الثمن الباهظ كان عبثا. وكما نشرنا في السابق فان مشروع الاستيطان في الضفة فشل في تحقيق اهدافه السياسية عن طريق خلق الظروف لضم الضفة الغربية أو معظمها. ايضا في منطقة ج حدثت تغييرات دراماتيكية في هذه الفترة. في 2010 نسبة المستوطنين من اجمالي الاسرائيليين في هذه المنطقة كانت 82 في المائة. وفي هذه السنة انخفضت النسبة الى 58 في المائة. نسبة المستوطنين من اجمالي عدد سكان الضفة لم ترتفع عن 13 في المائة. المساحة الاسرائيلية المبنية في مناطق ج كانت في 2010، 44 في المئة من اجمالي المساحة المبنية. وفي هذه السنة انخفضت الى 35 في المائة. 99 في المائة من الاراضي الخاصة في مناطق ج هي بملكية الفلسطينيين.

 كل يوم يمر بدون تجميد مشروع الاستيطان والسعي نحو الحل السياسي، هو يوم آخر فيه مشروع الاستيطان يزيد الثمن المطلوب من المجتمع الاسرائيلي. في غزة وفي الضفة وعلى الحدود الشمالية وفي القدس وفي كل زاوية في الدولة، نحن ندفع الثمن على الصعيد الامني، الاجتماعي، الاخلاقي والاقتصادي، وعلاقاتنا مع كل العالم، وعلى رأسه صديقتنا الولايات المتحدة. وبدون اجراء انتخابات مبكرة وتشكيل حكومة لها سياسة مختلفة، تحول اسرائيل الى طريق جديدة، فان هذا الثمن سيرتفع الى درجة انهيار اسرائيل التي نعرفها.

---------------------------------------------

 

عن «معهد بحوث الأمن القومي» بجامعة تل أبيب 22/4/2024

 

 

العلاقات الإسرائيلية الأردنية في ضوء الهجوم الإيراني

 

 

بقلم: أوفير فنتر

 

 

 

 

يواجه الأردن منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي تحديَين متزايدَين: الأول التخريب من جانب إيران والميليشيات الإقليمية التابعة لها، والتي تتحدى السيادة الأردنية وتعمل على تحويل أجواء المملكة وبرها إلى ساحة قتال وتهريب وإرهاب ضدها وضد إسرائيل، والثاني الضغط من العناصر الإسلامية في الداخل والخارج لإلغاء اتفاقيات السلام والتطبيع مع إسرائيل ولكي تقف المملكة إلى جانب «حماس». ومن المتوقع أن تكون لقدرة القصر على كبح التحديَين عواقب على العلاقات الإسرائيلية الأردنية، وكذلك على الصراع على السلطة بين العناصر البراغماتية والمتطرفة في الشرق الأوسط. ولذلك فإن صداقة الأردن في المنطقة والعالم، بما في ذلك إسرائيل، يجب أن تقف إلى جانبها في هذا الوقت الحاسم.

في الأسابيع الأخيرة، تم جر الأردن، رغماً عنه، إلى قلب الحملة المستمرة بين إسرائيل وأعدائها منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر. وفي ليلة الهجوم الإيراني الصاروخي وبالطائرات دون طيار على إسرائيل، شارك الأردن في الجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى كبح جماح العدوان، وتم اعتراض الأجسام التي اخترقت المجال الجوي الأردني بنجاح ووضعت المملكة في صراع مع إيران، وربما أيضاً مع شرائح من سكانها الذين دعموا الهجوم.

وكان موقف الأردن يتطلب شجاعة كبيرة. وبحسب تقرير في وكالة أنباء قريبة من الحرس الثوري، فإن إيران هددته قبل الهجوم بأن التعاون مع إسرائيل سيجعله هدفاً أيضاً. وردّاً على ذلك، تم استدعاء المفوض الإيراني المؤقت في الأردن لتوبيخه في وزارة الخارجية الأردنية، وعلى إثر ذلك نددت السفارة الإيرانية في عمّان بالتهديد. وجاء في افتتاحية صحيفة «الرأي» الأردنية اليومية أن الأردن لن يستخدم ساحة لتصفية الحسابات أو رقعة شطرنج للصراعات الإقليمية. وأكد وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، أن الأردن كان سيتصرف بنفس الطريقة تجاه استخدام إسرائيل لمجاله الجوي لمهاجمة إيران. وحذر إيران من الإضرار بالأردن في إطار حربها مع إسرائيل، وأشار في هذا السياق أيضاً إلى تهريب الأسلحة والمخدرات من سورية إلى الأردن، والهجمات الإلكترونية التي تنفذها الميليشيات الموالية لإيران على مؤسسات الدولة الأردنية.

وتأتي هذه التصريحات على خلفية محاولة إيران ووكلائها تسريع الجهود العملياتية في الأشهر الأخيرة لتقويض سيادة الأردن وتحويل مجالَيه الجوي والبري إلى جبهة فاعلة في القتال ضد إسرائيل. وفي تشرين الثاني 2023، تم الكشف عن محاولة تهريب ستة ملايين شيكل من الأموال النقدية غير القانونية على الحدود الإسرائيلية الأردنية. وفي أوائل شهر آذار 2024، تم الإبلاغ عن مخاوف إسرائيلية من تسلل مجموعات إرهابية من الأردن، وبعد ذلك وقعت حوادث وانتكاسات على الحدود. يضاف إلى ذلك الاستخدام المتكرر للمجال الجوي الأردني، طوال فترة الحرب، من قبل الموالين لإيران في العراق واليمن، لهجمات الطائرات دون طيار على إسرائيل، وكذلك إعلان «حزب الله» العراقي في أوائل نيسان عن نيته تسليح 12 ألف أردني للقتال في إسرائيل.

وما لا يقل إثارة للقلق هو محاولة جماعة الإخوان المسلمين الاستفادة من الحملة في قطاع غزة - التي يقدمونها على أنها حرب دينية - لاستعادة مكانتهم في الفضاء العربي بشكل عام، وفي الأردن أولاً، بعد عقد على التراجع. ورغم إغلاق مكاتب «حماس» في الأردن العام 1999 وحظر جماعة الإخوان المسلمين العام 2016، إلا أن العناصر الإسلامية في المملكة لا تزال تتمتع بقدرة تعبئة عالية بين الرأي العام الأردني. علاوة على ذلك، فإن تأثيرهم يتجاوز السكان ولا يقتصر على الأردنيين من أصل فلسطيني. ووفقاً لاستطلاعات الرأي التي أجريت في العام الماضي، في الوقت الذي يعاني فيه ما يقرب من نصف الجمهور الأردني من العداء لإيران ويعتبرها منافساً وعدواً للأردن، ينظر ثلثا مواطني المملكة أو أكثر إلى جماعة الإخوان المسلمين بشكل إيجابي.

وبالفعل، شهد الأردن، منذ نهاية شهر آذار الماضي، موجة احتجاجات مكثفة بقيادة «المنتدى الوطني لدعم المقاومة»، برئاسة «جبهة العمل الإسلامي»، حزب الإخوان المسلمين في البرلمان الأردني، إلى جانب أطراف أخرى. وحتى وقت قريب، كان النظام الأردني يعتبر التظاهرات - التي تعبر عن الدعم الحقيقي لـ»حماس» بين الجمهور الأردني - «تنفيساً عن التوتر» مقبولاً، طالما بقيت محدودة ولا تتحدى الملك. علاوة على ذلك، سمحت الاحتجاجات للنظام بتركيز انتقاداته العامة على «عدو خارجي» في وقت تتفاقم فيه الأزمة الاقتصادية. ويعاني الأردن منذ بداية الحرب من تراجع السياحة بعشرات بالمئة مقارنة بالسنوات السابقة، ومن أضرار لحقت باستيراد وتصدير البضائع عبر ميناء العقبة بسبب هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، وانخفاض التجارة مع السلطة الفلسطينية وقطاع غزة، وتزايد صعوبة جذب الاستثمارات الرأسمالية.

لم يستجب القصر الملكي لدعوات المتظاهرين لإلغاء اتفاق السلام وقطع كل أشكال التعاون مع إسرائيل، لكنه حاول التوافق مع المشاعر العامة: في تشرين الثاني 2023، استدعى الأردن سفيره لدى إسرائيل للتشاور وأعلن تعليق «مشروع الازدهار» لتوفير المياه مقابل الكهرباء والذي كان من المفترض أن يوقع عليه البلدان برعاية دولة الإمارات العربية المتحدة. وفي الوقت نفسه، اتهم وزير الخارجية الأردني إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية، ووصفت الملكة رانيا سلوك إسرائيل في الحرب بأنه «أحد أعظم المظالم التاريخية على الإطلاق»، وشارك الملك عبد الله شخصياً في إسقاط المساعدات الإنسانية على غزة من مروحية نقل أردنية.

تهدف هذه الإجراءات وغيرها إلى مساعدة القصر على التنقل بين الضغط الشعبي لإظهار التضامن مع الفلسطينيين ومصلحة الدولة في الحفاظ على العلاقات الإستراتيجية مع إسرائيل. وتستفيد عمّان بفضل اتفاقية السلام من مساعدات أميركية سنوية بقيمة 1.45 مليار دولار، ومن إمدادات المياه والغاز الطبيعي من إسرائيل بأسعار مغرية ومن علاقات أمنية واسعة النطاق. كما تم خلال الحرب إنشاء «جسر بري» بين الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل، يمر عبر الأردن ويعمل كمحور بديل لنقل البضائع إلى قناة السويس. ورغم الانتقادات العلنية للجسر، فإن السياسة الأردنية الفعلية هي أن «المتظاهرين يحتجون والقافلة تمر».

أدت موجة الاحتجاجات إلى تغيير المعادلة بالنسبة للنظام الأردني. وتطرق قلق السلطات إلى عدة جوانب: وتيرة التظاهرات اليومية، نطاق المشاركين فيها ومراكزهم المتعددة، انتهاكات النظام والعنف الجسدي واللفظي الذي تعرضت له قوات الشرطة من المتظاهرين، الذين حاولوا اختراق الطوق الأمني ​​حول السفارة الإسرائيلية في عمّان؛ وفي عدة حالات – سمعت دعوات للتمرد على الملك. علاوة على ذلك، ومع تشجيع كبار مسؤولي «حماس» المنفيين في قطر، والعلاقات مع إيران، بدأت المطالبة بانضمام الأردن إلى دائرة المقاومة العنيفة ضد إسرائيل في الارتفاع في التظاهرات، وبالتالي اعتبرها القصر بمثابة انتقال من تعبير مشروع عن إسرائيل، وتضامنها مع الفلسطينيين - التي هي شريكة فيها - في النضال في ظل احتكار الدولة لاستخدام القوة.

وردّاً على التهديد المتزايد للاستقرار والنظام، فرقت قوات الأمن الأردنية بالقوة بعض التظاهرات واعتقلت العشرات من المتظاهرين، بمن فيهم نشطاء بارزون في جبهة العمل الإسلامي. واتهم متحدثون رسميون أردنيون حركة «حماس» وعناصر إسلامية داخلية وإيران بالتخريب والتمرد الذي يهدد النظام العام والأمن والنسيج الاجتماعي في الأردن. وتجمعت قبائل شرق أردنية حول التاج الأردني ونشرت رسائل تشيد بوقوف الملك وعائلته إلى جانب قطاع غزة، وتدين «أولئك الذين يتاجرون بدماء الشعب الفلسطيني» من أجل الترويج لأجندات سياسية تهدف إلى إيذاء الأمة الأردنية. وردّاً على ذلك أصدرت «حماس» بياناً توضيحياً نفت فيه أي نية للمساس بأمن الأردن واستقراره أو التدخل في شؤونه الداخلية، وتبرأت من أي ضرر لجماعة الإخوان المسلمين، وأشادت بموقف الملك في الحرب.

كما وقف حلفاء الأردن الإقليميون إلى جانبها في ضوء الطموح المفتوح للعناصر الإسلامية في المملكة لتحويل التظاهرات في الأردن - التي بدأت بالفعل تظهر براعم التوسع إلى القاهرة والرباط وبغداد - إلى نموذج للإلهام للأردن، وشعوب المنطقة الأخرى. وصل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي أطاح بجماعة الإخوان المسلمين العام 2013، وواجه هو نفسه خلال الحرب ضغوطاً إسلامية لتشديد موقفه ضد إسرائيل، في الأول من نيسان في زيارة تضامن إلى عمّان للتعبير عن دعمه لنضال الملك عبد الله، ضد العوامل التي تهدد استقرار المملكة. وجاء في مقال بصحيفة «الدستور» المصرية أن مصر تدعم أي خطوة يقوم بها الأردن من أجل «حماية أمنه وسيادته، ومواجهة أي قوة خارجية أو داخلية تسعى إلى اختطاف الدولة والضغط عليها»، أو التأثير على قراراتها».

وسمعنا كلمات دعم مماثلة من الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسلطة الفلسطينية والمملكة العربية السعودية. والأخيرة تقع على حدود الأردن وترى أن محاولات التخريب الإيرانية الإسلامية في جارتها الشمالية الغربية تشكل تهديداً مباشراً لأمنها القومي. دعا ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، العاهل الأردني إلى تعزيز قبضته رغم التوترات التي سادت بين الزعيمَين في السنوات الأخيرة. وأوضح رئيس مركز الخليج للأبحاث عبد العزيز زكار أن «أي ضرر لاستقرار الأردن أو تهديد لأمنه خط أحمر». وبحسب قوله، فإن «الرياض لن تتسامح مع أي محاولة لتحويل الأردن إلى ساحة لتصدير التوترات أو خلق الفوضى وعدم الاستقرار في العالم العربي، بحجة دعم المقاومة في غزة».

 

المعاني والتوصيات

 

وكان الدور الإيجابي للأردن ليلة الهجوم الإيراني على إسرائيل بمثابة التذكير باهتمام إسرائيل بالسلام مع المملكة، وضرورة النظر إلى مخاوفها، ومساعدتها في التعامل مع التحديات الخارجية والداخلية التي تهدد استقرارها وسيادتها. فبينما تستخدم إيران مبعوثيها لاستخدام الوسيط الأردني ضد إسرائيل، تسعى القوى الإسلامية الأردنية المدعومة من «حماس» وقطر وإيران إلى بناء قوتها تحت رعاية الحرب في قطاع غزة والعبث باتفاق السلام الإسرائيلي الأردني. ومن المتوقع أن يتم اختبار قوتهم في الانتخابات البرلمانية التي من المقرر إجراؤها في الأردن في تشرين الثاني 2024، والتي ستحاول فيها «جبهة العمل الإسلامي» زيادة قوتها وإعطاء زخم متجدد للمشروع الإسلامي في المملكة وخارجها.

مطلوب من إسرائيل والأردن مواصلة تعزيز الحوار العسكري بينهما في ضوء التهديدات الإرهابية الناشئة في الأردن. بالإضافة إلى ذلك، يجب على إسرائيل أن تدرس تصرفاتها في الحرب وتداعياتها في ضوء آثارها على الأردن، الذي يخشى اندلاع حرب إقليمية وزيادة الاضطرابات الداخلية. من وجهة نظر عمّان، هناك انفجار خاص متأصل في التصعيد المستمر بين إسرائيل وإيران، وفي تغيير الوضع الراهن بالأماكن المقدسة في القدس، وفي تهجير السكان الفلسطينيين إلى مصر والأردن، وفي الضم الإسرائيلي الأحادي للأراضي الفلسطينية.

للولايات المتحدة أيضاً مصلحة في تعزيز حليفها الأردني في مواجهة تحديات الحرب. ويمكنها أن تطلب من قطر توفير تغطية مشجعة للتظاهرات في الأردن على قناة الجزيرة، وهي القناة التلفزيونية الأكثر مشاهدة في المملكة، وأن تطلب من الأردن نفسه منع الخطاب العدائي لإسرائيل من المتحدثين الأردنيين في وسائل الإعلام الموالية لإسرائيل. وقد أثبتت الموجة الأخيرة من الاحتجاجات أن مثل هذا الخطاب لا يعزل القصر الملكي عن الانتقادات، بل يضفي الشرعية على ادعاءات القوى الإسلامية بإيذاء العلاقات مع إسرائيل.

وأخيراً، في اليوم التالي للحرب، توصى إسرائيل والولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية بزيادة اندماج الأردن في عمليات التطبيع الإقليمية بطريقة تساهم في رفاهيته واستقراره، على سبيل المثال من خلال تعزيز التعاون الاقتصادي، وزيادة التعاون والاستثمارات في الأردن. بالإضافة إلى ذلك، يجب على الدول الثلاث التنسيق مع الأردن بشأن الترتيبات الإسلامية اليهودية المستقبلية في القدس الشرقية، نظراً للمكانة الخاصة الممنوحة للمملكة في الأماكن المقدسة بموجب اتفاقية السلام الإسرائيلية الأردنية، ونظراً لقدرتها المثبتة على العمل كعامل اعتدال واستقرار إقليمي.

---------------------------------------------

 

غزةّ تجرّ ألمانيا نحو الاستبداد

 

 

كيف دخلت الحكومة الألمانية في مواجهة خطيرة مع حرية التعبير والقانون الدولي؟

 

الكاتب: فابيان شيدلر

يتناول  موقع "scheerpost" موقف الحكومة الألمانية من العدوان الإسرائيلي على غزة، الذي يساند "إسرائيل" ويدعمها ويعمل على قمع أي صوت يحاول التعريف بالإبادة الجماعية التي تنتهجها في غزة.

 

يُعدّ موقف الحكومة الألمانية من الحرب في غزة ومعاملتها القمعية المتزايدة لمُنتقديها أمراً مثيراً للقلق على المستوى الوطني والدولي. إذ تواصل السلطة المكوّنة من الديمقراطيين الاشتراكيين وحزب الخضر والليبراليين تعهدها بتقديم الدعم العسكري والدبلوماسي غير المشروط لـ"إسرائيل"، التي تخضع حالياً للمحاكمة أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي بتهمة الإبادة الجماعية؛ وهي قضية تصنفها المحكمة نفسها على أنّها "منطقية".

كما أنّ المثقفين والفنانين المشهورين عالمياً، بما في ذلك الأصوات اليهودية، الملتزمين بالدفاع عن حقوق الإنسان غير مرحّب بهم في ألمانيا وقد تم حرمان بعضهم من منصبه كأستاذ زائر وإلغاء حفلات منح الجوائز للبعض الآخر، ومن بينهم نانسي فريزر ولوري أندرسون وماشا جيسن؛ وذلك بتهمة الإشارة إلى جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان الموثقة على نطاق واسع في غزة والمطالبة بما تدعو إليه الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية ساحقة، وهو وقف فوريّ ودائم لإطلاق النار لإنهاء القتل غير المُبرر في غزة.

في غضون ذلك، لقيَ أكثر من 33 ألف شخص، من بينهم 13 ألف طفل، حتفهم نتيجة عمليات القصف التي تستهدف القطاع وتشهد المجاعة تفاقماً.

هذا وتطول قائمة المحظورين وتتزايد بشكل يوميّ تقريباً. فقد تم اتهام المُخرج الإسرائيلي يوفال أبراهام والمُخرج الفلسطيني باسل عدرا، اللذين حصلا على جائزة برلين للأفلام الوثائقية عن فيلمهما "لا أرض أخرى" الذي يتناول عمليات التهجير التي تحدث في الضفة الغربية، بمعاداة السامية من قبل السياسيين ووسائل الإعلام الرائدة بسبب دعوتهما لإيقاف شحنات الأسلحة الألمانية المُرسلة إلى "إسرائيل"، والتي زادت بمقدار عشرة أضعاف خلال الحرب. ولأنهما تجرّآ على استخدام مصطلح "الفصل العنصري"، الذي بقيت تستخدمه منظمتا العفو الدولية و"هيومن رايتس ووتش" الحقوقيتان الرائدتان في العالم لسنوات في ما يتعلّق بـ"إسرائيل" بعد سنوات من الدراسات المتعمّقة التي أُجريت على أرض الواقع.

وبالتالي، فإنّ كلّ من يتذرّع بالأمم المتحدة والقانون الدولي ومنظمات حقوق الإنسان المعترف بها في ألمانيا يعدّ اليوم شخصاً غير مرغوب فيه وكارهاً لـ"إسرائيل" ومعادياً للسامية.

وهذا ليس كل شيء؛ فأيّ شخص ينتقد "إسرائيل" يخاطر اليوم بمنعه من دخول البلاد والمشاركة في الأنشطة السياسية، تماماً كما حصل مع وزير المالية اليوناني السابق يانيس فاروفاكيس والجرّاح البريطاني الفلسطيني المشهور عالمياً ورئيس جامعة غلاسكو، غسان أبو ستة، الذي احتجزته السلطات الألمانية في المطار لعدة ساعات ثم أعادته إلى بريطانيا، بسبب تقديمه تقريراً عن تجربته في العمل مع منظمة "أطباء بلا حدود" في مستشفى الشفاء المدمر في غزة خلال المرحلة الأولى من القصف في تشرين الأول/أكتوبر وتشرين الثاني/نوفمبر، إلى محكمة العدل الدولية في كانون الثاني/يناير.

ويبدو أنّ الحكومة في برلين لم تكن ترغب في استماع الجمهور الألماني لشهادته؛ إذ تمت دعوة كلّ من فاروفاكيس وأبو ستة للتحدث في مؤتمر فلسطين المنعقد في برلين في الفترة من 12 إلى 14 نيسان/أبريل، والذي حضره أيضاً عدد من المشاركين اليهود.

وعلى الرغم من ذلك، تم إلغاء المؤتمر الذي كان من المقرر أن يستمر لثلاثة أيام بعد ساعتين من انطلاقه، من قِبل الشرطة الألمانية التي عمدت إلى قطع شبكة الكهرباء عن قاعة المؤتمر؛ وذلك بهدف قطع البث المباشر لمداخلة الباحث والمؤلّف الفلسطيني سلمان أبو ستة البالغ من العمر 87 عاماً عبر الإنترنت. وكان أبو ستة قد مُنع من دخول البلاد ومزاولة الأنشطة السياسية لأنه أشار في مقال إلى أنه لو كان شاباً يافعاً لربما شارك في تنفيذ هجوم حماس الدامي على "إسرائيل" في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023.

وعليه، فإنّ الأساس القانوني الذي تمّ بموجبه فضّ مؤتمر بأكمله بسبب قيام متحدث واحد بالإدلاء بتصريحات مُريبة، يظل سراً من أسرار السلطات.

وفي الوقت الذي تظهر فيه استطلاعات الرأي أنّ 69% من الألمان يعتبرون تصرفات "إسرائيل" في غزة غير مبررة، فإنّ الحكومة الألمانية تواصل دعم حليفتها من دون قيد أو شرط. وبذلك، فإنها تتخذ إجراءات أكثر صرامة ضد منتقديها وتَشرع في مسار مواجهة خطير مع حرية الرأي والمعايير القانونية الدولية. وبهذه الطريقة، تهدد بجر ألمانيا أكثر فأكثر نحو اعتماد نظام استبدادي قمعي.

ومن وجهة نظر دولية، فإنّ ألمانيا لطالما قامرت بسمعتها. وينعكس ذلك بشكل خاص في الدعوى التي رفعتها نيكاراغوا ضدها بتهمة المساعدة والتحريض على الإبادة الجماعية أمام محكمة العدل الدولية، وهي قضية لاقت تأييداً واسع النطاق في الجنوب العالمي. وفي ظل انتشار "ثقافة الإلغاء" تجاه الأحداث المنتقدة لـ"إسرائيل"، يعمد الفنانون والمثقفون الدوليون إلى تجاهل ألمانيا بشكل متزايد. فعلى سبيل المثال، انضمت الكاتبة الفرنسية آني إرنو الحائزة على جائزة نوبل إلى مبادرة تدعو إلى مقاطعة المؤسسات الثقافية الألمانية التي تديرها الدولة، لأنّ ألمانيا تنتهج السياسة "المكارثية" التي تقمع حرية التعبير.

وكمبرر لانحراف الحكومة الألمانية عن مسارها، يُشاع كثيراً أنّ ألمانيا يجب أن تقف بحزم إلى جانب "إسرائيل" بسبب تاريخها. ولكن هل يمكن أن يكون الدرس الصحيح المستلهم من أعظم جريمة في تاريخ البشرية هو اتخاذ موقف ضد القانون الدولي وحقوق الإنسان وحرية الرأي؟ وهل من الأخلاقي التعهد بالتضامن الأبدي وغير المشروط مع دولة معينة، بغضّ النظر عمن يحكم تلك الدولة (في حالة "إسرائيل"، اليمين المتطرّف حالياً) وماذا يفعلون؟ ألا يجب على الحكومات الألمانية بشكل خاص أن تحمي حقوق الناس، بغض النظر عن أصلهم أو جنسيتهم أو لون بشرتهم أو دينهم من الاضطهاد والصدمات والموت للتكفير عن ذنب الماضي؟ ولكن لماذا لا يحظى سكان غزة بهذه الحماية من قبل السياسيين الألمان؟ ولماذا يتم نبذ أولئك الذين يدافعون عن هذه الحقوق ويسعون لوقف الإبادة ويتم منعهم من دخول المجال العام الألماني؟ إنّ مفهوم الحقيقة والعدالة ينقلب حالياً رأساً على عقب في ألمانيا وبقية العالم ينظر إليها ويهز رأسه.

---------------------------------------------

 

انتظار حدوث تغيير في الداخل الصهيوني… وتحولات المواقف الدولية والأمريكية استراتيجية غير مجدية

 

 

حسام عبد البصير

 

القاهرة - «القدس العربي»: لم يكشف طوفان الأقصى المبارك، الحقائق التي ظلت مخفية بالنسبة للجماهير، بشأن المعدن النبيل للشعب الفلسطيني وقدرته الأسطورية على مقاومة أعتى قوة ظهرت على وجه الأرض فقط، بل كشف للأمة حجم التقصير الذي يصل بالنسبة للبعض مستوى التفريط في دعم أهم قضايا الأمة متجسدة في الأقصى، ومسرى نبي الإسلام الذي شرفته السماء بما لم تشرف غيره من البقاع المقدسة. وبينما ينتاب الخوف الكثيرين خشية قرب اقتحام رفح ووقوع مجازر بحق مليوني غزي ما زالوا يعانون إهمالا عالميا، لم يسبق أن واجهه شعب آخر، تبدو المواقف الرسمية غاية في الهوان والخذلان، إذ ما زال الصوت العربي الغالب مشتتا في انتظار ما سينتهي إليه الرئيس الثمانيني ومجلس غدارته..

على المستوى الرسمي تبادل المسؤولون التهاني بمناسبة عيد تحرير سيناء، بينما تابعت نيفين القباج وزيرة التضامن الاجتماعي، خلال زيارتها لمحافظة أسوان أنشطة برنامج الأغذية العالمي، لدعم احتياجات الأشقاء السودانيين في مصر، في إطار الشراكة مع الحكومة المصرية، بحضور الدكتورة رانيا المشاط وزيرة التعاون الدولي، واللواء أشرف عطية محافظ أسوان، والسفير كريستيان برجر رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي في مصر، وجيان بياترو بوردينيو مدير ممثل المكتب القطري لبرنامج الأغذية العالمي في مصر، وأكدت وزيرة التضامن الاجتماعي أن الوزارة لديها 27 مركز إغاثة على مستوى محافظات الجمهورية، حيث يتم تقديم خدمات الإغاثة لضيوف مصر من اللاجئين وإعادة دمجهم في المجتمع، مشيرة إلى دور الهلال الأحمر المصري الذي لديه 32 ألف متطوع، ويقدم دعما إلى 14 دولة في الخارج، فضلا عن بنوك الدم والقوافل الطبية، مشددة على أن الوزارة تشرف على منظمات المجتمع المدني، وهناك جمعيات متخصصة في الاستجابة السريعة للإغاثة.

وبسبب حالة الاحتراب التي شهدها تأبين الفنان صلاح السعدني الذي ووري الثرى، إذ تكالب العديد من مصوري المواقع بهدف تصوير النعش تقدم النائب عبدالمنعم إمام عضو مجلس النواب، بتعديل تشريعي، بإضافة فقرة للمادة 88 من قانون العقوبات تمنع نشر أخبار الجنازات وتصويرها دون إذن مسبق. وتنص الفقرة المستحدثة على: في كل الأحوال يحظر نشر وإذاعة وبث أي صور أو فيديوهات للجنازات والعزاءات والسرادقات التي تقام بمناسبة وفاة ويجوز لذوي الشأن من ورثة المتوفى السماح بالنشر بإذن مسبق مكتوب على أن يرفق بالنشر، وتضاعف العقوبة في حالة النشر أو البث على وسائل التواصل الاجتماعي من غير الصحافيين.

وبشـأن ما يهم الرأي العام: أكدت وزارة التموين، أن المخابز السياحية والأفرنجية بدأت فعليا في إنتاج الخبز الحر والفينو بالأوزان والأسعار التي تم الإعلان عنها، وفقا للتوجيه الوزاري الصادر من وزير التموين أن تكون أسعار الخبز السياحي الحر وزن 80 جراما بـ 150 قرشا، ووزن 40 جراما بـ 75 قرشا ووزن 25 جراما بـ 50 قرشا، والفينو بـ 150 قرشا لوزن 50 جراما و100 قرش لوزن 35 جراما. وقال أحمد كمال المتحدث الرسمي للوزارة، إنه لوحظ التزام المخابز بالقرارات والتوجيهات التي تم الإعلان عنها بتحديد إنتاج الخبز السياحي والفينو بالأوزان والأسعار المقررة.

 

لا مفر منه

 

يرى عبد المجيد إبراهيم في “المشهد” أن الدعوة إلى مراجعة الاستراتيجية المتنفذة للتعامل مع ما يجري في غزة، ليست ذنبا يستحق العقاب؛ ناهيكم عن التجاهل واحتكار الحقيقة، بل هي إعلان من جانب الداعين إليها عن مظاهرة قيادتهم ونصرتها؛ ولو كانوا على خلاف معها في قضايا أخرى؛ مراجعة الاستراتيجيات وتنقيحها ليست عيبا، بل هي قاعدة أساسية من قواعد الممارسة؛ خاصة أن الاستراتيجية تعلمنا أن العبرة تكون بالمآلات، وأن تأخير اتخاذ القرارات الموصولة بها يمثل خطورة عليها، ويكلف المعنيين بها أثمانا كارثية؛ خصوصا عندما يفلتون الفرص المواتية، وهذه الفرص قائمة الآن؛ حيث تقع مؤسسات الكيان تحت ضغوط داخلية وخارجية هائلة؛ تبدو معها كأنها تبحث عن بوابة للخروج، فلماذا لا ندفع بها نحو هذه البوابة؟ ولماذا نصر على الاستمرار في اتباع استراتيجية مريحة لها؟ ولماذا لا نواكب التغيير الذي قامت به الإدارة الأمريكية فعليا بإعادة النظر في استراتيجيتها المتبعة، وتهديدها العلني للكيان المارق بمراجعة الكيفية التي تدعمه بها في عدوانه المتطاول على أبناء شعبنا الفلسطيني الأعزل؟ لن يمنع الهجوم الذي يتجهز له جيش الاحتلال المهزوم على جنوب القطاع، وضمن أهدافه السيطرة على ممر صلاح الدين، وشطب معبر رفح من معادلة غزة ـ إلا موقف عربي ضاغط قوي؛ اجتمعت له الآن كل الشروط المناسبة لبلورته ونجاحه، وهو موقف لا يتخذ بالكلمات في نطاق الأمم المتحدة أو غيرها، وإنما بالأفعال في نطاق الجامعة العربية دون غيرها؛ علما بأن القمة العربية الاعتيادية الثالثة والثلاثين ستنعقد بعد نحو ثلاثة أسابيع في البحرين.

 

عاقبوا الفاجر

 

انتهى عبد المجيد إبراهيم إلى تلك الحقائق المؤلمة: لن تُقْدم دولة الاحتلال الفاشية على تنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي والجمعية العمومية للأمم المتحدة بالوقف الفوري والمستدام لإطلاق النار؛ دون قيد أو شرط، والسماح بمرور الاحتياجات الإنسانية إلى الفلسطينيين المحاصرين في القطاع ـ ما لم تعاقب بعقوبات مادية صارمة؛ بمعرفة الدول العربية المحورية القادرة؛ وفي مقدمتها مصر والسعودية. لقد انهار الوضع الإنساني بصورة كاملة في قطاع غزة، مثلما نتبلغ من المرابطين هناك، وبلغ جيش الكيان الذروة في التنكيل بأبناء شعبنا الأبرياء، وربما يكفي ما جرى في مجمع الشفاء الطبي وحده، لإنزال أقصى درجات العقاب بهؤلاء المجرمين القتلة، ما يطلبه المصريون الآن من رئيس مصر أن يأمر مساعديه بالنظر فورا في الاستراتيجية المعمول بها؛ لإجراء التعديلات الواجبة عليها بأقصى سرعة؛ من أجل وقف حرب الإبادة القذرة هذه دون تأخير. فمع هذه الاستراتيجية الجامدة لن يعود هناك لا قطاع غزة ولا حدود معه ولا معبر يربطه بمصر، وستجد مصر نفسها مضطرة للعمل منفردة في مواجهة المرحلة التالية من مخطط الكيان، الذي لا يزال يخبئ الكثير من إجرامه وحماقته وغلّه وطمعه، الذي لا يتوقع منه التسليم بحقوق شعبنا الفلسطيني المشروعة باستخدام أدوات القوة الناعمة، مع إهمال الدبلوماسية الخشنة. إن استراتيجية مبنية على انتظار حدوث تغيير ما في الداخل الصهيوني، وتحولات معينة في المواقف الدولية والأمريكية؛ هي استراتيجية لم تعد مجدية؛ لأن هذا التغيير وتلك التحولات حدثت بالفعل وتكفي هذه الحقيقة وحدها مبررا لأن تستبدل بهذه الاستراتيجية المكلفة وغير المنتجة استراتيجة قادرة على صيانة الأمن القومي المصري، ومطابقة مصالح مصر العليا بمصالح ومطالب مواطنيها؛ استراتيجية تحمي أبناء شعبنا الفلسطيني، وتؤازر مطالب فصائله المقاومة، وتقطع الطريق على المخططات التالية للكيان الصهيوني الفاشي الموتور. الأدوات المطلوبة متاحة، والأهداف لا خلاف عليها، وانحيازات الشعب ملزمة… فلتفتحوا المجال للتعبير عنها، ولتعاقبوا الكيان الصهيوني الفاجر.

 

تندب أهلها

 

استغلقت حرب غزة على أي أفق سياسي يفضي إلى وقف الإبادة الجماعية والتجويع المنهجي لأهلها المحاصرين. لا إسرائيل على حد رأي عبد الله السناوي في “الشروق” حسمت أيا من هدفيها، اجتثاث «حماس» واستعادة الرهائن دون أثمان سياسية. ولا غزة بوارد الاستسلام رغم ضراوة العدوان عليها. عند الأفق المسدود بالنيران المشتعلة وتعطيل أي صفقة جديدة توقف الحرب يجري خلالها تبادل الأسرى والرهائن تبدو المنطقة كلها «على شفا الانفجار». كان ذلك تحذيرا مدويا لأمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش أمام مجلس الأمن الدولى. بنص تحذيره: «الوضع هش». في الليلة نفسها، التي أطلق فيها تحذيره، استخدمت الولايات المتحدة حق النقض «الفيتو» لإجهاض مشروع قرار قدمته الجزائر لإكساب دولة فلسطين العضوية الكاملة في المنظمة الدولية. كان ذلك تأكيدا عمليا، على ما ذهب إليه. في الليلة نفسها شنت إسرائيل هجوما، رمزيا ومحدودا، على أصفهان وتبريز، ردا على هجوم إيراني أكثر جرأة بمئات المسيرات والصواريخ الباليستية. عند انسداد الأفق السياسي بكتل النيران تأكدت معادلة ردع جديدة في الشرق الأوسط. لم تعد إسرائيل محصنة من الهجوم عليها.. ولا مطلقة السراح أن تفعل ما تشاء في الوقت الذي تشاء وبالكيفية التي تراها. الحسابات الاستراتيجية خشية التورط في حرب إقليمية واسعة وضعت حدودا للهجومين الإيراني والإسرائيلي. وصف الأول على شبكة التواصل الاجتماعي بـ«مسرحية هزلية». ووصف الثاني على لسان وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، بأنه مسخرة. في الوصفين المتعجلين قراءة تحكمها الأهواء والمواقف المسبقة لا الحسابات الاستراتيجية وتوازنات القوى المستجدة في الإقليم بعد الحرب على غزة. ما جرى مشهد افتتاحي لما قد يحدث تاليا من انفجارات ومخاطر إذا لم توقف الحرب على غزة وينفسح المجال لحل سياسي ينصف الضحية الفلسطينية.

 

لا محالة

 

الحرب الإقليمية الذي يتخوف الكثيرون منها قد تؤجل لفترة أو أخرى على حد رأي عبد الله السناوي دون أن تغادر أشباحها الإقليم المأزوم. هذه حقيقة لا يصح التجهيل بها، أو استبعادها بالأماني المحلقة. لست مرات في أقل من سبعة أشهر استخدمت الولايات المتحدة حق النقض في مجلس الأمن لإجهاض أي قرار دولي، يتبنى وقف إطلاق نار فوري ومستدام، أو إعطاء الفلسطينيين شيئا من الأمل بترفيع تمثيلهم في المنظمة الدولية إلى العضوية الكاملة. في جلسة مجلس الأمن، التي واكبت العملية الإسرائيلية المحدودة و«الخجولة» بالأراضي الإيرانية، نفى وزير خارجيتها يسرائيل كاتس عن إيران شرعية وجودها في الأمم المتحدة باعتبارها “دولة إرهابية”، أو أن يكون للفلسطينيين دولة كاملة العضوية للسبب نفسه «هذا مجلس إرهاب.. لا مجلس أمن». كانت تلك إهانة للأمم المتحدة، وللأغلبية الساحقة التي صوتت لصالح منح فلسطين العضوية الكاملة وجرأة متناهية بالنظر إلى أن إسرائيل متهمة أمام محكمة العدل الدولية بارتكاب جرائم إبادة جماعية. عبر الانسداد السياسي عن نفسه بـ«الفيتو» الأمريكي. ناقضت واشنطن خطابها المعلن بتبني «حل الدولتين» كمدخل لا بديل عنه في أي تسوية سياسية تقتضيها ضرورات خفض التصعيد في الشرق الأوسط. التصرفات ناقضت الادعاءات. بالتسويغ الأمريكي فإن إكساب الفلسطينيين العضوية الكاملة يقوض مفاوضات صفقة تبادل الأسرى والرهائن، التي تفضي إلى وقف إطلاق النار المستدام كان ذلك تسويغا معوجا بأي منطق سياسي، أو شبه سياسي. بتسويغ بريطاني، أكثر تمكنا في الصياغة تهربا من اتخاذ موقف تأخر وقته كثيرا، فإنه يتوجب تأجيل ترفيع التمثيل الفلسطيني إلى وقت موات الانكشاف كان فادحا، فلا جدية التزام بـ«حل الدولتين»، الذي يقره الخطاب الدبلوماسي الدولي بالإجماع. لا يمكن العودة إلى ما قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول، ولا تلخيص القضية الفلسطينية في معونات ومساعدات إنسانية يحتاجها أهالي غزة المحاصرين. إنها قضية تحرر وطني أولا وأخيرا. هذه حقيقة يفضي التجهيل بها إلى انفجار الإقليم كله، إذا لم يكن اليوم فإنه حادث لا محالة.

 

قتلة للنهاية

 

الإفراط في القتل والإبادة التي تقوم بها إسرائيل في غزة يجبرنا وفق ما يراه صلاح البلك في “الوطن” على تحري الصورة الذهنية لديهم عن «الآخر» خارج الانتماء لليهودية ودولة إسرائيل، كونهم يعدونها دولة دينية، ويسعون إلى تحقيق ذلك عبر مخطط محكم سينتهي حتما إلى ما يرمون حسب معتقداتهم. لا يعترفون بأي ديانة أو قومية، ولا يرون من هذا العالم سوى أنفسهم، وإن تملكتهم نزعات التقسيم الداخلي فيما بينهم، ولكنها تبقى في إطار المقبول والمؤجَّل إلى حين الخلاص من «الحقرة» في أنحاء العالم من المسيحيين والمسلمين والعرب والهنود، في قائمة لا تستثني منهم أحدا. في كتاب «مفهوم الآخر في اليهودية والمسيحية» للدكتورة رقية العلواني أستاذة الدراسات الإسلامية في جامعة البحرين، وآخرين بينت أنّه لا يزال التباين والاختلاف بين الجماعات اليهودية البالغ حد الصراع قائما في العصر الحاضر، إذ يشير اليهود إلى غير اليهود بكلمة «Gentiles» وهي كلمة من أصل لاتينى (gens) وُضعت للإشارة إلى غير اليهود، ويتضمن المصطلح مفهوما يشير إلى نظرة دونية واحتقار لغير اليهود. وتؤكد الموسوعة اليهودية أن ما كُتب في التوراة والتلمود حول الأغيار ممّا يحمل طابعا سلبيا وعدوانيا إلى حد كبير، إنّما يتأتى من كون هؤلاء الأغيار هم من الوثنيين الذين وقفوا في وجه بني إسرائيل. وهكذا تتضح المحاولات المتواصلة من جانب الدراسات اليهودية الحديثة لتضييق مفهوم مصطلح «الآخر» أو «الأغيار» وتحديد دائرته في الوثنيين للتكيف مع ظروف تُحتم على الجماعات اليهودية العيش في واقع يضم مختلف الأجناس من البشر. مع التوغل والإمعان في تتبُّع الأمر تفضح الدراسة القيِّمة مجمل المعتقدات والنصوص التي وردت في التوراة والعبارات التي تبين طبيعة النظرة إلى الآخر المختلف عن اليهودي المقدس في الأصل.

 

ليسوا بشرا

 

فكرة الاختيار الإلهي لبني إسرائيل، كما أوردتها الدكتورة رقية، عقيدة جوهرية عندهم، عززتها نصوص التوراة، فقد جاء في سفر التثنية 7/6-8: «لأَنَّكَ أَنْتَ شَعْبٌ مُقَدَّسٌ لِلرَّبِّ إِلهِكَ. إِيَّاكَ قَدِ اخْتَارَ الرَّبُّ إِلهُكَ لِتَكُونَ لهُ شَعْبا أَخَصَّ مِنْ جَمِيعِ الشُّعُوبِ الذِينَ عَلى وَجْهِ الأَرْضِ 7 ليْسَ مِنْ كَوْنِكُمْ أَكْثَرَ مِنْ سَائِرِ الشُّعُوبِ التَصَقَ الرَّبُّ بِكُمْ وَاخْتَارَكُمْ لأَنَّكُمْ أَقَلُّ مِنْ سَائِرِ الشُّعُوبِ. 8 بَل مِنْ مَحَبَّةِ الرَّبِّ إِيَّاكُمْ وَحِفْظِهِ القَسَمَ الذي أَقْسَمَ لآِبَائِكُمْ أَخْرَجَكُمُ الرَّبُّ بِيَدٍ شَدِيدَةٍ وَفَدَاكُمْ مِنْ بَيْتِ العُبُودِيَّةِ مِنْ يَدِ فِرْعَوْنَ مَلِكِ مِصْرَ» وغير ذلك من النصوص. وعند قراءة التوراة، يحمد اليهودي الإله لاختياره هذا الشعب دون الشعوب الأخرى. وينتقل الكتاب إلى التلمود الذي جاءت نظرته للآخر أكثر حدة في بعض النصوص، كما أوردتها الموسوعة اليهودية حول الأغيار وكيفية تعامل اليهود معهم: اليهود هم البشر، أما غيرهم فهم ليسوا من البشر، بل وحوش وشياطين – المرأة الحامل من الأغيار ليست أفضل من الحيوان الحامل – غير اليهود جاءوا من أرواح غير نقية تسمى خنازير. لم يترك الكتاب فرصة لأحد في رصد حقيقة النوايا المبيتة لكل من على وجه الأرض لدى اليهود، وكشف الحقيقة الصادمة، التي تصلح أساسا لتفسير السلوك الوحشي والإمعان في القتل الذي تُقدم عليه دولة الاحتلال دون وازع من ضمير أو إنسانية، في كل منطقة تصل إليها، فهي تنفذ تعاليم دينية واضحة ساهمت في صناعة مفاهيم وترسيخ معتقدات، دون الحاجة إلى مبررات، ويكفي أنها تعليمات وأوامر الرب واجبة الطاعة. يحظى العرب بالقدر الأكبر من المشاعر العدائية لدى اليهود ودولتهم «دولة من المتطرفين» التي اشتهرت فيها عبارة «العربي الجيد هو العربي الميت» التي تفضح نواياهم تجاه العرب.

 

ليست مسرحية

 

من الصعب على حد رأي إيريني سعيد في “الشروق”، اعتبار المواجهة بين طهران وتل أبيب مسرحية هزلية، أو حتى معدّة من قبل لحفظ ماء الوجه الإيراني، بدليل اهتزاز المنطقة بأكملها والأهم تحرك الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، من أجل صدّ المواجهات قبيل وصولها تل أبيب، وإن تمكنت القوات الإيرانية من الوصول إلى داخل العمق الإسرائيلي، وربما تم توقع التحرك الإيراني، ودون الاستعانة بالوكلاء وإن استخدمت قواعدها في العراق وسوريا، غير أن الرد الإسرائيلي المحدود عبر هجوم أصفهان، لم يبرز أي إشارات بخصوص المناورة المقبلة، أو التوجه الإسرائيلي المفترض، فلا شك أن التحليلات كافة تتجه للوقوف على التصورات المتعلقة بالسيناريوهات المقبلة، لاسيما ردود الأفعال الإسرائيلية على هجمات إيران الأخيرة، التي جاءت مباشرة إلى داخل العمق، وهنا يبرز سيناريوهان، في ضوء تعدد جبهات القتال في المنطقة، وفي مواجهة إسرائيل، أيضا بفرض تشتت قدرات دولة الاحتلال على المستويين العسكري والاقتصادي، وإن ما زالت مدعمة على المستوى السياسي من قبل حلفائها الغربيين: السيناريو الأول: إما أن تعاود إسرائيل لاستكمال مساراتها العسكرية في غزة ومن ثم الاتجاه لرفح من أجل تحقيق أهدافها، التى فشلت مرارا في تحقيقها، سواء القضاء على حماس أو تحرير رهائنها، بعدما نجحت في إحداث تغير ولو طفيف على مستوى التحولات الغربية عنها مؤخرا، وبهذا يكون نتنياهو قد خضع لتوجيه بايدن الأخير وتوازنات الولايات المتحدة حينما أرجعته عن الرد على طهران. السيناريو الثاني: أن تستمر إسرائيل في التعتيم على إخفاقها في الحرب على غزة، ومن ثم تواصل الحرب مع إيران، والأرجح أن تشتت دولة الاحتلال سياسيا واقتصاديا وعسكريا، ما بين تعدد جبهات الصراع، وصد الجماعات المقاومة في المنطقة والأذرع الإيرانية، خصوصا عقب بروز إيران بشكل مباشر، واحتمالية تراجع الدعم الغربي، والتعثر الأوكراني في حربها مع روسيا والأهم، بروز اليمين المتطرف في أوروبا وتوقعات سيطرته على الاتحاد الأوروبي، مع انتخابات البرلمان الأوروبي يونيو/حزيران المقبل، قد يعقد المنهجية الإسرائيلية بالمنطقة وربما تُستنزف دولة الكيان في حرب طويلة الأمد.

 

غزة نموذجا

 

تنتاب الدهشة الدكتور أسامة الغزالي حرب في “الأهرام” من إخوتنا الفلسطينيين، وعلى رأسهم رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ـ الذين بدوا وكأنهم فوجئوا بالفيتو الأمريكي في مجلس الأمن يوم 20/4 برفض تمرير مشروع قرار في المجلس.. يوصي الجمعية العامة بقبول دولة فلسطين عضوا كامل العضوية في الأمم المتحدة.. هل تتصورون أن تغضب الولايات المتحدة إسرائيل بذلك الشكل الصريح؟ حقا، لقد أيدت مشروع القرار أغلبية الدول الأعضاء الخمس عشرة في المجلس، بما فيها دول حليفة للولايات المتحدة (فرنسا، واليابان وكوريا الجنوبية).. وامتنعت بريطانيا بدبلوماسيتها المراوغة المعتادة، عن التصويت لتستمر دولة فلسطين ـ بذلك الفيتو عضوا غير كامل العضوية، شأنها شأن دولة الفاتيكان.. على أي حال، أعتقد شخصيا بقوة أن الخطأ المؤسس لذلك الوضع البائس الحالي، كان هو الرفض العربي الحماسي والعاطفي لقرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين في عام 1948، الذي تبعته هزيمة ما سمي سبعة جيوش عربية أمام العصابات الصهيونية، وبقية القصة الحزينة معروفة مع نتائج هزيمة 1967. ثم تكررت الكارثة بصورة أفدح مع قيام دولة فلسطين وقبولها عضوا مراقبا في الأمم المتحدة عام 2012 فقسم أبناؤها بأيديهم هم ـ نعم أبناؤها ـ بلدهم فلسطين بين كل ألوان الطيف السياسي من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، فاختفى اسم فلسطين لمصلحة اسم حماس وغير حماس نعم.. لقد خاضت حماس نضالا باسلا، ضد العنصرية الإسرائيلية البغيضة، وقدمت غزة نموذجا مذهلا للعالم كله للتضحية والفداء بدماء وأرواح أبنائها، ولكن لن تحصل فلسطين على مقعدها المفقود ـ أيها السادة ـ إلا أولا وقبل كل شيء بوحدة وطنية، وباندماج فلسطيني كامل.. لكل القوى والفصائل والمنظمات والكتائب في كيان وطني ديمقراطي مدني وعصري واحد، اسمه فلسطين.. وفلسطين فقط.

------------------انتهت النشرة-------------

أضف تعليق