01 آيار 2024 الساعة 22:47

أحلاف من ورق

2023-12-25 عدد القراءات : 107

عماد الحطبة

يحفل تاريخ منطقتنا بقصص إنشاء تحالفات استعمارية تهدف إلى فرض المشاريع الاستعمارية على شعوب المنطقة. ويخبرنا التاريخ نفسه أن جميع هذه الأحلاف كان مصيرها الفشل رغم ما حصدته من أرواح، وما خرّبته من عمران إلا أن الشعوب كانت صاحبة الكلمة الأخيرة، وصانعة الانتصار.

لعل حلف المعاهدة المركزية (1955) أو ما عرف بحلف بغداد، أشهر هذه الأحلاف الذي حاولت من خلاله بريطانيا والولايات المتحدة مواجهة المد التحرري الذي ساد المنطقة، خاصة بعد توقيع اتفاقية الجلاء عن مصر عام 1954، وانطلاق الثورة الجزائرية في العام نفسه. لكن الجماهير العربية التي خرجت إلى الشوارع أسقطت هذا الحلف، الذي تحوّل إلى حبر على ورق من دون أثر يذكر على الأرض. 

من أشهر القصص المرتبطة بهذا الحلف كان تشكيل حكومة أردنية في 15 كانون الأول/ديسمبر 1955 برئاسة هزاع المجالي، والذي أعلن نية حكومته الانخراط في حلف بغداد، لكن تلك الحكومة سقطت بعد خمسة أيام (20 ديسمبر) تحت ضغط الشارع الأردني الرافض للمعاهدة.

بعد أقل من عام، وفي رد على قرار الحكومة المصرية تأميم قناة السويس، اجتمع مندوبون عن حكومات "إسرائيل" وبريطانيا وفرنسا في قرية سيفرز قرب باريس ليعلنوا عن بروتوكول سيفرز عدواناً على مصر في تشرين الأول/أكتوبر 1956، عرف بالعدوان الثلاثي. استطاعت المقاومة المصرية بالتعاون مع الجيش المصري مدعومة من الاتحاد السوفياتي إفشال العدوان، وانسحبت القوات الغازية وتمّت استعادة السيادة المصرية على القناة.

في العام 2003 تشكّل تحالف من الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا وبولندا، وقام في آذار/مارس 2003 بغزو العراق، وتدمير بنيته التحتية، ونهب ثرواته، وفرض المشروع الاستعماري التقسيمي من خلال دستور طائفي بهدف تقسيم العراق إلى كانتونات طائفية.

تصدّت المقاومة العراقية لقوات التحالف بعد سقوط الحكومة المركزية، وكبّدتها خسائر فادحة مما دفعها إلى الاختباء في قواعد وثكنات محصّنة. بعد فشل مهمتها في تقسيم العراق، اضطرت دول التحالف عام 2014 إلى إنشاء تحالف جديد تحت عنوان التحاف الدولي لمكافحة الإرهاب في العراق وسوريا، بمشاركة 86 دولة من بينها أكثر من عشر دول عربية.

خاض التحالف الدولي حربه ضد الجيش العربي السوري والمقاومة العراقية، وقصفت طائراته، وما زالت، مواقع المقاومة أكثر من مرة. الهدف المعلن محاربة الإرهاب، لكن الهدف الحقيقي كان إحباط التواصل بين أطراف محور المقاومة، وضرب تجمّعات المقاومين وثكناتهم.

رغم كل محاولاته ودعمه المباشر للإرهابيين لم يستطع هذا التحالف تمرير مشاريعه في سوريا أو العراق، بل وتلقّى هزائم عسكرية وسياسية بتصاعد الفعل المقاوم وصولاً إلى تحرير العديد من المدن السورية والعراقية من الإرهابيين المدعومين من قوات التحالف. 

عبّر التحالف عن مرارة فشله بالعملية الغادرة التي استهدفت الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس، وأبا مهدي المهندس القيادي في الحشد الشعبي. رغم القناعة الأميركية بأنها وجّهت ضربة قاصمة للمقاومة بهذه العملية، إلا أن الأحداث أثبتت أن بنية المقاومة لم تتأثر بل تصاعدت قوتها، لتصبح لاعباً أساسياً في الأحداث في المنطقة كما ظهر في الضربات التي توجّهها المقاومة العراقية إلى القواعد الأميركية في العراق وسوريا دعماً للمقاومة في غزّة، وكذلك إطلاق رشقات صاروخية باتجاه الجولان من الأراضي السورية.

عام 2015 أعلن عن تشكيل التحالف العربي في اليمن الذي أطلق ما أسماه "عاصفة الحزم"، والذي قتل وشرّد حتى الآن أكثر من 5 ملايين يمني بدعوى استعادة الشرعية. تمكّن الجيش اليمني وأنصار الله من إفشال عمليات هذا التحالف، بل إن المراقب لا يكاد يذكر اسم الرئيس اليمني الذي نصّبه التحالف خلفاً لعبد ربه هادي، في الوقت الذي تتصدّر فيه المقاومة اليمنية الأحداث بصمودها وقدرتها على ضرب عمق دول التحالف بصواريخها ومسيّراتها، حتى انسحبت معظم الدول المشاركة في عملياته.

جاء السابع من أكتوبر ليعلن عن انتقال محور المقاومة بكل أطرافه إلى استراتيجية الهجوم على طريق التحرير. انخرطت كل الجبهات العسكرية في المعركة وكبّدت العدو خسائر غير مسبوقة في الأفراد والمعدات، إضافة إلى الخسائر الاقتصادية والسياسية. وشاركت الشوارع في المدن العربية في حركة الاحتجاجات على مدى أكثر من 75 يوماً لم تخل الشوارع من المسيّرات المناهضة للعدوان، واتسعت هذه المشاركة لتصل إلى مدن العالم لتسجّل أكبر حركة احتجاج وتضامن شعبي مع قضية في التاريخ.

فرض اليمن شروطاً جديدة على المواجهة بفرضه حصاراً بحرياً على كيان العدو، الأمر الذي دفع الكثير من شركات الشحن إلى إعلان تعليق عملياتها في منطقة البحر الأحمر. جاء الرد الغربي في تكرار لسياسة الأحلاف من خلال إعلان تشكيل حلف دولي للعمل على "حماية" حرية الملاحة في البحر الأحمر وأطلق التحالف على عمليته اسم "حارس الازدهار". 

تعلم الدول العشر المشاركة في التحالف أن مصير عملياتها سيكون الفشل، تماماً مثل كل التحالفات السابقة. فاليمن أعلن صراحة أن عملياته لن تتوقّف بغض النظر عن الضغوط السياسية والعسكرية، وأن الوسيلة الوحيدة لوقف العمليات اليمنية هي وقف العدوان على غزّة. قد يتمكّن التحالف من وقف عمليات احتجاز السفن، لكنه لن يتمكّن من وقف الصواريخ اليمنية التي أطلقتها وتطلقها القوات اليمنية على السفن المتجهة نحو الكيان الصهيوني. 

حلف آخر سنروي قصة سقوطه بعد انتهاء الحرب. المقاومة ماضية في تحقيق النصر تلو النصر، دماء شهدائنا ستكون ناراً على العدو ونوراً يضيء درب التحرير على طريق القدس.  

أضف تعليق