01 آيار 2024 الساعة 19:39

مستشفيات غزة والقانون الدولي الإنساني

2023-12-14 عدد القراءات : 149
بقلم : حمزة حماد مسؤول التجمع الإعلامي الديمقراطي وعضو نقابة الصحفيين الفلسطينيين

إنها الحرب الطاحنة التي تعيشها غزة في ظل استمرار استهدافات الاحتلال الإسرائيلي وارتكاب المزيد من عمليات الإبادة الجماعية بحق المدنيين والتدمير الغير مسبوق للمنشآت الحياتية والإنسانية، والاستهداف المباشر للوضع الإنساني الذي بات منهارا بفعل الأزمات المتفاقمة.

تعددت أشكال المآسي والظروف القاهرة التي يعيشها القطاع لا سيما منطقتي غزة والشمال، التي أصبحت منكوبة على مختلف الصعد، فلم تسلم المخابز، وبيوت العبادة، ومنتزهات الأطفال، والشوارع الرئيسية، والأبراج والأحياء السكنية، والأسواق، والمحلات التجارية، وشركات الاتصال، وغيرها من هذا العدوان البربري.

هذا ليس بعيدا على الاحتلال الذي استهدف البشر والحجر والشجر، وهجر شعب من أرضه بفعل نازيته وفاشيته، خاصة بعد إيضاح خطته المعلنة وهي «الحسم» التي تقوم على تشريد وتهجير الفلسطينيين من أرضهم والسيطرة عليها، وعلى مقدراتهم وثرواتهم الطبيعية، وقد شوهد ذلك في مدينة القدس والضفة واليوم ينفذ ذلك في غزة، وما يترجم على الأرض جراء الوقائع الميدانية والأحداث اليومية التي نعيشها ذروتها هذه الأيام.

فالانتهاك الصارخ لم يتوقف لحظة عن شعبنا الذي يشهد على معاناته العالم بأكمله دون أن يحرك ساكنا، حيث نعيش انتهاكا غير مسبوق للقانون الدولي الإنساني وأحداث متسارعة تكشف عنصرية الاحتلال ومدى وحشيته في قتل أشكال الحياة للفلسطيني في غزة.

المستشفيات التي شكلت بيئة حاضنة للمدنيين العزل وتحولت إلى مأوى بكل ما تعنيه الكلمة، لم تسلم من بطش الاحتلال، حيث مورست جرائم بشعة بحق هذه المشافي التي مفترض أن تحميها قواعد القانون الدولي الإنساني والتي ترمي إلى الحد من آثار النزاعات المسلحة لدوافع إنسانية وحماية من بداخلها، لكن بالطبع الاحتلال تجاوز ذلك بارتكاب جرائم حرب كبرى بتهديد هذه المشافي بالإخلاء ثم قصفها واقتحامها والعبث فيها دمارا وخرابا.

اعتقاد المدنيين بأن اللجوء إلى هذه المشافي قد تحميهم من بطش الاحتلال، لكن في الحقيقة كانت الواقعة عكس ذلك.. وهذا ما رصدته ووثقته خلال عملي كمراسل لقناة الغد في شمال غزة سواء خلال تواجدي بالمشفى أو تغطية انسحاب قوات الاحتلال من مستشفى الأندونيسي خلال أيام الهدنة وما فعله مع الكوادر الطبية والمصابين، وحتى الشهداء الذين لم يسلموا من نيران أسلحتهم الرشاشة التي اخترقت أجسادهم وهم موتى، ناهيا عن الخراب والتدمير المقصود في المعدات الطبية وأقسام الطوارئ وغرف العمليات، ومدخل وساحة المستشفى التي تحولت لكومة من الركام، ونقل المصابين التي لم تتجاوز 1%، واعتقال بعض رجال الإسعاف على الحاجز، واستهداف جميع الممتلكات والسيارات الطبية، والمدنية للمواطنين بهدف التخريب، إضافة لشن عدة أحزمة نارية عنيفة في الشوارع والمنازل المجاورة للمشفى.

وكذلك استهداف مستشفى كمال عدوان التي تم حصارها وقصفها واقتحامها، حيث تم اعتقال مديرها واحتجاز طاقمها الطبي، واعتقال عدد من المدنيين واخضاعهم للتحقيق كما جرى في مناطق أخرى، ومستشفى العودة التي ما زالت محاصرة وقتل أحد طواقمها الطبية برصاص قناص غادر، وتفتقد لأدنى مقومات الصمود بداخلها، وصولا لمستشفى الصداقة التركي لأمراض السرطان.

إسرائيل لا تجهل أن الجمعية العامة للأمم المتحدة قد اعتمدت عام 1970م قانون ينص على أن منطقة المستشفى أو أي ملجأ مماثل لا ينبغي أن تكون هدفا للعملية العسكرية، لكنها تريد أن توصل رسالة بأن كل الأماكن مستباحة وأنها فوق القانون، ورسالة تحد واضح للعالم بأكمله بما فيها حليفتها الولايات المتحدة التي تدعمها بالسلاح لقتل الفلسطينيين وتمنحها الضوء الأخضر لارتكاب المجازر الدموية واحكام السيطرة على الأرض، ليس لشيْ إلا تصفية القضية الوطنية عبر مشروعها الاستعماري.

رغم أن الصورة نقلت من شمال غزة حتى جنوبه مباشرة وعلى حقيقتها، لكن يصر المجتمع الدولي على در الرماد في العيون، متجاهلا أصوات المدنيين التي استمع إليها في مناطق ساخنة أخرى مثل اوكرانيا وغيرها. خاصة وأن القانون الدولي يكفل حماية الأماكن المدنية وفقا لاتفاقية جنيف الرابعة والبروتوكولين الإضافيين الأول والثاني لاتفاقيتي جنيف لعام 1977 ولاهاي لعام 1954م، وأن النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية يعتبر أن  مهاجمة المستشفيات وأماكن تجمع الأفراد والجرحى «جريمة حرب». وبالفعل هذا ما يحدث بحق المنظومة الصحية في قطاع غزة التي ودعت أكثر من 300 كادرا صحيا وتدمير 102 سيارة اسعاف، و22 مستشفى أخرجها الاحتلال عن الخدمة، و110 مركزاً صحياً أخرجها الاحتلال عن الخدمة.

كما أن تصريح الجمعية العامة للأمم المتحدة التي قالت فيه: « إن 70% من ضحايا الحرب في غزة هم من الأطفال والنساء؛ وأن وقف إطلاق النار هو الخطوة الوحيدة لخفض التصعيد»، يؤكد على صدق الرواية الفلسطينية ويفضح جريمة الصمت التي تعيشها تلك المؤسسة التي تماهت مع العدوان المتواصل، بل يشكل حالة نقد لذاتها إزاء تأخر حضور صوتها عن المشهد الدموي في غزة.

فمن يأخذ الأطفال والنساء بنكًا لأهدافه العسكرية ويتبجح في تسويق روايته المزيفة والمضللة، والتي باتت اصلا مكشوفة للرأي العام، حتما سيختلق الذرائع لتدمير المستشفيات التي تعد أحد ركائز البقاء والصمود للمواطنين في حياتهم، والتي بالطبع تقدم لهم الخدمة الطبية، ليس شيء آخر كما روج الاحتلال في روايته الساقطة بأنها تستخدم لأعمال مقاومة، وفشل في تسويقها.

وجراء خروج المشافي عن الخدمة بات العمل من خلال نقاط طبية ميدانية وهي محدودة ايضا، أي أنه لا يمكن تقديم خدمة طبية كافية لمصاب بحاجة لجراحة وجهد كبير، فيكون مصيره الموت البطيء، علما أن الوضع الصحي أخذ منحى خطير جدا في مركز الايواء جراء انتشار الأمراض والأوبئة بين صفوف النازحين، حيث رصدت وزارة الصحة أكثر من 326 ألف حالة مصابة بالأمراض المعدية.

لذلك على المؤسسات الدولية والإنسانية التحرك جديا لاستنهاض واقع عمل المنظومة الصحية التي انهارت، والمطالبة بوقف العدوان واستهدافها، من خلال توفير الدعم اللازم لها، والضغط على الاحتلال باحترام قواعد القانون الدولي الإنساني بعدم التعرض لهذه المشافي.

هي أيام طويلة وصعبة، لكنها تعني الكثير للغزيين، على أمل أن يبقوا أحياء وشاهدين على هذه المذبحة لنقلها إلى الأجيال القادمة لكي يعرفوا حقيقة الاحتلال وزيف شعاراته الإنسانية، كما وتبقى أرقام الشهداء التي تخطت الـ18 ألف شهيد وأكثر من 50100 جريح، شموع تضيء لنا طريق الحرية والعودة وتقرير المصير.

أضف تعليق