26 نيسان 2024 الساعة 15:53

هل سيشهد العالم نظاما اقتصاديا أكثر عدالة؟ الخبير الألماني سامي عصاصة يجيب

2023-03-06 عدد القراءات : 219
هل سيشهد العالم نظاما اقتصاديا أكثر عدالة؟ الخبير الألماني سامي عصاصة يجيب
يصف الخبير الاقتصادي الدكتور سامي عصاصة النظام الاقتصادي العالمي "بالواقع المفروض"، وتحدث عن آفاق هذا النظام ومخاطر انهيار العملات العربية، وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على المنطقة، وهل سيشهد العالم نظاما اقتصاديا أكثر عدالة؟
الدكتور عصاصة خبير اقتصادي دولي، وهو ألماني من أصل سوري، حصل على دكتوراه من جامعة برلين (كلية السياسية والاقتصاد) عام 1965، وترك العمل الوظيفي وتفرغ للعمل الاقتصادي الحر عام 1967، فأسس "مكتب الاتصال العربي الألماني" في مدينة ميونيخ، ولديه 30 مؤلفا منشورا.
•    ما وضع الاقتصاد العالمي وآفاقه؟
يقع الاقتصاد العالمي في مأزق كبير صنعته القوى الكبرى بأيديها، وعندما نتحدث عن آفاق الاقتصاد العالمي، نكتشف بسرعة أننا نواجه مؤسسات المال العالمية المحتكة باستمرار مع نبض الاقتصاد العالمي، وأن مديري تلك المؤسسات هم المؤثرون في تحديد كميات ما يُطبع من الدولارات واليورو والين واليوان الصيني.
هؤلاء يديرون عمليات تحويل الأموال في أرجاء دول العالم، ويحددون كميات النقد التي يراد طبعها، ويشرفون على قطاعي التصنيع والتسويق.
فهم يريدون اعتلاء موقع السيادة على العالم من خلال سيطرتهم على الاقتصاد والمال، فكلما استمر تربع مجالس إدارة المؤسسات على عرش بورصات العالم خضعت الدول المحتاجة للقروض لرغباتهم وشروطهم.
ولو راقبنا سياسة منح البنك الدولي للقروض، لاكتشفنا أن دول العالم الصغيرة والوسطى والغنية هي التي تودع أموالها في بنوك العالم الأول مقابل فوائد رخيصة منخفضة، فتتجمع لديها ودائع الدول الصغيرة والوسطى، ثم تمنح القروض لدول العالم الثالث وتستأثر بالأرباح وتفرض شروطها على الدول الفقيرة.
•    هل تتم سرقة الأموال والثروات من خلال مراكز المال وسوق البورصة؟
أستطيع أن أقول نعم، فمديرو المؤسسات العالمية يأخذون سيولة الدول الفقيرة بشروط لا عدل فيها، ويُقرضونها إلى محتاجين آخرين بشروط تعجيزية.
والأرباح الحقيقية يستأثر بها مديرو ورؤساء المصارف، وتمنح القروض لمن لا يستحقها فتضيع فرص الإصلاح لدى دول العالم الثالث، فمن مصلحة هؤلاء تفشي الفوضى والفساد وتغذية الحروب ليستفيد الجالسون على كراسي الإدارة، وبذلك يكرسون قدراتهم الاقتصادية والعلمية والعسكرية لتحقيق هدف السيادة، فما يحصل سرقة موصوفة لثروات دول العالم الثالث.
أما عن أسواق البورصة، فهي ليست سوى واجهة لتلك المراكز المالية التي تكلمنا عنها، واضرب لك مثالا، إذا اتفق أصحاب القرار في عدة بورصات عالمية على شراء كل دولار معروض في أنحاء العالم خلال 6 ساعات مقبلة بـ15.1 يورو وعلى بيع أي دولار بـ16.1 يورو؟ فهل يوجد من سيبيع دولاره بـ14.1 يورو؟ ألا يؤدي ذلك إلى تثبيت سعر صرف الدولار؟ ألا يعني أن التلاعب بأسعار العملات وأسهم البورصة في متناول عدد من مؤسسات المال الرفيعة المكانة؟ ألا نعي أن التلاعب بأسعار البورصة أمر حصل وسيحصل، وأن الخاسر هم أصحاب الودائع الذين ليس في وسعهم أن يتفادوا تأرجح الأسعار المفتعل؟
•    هل يعني ذلك التلاعب بأسعار الدولار وكذلك الثروات المهمة كالنفط والغاز؟
يجب علينا هنا أن نشير إلى أن عمليات طبع الدولار أمر لا تقرره حكومة الولايات المتحدة، وإنما نظام الاحتياطي الفدرالي (System Federal Reserve)، وهي مؤسسة مستقلة ذات سيادة على إدارة أموال المودعين، واستقلالها يعني عدم خضوعها دستوريا لتصديق رئيس الدولة ولا لأي سلطة تنفيذية أخرى في الدولة.
صحيح أن المؤسسة بأكملها تخضع لمراقبة الكونغرس لأن الدستور منح رئيس البلاد سلطة سك النقود وتحديد القيم، ولكن الكونغرس أوكل هذه المهمة الخطيرة منذ عام 1913 إلى الاحتياطي الفدرالي (البنك المركزي الأميركي)، أي أن حكومة الولايات المتحدة ليست صاحبة القرار في هذا الشأن بالذات.
أما عن طبع الدولار، فتوضع أكداس الورق الأبيض في آلات الطباعة فيدخل الطبق أبيض ويخرج دولارات من فئات مختلفة، بهذا الورق الأبيض الذي لا تتجاوز قيمته 10 سنتات، وبهذه الدولارات المشكوك بوجاهة أصولها، يشتري العالم المتقدم بضائع وخامات وخدمات، أما بالنسبة لقيمة الثروات، فيكفي أن نسأل سؤالا واحدا، هل تتساوى أثمان البضائع مع ورقة الدولار؟
•    ما خطورة ذلك على العملات العربية؟
على الدول العربية أن تعي حجم الخطورة في هبوط عملاتها، والأهم هل ستبقى عملات العرب ثابتة نسبيا عندما يستغني العالم الأول عن البترول والغاز؟ وما السلع التي تتوفر لدى العرب لتشتري بأثمانها مستورداتها المختلفة؟ ومن له المصلحة بحرب العملات؟ وهل يمكن أن تؤدي الحرب الروسية الأوكرانية إلى تغييرات جذرية في النظام المالي العالمي؟
إن النظام المالي العالمي واقع مفروض وتحميه قوى كبرى، لا تسمح بانهياره، ولكن هذه الأحداث لها انعكاسات خطيرة على العالم ومنها المنطقة العربية، وإذا ألقينا نظرة على تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية سنجد أن مصانع وتجار السلاح هم الرابحون أولا، وما بعد الحرب سيفيد من سيقوم بإعمار ما دمرته الحرب، التساؤلات المشروعة ستقود إلى أن من يسيطر على الشركات العابرة للقومية هو الرابح، وأن ثمة قوى تجدد اقتصادها من خلال الحروب والنزاعات.
•    ماذا عن سباق رفع أسعار الفائدة والتضخم؟
إن من وسائل الاستئثار غير المشروع بثروات العالم الثالث التدخل الظالم لدى تسعير الفائدة، وخاصة عندما يدعي مكتب إعلام البورصة بأن العرض والطلب يحددان ارتفاع أسعار الأسهم أو انخفاضهما، فإذا نشب حريق في مصنع للإسمنت نجد أن سعر سهم الشركة يرتفع أو ينخفض خلال أيام أو ساعات من انتشار الخبر، ولكن هذا التجاوب السريع مع الحريق لا يمكن له أن يتفق مع واقع الأمور، فصعود سعر أسهم المصنع لا ينتشر بسرعة متوازية مع خبر الحريق.
إن أصحاب الأسهم ليسوا في مكان واحد فيسمعون خبر الحريق، ويتزايدون في رفع سعر السهم دفعة واحدة، وهذا يدفعنا إلى القول بأن ميكانيكية ارتفاع أسعار السهم لا تجري نتيجة لوصول الخبر إلى مئات أو ألاف أو ملايين مالكي الأسهم، وإنما لاجتماع سريع للمسؤولين في مجلس الإدارة يتخذون فيه القرارات المناسبة ويحددون خط السير.
•    ما البديل الأنسب لبناء اقتصاد عالمي قائم على العدل؟
النظام المالي العالمي نظام متوحش يقوم -كما ذكرنا- على سرقة ثروات الشعوب وفرض عملات بعينها، وكذلك ضرب عملات العالم الثالث، هذا النظام لا يمكن أن يستمر لأنه بطريقة أو أخرى يسير نحو تصادم قوى كبرى، نتيجة التغييرات المتسارعة في العالم، ولا بد أن يؤدي إلى كوراث كبرى.
ولا بد من تشارك دول العالم في وضع نظام نقدي ومالي يحقق طموح الشعوب، وهناك أنظمة اقتصادية ناجحة، ولكن لم يسمح لها بالعمل في ظل نظام العولمة الاقتصادية والهيمنة، ومنها الاقتصاد الإسلامي الذي يقوم على العدل ومنع الاحتكار، ويحرم الفائدة، ويرفض تكديس الأموال ويضع معايير دقيقة لتوزيع الثروات وكذلك نسب الزكوات المختلفة.

أضف تعليق