29 نيسان 2024 الساعة 17:57

الأسير الفلسطيني بين مطرقة السجن وسندان المرض

2022-12-13 عدد القراءات : 624
إن مجمل الأحداث والتطورات التي تتصاعد في الآونة الأخيرة داخل سجون الاحتلال الصهيوني والتي وصلت ذروتها لاستشهاد عدد من الأسرى الفلسطينيين ليصل عدد الأسرى الذين استشهدوا منذ العام 1967إلى يومنا هذا جراء سياسة الإهمال الطبي المتعمد إلى (73) شهيداً، آخرهم الشهيدة سعدية فرج الله (68) عاما، التي استشهدت في سجن الدامون.
وسياسة الإهمال الطبي هي سياسة ممنهجة تتبعها إدارة السجون هدفها الأقصى قتل الأسير الفلسطيني، واقلها النيل من صحته لإضعاف قوته الجسدية والنفسية، ليفرج عنه وهو معطوب صحيا، ليشكل عبئا ماديا ونفسيا على عائلته وشعبه، فضلا عن عدم قدرته على استئناف مهامه الوطنية والكفاحية من جديد في مجابهة الاحتلال الصهيوني.
إن ما يتعرض له الأسرى من هجمة ممنهجة شرسة يجري الإشراف على تنفيذها من قبل المستوى السياسي الرسمي الصهيوني، من خلال مجموعة من الممارسات والإجراءات العدوانية والقمعية التي تستهدف حياة الأسرى وخلق ظروف صحية ونفسية تهدف لقتل الأسير بشكل تدريجي تراكمي بطيء، حتى يأخذ الأسير مرضه مع حريته. هذا الخطر بات يهدد حياة الأسرى، بعد تزايد أعداد الأسرى المرضى وخاصة المصابين بمرض السرطان، وكماهو معلوم أن إدارة السجون قد أعلنت وجود 25 إصابة بمرض السرطان في صفوف الأسرى واعتقد أن هذا الإعلان غير دقيق، فالعدد ربما يكون أكبر من ذلك جراء حرمان الأسرى من حقهم في وجود كشف صحي دوري،فضلا عن إصابة العشرات من الأسرى بأمراض خطيرة وقاتلة مثل أمراض القلب والفشل الكلوي وأمراض الكبد والأوجاع المزمنة، فضلًا عن الأمراض التي تنتج عن التعذيب الجسدي والنفسي. فحسب مركز الدفاع عن الحريات والحقوق المدنية «حريات»، وهيئة شؤون الأسرى والمحررين، وحتى أيلول 2022، بلغ عدد الأسرى المرضى (625) أسيراً، منهم (200) من الحالات المرضية الصعبة. لذا عند الحديث عن الوضع الصحي للأسرى والأسيرات يتبين أنهم في خطر حقيقي يهدد حياتهم، فالأسير الفلسطيني المريض تتضاعف معاناته بثنائية السجن و المرض.
وحتى اللحظة لم يبذل الجهد الجدي لتحريرهم ولا يعمل جدياً لتقديم العلاج اللازم لمرضهم، وعند التوقف قليلا وعن قرب للتعرف على معاناة الأسيرات والأسرى المرضى أجدهم يواجهون السجن والسجان والمرض القاتل ليلا ونهارا. تعالوا واقتربو قليلا إلى نوافذ غرف وزنازين السجن واسمعوا آلامهم وتأملاتهم ومعاناتهم وأحلامهم بالحرية الممتدة عبر الأفق، تعالوا وانظروا إلى عين كل واحد منهم فمنهم من تظن أنه يتأمل ولكنه في الحقيقة يتألم، واقتربوا وانظروا إلى رقصات أجسادهم على أمتار أبراشهم الحديدية لكنهم يتراقصون من شدة الالم ووجع الانتظار،إنهم ينامون على قرقعة المفاتيح والأقفال ولكل واحد منهم مقطوعته في الألم والحرمان وقسوة الانتظار، وفقدان الثقة بقيادتهم وفصائلهم. بينما البشر خارج السجون، منهم من ينام على صوت أم كلثوم أو مقطوعات موسيقية أمثال بيتهوفن في مقطوعته الأشهر سيمفونية الفرح ، وموزارت في مقطوعته الأشهر جوبتير والناي السحري،وتشايكوفسكي في مقطوعته بحيرة البجع، وفيفالدي في مقطوعته الأجمل الفصول الأربعة. بينما الأسرى المرضى يتقطّعون ألما ووجعا وقيدا، يعزف السجن والمرض أقسى ألوان العذاب على أرواحهم وأجسادهم، ويصر الأسرى المرضى رغم كل ذلك عزف مقطوعة الأمل بالحرية.
ماذا يريد الأسرى؟
يعتقد بعض أبناء شعبنا أن واجبهم اتجاه الأسرى محصور في الدعاء لهم، أو في الحديث عن قضية الأسرى، وفي أفضل الأحوال المشاركة في الاعتصامات والتظاهرات لمساندة أسير مريض أو مضرب عن الطعام، أو إسناد القضية الأسرى بشكل عام، لكن الواجب الأهم والأسمى للشعب الفلسطيني والفصائل الفلسطينية بشكل خاص اتجاه الأسرى هو العمل على تحريرهم. و لحين تحررهم، يريدون منكم أن تسمعوا وتعملوا على تحقيق مطالبهم واحتياجاتهم العادلة والمحقة، والتي ينص عليها القانون الدولي الإنساني وخاصة اتفاقية جنيف الرابعة.
تتنوع وتتعدد احتياجات ومتطلبات الأسرى بهدف تحسين ظروف اعتقالهم، دون أن تزيح أعينهم عن هدف الحرية، حريتهم من السجن، وحرية فلسطين الذين ضحوا بحريتهم الشخصية من أجلها ولها.
ولكن تبقى مسألة الأسرى المرضى التي يجب العمل على توفير الحلول العاجلة لها، من خلال:
1. نقل مسؤولية الملف الطبي للأسرى من إدارة السجون إلى وزارة الصحة الصهيونية. وتجدر الإشارة إلى أن أطباء عيادات السجون لا يتبعون إلى وزارة الصحة ونقابة الأطباء وإنما يتم تشغيلهم من خلال مكتب تقديم خدمات.
2. استرداد جثامين الأسرى الشهداء الذين ارتقو داخل السجون والمعتقلات.
3. السماح بإدخال لجان طبية متخصصة في كافة المجالات وتسهيل إجراءات إدخال أطباء متخصصين إلى السجون، خاصة إدخال طبيبة نسائية فلسطينية بشكل دوري للأسيرات.
4. العمل الفوري على تسهيل وتذليل العقبات التي تضعها إدارة السجون أمام إجراء العمليات الجراحية للأسرى وعدم ربطها بالدور وقائمة الانتظار، على أن يتم نقل الأسرى في وسيلة نقل ملائمة صحياً وطبيًا ومباشرة من السجن إلى المستشفى وبالعكس.
5. تطوير العيادات الطبية في السجون لترتقي إلى الحد الأدنى من اسمها خاصة لاستقبال الحالات الطارئة وتوفير أطباء مناوبيين في كل سجن وعلى مدار الساعة، بما يشمل توفير كافة المستلزمات الطبية والأدوية في السلة الدوائية لإدارة السجون وتوفير نظام غذائي صحي ملائم لكل حالة مرضية.
6. السماح بزراعة الأعضاء للأسرى الذين ينتظرون منذ سنوات مثل زراعة الكلى والقرنية والأطراف الصناعية وزراعة الأسنان وتسهيل التحويلات الخارجية لإجراء الصور مثل (CT,MRI) وغيرها من الصور الشعاعية، خاصة للأسرى الذين يعانون من أوجاع مزمنة في الرأس والظهر والصدر.
7. ايقاف أجهزة التشويش المؤذية بحجة التشويش على الأجهزة الخليوية المهربة، ومن الجدير بالذكر أن الأسرى يقومون بتهريب الأجهزة الخليوية بسبب حرمانهم من حقهم في الاتصال الهاتفي بعائلاتهم.
8. تطبيق القانون الإسرائيلي نفسه على الأسرى الفلسطينيين، والذي ينص على إجراءات إطلاق السراح المبكر والاكتفاء بثلثي مدة الحكم للأسرى المرضى وإطلاق سراح الحالات المرضية الخطرة فوراً.
9. إجراء الفحوصات الطبية الشاملة بشكل دوري للأسرى بصرف النظر عن أعمارهم وسنوات أسرهم.
10. تحسين الشروط الحياتية والطبية لمستشفى سجن الرملة وإعادة فتح القسم القديم لأنه أفضل نسبيا من القسم الحالي.
11. ايقاف الشروط والإجراءات الأمنية القاسية المتعلقة بنقل الأسرى المرضى للمشافي الخارجية من حيث تقييد الأيدي والأرجل بالكلبشات، ووقف نقلهم ببوسطة نقل الأسرى، وإنهاء الانتظار في المعابر.
12. تقديم شكاوى أمام المحكمة الجنائية الدولية بهدف محاكمة الاحتلال وإدارة السجون عن إلحاق الأذى الجسدي بالاسرى وعدم تقديم العلاج اللازم لهم.
وفي نهاية هذا المقال أقول أن للأسرى رؤيتهم في الدفاع عن أنفسهم وذواتهم، ولكن تبقى قضية الأسرى قضية حرية، ذات أبعاد وطنية وسياسية، وقبل ذلك إنسانية، ودعوني أستدعي قولاً شعرياً للشاعر الفلسطيني الراحل تحرير البرغوثي الذي أمضى في الأسر خمسة عشر عامًا، حيث يقول: ويل لأمتنا... ويل لقيادة ثورتنا سحقًا لمن عرفوا الأسرى وما سألوا.

أضف تعليق