03 آيار 2024 الساعة 18:52

الاعتقال الإداري بين القانون الدولي والممارسات الإسرائيلية

2022-07-14 عدد القراءات : 829
بدايةً، الاعتقال الإداري بحكم تعريفه هو اعتقال شخص ما دون توجيه تهمة معينة أو لائحة اتهام بحقه، ويجري الاعتقال الإداري دون محاكمة بدعوى أن الشخص المُعتقل يعزم في المستقبل الإقدام على فعل مخالف للقانون دون أن يكون قد ارتكب بعد أية مخالفة، بحيث يكون بناءً على ملفات سرية استخبارية أو بسبب عدم وجود أو نقص الأدلة ضد شخص ما.
ويجري الاعتقال الإداري استناداً إلى أمر يصدره قائد المنطقة وباعتماد أدلة وبيانات سرية – لا يطلع عليها حتى المُعتقل نفسه – وهذا الإجراء يجعل المُعتقل في وضع لا يُحتمل إذ يقف عاجزاً في مواجهة ادعاءات لا يعرفها، وبالتالي، لا يملك طريقة لتفنيدها ودحضها بلا لائحة اتهام ولا محاكمة ودون إدانة ودون أن يعرف متى سيتم إطلاق سراحه، ولأن الحديث يجري عما يبدو كخطوة وقائية فإنه لا يوجد وقت محدد لفترة الاعتقال الإداري.
وقد برز الاعتقال الإداري بشكل خاص في الأراضي الفلسطينية, حيث مارسه الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين الذين لم يثبت ضدهم مخالفات معينة، بحيث أنه إذا وجد ضابط المخابرات أنك تشكل خطراً على أمن المنطقة فيستطيع أن يحولك للاعتقال الإداري دون إبداء أية أسباب تُبرر ذلك.
وطبقاً للقانون الدولي؛ فإن مثل هذا الاعتقال يمكن أن يكون قانونياً في ظروف معينة، لكن بسبب المس البالغ بالحقوق في الإجراء القضائي العادل وعلى ضوء الخطر الواضح من الاستغلال السيء لهذه الوسيلة، فقد وضع القانون الدولي قيوداً صارمة بخصوص تطبيق الاعتقال الإداري، ويكون ذلك – فقط في حالات استثنائية جداً – كوسيلة أخيرة تهدف إلى منع خطر لا يمكن احباطه بوسائل أخرى.
حيث يجيز القانون الدولي لسلطة الاحتلال ممارسة الاعتقال الإداري بحق مواطني الدولة المحتلة إذا كان المُعتقل يشكل خطراً واضحاً وحقيقياً على أمن الدولة، وعدم توافر أدلة دامغة على التهمة الموجهة إليه, ويُمارس كتدابير فردية، ولا يحق لدولة الاحتلال ممارسته كعقاب جماعي.
غير أن دولة الاحتلال الإسرائيلي تستغل هذا الاعتقال لقمع الشعب الفلسطيني ومنعه من نيل حقه المشروع في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، فمع تصاعد وتيرة الأوضاع السياسية قامت إسرائيل باعتقال آلاف الفلسطينيين لفترات طويلة دون توجيه تهمة أو محاكمة عادلة، وإن الطريقة التي تستعمل بها إسرائيل الاعتقال الإداري تتناقض بصورة فظة مع الضوابط والقيود والضمانات التي وضعها القانون الدولي، حيث يتم القيام بالاعتقال الإداري في إسرائيل تحت غطاء كبير من السرية بحيث لا يتيح للمعتقلين أن يرتبوا لأنفسهم دفاعاً لائقاً، حيث تُطبق إسرائيل الاعتقال الإداري بما يخالف أحكام وقواعد القانون الدولي، مما يجعل منه جريمة دولية – تُرتب المسؤولية الجنائية والمدنية على عاتق إسرائيل وجنودها وسجانيها وقادتها السياسيين والعسكريين – وتُشكل أساساً لملاحقتهم أمام القضاء الدولي, وتعويض المعتقلين عما لحقهم من أضرار مادية ومعنوية.
وقد احتفطت إسرائيل – على مدار السنوات –  بآلاف الفلسطينيين المعتقلين إدارياً بصورة مستمرة دون تقديمهم للمحاكمة ودون الافصاح لهم عن التُهم الموجه لهم ودون السماح لهم أو لمحاميهم من معاينة المواد الخاصة بالأدلة، ضاربة بعرض الحائط كافة ضمانات الحق في الحرية والمحاكمة العادلة والعلنية والحق في الدفاع والحق في البراءة.
حيث يتم محاكمة الفلسطينيين في محاكم عسكرية اسرائيلية لا تراعي أصول المحاكمة العادلة المنصوص عليها قانونياً ودولياً والتي تحفظ لهم الحق في المساواة أمام القانون، والمثول أمام محكمة مختصة ومستقلة وحيادية ومنشأة بحكم القانون.
ونظراً لأن الاعتقال الإداري يتم دون محاكمة فعلية؛ فتكون مراجعة ملفات الاعتقال الإداري في محكمة رقابة قضائية من قبل قاضٍ عسكري وليس لجنــة, حيث تقع جلسات مراجعة الاعتقال الإداري تحت مصنف الجلسات السرية غير العلنية أي المغلقة والتي لا يُسمح للجمهور أو لأفراد عائلة المُعتقل حضورها، وتتكون الجلسات من المحامي, والمعتقل, والقاضي، والمدعي العسكري، وممثلو المخابرات في بعض الأحيان، مما يشكل حرماناً للمُعتقل من حقه في الحصول على المحاكمة العادلة والعلنية، حيث تكفل  المادة (14 فـ 1) من (العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية) الحق في المحاكمة العلنية، باعتبار ذلك عنصراً أساسياً من عناصر المحاكمة العادلة، ويجب أن تكون القاعدة هي إجراء المحاكمة شفوياً وعلنياً، ويجب أن تعلن المحكمة – أياً كان نوعها – المعلومات الخاصة بوقت إجراء المحاكمة ومكانها، ويجوز منع الجمهور وأجهزة الإعلام من حضور جانب من المحاكمة أو من حضورها كلها, ولكن ذلك يقتصر على ظروف استثنائية – كأن يكون الإعلان عن بعض المعلومات الخاصة بالقضية مصدر خطر حقيقي على أمن الدولة – ولأسباب محددة، على نحو ما نصت عليه المادة المذكور أعلاه.
ومن أهم المبادئ التي تحكم الاعتقال الإداري؛ وجوب إنهاء حالة الاعتقال بزوال أسبابها، ففي اللحظة التي لم يعد الشخص المُعتقل يشكل خطراً على أمن الدولة يجب إطلاق سراحه فوراً, وليس كما تتبعه دولة الاحتلال بحيث يكون لأجل غير مسمى, حيث يصل حكم المعتقلين إلى عدة سنوات على أساس الاعتقال الإداري.
ولم تكتفِ إسرائيل باعتقال المئات من المدنيين الفلسطينيين إدارياً دون توجيه تهمة أو محاكمة عادلة،  بل تسعى لتجديد اعتقالهم الإداري بشكل متواصل ولمرات عديدة دون أن يعلم المُعتقل تاريخ الإفراج عنه، حيث يصدر  أمراً بتجديد الاعتقال الإداري للمُعتقل قبل أيام قليلة من موعد الإفراج عنه، أو في ذات اليوم المقرر فيه الإفراج عنه، وسبق أن اتبعت دولة الاحتلال سياسة الإفراج عن المُعتقل بعد انتهاء أمر الاعتقال الصادر بحقه ثم أصدرت أمر اعتقال آخر وهو على باب السجن ليعاد اعتقاله وزجه في المعتقل بعد دقائق من الإفراج عنه.
وإن هناك ضمانات موضوعية وإجرائية لمشروعية الاعتقال الإداري يجب على دولة الإحتلال أن تلتزم بها، أهمهـــا:
1.    حق المُعتقل في معرفة أسباب الاعتقال بشكل تفصيلي, حتى يتمكن من الطعن في مشروعية ذلك إذا ما اعتقد أنه لا أساس للقبض عليه أو احتجازه، وكذلك لا يجوز إصدار حكم أو تنفيذه بحق شخص متهم بأي جريمة تتعلق بالنزاع المسلح إلا بناءً على حكم صادر من محكمة محايدة ومشكلة وفقاً للأصول القانونية, وهذا ما لا يتوافر في المحاكم الإسرائيلية التي يَمثل أمامها المعتقلين الفلسطينيين، وقد جاء ما يؤكد هذا الحق في نص المادة (9 فـ 1) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
2.    حق الطعن في قرار الاحتجاز في أقل وقت ممكن أمام جهة مستقلة، حيث يوفر هذا الحق الضمانات للحق في الحرية وحق الشخص في الأمان على نفسه، كما يوفر الحماية من ضروب المعاملة القاسية واللاانسانية, وقد ورد هذا الحق في المادة (43) من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949.
3.    تمكين المُعتقل إدارياً وممثله القانوني (محاميه) من حضور الدعوى شخصياً, حيث أنه من حق كل شخص يُتهم بارتكاب فعل جنائي أن يحاكم حضورياً حتى يسمع مرافعة الإدعاء ويفند دعواه ويدافع عن نفسه، وله حق الاستعانة بمحامٍ في مراحل الدعوى جميعها، فلا يجوز استبقاء شخص محتجز دون أن تتاح له فرصة حقيقية للإدلاء بأقواله وللدفاع عن نفسه أو أن يحصل على مساعدة محامٍ بالطريقة التي حددها القانون، لذا يتعين تمكين المُعتقل إدارياً ومحاميه من حضور المحاكمة حتى يتمكن من عرض موقفه والاعتراض على التُهم الموجه إليه.
وبناءً على ما سبق, فإن الاعتقال الإداري الذي تنتهجه دولة الاحتلال في مواجهة المدنيين الفلسطينيين يتنافى مع الضوابط الموضوعية الإجرائية الواجبة لمشروعيته وفقاً لأحكام القانون الدولي.
وهنا السؤال الذي يطرح نفسه, هل يبقى الحبل على الغارب لدولة الاحتلال بممارسة الاعتقال الإداري، وتكميم أفواه أبناء الشعب الفلسطيني وقمعهم؟! ألا يرتب ذلك على إسرائيل مسؤولية دولية جراء مخالفة أحكام القانون الدولي؟ّ
ومن هنا، نناشد المعتقلين الإداريين إلى مقاطعة المحاكم الإسرائيلية لعدم شرعية الاعتقال وعدم شرعية هذه المحاكم، وندعو أبناء الشعب الفلسطيني ومؤسسات المجتمع المدني إلى تكثيف جهودهم في فضح سياسة دولة الاحتلال في الاعتقال الإداري وجرائمها ضد الأسرى والمعتقلين، وندعو الأطراف السامية المتعاقدة على اتفاقيات جنيف الأربع إلى عقد مؤتمر دولي لإجبار دولة الاحتلال على الالتزام بأحكام القانون الدولي وخاصة اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 الخاصة بحماية المدنيين ووقف سياسة الاعتقال الإداري وبطش الاحتلال ضد الأسرى والمعتقلين، كما وندعو فصائل المقاومة الفلسطينية إلى حمل السلاح في مواجهة الاحتلال وخطف جنوده – وهذا حق مشروع للشعوب المحتلة – لإجباره على إطلاق سراح الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين وإنهاء احتلاله للأراضي الفلسطينية، وختاماً ندعو المجتمع الدولي إلى عدم الخلط بين المقاومة والأعمال الإرهابية وعدم الانجرار وراء ما تسوق له دولة الاحتلال وحلفائها من الدول الاستعمارية. ■

أضف تعليق