06 آيار 2024 الساعة 15:18

موجة وراء موجة

2022-03-17 عدد القراءات : 310
نعيش موجة غلاء أسعار، هكذا نصف الوضع الاقتصادي العالمي والعام والمحيط بنا، في كل مكان وعلى جميع الأصعدة تكتشف ارتفاع الأسعار وزيادتها بسبب الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وربما يتساءل البسطاء عن علاقة الأسعار في فلسطين مثلاً بما يحدث خارجها، ودون الدخول في شروحات اقتصادية طويلة تكتشف من خلالها قدر اعتمادنا على الاستيراد أكثر مما تتخيل وتتوقع، ولكن لا يعني ذلك هذا الارتفاع المتسارع والمتلاحق لأسعار الكثير من ضروريات الحياة.
تكتشف أن التجار رغم التحذيرات من قبل الحكومة قد رفعوا الأسعار وخاصة للمواد الغذائية الأساسية، وتكتشف أن البؤس يتضاعف حولك وشكاوى المواطنين لا تتوقف، ويمتلئ قلبك حزناً وأسى على نفسك وعلى الآخرين، فأنت حزين على نفسك لأنك تمر بحالة استنزاف لآخر قرش بل وأصبحت تقترض حتى تكمل شهرك أكثر من باقي الشهور السابقة، ولكنك مضطر وبالكاد تستطيع أن ترتق وضع بيتك ومتطلباته، وتتساءل في عجب واستغراب كيف يتدبر من لا يملك مصدراً للرزق حاله وحياته؟
كتبت لي ناشطة اجتماعية عبر موقع الفيس بوك أنها تستغرب من حالات الزواج والإنجاب المتسارعة والمتزايدة في غزة على الرغم مما تسمعه عن الوضع المتردي مثلاً وأكثر من أي بقعة جغرافية حولها، ولكنها تستغرب أن الناس في غزة لا يتوقفون عن ضخ المزيد من العوائل الصغيرة الناشئة وزيادة الأطفال في كل بيت من باب أن الطفل "بيجي رزقه معه".
استغربت السيدة الفاضلة ما تسمعه وتقرؤه، ولكنها لم تعش الواقع مثلي لأني أكاد أصعق من ضيق أفق الناس وقلة تحسبهم وخطأ حساباتهم، مثلما كان يحدث في مرحلة ما بعد النكبة وحيث كان الأهالي يقبلون على تزويج أولادهم في سن صغيرة أملا في أن تزداد مخصصات "الأونروا" كيس طحين، وكأن الإنسان لا يحيا إلا بكيس الطحين، ورغم أن الحياة في ذلك الوقت وحتى سنوات متتالية بعده كانت بسيطة ولا توجد متطلبات كثيرة على الأسر، ولم تكن هناك زيادة كبيرة في السكان مثلما يحدث اليوم، بحيث أن هناك زيادة تقترب من ربع مليون نسمة جديد تضاف لمليوني نسمة في قطاع غزة وخلال عامين فقط، ما يوحي بأن القطاع على وشك أن ينفجر، فالمساحة محدودة والاقتصاد متهالك ولكن السكان يزدادون بصورة مخيفة ولا يتوقفون عن التخطيط أبداً لطفل قادم والأفضل أن يكون ذكراً، ولو أنجبت العائلة عشر بنات فهي لن تتوقف حتى يأتي الذكر.
عندما تستمع لشكوى الوضع الاقتصادي السيئ وارتفاع الأسعار فأنت لا تسمع أحداً سواء زوج أو زوجة يلمحان عن نيتهما وقف الإنجاب، ولا يغيران من طريقة تفكيرهما، فهناك من لا يملك قوت يومه ولكنه يلح على زوجته لكي تتوقف عن استخدام وسيلة منع الحمل لكي تحمل وتلد له ولداً، فلديه ابنتان وهو يعتبر نفسه كأنه لم ينجب، ولا يفكر لو لحظة من أين سوف ينفق على هذا المخلوق الذي يخطط لقدومه بمنتهى السهولة، ويهدد زوجته بالطلاق إن لم تفعل، ويردد المقولة نفسها بأن رزقه سوف يأتي معه، ولكنه لا يمانع أن تذهب ابنته الصغيرة إلى المدرسة بحذاء ممزق، ولا يعترض على سقف بيته كثير الثقوب والذي يتساقط منه ماء المطر ليبلل فراش العائلة بأكملها، ولا يفكر بالمستقبل القادم ولا يرى من الأساس شحوب وجه زوجته وطفلتيه.
للأسف والموجع والمؤلم أن الجيل الجديد القليل الحظ لم يغير طريقة تفكيره ولو لدرجة واحدة  عن التباهي بكثرة الإنجاب أو الرغبة بإنجاب الذكور، وها هو يرث طريقة تفكير الآباء والأجداد الذين رحلوا أو يعانون من الشيخوخة وأمراضها ولم يورثوهم سوى الفقر وضيق الحال.
الوقفة التي يجب أن يقفها كل إنسان أمام نفسه خلال هذا الوضع هي أن يعرف أن القادم لن يكون أفضل حالاً ولو على المدى القصير، ولا بد من حملات توعية تنطلق في كل حي لتوعية الزوجات الصغيرات الشابات بضرورة الحد من الإنجاب، وضرورة التفكير بتوفير حياة كريمة لطفل واحد أفضل من توفير ملابس رثة وأحذية ممزقة والحلم بسلع مرتفعة الأسعار يراها الطفل ولا يستطيع أن يلمسها.

أضف تعليق