11 تشرين الأول 2024 الساعة 14:53

القنصلية الأميركية في القدس... والتجرية الفلسطينية مع محكمة العدل الدولية

2021-06-02 عدد القراءات : 724
بيروت (الاتجاه الديمقراطي)
أعلن وزير الخارجية الأمريكي «أنتوني بلينكن» عزم بلاده إعادة فتح القنصلية الأمريكية العامة في القدس، وإعتبرها خطوة تعيد العلاقات مع الفلسطينيين التي خفضتها إدارة الرئيس السابق »دونالد ترامب»، وفي ظلّ ترحيب عربي، هناك معارضة شديدة من دولة الإحتلال الإسرائيلية، على الرغم من وجود السفارة الأميركية في القدس، ما يطرح علينا سؤال، ما هو الفرق بين السفارة والقنصلية، وما هي الخلفيات القانونية لهذا القرار؟
وعلى ضوء ذلك، قالت الدائرة القانونية في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، إن «قرار فتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية، لا يعني بذلك إعتراف الولايات المتحدة الأميركية بالقدس الشرقية عاصمة لفلسطين، كما هو حال السفارة الأميركية بالقدس الغربية، فالقنصلية بالقانون الدولي تكون تابعة للسفارة، حيث يمكن أن تتعدد القنصليات داخل البلد الواحد، وفق مهمات مختلفة، في حين ينحصر عدد السفارات، بسفارة واحدة للدولة فقط لاغير، ومن حيث الدور، فإن السفارة دورها أكبر وأهم من حيث الدور السياسي والقانوني من القنصلية».
 وأوضحت الدائرة «خلال حرب 1948، التي إستمرت من أيلول 1947 إلى كانون الثاني 1949، إنتهكت إسرائيل قرار 181، وبناء على إتفاق الهدنة في 3 نيسان 1949، تم تقسيم القدس إلى القدس الشرقية والقدس الغربية، وفي 9 كانون الاول 1949، إتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرار 303(د-4) وضع القدس تحت مظلة الأمم المتحدة التي تقر بنشوء مدينة القدس تحت نظام دولي خاص بإدارة الأمم المتحدة» .
وبينت أنه «في حزيران 1967، إحتلت إسرائيل قطاع غزة والضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية، بعد ذلك إتخذت إسرائيل عددا من التدابير غير القانونية لتوسيع نطاق إختصاصها على مدينة القدس، وإستغلت التشريعات القانونية المحلية لتغيير الوضع القانوني للمنطقة بأكملها في مدينة المقدس. وبناء على ذلك عقدت الجمعية العامة للامم المتحدة في 4 تموز 1967، وأبدت حالة الطوارئ الخامسة بعقد جلسة استثنائية اعتمدت من خلالها قرار 2253(ES-V) التدابير المتخذة من قبل إسرائيل لتغيير الوضع القانوني لمدينة المقدس، وبعد إصدار هذا القرار شعرت الجمعية العامة للأمم المتحدة بقلق عميق لما يجري في القدس» .
وأكد مجلس الأمن والجمعية العامة على عدم جواز الإستيلاء بالقوة وإنسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي المحتلة، وفي 21  أيار 1968 إتخذ مجلس الأمن القرار 252 الذي ينص على أن مصادرة الأراضي والممتلكات التي تميل إلى تغيير الوضع القانوني للقدس، غير قانونية، ويجب إبطالها، وحافظ مجلس الأمن على هذا القرار في قرار 267 المؤرخ في 3 تموز 1969، و271 المؤرخ في 15 أيلول 1969، و298 المؤرخ في 25 أيلول 1971.
وفي 1980، إتخذ مجلس الأمن قرارين مهمين بعد إعتماد إسرائيل القانون الأساسي، الذي يعلن أن القدس العاصمة الموحدة لإسرائيل، وهما قرار 476 الذي ينص على عدم صلاحية إسرائيل بإتخاذ أي قرارات لتغيير الوضع القانوني للقدس، وأن إسرائيل قامت بإنتهاك إتفاقية جنيف الرابعة، التي تنص على حماية المدنيين في وقت الحرب، ووضعت عراقيل لأي إتفاقية سلام قد تنشأ في الشرق الاوسط، كما كرر أن جميع هذه التدابير قد غيرت الشخصية التاريخية والديمغرافية والجغرافية لمدينة القدس، ويجب إلغاءها وفقاً لقرارات مجلس الأمن.
وإستنادا إلى قرار 478، أشار مجلس الأمن أن إسرائيل لم تلتزم بقرار 476(1980) الذي يدعو إلى عدم الإعتراف بالقوانين المحلية الإسرائيلية، الساعية لتغيير وضع القدس وسحب جميع البعثات الدبلوماسية من القدس كونها مدينة مقدسة، وتجدر الاشارة أن كل الدول التي انشأت سفاراتها بالقدس، قررت نقلها الى مكان آخر إمتثالا لقرار مجلس الامن، حيث أعلنت "تشيلي" و"إكوادور" و"فنزويلا"  بإنتقال بعثتهم الدبلوماسية من القدس، وفي وقت إتخاذ القرار الذي يتراوح بين 22 آب و9 أيلول، قامت "بوليفيا"، "كولومبيا"، "كوستاريكا"،الجمهورية "الدومينيكية"، "السلفادور"، "غواتيمالا"، "هايتي"، "هولندا"، "بنما"، و"أورغواي" بإبلاغ سحب سفاراتهم من القدس.
وفي 6 كانون الاول 2017 أعلن الرئيس الاميركي دونالد ترامب، ومن جانب واحد، أن مدينة القدس الموحدة عاصمة لإسرائيل، ونقل سفارته من "تل أبيب" الى القدس، وفي 18 كانون الأول 2018، أعلن حق النقض في الولايات المتحدة الاميركية لأطراف النزاع فقط، وبعد فشل مجلس الأمن في الإضطلاع على مسؤوليته نيابة عن الدول الأعضاء للحفاظ على السلام والأمن الدوليين، بالقرار الذي إنعقد بجلسة استثنائية ES-10/19، وفي 14 أيار 2018، إفتتحت الولايات المتحدة الأميركية سفارتها في القدس على الرغم من قرار 478(1980).
على إثر ذلك أقدمت السلطة الفلسطينية، بتاريخ 28 أيلول 2018، بتقديم شكوى ضد الولايات المتحدة الأميركية لنقل سفارتها إلى القدس، وذلك عقب الإعتراف بفلسطين كدولة غير كاملة العضوية في الأمم المتحدة عام 2012، وبعد إنضمامها إلى إتفاقية فيينا في 2 نيسان 2014، والبروتوكول الإختياري لإتفاقية فيينا في 22 آذار 2018، وفي 4 تموز 2018، ووفقا لقرار مجلس الأمن، إعترفت فلسطين بإختصاص محكمة العدل الدولية، وأصبح بإمكانها رفع شكوى بموجب المادة الأولى والثانية من بروتوكول فيينا، وتقديم شكوى إلى محكمة العدل الدولية، ما جعل الولايات المتحدة الأميركية تنسحب من البروتوكول الإختياري.
وبعد إنسحاب الولايات المتحدة من العديد من الإتفاقيات الدولية، وتحديدا من البروتوكول الإختياري لإتفاقية فيينا، تجمدت الشكوى بشكل كبير في محكمة العدل الدولية، ولكن ذلك لا يمنع المحكمة من مباشرة إختصاصها ومهامها، كون الشكوى تدخل في المدة الزمنية، أي قبل إنسحاب الولايات المتحدة الأميركية من الإتفاقية، وفي ذات المدة الزمنية التي نقلت سفارتها إلى القدس.  
تحاول اليوم الولايات المتحدة الأميركية بإدارة جو بايدن ترميم العلاقات مع السلطة الفلسطينية، التي أفسدها الرئيس السابق  ترامب، وتحاول إرضاء السلطة الفلسطينية بالقنصلية الأميركية بهدف سحب الشكوى أمام محكمة العدل الدولية، ولكن إن أقدمت السلطة الفلسطينية على ذلك، فلا يحق لها أن تقدم أي شكوى أخرى في محكمة العدل الدولية، ما يزيد الأمر تعقيدا.
فقد تم توجيه ثلاثة طلبات إلى محكمة العدل الدولية تتعلق بالقضية الفلسطينية، الأولى كانت بسبب النزاع السياسي بين الولايات المتحدة الأميركية ومنظمة التحرير الفلسطينية، تطور هذا النزاع إلى نزاع قانوني، أجبر الولايات المتحدة الأميركية تنفيذ القانون، وذلك عندما أبلغ الممثل الأميركي الدائم الأمين العام للأمم المتحدة في 13/10/1987، بأن لدى الإدارة الأميركية نية إغلاق مكتب بعثة منظمة التحرير الفلسطينية الموجودة في مقر الأمم المتحدة، وأكد الأمين العام للأمم المتحدة في تقريره أمام الجمعية العامة بتاريخ 12/10/1987، بوجوب سماح الولايات المتحدة الأميركية لموظفي البعثات الدبلوماسية بدخول الولايات المتحدة الأميركية، والسماح لهم بتأدية وظائفهم، جاء الرد الأميركي سلبيا، فطلبت الجمعية العامة بموجب المادة 96 من ميثاق الأمم المتحدة، والمادة 65 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، رأيا إستشاريا من محكمة العدل الدولية، ولكن محكمة العدل الدولية أصدرت رأيها الإستشاري بتاريخ 26/06/1988، وأكدت بموجبه أن الولايات المتحدة الأميركية ملزمة بتطبيق القانون، وحكمت لصالح منظمة التحرير الفلسطينية المتمثلة بالجمعية العامة للأمم المتحدة.
أما الشكوى الثانية فتمثلت بقضية الجدار العازل عام 2004، حيث أصدرت محكمة العدل الدولية في 9/7/2004، رأيها الاستشاري غير الملزم بشأن الجدار وإعتبرته غير شرعي ومخالف للقانون الدولي، وطالبت إسرائيل بتعويض المتضررين الفلسطينيين، وقد إتخذ قرار اختصاص المحكمة بالاجماع، بينما 14 صوتا مع قرار إدانة إسرائيل بشأن الجدار، مقابل صوت واحد ضد وهو صوت القاضي الاميركي بوير جنتال.
أما الشكوى الثالثة وهي قضية نقل السفارة الأميركية إلى القدس، والتي يجب على السلطة الفلسطينية أن تكمل بها حتى النهاية، كون قرارها سيكون ملزما للطرفين، وليس إستشاريا،  وأن لا تنساق إلى وعود أميركية، لأن القنصلية ليست حلا، وليست إعترافا بالقدس الشرقية عاصمة لفلسطين، كما بينا سابقا.

أضف تعليق