28 آذار 2024 الساعة 15:44

دقائقٌ تُنعِشُ قلوباً توّاقة لِلِقاء

2020-12-30 عدد القراءات : 781
بِـلَوعَةٍ محمومة الأطراف وشوقٌ يعتريهِ لهفة منقادة يلتقي أسرى المؤبدات ذويهم الذين حُرِموا لقائهم لأيام طويلة، من وراء عازل زجاجي لعين وسماعةٍ زائفة صنعها أولئك الذئاب خصيصاً لِتَخنُق ملامح ترانيم اللهفة والاشتياق، حتى حشرجة الصوت والغصّة التي تعتلي حناجرهم من لوعة الغياب، تقتلها لعنة السماعة المُشوّشة.
ذاك العازل الضبابي ليس مجرد قطعة زجاجٍ كما يتراءى لنا فَقَد أدمى قلوب كثيرة مَلهوفة أنهَكها شبح الحنين وظُلمة لياليه، يشبه القفص الذي يأسر بِقسوته تلك المشاعر الجياشة وحلو اللقاء بعد غيابٍ طويل، ويقتَصّ بِجَبروته أجنحة ذاك الحب الذي يملأ صدورهم حارِمَهُ لذة التحليق عالياً، متراقصاً، مُطوّقاً قلوب وأجساد الأحبة الذين يلتقون من وراء القضبان، لِتشتعل نيران الشوق شوقاً وقت اللقاء، فأين لذة اللقاء إذاً إن كان المشتاق لا يُمَتّع نظره برؤية قَريره!
ما نفع اللقاء إن لم تنطق حَواسهم بِلهفتها لهذا الغائب وتُبرِدها بِغَمرة، علّ تلك الغمرة تُواسيه في لياليه الظّلماء، علَّها تؤنِس وحدَته المُوحشة، مُهدّئة من روعِ ذاك الشوق المُتأجّج في صدره بين الفَينة والأخرى، عَلّها تُنبِت بُستان زهرٍ في صدره فـَتَبعث آمالاً وَأَدَتها ظُلمة السجن وقسوة الجلاد.
ورغماً عن تلك العقبات التي تسحق لذة اللُّقيا، لا زال التوقُ لِقرير القلب منقاداً ولم تُطفئهُ لسعات برد الحنين والانتظار الذي أدمى أفئدتهم، غير آبهين بما ينتهِجه الاحتلال من أساليب تُكدّر صَفوَهم، وتعتصِر أرواحهم قهراً وحسرةً، فدقائق اللقاء الشحيحة كفيلة بأن تودي عمراً من الحرمان.
تُرى ما ضرَّ الجلاد لو سمح لزوجاتهم بتأمل ملامحهم عن كَثَب، مُتَمعِّنات بالابتسامة التي تعتلي محياهم وسعادة اللُّقيا تغمُرهم؟
ما ضرّه لو أتاح لهن تَلَمُّس شعر رأس أزواجهن الذي أُضرِمَ فيه شيب غربة الأيام الموحشة؟ ما ضرّه لو تركهن يتأملن الحكايات التي رسمتها الأيام بين ثنايا التجاعيد وشيب اللّحى.
ما الضير من معانقتهن أزواجهن بين أيديهن كَالأُم التي ضلّ عنها طفلها وعثرت عليه بعد المشيب، لتقحم الابتسامة دموع التّوق لامعةً بعينيهما مثلما البرقُ في رمادية الشتاء؟!.
ما الضّير لو تركهن يلقين بثقل رؤوسهن المنهكة المُتعبة من ضجيج الحياة على صدور سند أيامهن الغائب، ويتَنَفّسنَ عبق رائحتهم التي سرقها الاحتلال من أركان حياتِهن عنوة، فيَسرُدنَ عليهم حجم قسوة الحياة وهول المعاناة أثناء تأديتهن دور الأم والأب على حد سواء؟
ما ضرّ السّجان لو ترك أسرى المؤبدات يقصون على زوجاتهم حكآياهم، وويلات الحنين حين تقحم كيانهم، لوعاتهم، وزمهريرية شوقهم، عشقهم، وكل ما يُثقِل صدورهم ويُخفونه عن العالمين؟!
ما ضرّ الجلاد لو أباح لهم النظر في أعين رفيقات أيامهم وهي تبرق فرحاً كنجمتين في سماءٍ مُقفَرة، مُنصِتين، مُعانقين نبرة أصواتهن بثنايا وجدانهم لتختزنها ذاكرة قلوبهم قبل عقولهم مُهَوِّنة عليهم سائر أيام غُربة السجن الموحشة! ...

أضف تعليق