03 كانون الأول 2024 الساعة 14:49

مجزرة دير ياسين .. دحض الرواية الصهيونية

2020-04-10 عدد القراءات : 1071
لا تزال مجزرة دير ياسين التي وقعت في التاسع من شهر نيسان/ إبريل 1948 تشكل ركنًا رئيسيًا في الرواية الفلسطينية لأحداث النكبة في العام ذاته. وبالرغم من كل محاولات المؤرخين الاسرائيليين والصهيونيين ومؤيديهم في أنحاء العالم من محوها وطمسها، فإنها تعود إلى الواجهة من جديد وبقوة أكبر من قبل.
ويأتي مقالي أو مداخلتي على إثر نشر موقع «قناة 7» الاستيطاني («عروتس 7») في 26 آذار/ مارس الماضي مقالا لمناحيم راهاط بعنوان «72 عامًا على فرية دير ياسين»، ولا بد لي من التعقيب عليه لما يحتويه من مغالطات تاريخية وأخلاقية وسردية.
ولكن لا بد أولاً من التنويه إلى أن هذا الموقع الإلكتروني هو للتيارات الصهيونية الدينية اليمينية. وتأسس في مستعمرة بيت إيل في الضفة الغربية المحتلة العام 1998، ومؤسسوه من المستوطنين المستعمرين المتطرفين جدًا.
وثانيًا، بالنسبة لكاتب المقال، مناحيم راهاط، فهو من مواليد تل أبيب ودرس في جامعة حيفا. وعمل مراسلا لصحيفة «معاريف» المسائية حتى خروجه إلى التقاعد في 2006. ووضع كتابا عن حزب «شاس» للمتدينين الشرقيين، ومعروف عنه ميوله اليمينية المتطرفة، ورفضه قبول آراء منفتحة ومتجددة ومغايرة، وتميل كتاباته إلى التحريض.
وثالثًا، علينا قبل تفنيد مزاعمه الغوص في بعض التعريفات العامة. فالمقال لا يجدد شيئًا بالنسبة لموضوع مناقشة الرواية سواء الفلسطينية أو الإسرائيلية. يكرر راهاط الأساليب المتبعة ذاتها، فيعتمد على قاعدة «الإنكار». إسرائيل والرواية الرسمية في مقدمتها تنكر حصول النكبة، وتنكر مسؤوليتها عنها، وكذلك فإنها تنكر حصول المجازر ولا تعترف بوقوعها أصلا. كلنا يتذكر ما حصل مع مجزرة الطنطورة، حيث أن المجرمين الذين شاركوا في المجزرة ساقوا الباحث تيديكاتس إلى المحكمة، لينكر ما توصل إليه من نتائج عن وقوع المجزرة.
ورابعًا، اتهام كل من يعارض ويعترض على الرواية الصهيو ـ إسرائيلية بأنه «لاسامي»، أي عدو للشعب الإسرائيلي واليهودي. تهمة من السهل ترويجها وإلصاقها بمن تريد الصهيونية وإسرائيل إسقاطه عالميا.
ثم خامسًا، أن آلة «تبييض وتلميع» التاريخ الإسرائيلي والصهيونية لا تزال تعمل بقوة، من أجل تبييض وتلميع صورة إسرائيل وأنسنتها. وهذا الإنكار يلقي باللائمة والمسؤولية على الضحية. الضحية هنا هو الشعب الفلسطيني.
وتُلقي الرواية الاسرائيلية بالمسؤولية الكاملة على قيادات الشعب الفلسطيني وعلى الزعماء العرب، الذين يتحملون كامل المسؤولية عما حصل للشعب العربي الفلسطيني، بحسب هذه الرواية.
زيف الرواية الصهيونية
تؤكد الرواية الصهيو - إسرائيلية على أن أحدا من مسؤوليها وزعمائها لم يفكر أو يبادر إلى تنفيذ أي جريمة أو مجزرة ضد الفلسطينيين. ويضيف كاتب المقال أن مجزرة دير ياسين هي من اختلاق الفلسطينيين انفسهم وليس من اختلاق آخرين. ويذهب إلى أبعد من ذلك متهمًا الفلسطينيين بأنهم بنشرهم خبر المجزرة، إنما يؤلفون فرية لاسامية ضد الشعب في إسرائيل.
وباعتقاده أن نشر خبر المجزرة التي لم تكن، من قبل وسائل الإعلام الفلسطينية والعربية، ساعدت الـ«ييشوف» اليهودي في تحقيق مزيد من انتصاراته على الفلسطينيين، الذين اختاروا بأنفسهم أن يتركوا فلسطين ويصبحوا ما هم عليه الآن – أي لاجئين.
ولا يكتفي كاتب هذا المقال بالتحريض على الفلسطينيين وتحميلهم المسؤولية، بل أنه يوجه سهامه نحو المؤرخ العسكري الإسرائيلي، مائيرباعيل، الذي كان ضابطًا في دائرة المخابرات التابعة للهاغاناه (ش.ي – شيروت يديعوت)، والذي وصل إلى دير ياسين وشهد على ما حدث، ثم انتقل إلى الأكاديميا ونشر مقالات وأبحاث حول المجزرة. راهاط يذهب إلى أبعد من ذلك، إذ إنه يتهم باعيل بالتواطؤ مع حدث لم يحدث بالمرة. وحسب زعمه، فإن شهادات من محاربي «الإرغون»و»الليحي» تشهد بغير ما قال، وتشهد بأنهم لم يشاهدونه في المنطقة التي وقعت فيها المجزرة «المزعومة».
ويستند راهاط بشكل مُحرّف إلى ما نشره حاتم وأنور نسيبة وسليم تماري، مدعيًا أنهم يرفضون قبول فكرة حدوث المجزرة. هو أوقع نفسه بخطأ تاريخي، فما كتبه تماري وغيره لا ينكر البتة المجزرة بل يثبتها.
ولهذا، وفي عودة إلى البحث المعمق الذي أجراه كبير المؤرخين الفلسطينيين، وليد الخالدي، والذي يعتبر في الأوساط الأكاديمية عالميًا صاحب مصداقية كبيرة، أن المجزرة وقعت وأن الجزار بات معروفًا، وأن أسماء الشهداء والجرحى معروفة بالتمام والكمال (أصدر كتابا عن دير ياسين، عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية). وأكثر من ذلك، فإن كبار السن من أهالي دير ياسين الذين تمّت مقابلتهم في عشرات من المقابلات، وقسم كبير منها منشور عبر المواقع الإلكترونية يشهدون على ما حدث من وحشية وجريمة... قتل وبقر بطون الحبالى، واغتصاب وحرق جثث وإلقاء قنابل وسواها من أشكال الجريمة، التي لم تتم إلى يومنا هذا أي محاسبة لهم، للمجرمين.
ولتبرير توجهاته التحريضية والتغريضية، فإنه يستند إلى آلة البحث العلمي الكاذبة التي تعتمدها إسرائيل بواسطة قوافل مؤرخين ملفقين. فيذكر بحوث ميلشطاينوطاوبر، بأنهما وغيرهما بذلا مئات الصفحات للبحث والتمحيص والحفر في مسألة دير ياسين، وتوصلا إلى أنها لم تقع ولم تحدث، وأنها من إنتاج بنات فكر وأحلام الفلسطينيين.
من جهة أخرى، فإن الصليب الأحمر الدولي قد وصل إلى القرية حينها، واكتشف وبيّن ووضّح ونشر ما حدث. وهذه شهادات مثبتة ومؤكدة ولا تدعو إلى الشك فيها بالمرة.
الضحية هو المجرم!؟
ما أراده راهاط ومن قبله كثير، ومن بعده سيأتي آخرون، ليس جديدًا. إنه جزء من آلة التجريم الصهيو - إسرائيلية التي تعتمد مبادئ الإنكار، وتحميل الضحية المسؤولية، وتبييض أيدي المجرمين، وتذنيب أكبر قطاع ممكن من القيادات الفلسطينية والعربية، وبث سموم التشكيك في قلوب ونفوس العرب عامة والفلسطينيين خاصة، وفرض رواية صهيو - إسرائيلية مختلقة. وفوق كل ذلك، الاستمرار في إغراق المكتبة الإسرائيلية بشلالات من الكتب والبحوث الملفقة والكاذبة، ومنع القارئ الإسرائيلي من التعرف على رواية أخرى غير تلك، التي تروج لها آلة صناعة وإنتاج الرواية الإسرائيلية الكاذبة والتلفيقية.
فكتابات ومؤلفات آفيشلايم، وتوم سيغف وإيلان بابيه وبيني موريس (مع أن الأخير تراجع عن بعض ما كشفه من وثائق في إرشيفات إسرائيل) وغيرهم، تؤكد وتبين أن الخطة «د» كانت تهدف إلى تنفيذ أكبر وأضخم مجازر تعرّض لها الشعب الفلسطيني، أعقبتها عمليات ترحيل وتهجير بل تطهير عرقي، كما سماها بابيه في كتابه «التطهير العرقي في فلسطين».
في الخلاصة، فإنّ ما نشره راهاط ليس جديدًا، ولا يضيف شيئًا على الرواية الصهيو - إسرائيلية، إنما يؤكد عدم استعداد نسبة كبيرة من الشعب في إسرائيل لتقبل الرواية الفلسطينية الحقيقية، وحتى لو رواها من تعرضت عائلته لمجزرة ومذبحة غير دير ياسين، إذ إن القوات اليهودية والجيش الإسرائيلي نفذت سلسلة من المجازر في العام 1948، وما تلاها إلى يومنا هذا، بما فيها مجزرة كفر قاسم (1956) يوم الأرض (1976) ومجزرة هبة القدس (2000)، بالإضافة إلى مجازرها وجرائمها ضد أفراد وجماعات بطرق مختلفة، مثال على ذلك: مجازر هدم قرية العراقيب في النقب.
باعتقادي، أن لا قيمة لما كتبه راهاط سوى تثبيت توجهات اليمين المتطرف في إسرائيل، وفي محافل صهيونية وغيرها في الولايات المتحدة، ومواقع أخرى من العالم.

أضف تعليق