27 نيسان 2024 الساعة 06:26

حملت أسوأ ما في الخطط والسيناريوهات السابقة

2020-02-03 عدد القراءات : 619
خطة للتطبيق وليست للمفاوضات ... شعارها «خذها أو دع غيرك يأخذ بها»
• ما هي الخطة الأميركية ـ الإسرائيلية لفرض «الصفقة» على الفلسطينيين؟
■ بعد انتظار طال حوالي ثلاث سنوات، وفي حفل أراده ترامب دراماتيكياً، وهوليودياً، وأن يكتسب الطابع التاريخي، أعلن رئيس الولايات المتحدة عن «صفقته» («رؤيته» كما قال) لحل قضية الشرق الأوسط.
سبق ذلك سلسلة تسريبات، من صحف غربية أو عربية موالية للولايات المتحدة عن بعض بنود «الصفقة». لكن الإدارة الأميركية، ولكي تحافظ على الطابع الدراماتيكي لصفقتها، وطابعها كخطة فريدة من نوعها، لم يسبق لأحد أن أبدع مثيلاً لها، كانت تنفي صحة مثل تلك التسريبات، ليتبين في نهاية الأمر، ومع إعلان 28/1/2020، أن صفقة ترامب جمعت أسوأ ما طرحته الدوائر الغربية والأميركية من مشاريع وسيناريوهات حلول للقضية الفلسطينية، وحشرها رئيس الولايات المتحدة في «رؤية» من ثمانين صفحة يقال من 181 صفحة، لم ترَ في كل الأمور سوى مصالح دولة الاحتلال، على حساب الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
وقد حاول ترامب في احتفاله، الذي حاول أن يبهر به أبصار العالم، أن يموه على الكثير من الإنحياز الفاقع والتام لدولة الاحتلال، بعبارات أيديولوجية مفضوحة، لم تنجح في التغطية على المضمون الحقيقي للصفقة. فتحدث مطولاً عن السلام، وعن حق إسرائيل في الوجود، وحق الفلسطينيين في العيش بكرامة، وحق الأجيال الصاعدة في مستقبل مستقر، كما تحدث عن الازدهار الاقتصادي وعن عشرات مليارات الدولارات التي سوف تهطل على الفلسطينيين من سماء «الصفقة»، عبر صندوق، تموله الدول العربية الغنية. ومع ذلك، لم يغادر ترامب مواقعه الإيديولوجية التي شكلت غلافاً لمشروعه الاستعماري، فاعتبر الأرض الممتدة من نهر الأردن إلى البحر المتوسط «إسرائيل»، وأنكر وجود فلسطين، وإن كان قد عرج على ما أسماه «دولة فلسطينية» ليكشف في نهاية الأمر أنه يتحدث عن حكم إداري ذاتي، قد ينتهي خلال 4 سنوات من المفاوضات إلى «دولة ذات حدود مؤقتة»، تعيش في باطن دولة إسرائيل، وتحت هيمنتها السياسية والأمنية والاقتصادية، على غرار ما هو عليه الوضع الحالي، مع وعود للفلسطينيين (إذا ما قبلوا الخطة) لتحسين شروطهم الحياتية وتحسين معاملة الاحتلال الإسرائيلي لهم، إذا ما أحسنوا التصرف وعبروا عن حسن نواياهم نحو دولة الاحتلال.
نتنياهو لم يكذب هذه المرة!
لكن، ما حاول ترامب أن يموه عليه، في عباراته الإيديولوجية، والتوراتية، كشف عن حقيقته بنيامين نتنياهو، الذي، من أجل أن يتباهى بانتصاره في الفوز بالصفقة، كشف عن عناصرها. فإذا بها تشكل طبعة محسنة، ومطورة (طبعاً لصالح إسرائيل) عن النقاط الست التي أعلن عنها نتنياهو، نهاية العام الماضي، بعد فوزه في الانتخابات الداخلية لحزب الليكود.
• فإسرائيل هي دولة قومية للشعب اليهودي، بما تحمله من معايير عنصرية، تؤدي إلى تكريس نظام الأبارتهايد داخل دولة الاحتلال نفسه، وتضع مصير الفلسطينيين العرب أمام احتمال التهجير الجماعي إلى تخوم «الدولة» الفلسطينية، في إعادة رسم حدود إسرائيل وحدود «الدولة» الفلسطينية.
• والقدس الموحدة هي عاصمة لدولة إسرائيل. أما عاصمة «الدولة» الفلسطينية ففي مناطق شعفاط وأبو ديس وغيرها. وللفلسطينيين أن يسموا عاصمتهم «القدس» أو أي اسم آخر.
• والأقصى «معبد» يصلي فيه المسلمون، و«السياح اليهود»، وحرية «الصلاة» فيه مكفولة للجميع. ويبقى تحت السيادة الإسرائيلية، في إعلان كاشف عن خطة للتقاسم الزماني والمكاني له.
•واللاجئون (الذين لا يتجاوز عددهم 50 ألف لاجئ حسب إحصائية الصفقة) يجدون حل قضيتهم في البحث عن «مكان سكن دائم».
• و«وكالة الغوث» تصبح حاجة زائدة، لا بد من حلها، وتسليم مهامها إلى الدول المضيفة. أما المخيمات، فمرشحة للزوال، على أن تقام بدلاً منها مناطق حضرية (بنايات وأحياء مدينية).
• و«الدولة» الفلسطينية هي حكم إداري ذاتي، على «مساحات» من الضفة الفلسطينية، تربط بين مناطقها طرق وأنفاق وعبارات وجسور، «حدودها» تحرسها قوة ثلاثية (فلسطينية ـ إسرائيلية ـ أميركية)، لا تملك الحد الأدنى من علامات السيادة، بما في ذلك حقها في منح «المواطنة» (أي الجنسية الفلسطينية) لمن هم خارج «الدولة» (أي اللاجئين على سبيل المثال) إلا بحدود تسمح بها إسرائيل. بذريعة «ما يتناسب مع قدرة «الدولة» على الاستيعاب، ومنعاً لتسلل العناصر الإرهابية «خاصة القادمين منهم من لبنان وسوريا» (ناشطون سياسيون ومقاتلون سابقون ولاجئون ولدوا بعد النكبة)».
• وفي ختام مفاوضات الأربع سنوات، الواردة في الصفقة، يتم التوصل إلى حل دائم، تنتفي معه أية مطالب إضافية لأي من الطرفين
خذها أو دع غيرك يأخذ بها
هذه «رؤية» (حسب ادعاء ترامب) ليست للتفاوض حولها. المفاوضات تبدأ بعد أن يعلن الجانب الفلسطيني موافقته عليها كما هي عليه في طبعتها الأخيرة، (طبعة 28/1/2020)، وبكل عناصرها غير مجزأة. أما المفاوضات، والتي تتم بعد الموافقة على «الصفقة» فتكون معنية فقط بوضع آليات تطبيق الخطة، وليس شيئاً آخر. أما تصريح وزير خارجية الولايات المتحدة مايك بومبيو، عن استعداده للاستماع إلى الفلسطينيين من أجل أن يقدموا له رؤيتهم البديلة لصفقة ترامب فليست إلا دعوة واضحة لكسر الموقف الفلسطيني الرافض للصفقة، وشق الصف الوطني، والادعاء باستعداد الولايات المتحدة للحوار، ومحاولة لتوفير ضغوط عربية ودولية على الجانب الفلسطيني للتراجع عن مبدأ الرفض التام للخطة، والتراجع عن التمسك التام بالبرنامج الوطني، ولجره إلى الشروع في الانزلاق خطوة خطوة، نحو ما يسمى الوصول إلى منتصف الطريق، وبحيث يتم تكريس «صفقة ترامب» المشروع الوحيد المطروح للتفاوض لحل المسألة الفلسطينية، ووضع حد للاحتلال الإسرائيلي، وهذا كله في سياق مبدأ كان شديد الوضوح، في خطاب ترامب الاحتفالي، وفي تراتيل الشكر على لسان نتنياهو، يقول: «خذها أو دع غيرك يأخذ بها».
«الغير» هو هنا الجانب الإسرائيلي أولاً، الذي تعطيه الصفقة الحرية في الشروع في التطبيق دون تأخير. لذلك سارع وزير جيش الاحتلال نفتالي بينيت إلى تشكيل فريق عمل لوضع خطة وآليات ضم غور الأردن وباقي المستوطنات.
و«الغير» هو هنا، من أشارت إليه «الصفقة»، حين تحدثت عن القيادة الفلسطينية الحالية، و «من سيأتي بعدها». في رهان على الزمن، وعلى الضغط في الوقت نفسه، وحيث تفشل الضغوط العربية والدولية في جر الجانب الفلسطيني إلى المفاوضات تحت سقف «الصفقة»، فهناك رهان على «قيادة فلسطينية جديدة» تقبل بالصفقة. تماماً، كما راهنت إدارة بوش في زمن الرئيس الراحل ياسر عرفات على «قيادة فلسطينية جديدة» .

أضف تعليق