02 آيار 2024 الساعة 00:49

المواجهة ليست عملية ذهنية سياسية منفصلة عن الواقع

2019-06-09 عدد القراءات : 524
مع استعصاء عقدة الانقسام الداخلي الفلسطيني، وفشل كل محاولات توحيد الصف الفلسطيني، ومع عجز كل المبادرات الوطنية، سواء كانت من شخصيات أكاديمية، أو مجموعات نسوية، أو شبابية، أو فصائلية يسارية غيورة على مكتسبات الشعب الفلسطيني وانجازاته الوطنية, فقد أضحى الفلسطيني يشعر أن لا قيمة، ولا فائدة، من أي محاولات جديدة لرأب الصدع وانهاء الانقسام الفلسطيني واستعادة الوحدة الداخلية, بنفس الأدوات السابقة للسنوات العشر الماضية، وبذات الأساليب التي أضحت مشكوك بنجاعتها ونجاحها، وبقدرتها على رأب الصدع و بناء جسور الوحدة، وجسر الفجوة الآخذة بالتوسع يوما بعد يوم، سواء كان ذلك على شكل انحسار هوامش ثقة المواطن الفلسطيني بقواه وقيادته السياسية المتنفذة بالقرار الوطني، ولا سيما فئة الشباب، الذي أضحى حلمه البحث عن حياة جديدة خارج حدود الوطن. آن الأوان لانتهاج مسار جديد، يعيد الأمور إلى نصابها الصحيح، ويعيد البوصلة إلى وجهتها الحقيقية، ألا وهي العودة الى الجماهير،وآن الأوان لكي يأخذ المثقفون الحقيقيون دورهم الطليعي في توجيه الجماهير والشباب الفلسطيني، المثقفون المشتبكين بالميدان وبالفكر السياسي، مع سياسات الاحتلال و"مطابخ" القيادات المتنفذة الفلسطينية, والرافضين للقوالب الجاهزة في ظل غياب انتخابات حرة ديمقراطية، وغياب تنفيذ قرارات الاجماع الوطني الفلسطيني, وتعطيل حق المواطن  بأن يكون لديه مؤسسات تشريعية تمثله، فلن ينتهي هذا العبث اليومي، ولن تتوقف السجالات الدائرة حول كل ما يتعلق بالشأن العام الفلسطيني، ما بين مؤيد متحمس لقرار يخدم مصالحه، أو مصالح فريقه، أو معارض شرس لذات القرار كونه يتعارض مع مصلحة القضية الوطنية العامة ، وما بين هذا وذلك, سيبقى الفلسطيني، تائه ما بين الاحتلال، والانقسام، وما بين حقه بالمواطنة الكاملة، وحقيقة كونه يعيش أحكام المختطفين والرهائن، ممن لا يحق لهم سوى الصمت والدعاء .
إن الدعوة لانتخابات تشريعية ورئاسية و وطنية، وتحديد موعد محدد وجدي لها، والاستعداد الفعلي لتنظيمها خلال فترة معقولة، ومنطقية، وتجنيد الرأي العام ومؤسسات المجتمع المدني، خلفها، ستقود حتما نحو إعادة الاعتبار للمواطن وللمنظمة ولانجازاتها الوطنية، وستؤدي إلى التفاف الجماهير حول قيادتها وقرارها الوطني، كونه حق لهم أولا، وكونه يخرجهم من صفوف الرهائن، والمتفرجين، نحو ساحات الفاعلين والمؤثرين.
من السهل أن يقول الكثير بأن طرح مسار الانتخابات العامة مضيعة للوقت، وبأنه ليس منطقيا، وغير قابل للتطبيق، فالاحتلال لن يسمح بتنظيمها في القدس، و(حماس) لن تسمح بتنظيمها في قطاع غزة، إلا بشروطها، وبما يضمن استمرار سيطرتها على القطاع، كما أن المرحلة غير مهيأة لذلك، نظرا لتحدي صفقة "العصر" المرتقبة، وسياسات الاحتلال المتغولة، وضرورة تجنيد كل الجهود لإحباطها، هذه التحديات هي حقيقية بالواقع, لكنها تخدم بالمحصلة المسار الوطني العام, كونها  فرصة لتجنيد العالم أجمع مع الحق الفلسطيني بالديمقراطية و تجديد شرعية مؤسساته الوطنية التي يطالبنا بها، وأما (حماس)  فقبولها بالانتخابات يعني خطوة هامة نحو إنهاء الانقسام جديا، ورفضها سيجعل المواطن الفلسطيني يفرق بين من اختار طريق التعددية والانتخابات و المصلحة الوطنية العامة، ومن انتصر لمسار الانغلاق و التفرد والتسلط, أما حول صفقة "العصر"، وجرائم الاحتلال، فما من مسار أنجع، أو أضمن أو أكثر فعالية وضمانة على التصدي لهما، من جبهة داخلية تمتلك شرعية الصندوق، ومواطن يشعر انه جزء حقيقي من القرار،وفاعل في المقاومة، وعبور الطرق الوعرة نحو الهدف .
فالعقلية السياسية الواهمة والمتطيرة و التي تعتقد أنها بإمكانها أن تغيّر الواقع من خلال تفاعل الفكر مع الفكر والسياسة مع السياسة، أي أنّ التغييرعندها عمليةٌ ذهنيةٌ و نظرية منفصلةٌ عن الواقع، وهذا يعكس محاولتها للتغطية على حالة العجز عن الفعل، والاكتفاء بردود الفعل، في حين أن التغيير في الحقيقة يأتي من المبادرة والمثابرة لتغييرالواقع، من التفاعل بين الفكر والواقع.
المطروح بلورة بديل وطني متكامل لا يكتفي بتحديد ما يرفضه الفلسطينيون وأصدقاؤهم، وإنما يتضمن ما يقبلونه أيضا، بحيث تكون إعادة الاعتبار لبرنامج الحد الأدنى الوطني، أمر لا يقل أهمية عن رفض "الصفقة" الامريكية، فلا بد من إقامة جبهة فلسطينية عربية عالمية تطالب بأهداف قابلة للتحقيق، وتتعامل مع الأمر الواقع لتغييره لا للخضوع له، ولا الى إعادة إنتاج "أوسلو" بصيغ مختلفة، وتستقطب دعمًا عربيًا وعالميًا واسعًا لكونها منسجمة مع القانون الدولي والشرعية الدولية.
أما الرفض والعودة لمطلب التحرير الكامل مثلا, أواستبدال برنامج إقامة الدولة الفلسطينية والمساواة والعودة ,على أساس أن الدولة الفلسطينية باتت مستحيلة التحقيق!!, فهو يساعد الأعداء على تحقيق أهدافهم بتكاليف أقل كلفة، ودليل على خطأ منهجي يتصور إمكانية تغيير الواقع عبر تناسل الفكر من الفكر، وليس عبر تفاعله مع الواقع بهدف تغيير موازين القوى، وبما يسمح بتحقيق أقصى ما يمكن تحقيقه من دون التنازل عن الحقوق الثابتة، ولا عن الهدف النهائي للصراع الفلسطيني- الاسرائيلي، ولكنه وحده الذي يلبي الحقوق الكاملة والتاريخية والقانونية الفلسطينية.
ان "الهوجة الكلامية" و"الضجيج الإعلامي" الفلسطيني حول ما قاله فريدمان مؤخرا، ستنتهي بأسرع مما انطلقت ولن تترك أثرا على أرض الواقع، بل وسيقول ما هو أخطر من ذلك،لان فريدمان ومعه الفريق اليهودي التوراتي الأمريكي يقودون مرحلة تدمير للمشروع الكياني الفلسطيني تمهيدا لإقامة "دولة اليهود" فوق أرض فلسطين التاريخية،وللأسف, نحن لا نزال نقف على مسار ردود الأفعال الإعلامية فقط, دون الغوص بصياغة الفعل ذاته, وعلى الأرض, والتحضير لمقاومة وطنية فاعلة لكل سياسات التغول الأمريكي.
ستبقى الجماهير الفلسطينية بقدراتها و امكاناتها و ابداعاتها في صياغة مقاومتها صمام الامان و البوصلة الوطنية للإنجاز الوطني المرتقب.

أضف تعليق