26 نيسان 2024 الساعة 01:39

سياسة الاحتلال باللهجة الأميركية

2018-03-21 عدد القراءات : 627
تحيل إدارة ترامب الحقوق الفلسطينية إلى «قاموس» القضايا الإنسانية، وترفض الاعتراف بالمضمون التحرري للقضية الفلسطينية بعناوينها الرئيسية.
ومن هذا المنظار، تتعامل مع قضية اللاجئين الفلسطينيين وحق عودتهم إلى ديارهم وممتلكاتهم التي طردوا منها منذ النكبة، وانضمت بالتالي إلى الرؤية الإسرائيلية التي تفصل ما بين تنفيذ المشروع الصهيوني في فلسطين وبين نشوء هذه القضية.
ومن هذا المنظار أيضاً، تتعامل هذه الفترة مع أزمات قطاع غزة متجاهلة أن قرارات ترامب الأخيرة بشأن الأونروا فاقمت الأوضاع المعيشية لسكان القطاع، وتقدم نفسها كموجه لمسار «إنقاذ» غزة عبر مقاولات يمول تنفيذها عدد من الدول العربية ذات الصلة بتنفيذ «صفقة القرن» الأميركية.
ومع استبعاد السبب السياسي لنشوء الأزمات الفلسطينية وهو الإحتلال، فإن حل هذه الأزمات لا يحتاج العودة إلى قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالنسبة لإدارة ترامب بل يكفي إستعداد عدد من الدول المانحة لإنهاء القضية الفلسطينية ومن دون المرور بإنهاء الاحتلال.
انطلقت مقاربة إدارة ترامب للقضية الفلسطينية من شطب أساس الصراع الفلسطيني ــــــ الإسرائيلي (الأرض والهوية) ورأت في طرح حل إقليمي عاملاً أساسياً للتعامل مع المشكلة الفلسطينية على أنها مشكلة سكان محدودة جغرافياً (بعض الضفة وكل قطاع غزة). وتقاطعت بالتالي هذه المقاربة مع رؤية نتنياهو للحل عبر خطته (السلام الاقتصادي). وضمن هذا المسار وتقاطعه مع «صفقة القرن» تتحد الرؤيتان الأميركية والإسرائيلية حول الابتعاد عن الحديث عن أية كيانية فلسطينية مستقلة، وترك مسألة البت في طبيعة هذه الكيانية ووظيفتها للإطار السياسي الإقليمي الذي تلعب فيه إسرائيل دوراً قائداً ومحورياً.
وعلى اعتبار أن آلية تنفيذ هذه الخطة تقوم على فرض الأدوار على الأطراف ذات الصلة، فإن عامل الضغط والتهديد هو الناظم الأساس لعلاقات إدارة ترامب مع المستهدفين بالخطة الأميركية، مستغلة إثارة «الخطر الإقليمي» المحصور بإيران كي تبقي عدداً من الدول العربية أسيرة هواجسها المفتعلة، وتنصاع بالنتيجة للأوامر الأميركية بما يخص تنفيذ خطة إدارة ترامب في المنطقة.
اللافت أن مقاربة إدارة ترامب المستحدثة تقطع مع مرحلة سابقة من السياسة الرسمية الأميركية  إبان عدد من الإدارات السابقة. إذ كانت واشنطن ترفع يافطة التقدم في عملية التسوية الخاصة بالصراع الفلسطيني والعربي ــــــــ الإسرائيلي وفق مبادرات لا تتجاهل فيها قرارات القمم العربية ذات الصلة، وتقدم عناوين «جاذبة» للمفاوض الفلسطيني كي تعينه على تسويق وهم التسوية وإمكانية الوصل إلى حل «متفق عليه»، وكل ذلك مقابل حشد مواقف معظم دول المنطقة العربية خلف السياسات الأميركية في المنطقة والإقليم، مرة تحت يافطة محاربة النفوذ السوفييتي، ومرة أخرى في مواجهة «الخطر الإيراني» المزعوم.
في حين تعتمد إدارة ترامب على وضع جميع مكونات الحالة الفلسطينية الرسمية والشعبية تحت دائرة الضغط والاستهداف، وكان هذا واضحاً منذ بدء الاتصالات الرسمية الأميركية مع السلطة الفلسطينية، وعبر عن ذلك  المبعوث الأميركي غرينبلات عندما طرح الشروط الأميركية ــــــــ الإسرائيلية التسعة كي يتم وفقها«تقويم» الحالة الفلسطينية وتمتلك بالتالي الصلاحية لتكون طرفاً هامشياً في تنفيذ الخطة الأميركية، وأقدمت إدارة ترامب على كسر اعتبارات جوهرية لدى الإدارات السابقة بما يتعلق بالقدس ومكانتها لدى الشعب الفلسطيني، وأعلن ترامب بكل صفاقة اعترافه بالمدينة عاصمة للاحتلال الإسرائيلي.
وفيما كانت الإدارات الأميركية تجهد خلال العقود السابقة في إنتاج مشاريع توطين اللاجئين الفلسطينيين وتناور في محاولة تمرير هذه المشاريع عبر الترغيب أو الترهيب، لجأت إدارة  ترامب إلى الهجوم المباشر على قضية اللاجئين، وبدأت ذلك بالإتحاد مع الرؤية الإسرائيلية في تعريف اللاجئ الفلسطيني وإلغاء مكانته القانونية والسياسية التي يكفلها له القرار الدولي 194، واستهدفت إدارة ترامب وكالة الغوث (الأونروا) من زاوية الضغط لفك إرتباطها بالقرار المذكور وتحويل مسألة اللاجئين الفلسطيني إلى قضية إنسانية يمكن توفير الأموال اللازمة لحلها بعيداً عن حق العودة إلى الديار والممتلكات، ولا نخفي إدارة ترامب عدائها للجهود التي يبذلها عدد من أقطاب المجتمع الدولي لتأمين موارد إضافية لتمويل الأونروا تعويضاً عن الحجب المالي الأميركي عن موازنتها، وخاصة على أبواب «مؤتمر روما» الذي يعتمد لتحقيق هذا الهدف. ومايثير حفيظة هذه الادارة مشاركة نحو 80 دولة ومنظمة وكيان دولي في أعمال المؤتمر بما يشبه الاستفتاء على رفض المجتمع الدولي لسياسة الابتزاز التي تمارسها الولايات المتحدة تجاه المنظمات الدولية. وقد شدد مراقبون على ضرورة ألا تستثنى الولايات المتحدة من تحمل مسؤولياتها في سياق بحث معالجة الأزمة المالية للأونروا خلال المؤتمر المذكور باعتبارها أحد الأطراف الأساسيين الذي ساهموا في وقوع النكبة ومنعوا حل قضية اللاجئين الفلسطينيين ربطا بتنفيذ القرار الدولي 194.
وضمن المقاربة الأميركية «الجديدة»، تلتفت إدارة ترامب مؤخراً إلى قضايا قطاع غزة، وتدعي حرصها على حل أزماته عبر تشخيصهاً الخاص لهذه الأزمات وإحالتها إلى «سوء الإدارة المحلية» دون الإقتراب من مسؤولية الاحتلال وحتى واشنطن عن تراكم هذه الأزمات ومفاقمتها، ومن هذه الزاوية عقدت ما يسمى بـ «مؤتمر البيت الأبيض» حول القطاع. وفي السياق ذاته، تنشط إدارة ترامب في خلق مرجعيات «جديدة» لكل عنوان من عناوين القضية الفلسطينية، بهدف إقصاء الأمم المتحدة نهائياً عن أي دور قانوني وسياسي في إيجاد حل متوازن وشامل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي يضمن تجسيد الحقوق الفلسطينية ربطاً بقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة.
المشكلة الأكبر حول ما سبق، هو تلكؤ القيادة الرسمية الفلسطينية وتجاهلها قرارات الإجماع الوطني وعلى نحو خاص، قرارات المجلس المركزي في دوريته الأخيرتين، والتي أكدت على وجوب القطع ومع أوسلو والتحرر من قيوده السياسية والاقتصادية، ووقف التنسيق الأمني مع الاحتلال، وإطلاق المقاومة الشعبية وحمايتها سياسياً والعمل على توفير جميع وسائل تطورها، وأكدت هذه القرارات وجوب تفعيل عضوية فلسطين في مؤسسات الأمم المتحدة وخاصة في محكمة الجنايات الدولية، وتقديم شكاوى حول جرائم الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني وأرضه وممتلكاته.
ومن الطبيعي مع استمرار هذه السياسة الانتظارية أن تتغول السياسات التوسعية الإسرائيلية، وتمضي إدارة ترامب في تنفيذ خططها ومشاريعها على حساب قضية الشعب الفلسطيني.. وحقوقه.

أضف تعليق