• هل بات الاقتصاد العامل الحاسم في وضع حد للحرب على قطاع غزة؟
    2023-11-15
    شاهر الشاهر

    عملية "طوفان الأقصى" انتهت في اليوم نفسه الذي بدأت به؛ انتهت بانتصار المقاومة وكسر هيبة الجيش الصهيوني الذي اعتقد قادته أنه لا يقهر.

    باتت الحرب الإجرامية التي ترتكبها حكومة الاحتلال الصهيوني في قطاع غزة أطول حرب في التاريخ الصهيوني بعدما تجاوزت حرب تموز 2006 التي استمرت 33 يوماً، وتكبدت فيها خسائر اقتصادية تجاوزت 30 مليار دولار. كل النداءات الدولية والاحتجاجات العربية لم تستطِع أن تثني حكومة الاحتلال عن إجرامها المستمر ضد الأطفال والنساء في غزة.

    الأيام المقبلة قد تشهد وقفاً لتلك الحرب الهمجية بدوافع اقتصادية إسرائيلية أولاً وقبل كل شيء، وخصوصاً أن ما تكبدته "إسرائيل" بعد عملية "طوفان الأقصى" فاق كل التوقعات. قدرتها على تحقيق انتصار على الأرض باتت شبه مستحيلة، فما تقوم به لا يتجاوز حرباً من حروبها الإجرامية بحق الشعب الفلسطيني الأعزل.

    عملية "طوفان الأقصى" انتهت في اليوم نفسه الذي بدأت به؛ انتهت بانتصار حماس وكسر هيبة الجيش الصهيوني الذي اعتقد قادته أنه لا يقهر. كل ما تبع عملية "طوفان الأقصى" من عمليات عسكرية منفصل عن تلك العملية التي سيسجلها التاريخ نصراً عسكرياً ونجاحاً كبيراً لحركة حماس.

    ضعف عربي فاق التوقعات

    على الرغم من أنَّ المواطن العربي بات فقداً للثقة بقياداته التي تحكمه، فإنَّ الانهزام الرسمي العربي فاق التوقعات وتجاوز التصورات. وقد برز العديد من المواقف الدولية التي تجاوزت في حزمها وصرامتها مواقف الدول العربية، لجهة قطع العلاقات مع"إسرائيل"، كما فعلت كل من بوليفيا وكولومبيا وهندوراس وتشيلي على سبيل المثال.

    مواقف الدول الإسلامية أيضاً لم تكن متمايزة عن غيرها، بل ربما لم ترقَ إلى مواقف الدول غير الإسلامية. وهنا، يجب أن نستثني موقف الجمهورية الإسلامية الإيرانية بكل تأكيد. الموقف الإيراني ليس مجرد موقف، بل هو فعل أولاً وقبل كل شيء، فالجميع يعرف ما قدمته طهران للقضية الفلسطينية منذ اليوم الأول لقيام الثورة الإسلامية عام 1979.

    القول إن ما تقدمه طهران للقضية الفلسطينية يخدم المصالح الإيرانية لا يقلّل أبداً من أهمية الدعم الإيراني، بل إنه يثبت صواب توجهات السياسة الإيرانية ومبدئيتها. كلمة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في قمة الرياض عكست هذا التوجّه وفضحت الجرائم التي ارتكبتها "إسرائيل" بحق الفلسطينيين في غزة، إذ أشار إلى قصف "إسرائيل" لغزة بما يعادل 7 قنابل نووية.

    وأكّد الرئيس الإيراني دور الولايات المتحدة في هذه الحرب، واصفاً إياها بالشيطان الأكبر والأب غير الشرعي لـ"إسرائيل". المواقف الإيرانية، وإن كانت تتعرض للكثير من الانتقادات من عدد من الدول العربية، إلا أنها وبكل تأكيد متقدمة على مواقف تلك الدول.

    مخاوف من الموقف التركي

    على الرغم من النبرة الخطابية المرتفعة تركياً لجهة انتقاد "إسرائيل"، فإنَّ الثقة بمواقف الرئيس التركي رجب طيب إردوغان غائبة. كانت تركيا أول دولة إسلامية تعترف بالكيان الصهيوني منذ تأسيسه، كما أن هويتها الإسلامية لم تعد محط إجماع غالبية الشعب التركي الذي تتّجه أنظاره نحو الغرب.

    عضوية تركيا في حلف "الناتو" جعلتها مصدر خطر وتهديد للعديد من دول المنطقة، وخصوصاً أنها "دولة غير قانعة" بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى. موقف تركيا من القضية الفلسطينية، وخصوصاً في ظل وجود حزب العدالة والتنمية، بات موقفاً براغماتياً أكثر من كونه مبدئياً، وهو ما جعله محط تشكيك الكثير من الدول.

    هذا التشكيك في المواقف التركية لم يكن عربياً فقط، بل دولياً أيضاً، وهو ما انعكس على تراجع علاقة تركيا بروسيا والولايات المتحدة والصين.

    تجسد ذلك في رفض الطلب التركي بالانضمام إلى البريكس (من قبل روسيا والصين)، واستبعاد أنقرة (أميركياً) من مشروع الممر الهندي. تركيا تربطها علاقات قوية بحركة حماس، لكنها في الوقت نفسه كثفت تعاونها مع حكومة الاحتلال الصهيوني.

    الحديث عن الرغبة في وجود قوات تركية بين غزة والمناطق المحتلة يحقق منفعة مشتركة للجانبين (التركي والإسرائيلي)، وقد يحظى بدعم قطري، نظراً إلى العلاقة الخاصة بين قطر وكل من تركيا وحماس و"إسرائيل" والولايات المتحدة الأميركية.

    الهدف التركي بلا شك هو الوصول إلى شواطئ غزة التي يجري الحديث عن وجود اكتشافات نفطية فيها، على غرار ما فعلته تركيا مع ليبيا. لذا، بادرت تركيا في الآونة الأخيرة إلى تحسين علاقاتها بمصر، لتبديد المخاوف المصرية من الوجود التركي -فيما لو حدث- قرب حدودها.

    خسائر اقتصادية فادحة للكيان الصهيوني

    كانت التقارير الدولية تشير إلى أن "إسرائيل" هي "الدولة" الأكثر استقراراً في منطقة الشرق الأوسط. وبالتالي، هي الدولة الأكثر جذباً للاستثمارات، لكن عملية "طوفان الأقصى" أثبتت عكس ذلك، وبدت حكومة الاحتلال هشة أكثر مما نعتقد، وهو ما سيجعل العديد من الدول والشركات تعيد النظر في استثماراتها فيها.

    لقد تكبدت "إسرائيل" منذ عملية "طوفان الأقصى" خسائر كبيرة، إذ تشير غالبية التقارير إلى خسارة الكيان الصهيوني أكثر من 50,8 مليار دولار منذ بدء الحرب في السابع من أكتوبر. وتقدر التكاليف العسكرية للحرب التي تشنها حكومة الاحتلال ضد المدنيين في قطاع غزة بنحو ربع مليار دولار يومياً.

    يأتي ذلك في ظل التراجع الكبير في حجم الإيرادات، الذي يقدر بنحو 15 مليار دولار. كما فرضت عملية "طوفان الأقصى" على الكيان الصهيوني دفع نحو 5 مليارات دولار كتعويضات يومية للشركات عن خسائرها، وكذلك دفع نحو 5 مليارات دولار لإعادة تأهيل تلك الشركات.

    وقد تسبّبت عملية "طوفان الأقصى" بالإساءة إلى سمعة السلاح الإسرائيلي، وبالتالي المزيد من الخسائر للشركات العاملة في هذا المجال.

    الخسائر الكبيرة أثرت في تصنيف "إسرائيل"، إذ وضعت وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني تصنيف الديون السيادية لـ"إسرائيل" "A+" تحت المراقبة السلبية بعد أيام من عملية "طوفان الأقصى"، وعزت قرارها إلى تزايد خطر اتساع نطاق الصراع، وهو ما دفع وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني إلى الإعلان عن التصنيف الائتماني الجديد لـ"إسرائيل"، وذلك بسبب استمرار العمليات العسكرية. وكانت الوكالة قد ذكرت أن التصعيد الحالي في غزة سيختبر "مرونة الاقتصاد الإسرائيلي".

    وتوجّب على حكومة الاحتلال دفع مليار دولار لإعادة تأمين الشركات العاملة لديها، ودفع 6 مليار دولار لتأمين الطيران بهدف حماية هذا القطاع. كل ذلك جاء في ظل انخفاض قيمة الشيكل، وهو ما دفع الحكومة إلى ضخ نحو 80 مليار دولار في الأسواق.

    قبل عملية "طوفان الأقصى"، كان من المتوقع أن يتحسن دخل الفرد عام 2024 بزيادة نحو 6%، لكن، وبعد "طوفان الأقصى"، تراجع الدخل الحالي إلى أكثر من 4,2%، أي أن الخسارة في الدخل تقدر بنحو 10,2%.

    أما القطاع السياحي، فقد بلغت خسائره نحو 30%، فيما تراجعت البورصة بنحو 8%، واضطرت "إسرائيل" إلى بيع كامل النقد الأجنبي الذي تحتفظ به، والذي يقدر بـ8,2 مليارات دولار، فنزل احتياطيها من القطع الأجنبي من 198 مليار دولار إلى 191,2 مليار دولار خلال 4 أيام فقط من بدء الحرب.

    تؤمن منطقة غلاف غزة نحو 75% من حاجة الكيان الصهيوني من الإنتاج الزراعي، وهو ما دفع الحكومة الإسرائيلية إلى تقديم نحو مليار دولار لدعم هذا القطاع.

    تأمين الفاقد الزراعي والحيواني الذي كان يؤمنه غلاف غزة فرض على حكومة الاحتلال اللجوء إلى الاستيراد، وهو ما يعني المزيد من الحاجة إلى الدولار، وبالتالي ضخ كميات كبيرة من الشيكل وهبوط سعره نحو 8%.

    المستوطنون الذين هاجروا من غلاف غزة لا يمكن أن يعودوا إليها. كذلك، العديد من المستوطنات التي هدمت أو التي هاجر ساكنوها باتت شبه فارغة، وهي بحاجة إلى دعم كبير من الحكومة.

    كل المؤشرات الاقتصادية تفيد بأن "إسرائيل" غير قادرة على الاستمرار في حملتها العسكرية أكثر من شهرين، لأنها ستكون بعد ذلك غير قادرة على تحمل التبعات الاقتصادية للحرب، إلا إذا تدخلت الولايات المتحدة وقدمت لها دعماً غير محدود.

    وكانت وزيرة الخزانة الأميركية، جانيت يلين، قد أكدت أن الولايات المتحدة مستعدة وتستطيع أن تمول الحرب في أوكرانيا، وأيضاً أن تقدم أي مساعدة تحتاجها "إسرائيل" في حربها ضد حماس.

    ربما يبدو ذلك ممكناً من الناحية الاقتصادية، لكنه من الناحية العسكرية قد يبدو غير ممكن، وخصوصاً أن هناك بعض الصعوبات في تأمين السلاح، ولا سيما أن السلاح الذي تحتاجه أوكرانيا مقارب جداً لما تحتاجه "إسرائيل".


    http://www.alhourriah.ps/article/85357