• المجلس التشريعي وحماية الصحفي الفلسطيني
    2022-04-27
    يقول المفكر البريطاني "أدموند بروك" في إحدى جلسات مجلس البرلمان البريطاني: هناك ثلاث سلطات تجتمع هنا تحت سقف البرلمان، لكن في قاعة المراسلين تجلس السلطة الرابعة وهي أهم منكم جميعاً. إن الواقع الفلسطيني يحثُ على أن يكون هناك حماية قانونية حقيقية للصحفي الذي يُعد "سلطة رابعة" بشكل فعلي أمام الدور البطولي والشجاع الذي يقدمه خلال تأدية دوره المهني والوطني والإنساني، خاصة في القضايا التي تحمل همًا كبيرًا سواء من جانب الاحتلال أو الجهات الفلسطينية، حيث قدم دورًا أكبر من السلطات الثلاثة الأخرى التي تراجع دورها في واقعنا الفلسطيني بفعل الانقسام، ونتيجة غياب القانون كمدخل لحفظ الحقوق واحترامها.
    خلال مسيرة عمله، يتعرض الصحفي الفلسطيني لانتهاكات جسيمة، وهذا يحدث في مختلف دول العالم بلا شك بما فيها الأكثر ديمقراطية وتقدمًا. لكن الذي يختلف في هذا الجانب هو أن الصحفي الفلسطيني لم يُعد محميًا في ظل الحالة الفلسطينية التي يسودها الاحتلال من جانب، والانقسام والمناكفات السياسية من جانب أخر، الأمر الذي يتطلب من السلطة التشريعية أن تقدم دورًا رياديًا وملموسًا في هذا الجانب. من الطبيعي أن يكون لدى السلطات الثلاث (التشريعية، والتنفيذية، والقضائية) جانب استقلالي خلال تأدية أدوارها تجاه المجتمع، لا سيما التشريعية بشكل خاص لأهميتها في سن القوانين وتعديلها أو حتى إلغاءها والتي يجب أن تسير وفق ما يخدم المجتمع وتطوره، وتلبي احتياجاته ومتطلباته سواء من ناحية العدالة بين الأفراد أو منح الحقوق لجميع الفئات، إضافة إلى تسهيل عملية التنسيق والتعاون بين مكونات المجتمع بأكمله، وذلك وفق القانون.
    مثلًا، في قوانين المجتمعات تكون الحريات العامة وحرية الرأي والتعبير بشكل خاص مكفولة، وإذا أردنا أن نخصص الحديث عن الواقع الفلسطيني، نجد كثير من هذه المواد القانونية يتم انتهاكها بكل سهولة نتيجة غياب مبدأ المحاسبة التي تضمن سلامة الفرد، وتعيد له حقوقه وتؤكد على نهج سيادة القانون الذي يجب أن يطبق على الجميع إضافة إلى وقف كل أشكال المخالفات. ففي الباب الثاني من القانون الأساسي الفلسطيني المادة رقم (10) "حماية حقوق الإنسان" والتي تنص على احترام حقوق الإنسان وضمان حرياته الأساسية، مع ضرورة القيام بالانضمام إلى المواثيق الدولية، أما المادة رقم (11) والتي تُنتهك بأبسط الظروف والأحوال في مجتمعنا وهي "حق الحرية الشخصية" التي تؤكد على عدم المساس بالحرية الشخصية والمنع التام من تقييد حرية أي إنسان إلا بأمر قضائي، إضافة للمادة رقم (13) وهي "حظر الإكراه أو التعذيب" أي أن يتم معاملة أي متهم محروم من حريته بالمعاملة اللائقة، والمادة (19) التي تؤكد على أن لكل إنسان الحق في التعبير عن رأيه، والمادة (20) التي تنص على حرية الإقامة والتنقل، ناهيًا عن المادة (27) وهي حقوق وسائل الإعلام وحرياتها والتي تقول أنه لا يجوز إنذار أو وقف أو مصادرة أو إلغاء القيود على وسائل الإعلام إلا بموجب حكم قضائي، وهنا يمكن إضافة "مشروع الإعلان العالمي لحماية الصحفيين" وخاصة منه المادة رقم (2) التي تؤكد على أن الحق في الحياة مكفول لجميع الصحفيين والإعلاميين، والمادة رقم (4) من نفس الإعلان التي تنص على تعزيز مناخ آمن وداعم للصحفيين يساعدهم على أداء عملهم باستقلالية.
    إن هذه المواد القانونية التي ذكرت في القانون الفلسطيني والعالمي أيضا تؤكد على أهمية القانون في تشكيل الحماية لدى الصحفيين خلال ممارسة عملهم، الأمر الذي يُعزز من عملية التهيئة لدى المناخ الحالي الذي يعيشه الصحفي الفلسطيني سواء في غزة أو الضفة، خاصة في ظل ما شاهدناه خلال السنوات الماضية الأخيرة من عمليات اعتداء مرفوضة جملةً وتفصيلا. بحسب المركز الفلسطيني للتنمية والحريات الإعلامية (مدى) نلاحظ أن حجم الاعتداءات على الصحفيين والحريات الإعلامية تأخذ نسب متفاوتة بين الأعوام الماضية القريبة، ولا شك أن النسبة الأكبر منها على يد الاحتلال الإسرائيلي، لكن في هذا الموضوع نركز على ما هو فلسطينيًا لضرورة البحث عن سُبل الحد من تزايد هذه الاعتداءات بما يوفر المناخ الذي يدعم حرية وحماية الصحفي، لذلك نجد أنه في العام (2021) رُصد نحو (562) انتهاكًا ومنها على أيدي فلسطينية (123) انتهاكًا أي بنسبة (23%)، وفي العام ((2020 وثق (408) انتهاكات ومنها (96) انتهاكًا على أيدي جهات فلسطينية أي بنسبة (24%)، أما عام (2019) بلغت الانتهاكات (678) انتهاكًا ومنها على أيدي فلسطينية (200) انتهاكًا أي بنسبة (29%)، وفي عام (2018) وثق (584) انتهاكًا ومنها على أيدي جهات فلسطينية (129) انتهاكًا بنسبة (22%).
    في هذا السياق، لا بد من تسليط الضوء على دور المجلس التشريعي الذي يجب أن يأخذ على عاتقه مهمة كبيرة في الدفاع عن حقوق الشعب من الناحية الوطنية والسياسية والمدنية، والتخفيف عن كاهل الفرد من الناحية الحياتية، وضمان الحماية الكاملة لدى الصحفي الفلسطيني من الناحية القانونية بدلًا من الملاحقة، والذي يعيش ظروف قاهرة يكون هو ضحيتها في كل الأوقات لأنها تبنى على رؤى وحسابات غير التي كما يجب أن تكون.
    لذلك يتركز دور المجلس التشريعي في جوانب عدة أهمها:
    1. التشريع: أي سن القوانين المناسبة والتي تواكب عصر احترام حقوق الإنسان والمعايير الدولية، وتنشر القيم السامية في المجتمع التي من شأنها تعزيز التلاحم الوطني والاجتماعي.
    2. الرقابة على السلطة التنفيذية: مطلوب التشديد في هذا الجانب، في ظل زمن الشعارات والقرارات التي لا نرى أو نلمس منها شيئًا.
    3. المحاسبة: وهذا مفقود في ظرفنا الفلسطيني العام، حيث أصبحت فيه كل الحسابات ليس من منطلق المسؤولية العامة، وخير دليل ما نشاهده من انتهاكات واعتداءات على الحريات العامة والصحفيين خلال ممارسة عملهم، وخلال النشر عبر الإعلام الجديد بالتحديد، كونه وسيلة هذا العصر الأكثر تطورًا وتأثيرًا والأسرع انتشارًا.
    لذلك يمكن القول أن "السلطة الرابعة" وهي سلطة الإعلام يتم تشكيلها ودعمها من خلال وجود بيئة ديمقراطية تعزز من احترام الحريات العامة في المجتمع وخدمة أفراده، وتوفر مناخ تنويري إيجابي يساهم في احترام معايير حقوق الإنسان وتشكيل الحماية القانونية اللازمة للصحفي في ظل التحديات الموجودة، حيث تلعب هذه السلطة دورًا كبيرًا في حياة المجتمع والأفراد، سواء على صعيد طرح القضايا وإثارتها والدفاع عن مصالح الناس، أو تشكيل الرأي العام وتوجيه الأحداث، أو حتى طرح نفسها قوة ضاغطة على الجهة الحاكمة أو أي طرف سياسي سلطوي من أجل تحقيق مطالب واحتياجات الجمهور، والمطالبة بتطبيق القانون بالشكل السليم.
    هل تتحقق مقولة المؤرخ "توماس كارليل" مع واقعنا الحالي "بأن الصحافة لها دورٌ أساسي في ولادة الديمقراطيّة ونموِّها، بحيث تنشر الحقائق وتُثير الثورات ضد الطغيان" ؟؟؟ ففي حالتنا الفلسطينية الأمر مختلف تمامًا، حيث ما سبق ذكره هو المطلوب حقًا، لكن لو تفحصنا واقعنا المرير سنجد أن حرية الإعلام يتم سلبها بل وتفصيلها على مقياس السلطات الحاكمة، من أجل ضمان عدم إيجاد أصوات تشكل إزعاجًا لهذا المسؤول أو ذاك، والذي ساعد على ذلك هو عدم وجود سلطة أو حكومة واحدة تمثل قانون موحد أمام الشعب، وبالتالي تصبح "الرقابة الذاتية" هي من تسيطر على عقل وتفكير الصحفي عند الكتابة أو النشر، خوفا من التعرض للملاحقة أو المضايقات أو المساءلة القانونية، وتجعله هو من يُحاسب نفسه بدلًا من إعلاء الصوت أمام التقصير الواضح من المسؤولين، أو حتى تجاوزهم للقانون أولًا، واعتداءاتهم على حقوق الأفراد، وبالطبع هذا مخالف للقانون. كما أن الأجسام التمثيلية لقطاع الصحافة والإعلام في مجتمعنا أصبحت مقيدة وأسيرة لدى واقعنا الفلسطيني المرير و يحكمها الواقع السياسي أكثر من القانوني، وذلك مما يؤثر بشكل سلبي على حياة الصحفي من الناحية العملية، ومن أبرز هذه الأجسام (نقابة الصحفيين الفلسطينيين) باعتبارها البيت الجامع للكل الصحفي، التي من المفترض أن تُعزز مكانتها، وأن تحاط بسياجًا صلبًا من أجل دعم البيئة القانونية للصحفيين وتحقيق ممارسة عملهم وفق القانون بما يساعد على تقديم دور نوعي على صعيد الجانب الوطني أو المهني، أو حتى الدفاع عن حقوق الشعب. حيث من أبرز سياساتها وتوجهاتها النقابية حماية الصحفيين والدفاع عن حقوقهم وتوفير الظروف المهنية والتشغيلية المناسبة التي تحفظ لهم كرامتهم ومكانتهم الاعتبارية أمام الجهات كافة؛ وتقديم الخدمات اللازمة للارتقاء بالجسم الصحفي وتطوير أدائه.
    وعليه نخرج بجملة من التوصيات الواجب اتباعها إلى الجهات المختصة من أجل انقاذ الصحفي الفلسطيني ودعم مطلب الحماية القانونية اللازمة خلال ممارسة عمله، ومنها:
    1. احترام الحرية الإعلامية في فلسطين.
    2. التركيز على فضح جرائم الاحتلال الإسرائيلي على نطاق أوسع.
    3. تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية كخيار استراتيجي يدعم حرية العمل الصحفي ويصونها.
    4. مواجهة الخطر الذي يهدد نشر الرواية والخطاب الفلسطيني للعالم من خلال دور فلسطيني تشاركي تعاوني يضم كافة مكوناته.
    5. مخاطبة المنظمات والمؤسسات الدولية لوقف الاعتداءات الاسرائيلية بحق المحتوى الفلسطيني.
    6. سن قانون فلسطيني خاص بحماية الصحفي الفلسطيني خلال تأدية عمله بدلًا من الملاحقة والمطاردة.
    7. تكثيف عملية المراقبة من المجلس التشريعي الفلسطيني على دور السلطة التنفيذية، مع تفعيل المحاسبة الحقيقية.
    8. أن يحظى العاملين في قطاع الإعلام اهتمام أكبر من قبل السلطات الثلاث، والتشريعية بشكل خاص.
    9. فتح آفاق بين السلطات الثلاث والعاملين في الوسط الإعلامي من أجل تقريب وجهات النظر والأخذ بالملاحظات التي تعدل من القرارات والسلوكيات الصادرة عن الجهات المسؤولة.
    10. المراجعة الشاملة لكافة التشريعات الإعلامية الفلسطينية والعمل على تطويرها.
    11. توفير مناخ سياسي ايجابي يدعم الحقوق المدنية والسياسية.
    12. وقف خطاب الكراهية.
    13.ضرورة العمل على تعزيز الوحدة الإعلامية.
    14. ضرورة موائمة التشريعات الإعلامية مع الاتفاقات الدولية ذات الصلة.
    15. تشكيل مجموعة عمل وطني  فيما يخص معالجة القوانين.

    http://www.alhourriah.ps/article/75192