• نهاية الوباء قد تتسبب في انقسامنا
    2022-02-10
    في البلدان ذات معدلات التطعيم المرتفعة، قد يكون عام 2022 هو الأخير الذي يتطلب اتخاذ تدابير قوية ضد «كوفيد – 19»، لكن نهاية الوباء لن تكون سهلة على أي حال.
    قد يتخيل المرء أن نهاية حالة الطوارئ ستكون موضع ترحيب وفرح، لكن الخلاف حول ما إذا كان يجب أن تظل المدارس مفتوحة وما إذا كان رفع قرارات إلزام ارتداء القناع لا يعني أن المسؤولين الحكوميين لم يعودوا بحاجة إلى التفكير في خيارات صعبة بشأن سياساتهم. فتراجع الوباء لا يعني بحال نهاية «كوفيد»، لكنه قد يعني ضرورة التمسك بالإجراءات أكثر من أي وقت مضى.
    أصبح وضع الوباء الآن أكثر غموضاً وتفككاً مما كان عليه في البداية. في الدنمارك، على سبيل المثال، حيث يجري تطعيم نحو 81 في المائة من سكاننا، لم تؤدِ أعداد الحالات المرتفعة إلى ارتفاع معدلات الإصابة بأمراض خطيرة أثناء موجة «أوميكرون». لهذا السبب، تراجع القادة عن جميع القيود للمرة الثانية.
    لم يكن هذا بالضرورة قراراً واضحاً، ويمكن للمرء أن يسأل بسهولة: لماذا نتخلى عن حذرنا عندما وصلت العدوى في الدنمارك إلى أعلى مستوياتها في الوباء بجميع مراحله؟
    بصفتي باحثاً ومستشاراً للحكومة الدنماركية لشؤون الوباء، فقد شددت مراراً وتكراراً على أننا بحاجة إلى إجراء مقايضات معقدة بين الوفيات والاقتصاد والرفاهية العامة والحقوق الدستورية، لكننا لا نملك إجابة واحدة صحيحة لكيفية المتابعة. فضمن مجموعة الاستراتيجيات المشروعة، غالباً ما يكون اختيار الاستراتيجية أقل أهمية مما إذا كان الناس يتبعونها ويدعمونها أم لا.
    في الدنمارك، تؤيد أغلبية واضحة من الدنماركيين إلغاء القيود، حيث يشير بحث فريقي، الذي يرصد سلوكيات وأوضاع «كوفيد – 19» في الدنمارك وست دول أوروبية أخرى والولايات المتحدة، إلى أن نسبة الدنماركيين الذين يشعرون بأن «كوفيد – 19» يمثل تهديداً مجتمعياً قد تراجعت بشكل حاد. طوال فترة الوباء، أظهرت استطلاعاتنا أن الشاغل الرئيسي بين الدنماركيين لم يكن صحتهم الشخصية، ولكن ما إذا كانت مستشفياتنا مكتظة، أم لا. والآن بعد أن انتهى الخطر الذي يهتم به غالبية الدنماركيين، يمكن للبلد الانتقال بسلاسة من وضع الأزمة. (إذا احتاجت القيود إلى العودة بسبب متغير أكثر خطورة، فمن المرجح أن يكون هناك دعم لذلك).
    لكن هذا لن يكون بالضرورة هو الحال في كل مكان، لا سيما في البلدان التي توجد فيها ثقة أقل بالسلطات ومزيد من الخلاف حول ماهية أهداف قيود «كوفيد – 19».
    أظهر بحثنا أن ثقة الجمهور قد تضررت في كثير من البلدان، بما في ذلك الدنمارك. ومع تراكم التعب والتكاليف الشخصية وسوء الاتصالات، بات الجمهور أكثر حذراً. فحتى وقت قريب، كان الأشخاص الذين فقدوا قدراً كبيراً من الثقة هم أولئك الذين شعروا بأن ردود فعل حكوماتهم كانت قاسية للغاية. ورغم ذلك، وفقاً لبياناتنا، فقد تسببت موجة «أوميكرون» أيضاً في تقويض ثقة أولئك الذين كانوا داعمين لنهج حكومتهم حتى الآن. وقد يبدو رفع القيود أثناء ارتفاع القضايا بمثابة خيانة بعد عامين من السعي إلى «تسوية المنحنى».
    إن المكونات الرئيسية للاستجابة الفعالة للوباء – التواصل والثقة والشعور المشترك بالتهديد – تتضاءل ببطء، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى صراع اجتماعي وسيجعل من الصعب على القادة إخراج شعوبهم من الأزمة.
    على مدار عامين، ناقش الناس قيمة الأقنعة وجوازات سفر اللقاحات وأكثر من ذلك، لدرجة أنها لم تعد تمثل مجرد آراء بل تعكس هويات أصحابها. وعندما تصبح الآراء هويات، فإنها تشوه فهمنا وتجعل من الصعب تغيير رأي المرء مع تغير الموقف، والحقيقة هي أننا جميعاً أصبحنا متحيزين. على سبيل المثال، تظهر الأبحاث أنه في الولايات المتحدة يميل الجمهوريون إلى المبالغة في تقدير مخاطر التطعيم، بينما الديمقراطيون يميلون إلى المبالغة في تقدير مخاطر المرض.
    من دون إحساس مشترك بمخاطر كوفيد، ومع أسئلة مفتوحة عن أشياء مثل احتمالية الإصابة بفيروس كوفيد لفترة طويلة أو مدى فاعلية اللقاحات في منع انتقال العدوى، قد يبدو من المستحيل بشكل مزداد تقليل الانقسامات وتوحيد الناس في رؤية مشتركة لما تبدو عليه نهاية هذه الأزمة.
    ونظراً لأن لقاحات «كوفيد – 19» فعالة في الوقاية من المرض الشديد جراء الفيروس لكنها أقل فاعلية في الوقاية من العدوى، فإن استمرار انتشار فيروس «كورونا» بين السكان الذين حصلوا على لقاحات عالية سيصبح هو اختبار «Rorschach»، حيث سيرى الجميع شيئاً مختلفاً: فالأشخاص الذين ما زالوا قلقين بشأن الإصابة بـ«كوفيد – 19» سيرون حالات مرتفعة أثناء الزيادات المفاجئة، الأمر الذي سيبرر مخاوفهم ويعزز تقيدهم بارتداء الأقنعة والتباعد وستبدو الدعوات لإزالة القيود أمراً خطيراً. وسيركز الأشخاص الأقل عرضة للإصابة بالعدوى على أن حدة الوباء باتت أقل، وسيفعلون العكس. وقد ينظرون إلى الدعوات لإبقاء القيود على حالها على أنها غير ضرورية وتنتهك حرياتهم.
    وبالنسبة للأشخاص الذين كانوا يقظين للغاية بشأن «كوفيد – 19»، فستتسبب نهاية الوباء لهم في الشعور بالهزيمة. في مرحلة ما، سيكون الوقت قد حان لرفع القيود وتقليل الاحتياطات. والأشخاص الذين كانوا يناقشونهم بشأن الأقنعة أو ما إذا كانت الأزمة تتحسن سيكونون على حق. لن يكون ذلك لأن هذا الموقف كان دائماً صحيحاً، ولكن لأن الظروف قد تغيرت.
    هذا هو السبب في أن القيادة القوية أمر بالغ الأهمية لإنهاء الوباء. فمع تراجع الحاجة إلى القيود، سيعتمد الأمر على مسؤولي الصحة العامة والقادة السياسيين لتفسير سبب رفع القيود، تماماً كما كان عليهم شرح سبب فرضها في البداية. يجب على السلطات إخبار الجمهور عن سبب تحميلها مزيداً من المسؤولية على الأفراد، ومن الناحية المثالية، معالجة مخاوف أولئك الذين قد لا يكونون مستعدين، وكذلك أولئك الذين لا يزالون معرضين لخطر أكبر، مثل المناعة المعرضة للخطر.
    وفيما نقترب مبدئياً من نهاية فترة أزمة الوباء، يحتاج القادة إلى مساعدة الناس على وضع المخاطر في نصابها الصحيح. إذا لم توضح البلدان كيف ستتعامل مع المقايضات الوبائية، فعليها أن تفعل ذلك الآن. فكلما استغرق الأمر وقتاً طويلاً لإدراك أن خطر فيروس «كوفيد» آخذ في الانخفاض، طال أمد الأزمة وزادت الانقسامات التي ستخلقها. إذا حوّلت المتغيرات الجديدة النهاية المفترضة (على الأقل بالنسبة للدنمارك) إلى وقفة قصيرة، فإن مثل هذه الانقسامات ستجعل الجولة التالية مع الفيروس أكثر صعوبة.
    عن «نيويورك تايمز»

    http://www.alhourriah.ps/article/73932