• ذكرى الانقسام.. عمر القضية الذي ضاعَ هباءً!
    2020-06-14
    غزة (الاتجاه الديمقراطي) (تقرير شيرين خليفة)
    لا تزال تذكر ذلك اليوم جيدًا، امتلأت آنذاك أروقة مستشفى «كمال عدوان» المجاور لمنزلهم شمال قطاع غزة، بمئات المصابين.
    من داخل غرفتها كانت فاطمة أبو ندى تسمع صرخات الألم والحسرة، ذلك التاريخ لن تنساه ما بقيت حية: الرابع عشر من يونيو/ حزيران لعام 2007م «ذكرى الانقسام الفلسطيني الأسود».
    «كانت الاشتباكات تدور قرب منزلنا»، تقول فاطمة التي بلغت من العمر ثلاثة عقود، لم تخض خلالها أي تجربة انتخابية، تضيف: «كان يفترض أن أمر بتجربة الانتخاب 10 مرات على الأقل خلال سني حياتي، بين تشريعية ورئاسية وبلديات».
    تنهّدت بعمقٍ، وراحت تهز رأسها يمينًا وشمالًا، قبل أن تكمل: «في ذلك اليوم قتل ابن عمي، كنا نستعد لخطبته بعد أن تم الاتفاق مع أهل العروس، لكن بدل أن نزفه عريسًا حملناه قتيلًا»، تصمت ثم تزيد: «لم نتوقع أبدًا أن تصل الأمور إلى ما وصلت إليه، رغم أننا كنا نسمع ونرى اشتباكات متفرقة بين قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية، وتلك التابعة لحركة حماس: منذ بداية عام 2006م، عقب الانتخابات التشريعية، وفوز الأخيرة بالحكم.
    أكثر ما يؤذي مشاعر فاطمة وهي تتذكر ذلك اليوم، أن الشباب الفلسطيني هو من دفع ثمن ما فعله الساسة، هم لم يحرموا فقط من خوض تجربة الانتخاب، بل عاشوا تفاصيل ما سببته تلك الأحداث من ارتفاع في نسب ظواهر الفقر والبطالة، ووقوعٍ في فخ الهجرة التي أودت بحياة الكثيرين منهم، وعرضت كثيرين غيرهم للملاحقة من قبل خفر السواحل الإيطالية واليونانية والتركية وغيرهم.
    رغم ذلك، تدين فاطمة مواقف الفصائل الفلسطينية على مدار ثلاثة عشر عامًا، معقبةً: «متأكدة، أننا سنرى الكثير من البيانات، وربما بعض الفعاليات في ذكرى الانقسام تدين وتشجب الإنقسام، وتدعو إلى الوحدة، لكن دون أدنى تطبيق لذلك على أرض الواقع».
    فاطمة فقدت الثقة بالتنظيمات، لدرجة أنها كانت تنتمي لأحدها، وغادرته بسبب ذلك، «فهم لم يقدموا شيئًا للوطن.. هذه حقيقة، القضية تضيع، وصفقة القرن تمر، وقرار الضم على وشك التنفيذ، وكل فصيل يسعى لمصلحته فقط» تقول، مستدركة في ختام حديثها: «ليس أمامنا سوى الوحدة، وإلا فالانفصال قادم».
    تجربة الشابة أسماء حامد (31 عامًا) لم تكن مختلفة، فأثناء أحداث الانقسام، وبينما كان الإخوة المنشقين يتبادلون إطلاق النيران، كانت هي تخوض اختبارات الثانوية العامة، ولا تنسى مطلقًا كيف فقدت تركيزها من شدة الخوف، ما تسبب في النهاية بحصولها على معدلٍ أقلّ من المتوقع في هذا العام خاصة في المواد العلمية.
    تقول: «الحراكات الشبابية حينها حاولت أن تفعل شيئًا لوقف هذا المشهد الدموي، تظاهر بعضهم في الشارع وتعرّضوا للخطر، لكن الأمور كانت أكبر بكثير مما كنا نظن، لقد حدث ما لم يكن بالحسبان، وانقسم الوطن».
    أسماء توافق فاطمة «فالشباب الفلسطيني أكثر من دفع الثمن»، هي تدرك جيدًا أنهم يعانون أيضًا من حالة تهميش سياسي، أضعف دورهم حتى داخل فصائلهم، وأنهم دفعوا ثمن تبعات الانقسام، من فقرٍ وبطالةٍ وتعصب، حتى وصلوا إلى فكرة الهجرة لعلهم يلحقون بما تبقى من عمرهم الذي يضيع هنا هباءً.
    وتضيف: «مع تردي الأوضاع الاقتصادية التي بات يعاني منها الجميع، أعتقد أن ظاهرة التعصّب التي كانت على أشدّها في ذلك الوقت انخفضت تدريجيًا بالنسبة للشباب الذين لا ينتمون بشكل فعلي لأي فصيل، وهنا أقصد المحايدين أو من كانوا مقتنعين بفصائل معينة ولكن ليسوا عناصر فيها»، وتفسر ذلك بأن الشباب اكتشفوا زيف الكثير مما يحدث حولهم، وكيف أن الوطن والمواطن كانوا ضحية لكل ما يجري.
    وتجزم أسماء أن الشباب الفلسطيني، ما عاد يتابع أخبار المصالحة لفقدانه الثقة بالقيادات وقناعته بأنهم لن ينجزوها، وأن أي حديث عن المصالحة حاليًا «هو مجرد وهم، لأننا فقدنا الحماسة في انتظار الحديث عن المصالحة» تعلق.
    وتابعت :«لو أن ما يجري كان من أجل الوطن، لما وصلنا إلى مرحلة أن البلاد تتفتت، الآن نحن في أضعف أحوالنا السياسية، فماذا بوسعنا أن نفعل؟ إيماني الشخصي يكمن في أن الذين خرّبوا لن يستطيعوا أن يعمّروا الأرض يومًا».
    الناشط الشاب فؤاد بنات، علّق على ذكرى الانقسام بعد مرور 13 عامًا بقوله: «نرى بأعيننا انهيار القضية الوطنية، وتدهور الوضع الاقتصادي، ومزيدًا من التفسخ في الحالة الاجتماعية»، مضيفًا: «إننا وبعد 13 عامًا من الانقسام، وتحديدًا على الصعيد الوطني، نرى اتجاه الكثيرين للتطبيع مع الاحتلال كنتيجة طبيعية للانقسام الفلسطيني».
    ويتابع: «المؤامرات باتت تتفاقم ضد القضية الفلسطينية، صفقة القرن التي هم أبرز المؤامرات التي تحاك لمصادرة حقوق الشعب الفلسطيني المتمثلة بالأرض، وتحويل الضفة الغربية إلى «كنتونات صغيرة»، وتغول المستوطنات، إضافةً إلى مصادرة حقوق اللاجئين بالعودة، وحق تقرير المصير»، مردفًا بالقول: «اليوم وفي ظل هذه المرحلة العصيبة، تقرر حكومة الاحتلال ضم المزيد من الأراضي على طريقة الفصل العنصري وسرقة الأرض كما حدث منذ 72 عامًا».
    أما على صعيد الشباب، فالأمور لم تكن بأفضل حال، لقد تعرضوا طيلة فترة الانقسام –والقول لفؤاد- للملاحقة الأمنية، وكل أشكال الانتهاك لحقوقهم الأساسية، وحرياتهم العامة، وقد فصّلت كلًا من حكومتي غزة ورام الله، قوانين خاصة لملاحقة منتقديهم من أجل زجهم في السجون.
    وبالنسبة لباقي الحقوق المدنية والاقتصادية، فقد عانى الشباب الفلسطيني من تبعات الحالة الاقتصادية، والفقر، والحرمان من الحق الكامل بالتعليم، وبلغت نسب البطالة معدلاتٍ جنونية لتصبح عالميًا من أعلى المعدلات، قياسًا بالكثافة السكانية.
    هذا كله كما يقول فؤاد، «دفع الشباب إلى البحث عن سبل النجاة عبر الهجرة حتى غير الشرعية منها نتيجة حالة اليأس، لذلك المطلوب منا: الذهاب فورًا نحو الوحدة الوطنية، والضغط على صناع القرار لإعادة اللُحمة الوطنية، ومعالجة القضايا الداخلية العالقة»، يزيد بأسى: «الواقع يراوح مكانه، حتى قرار الضم لم يوحد الموقف الفلسطيني حتى الآن».
    المصدر: شبكة نوى

    http://www.alhourriah.ps/article/63024