• الاوضاع الاقتصادية لفلسطينيي لبنان .. انهيار اقتصادي من يوقف تداعياته
    2019-11-18
    تشير معظم الدراسات والمعطيات الاحصائية التى اجريت من قبل اكثر من جهه محلية ودولية، ان الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية للشعب الفلسطيني في لبنان قد اصبحت في ادنى مستوياتها، وتترجم من خلال المستوى المعيشى السيء ومستوى دخل الفرد والاسرة المتدني ونسب البطالة المرتفعة وازدياد مستوى الفقر خاصة داخل المخيمات، حيث وصلت الامور الى حد الكارثة الحقيقية خاصة خلال الاشهر الاخيرة، بعد ان تخطى المؤشر البياني الانحداري كل المعايير الانسانية التي تجاوزت في سوءها اوضاع المناطق اللبنانية النائية والاكثر فقرا.
    فوفقا لارقام وكالة الغوث في كانون الثاني 2018، بلغ عدد المسجلين في لبنان (524.340) لاجئ موزعين على (12) مخيما ونحو (156) تجمعا فلسطينيا غير رسمي تنتشر على المحافظات اللبنانية الخمس، فيما اكد "التعداد العام للسكان والمساكن في المخيمات والتجمعات الفلسطينية في لبنان"، الذي نفذته "لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني" بالشراكة مع ادارة الاحصاء المركزي اللبناني والجهاز المركزي للاحصاء الفلسطيني ان عدد الفلسطينيين المقيمين فعليا في لبنان هو (174 الف) لاجئ فلسطيني.. ووفقا لهذا التعداد فقد اشارت الارقام الى ان نسبة البطالة بلغت نحو (18.4 بالمائة) من حجم القوى الفلسطينية العاملة البالغة (51393)، غير ان الواقع الفعلي يؤكد ان الرقم اعلى من ذلك بكثير..
    وكانت الدراسة التي اجرتها الجامعة الأميركية في بيروت والأونروا حول الحالة الاقتصادية والاجتماعية للّاجئين الفلسطينيين في لبنان عام 2015 اكثر وضوحا بدق ناقوس خطر جدي وضعته برسم المرجعيات المعنية التي لم تحرك ساكنا ولم تتخذ من الاجراءات ما يضع حدا لحالة التدهور الشامل في الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية الآخذة بالتراجع. فقد جاء في الدراسة التي تكمل دراسة اخرى اجريت عام 2010 بأن ثلثي الشعب الفلسطيني فقراء ولا يستطيعون تأمين الحد الأدنى من حاجاتهم الغذائية وغير الغذائية الضرورية وان حوالي (6.6 بالمائة) يعانون من فقر شديد، وهذين رقمين يؤكدان ان معاناة الشعب الفلسطيني قد وصلت الى مستويات متقدمة من الخطورة.
    وعن قضايا العمل والعمال اشارت الدراستين ان ( 56 بالمائة) من الفلسطينيين عاطلون عن العمل، وهو ما اثر عن القدرة الشرائية للاجئين الذين يعاني (15 بالمائة) منهم من فقدان حاد للأمن الغذائي ويحتاجون إلى مساعدة غذائية ملحة وان (63 بالمائة) يعانون من فقدان الأمن الغذائي. وما جعل من هذه المعطيات مشكلة حقيقية هو ان (95 بالمائة) من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان غير مشمولين بأي تأمين صحي، وتعتبر الاونروا الجهة الوحيدة التي تتولى الرعاية الصحية الأولية والثانوية.
    هذا هو الواقع الاقتصادي والمعيشي للشعب الفلسطيني في لبنان، وهو واقع صعب ناجم عن تخلف المرجعيات الخدماتية المعنية بتقديم الخدمات (الاونروا، الدولة اللبنانية ومؤسسات منظمة التحرير). وهذا ما يهدد النسيج الاجتماعي للاجئين داخل المخيمات التي تشهد كثافة سكانية قلما نجدها في منطقة اخرى، بكل ما لذلك من انعكاسات طالت جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والصحية والبيئية:
    # - ان انعدام الامن الغذائى ناجم عن تراجع حاد في مجالات العمل، قبل وبعد اجراءات وزارة العمل التي ضاعفت من حدة المشكلة ودفعت الكثير من المؤسسات اللبنانية الى صرف العمال الفلسطينيين وتترد في استقبال عمال جدد نتيجة الملاحقات القانونية من قبل مفتشي وزارة العمل، بطلب من وزير العمل في حكومة تصريف الاعمال اللبنانية.. وهذا قاد الى ارتفاع نسب البطالة الى ارقام خيالية تترجمها حالة الشباب داخل المخيمات التي تسعى بكل الطرق والوسائل الى تأمين قوت عائلاتها.
    # - تراجع حاد في الامن الصحي للاجئين الفلسطينيين في لبنان فى ضوء تقليص خدمات الاونروا وتراجع الدور المناط بها لجهة توفير الطبابة وتأمين الدواء اللازم بشكل مجاني خاصة للمرضى الذين يعانون من امراض عضال او امراض مزمنة او تلك التي تتطلب عمليات جراحية عاجلة ويعجز اصحابها عن تأمين تكاليفها، وان تأمنت يعجزون عن تأمين الادوية المخصصة لها، وهو ما يدفع بالكثيرين الى طلب يد العون من المؤسسات الاجتماعية ومن الاقارب واحيانا الى التسول من اجل تغطية مبالغ باهظة تتطلبها بعض العمليات الجراحية.
    # - الامن التعليمي في ظل انخفاض موازنة قسم التعليم في وكالة الغوث التي ازدادت حدة منذ العام 2015. اما في المؤسسات الرسمية فان اللاجئ الفلسطينى فى لبنان، ونظرا لاعتباره أجنبىا، فان نسب حظوظه فى التعليم الحكومي محدودة جدا، وفى بداية كل عام دراسي تنكشف هذه المعضلة ويتم تهديد البعض من الطلاب المسجلين فى المدارس الحكومية بالطرد تحت حجة "لا اماكن شاغرة" نتيجة اقبال الطلبة اللبنانيين بسبب زيادة كلفة التعليم الخاص وارتفاع الاقساط السنوية ما يجبر العائلات الفقيرة الى مغادرة المدارس الخاصة والتوجه نحو المدارس الحكومية..
    # - الامن السكني هو احدى المشكلات البارزة التي تبدو واضحة في الكثافة السكانية المرتفعة، خاصة في المخيمات الكبيرة كمخيم عين الحلوة والبداوي وبرج البراجنة، التي تعاني جميعها من نقص في صيانة شبكات الصرف الصحي وشبكات الكهرباء العشوائية التي ادت الى وفاة العديد من الفلسطينيين. هذه الخلاصة تؤكد حقيقة أن أماكن سكن (78 بالمائة) من أسر اللاجئين الفلسطينيين تشكو من الرطوبة، و (62 بالمائة) من المنازل تعاني من تسرب المياه، أما (52 بالمائة) منها فتعاني من سوء التهوية و( 55.2 بالمائة) تشكو من الإضاءة السيئة للغاية.
    كل هذه المشكلات زادت حدتها وتضاعفت بفعل عدة تطورات انعكست سلبا على عموم الحالة الفلسطينية في لبنان ودقت ناقوس خطر على ضرورة معالجة تداعياتها على اكثر من مستوى.. وان الشعب الفلسطيني الذي كان يعيش تداعيات اجراءات وزارة العمل التي امتدت لأكثر من شهرين وما رافقها من تحركات شعبية واقفال للمخيمات، جاءت التحركات الشعبية اللبنانية وما صاحبها من اقفال للطرق في جميع المناطق لتضع الكثير من العائلات الفلسطينية في المخيمات امام حالة عوز شديد لعدة اسباب منها:
    - عدم تمكن العمال الفلسطينيين من الذهاب الى اعمالهم وتحديدا اولئك الذين يعملون بشكل يومي ويتقاضون اجورهم على هذا الاساس.
    - أن ثلاثة ارباع اللاجئين يعيشون في مخيمات محاذية لمناطق لا زالت تشهد تظاهرات شعبية (طرابلس وصيدا وبيروت نسبيا) ما يحد من امكانية الحركة، خاصة في ظل الدعوات الدائمة من فصائل ومؤسسات بالابتعاد عن التجمعات الشعبية اللبنانية ونقاط الاحتكاك.
    - أن معظم المهن التي يعمل فيها فلسطينيون قد تأثرت بالاوضاع المستجدة في لبنان (بائعين متجولين وعمال بناء ومزارعين).
    ان كل هذه الامور مضافا اليها الواقع الاقتصادي والاجتماعي الصعب للعائلات الفلسطينية في لبنان والتي تشكو اصلا من اوضاع صعبة تترجمها النسبة الاعلى بين مناطق عمليات الاونروا الخمس في "حالات برنامج شبكة الأمان الاجتماعي" والبالغة (11.8 بالمائة) اي نحو (62 الف نسمة)، كما تترجمها نسب الفقر المرتفعة (60-70 بالمائة) وارتفاع نسب البطالة خاصة بين صفوف الشباب (74 بالمائة)..
    ان كل المعطيات السابقة يجب ان تشكل جرس انذار بالنسبة لجميع الهيئات المعنية اللبنانية والفلسطينية وايضا وكالة الغوث حول التداعيات السلبية لاستمرار الاوضاع الاقتصادية للشعب الفلسطيني في لبنان على بؤسها، مع التحذير من انعكاسات ذلك على اكثر من صعيد، وهذا ما يتطلب بالتأكيد من وكالة الغوث لتحمل مسؤولياتها لجهة اغاثة العائلات الاكثر فقرا او تلك التي تأثرت بالاحداث الاخيرة، سواء كانوا من لاجئي لبنان او المهجرين الفلسطينيين من سوريا، عبر تبنى خطة طوارئ سريعة تستجيب للواقع المستجد. دون ان نغفل مسؤولية الفصائل الفلسطينية واللجان الشعبية ومؤسسات المجتمع المدني المدعوة الى تنسيق جهودها لجهة العمل بشكل موحد سواء عبر تقديم المساعدات الاغاثية العاجلة او لحث المنظمات والمؤسسات الدولية على توفير الاحتياجات الغذائية والمعيشية للعائلات المحتاجة..
    ان ما يعيشه الشعب الفلسطيني في لبنان من اوضاع اقتصادية واجتماعية صعبة، وان كانت اسبابها الظاهرة اقتصادية وتتعلق بتخلف المرجعيات المعنية عن اداء واجبها، الا ان الجذر الاساس لها هو سياسي ويتعلق بالاستهداف المباشر للاجئين الفلسطينين في لبنان وجميع تجمعات اللاجئين في الشتات، وما اجراءات وزارة العمل اللبنانية الاخيرة ضد العمال الفلسطينيين في لبنان الا احد نماذج هذا الاستهداف الذي يتقاطع في احد نقاطه مع المشروع الامريكي الاسرائيلي للتسوية والمعروف بـ "صفقة القرن". ■

    http://www.alhourriah.ps/article/59265