• السلطة تنقم على منتقديها .. و«القضاء» يترجم انتقامها
    2019-10-27
    غزة (الاتجاه الديمقراطي) (تقرير وسام زغبر)
    أثار قرار محكمة صلح رام الله حجب 59 موقعاً إلكترونياً وصفحةً على مواقع التواصل الاجتماعي بدعوة من النيابة العامة، حالة من السخط والغضب في أوساط الصحفيين الفلسطينيين، وسط مطالبات للسلطة وحكومتها والجهات القضائية المختصة بالتراجع عن هذا القرار الجائر بحق الصحافة الفلسطينية.
    وقالت النيابة في طلبها المُقدم للمحكمة،إن«أسباب الحجب تعود إلى أن تلك المواقع تقوم بالتهجم والإساءة لرموز في السلطة الوطنية، وتقوم بنشر ووضع عبارات وصور ومقالات عبر الشبكة العنكبوتية، من شأنها تهديد الأمن القومي والسلم الأهلي، والإخلال بالنظام العام والآداب العامة، وإثارة الرأي العام الفلسطيني».وردت المحكمة في (17/10) بإجازة الحجب استناداً لنص المادة 2/39 من القرار بقانون رقم (10) لسنة 2018 بشأن الجرائم الإلكترونية.
    يوم أسود
    ووصفت نقابة الصحفيين الفلسطينيين قرار محكمة الصلح بأنه «مجزرة بحق حرية الرأي والتعبير ووسائل الإعلام الفلسطينية، ويوم اسود في تاريخ الصحافة الفلسطينية»، مؤكدةً أن القرار يُشكل استهتاراً بنقابة الصحفيين والجسم الصحفي عموماً.
    وأشارت النقابة إلى أن قيام النيابة العامة بطلب حجب هذه المواقع يُناقض كل التعهدات والتفاهمات السابقة مع النقابة ويحللها من أية التزامات بهذا الشأن. مطالبة مجلس القضاء الأعلى باتخاذ ما يلزم من إجراءات لنقض هذا القرار وإنهاء أثره ومراجعة الآلية التي اتخذ بها.
    وردّ المتحدث باسم حكومة السلطة الفلسطينية إبراهيم ملحم، على القرار، بمطالبة جهات الاختصاص بالعمل على مراجعة القرار حسب الإجراءات القانونية واجبة الإتباع والتسلسل.
    وأوضح مراقبون فلسطينيون أن قرار محكمة الصلح حجب المواقع الإلكترونية يتناقض مع جملة من التصريحات التي أطلقها رئيس الحكومة محمد اشتية وتعهد بصون حرية الرأي والتعبير واحترام الصحافة والصحفيين كأحد ركائز الحقوق والحريات، وقبول الانتقاد البناء من خلال السياسات والتشريعات التي ستعمل على حماية الصحفيين والمواطنين. وقال اشتية في تصريح صحفي (22/10)، «طلبنا من النائب العام وجهات الاختصاص إعادة النظر في قرار حجب المواقع والصفحات الإلكترونية».
    وعبر تيسير خالد عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وعضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية، عن رفضه لكل محاولة يفهم منها بأي شكل من الأشكال تسييس القضاء والزج به في الخلافات السياسية مهما كانت دوافعها.
    واعتبرت حنان عشراوي عضو اللجنة التنفيذية للمنظمة أن الرقابة سواء على الانترنت أو باقي أشكال الاتصال تمس بالحقوق الأساسية للإنسان الفلسطيني، وتتنافى مع القوانين الدولية التي كفلت حرية الرأي والتعبير وتعيق توجهات دولة فلسطين التوقيع على العديد من الاتفاقيات الدولية ذات العلاقة.
    تصفية حسابات
    ويرى المراقبون أن تصريحات المسؤولين في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وحكومة السلطة الفلسطينية إلى جانب رئيس الحكومة محمد اشتية المنددة بقرار الحجب، يؤكد صحة القول إن «رئيس السلطة محمود عباس يُشرعن القوانين ويُمسك بالسلطات الثلاث، ويستعمل السلطة القضائية كأداة في تصفية الحسابات السياسية مع خصومه من الأحزاب والقوى ومنتقديه في الرأي».
    ووصف المكتب الصحفي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين بقطاع غزة، قرار الحجب المواقع، بأنه مؤشر خطير على ارتفاع منسوب انتهاك الحريات في فلسطين. مشدداً على أن القرار القضائي الجائر الذي يستند للقرار بقانون رقم (10) لعام 2018 بشأن الجرائم الإلكترونية، السيف المسلط على رقاب الصحفيين والمواطنين على السواء، يُعد تضييقاً على الحريات الإعلامية ومساساً بحرية الرأي والتعبير المكفولة دولياً، وانتهاكاً فاضحاً للقانون الأساسي الفلسطيني وقانون المطبوعات والنشر.
    ودعا المكتب الصحفي للجبهة رئيس حكومة السلطة اشتية للوفاء بتعهداته التي أكد فيها أن حكومته رفعت سقف الحريات، بالقيام بدوره لوقف قرار الحجب ووقف العمل بقانون الجرائم الإلكترونية.
    ودانت الأطر والمؤسسات الصحفية (التجمع الإعلامي الديمقراطي، التجمع الصحفي الديمقراطي، التجمع الإعلامي الفلسطيني، المكتب الحركي المركزي للصحفيين، كتلة الصحفي الفلسطيني، ومنتدى الإعلاميين الفلسطينيين) قرار حجب المواقع، مُعدين ذلك مساساً بحرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة والإعلام، وانتهاكاً للقانون الأساسي الفلسطيني وقانون المطبوعات والنشر.
    وطالبت الأطر كافة، الجهات المعنية بالتراجع الفوري عن القرار والعمل على دعم الإعلام الفلسطيني في مواجهة الدعاية الإسرائيلية التي تستهدف وعي شعبنا وتزييف الحقائق.
    تعديل «الجرائم الإلكترونية»
    وعلى إثر هذا القرار، نظمت نقابة الصحفيين (22/10) مؤتمراً صحفياً بمقرها في مدينة رام الله، ووقفة احتجاجية أمام مقرها في مدينة غزة، وأعلن نقيب الصحفيين ناصر أبو بكر في المؤتمر برام الله أن النقابة قررت التوجه للقضاء والاستئناف على قرار المحكمة القاضي بحجب المواقع الإلكترونية.
    ودعا أبو بكر لإقرار قانون حق الحصول على المعلومات وتعديل قانون الجرائم الإلكترونية المتعلق بحرية الإعلام. مضيفاً: «من لم تعجبه المواقع الالكترونية الحالية فليقدم البديل والقارئ من يميز».
    وفي ذات السياق، أكد نائب نقيب الصحفيين الفلسطينيين تحسين الأسطل في وقفة احتجاجية بغزة (22/10)، أن ما يحصل جريمة لا بد من التراجع عنها وأخذ قرارات جريئة لحماية الحريات الفلسطينية في الوقت الذي يواجه الصحفيون الاحتلال بكل قوة.
    ودعا ممثل التجمع الإعلامي الديمقراطي وسام زغبر، لوقف القرار الجائر والمدان بحق الحريات الصحفية، مطالباً السلطة الفلسطينية ورئيسها بالتراجع عن القرار وإطلاق الحريات الإعلامية ووقف العمل بقانون الجرائم الإلكترونية الذي أُسس لانتهاك الحريات الإعلامية وليس حمايتها.
    ويتواصل حجب المواقع الإلكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي، وملاحقة الصحفيين واعتقالهم وتلفيق تهم بحقهم، وانتهاك الحريات الإعلامية والعامة بما فيها التضييق على الصحفيين وملاحقة نشطاء التواصل الاجتماعي سواء في غزة أو الضفة، في الوقت الذي يُقيّد «الفيسبوك»المحتوى الفلسطيني.
    خرق للقانون
    ودعت مؤسسات حقوقية وقانونية في (22/10/2019) السلطة الفلسطينية للتراجع عن قرار الحجب، لما يمثله من خرق للقانون الأساسي الفلسطيني الداعي لحرية الرأي والتعبير.ورأت شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية، أن قرار الحجب يُظهر كم الاستهتار والرغبة الجامحة باستصدار قرار يفتقر للمحاكمة العادلة وإغفال لحقوق الأشخاص المستهدفين.واعتبر المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان قرار حجب المواقع يسيء للسلطة القضائية ويتناقض مع المساعي لعقد الانتخابات العامة التي تتطلب إطلاق الحريات.
    وأعلنت الهيئة المستقلة لحقوق المواطن، أنها تقدمت بطلب للمحكمة بالتراجع عن القرار بناء على تفويض من القائمين على بعض المواقع التي طالها الحجب.وطالب مدير المركز الفلسطيني للتنمية والحريات الإعلامية «مدى» موسى الريماوي بموائمة القوانين والتشريعات الفلسطينية الناظمة للقطاع الإعلامي بما يتوافق مع القوانين الدولية.
    ورأى المختص في مجال حقوق الإنسان والحريات الإعلامية ماجد العاروري، أن القرار لم يخضع للتدقيق ويحمل أبعاداً سياسية ومرتبط بتدخلات خارجية بشأن المحاكم.
    ويثير قرار المحكمة حجب المواقع والصفحات تساؤلاً،«لماذا لا تجرؤ السلطة على حجب مواقع أو صفحات إسرائيلية، رغم أنها تعجّ بالتحريض على نشر الكراهية ضد الشعب الفلسطيني، بينما تُلاحق عشرات المواقع والصفحات الإلكترونية بالحجب تحت سيف قانون الجرائم الإلكترونية المسلط للنيل من المعارضين ومنتقدي الرأي■.
    المصدر: مجلة الحرية في العدد 1747

    http://www.alhourriah.ps/article/58843