• »المنقلة« .. المستطيل الخشبي وحكايات الحجارة
    2018-12-24
    كتب محمد أبو الرب- جنين
    هي أكثر من قطعة خشبية ذات لون بني، صقلتها أنامل امتزجت بتراب الأرض، وفيها 98 حجراً صغيراً موزعة على أربع عشرة حفرة، لتتشكل بعد ذلك خريطة القرية بحقولها ومحاصيلها المختلفة.
     لعبة "المنقلة" كما درجت تسميتها في قرية "جلبون" إلى الشرق من مدينة جنين، كما في العديد من البلدات والقرى في الريف الفلسطيني، خاصة في شمال الضفة الغربية.
     بعد صلاة العصر، من كل يوم تقريباً، اعتاد كبار السن في القرية التجمع في أحد المقاهي وسط القرية، حول قطعة الخشب مستطيلة الشكل، ليتم اختيار اثنين من بينهم لبدء اللعبة.
     هي لعبة تتكون من 98 حجراً موزعة على 14 حفرة، كما أسلفت، تتوسط قطعة الخشب في كل خانة منها سبعة حجارة، وعادة ما تجمع حجارتها من أطراف الوديان كون ملمسها عادة ما يكون ناعماً وأملس.
     ويقول الستيني أبو هاني، بينما يوزع حجارته بعد أن أعد حسبتها لمنع خصمه أبي هشام من "أكل" حجارته: هذه لعبتنا نحن كبار السن.. نتجمع هنا بعد أن ننهي عملنا في يوم شاق ونلتف حولها.
     ويتابع: "نتجمع حول اللعبة، منّا من يلعب، والآخرون يقوم بدور متفرجين، ولكن لا يخلو الأمر من تدخلات هنا وهناك لصالح أحد الطرفين".
    أنهى أبو هاني للتو لعبةً إلى جانب المعمر أبي راجح، أحد أقدم من مارس هذه اللعبة في القرية، الذي بدا منتشياً بالفوز، حيث عبّر برفع شارة النصر، تعبيراً عن فوزه من ناحية، وعن عدد الاشواط التي فاز بها، أي شوطين اثنين.
    وتدخل أبو العبد، رضا أبو الرب، ليتحدث عن تاريخ اللعبة، مؤكداً أنها سبقت العهد الاردني في البلاد، لكنه لا يكاد يتذكر السنوات الأُولى لبدء هذه اللعبة في "جلبون" على وجه الخصوص، وقال: منذ عشرات السنين ونحن نمارس هذه اللعبة.
    وتتعدى اللعبة كونها أداة للتسلية، كما يؤكد أبو نظمي، أحد ممارسيها من ضيوف المقهى الدائمين، مضيفاً: "المنقلة" وسيلة تسلية لا شيك، ولكن هناك حكايا وأحاديث تنسج في إطار ممارستها، إلى جانب متابعة تحركات اللاعبين الأساسين وتنقلاتهم".
    وتتميز القرية بطبيعتها الزراعية الموسمية لتسيطر على الأحاديث، هموم الموسم الزراعي، وآمال المزارعين وطموحاتهم بموسم وفير، خاصة في فصل الشتاء، غير متناسين الدخول في جدل أحياناً حول نسبة هطول الامطار.
    وبذلك تقفز "المنقلة" على عرش جلسات الحوار والنقاش، لتكون وسيلة لتناقل الحاكايا ما بين رجال القرية، بل والأخبار والأحداث.
    ولم تتوقف اللعبة عند كبار السن، فقد تعلم بعض الشبان أساليب اللعبة، وتعلموا خفاياها وخططها ليزاحموا أحياناً الشيوخ على لعبها، وهي بذلك تكون من الموروثات الشعبية الفلسطينية التي يتوارثها جيل بعد جيل.
    وفيما يتعلق بطريقة اللعب، فإن "الحجارة توزع على الـ14 حفرة بحيث يكون في كل حفرة سبعة أحجار، ومن ثم تجرى القرعة لمعرفة البادئ باللعب، ليبدأ الأول بأخذ الحجارة من إحدى الحفر، ووضع حجر في حفرة باتجاه عكس عقارب الساعة، فإذا انتهى من الحفر التي تخصه ينتقل إلى حفر خصمه، وعندما ينتهي من توزيع حجارة حفرته يبدأ اللاعب الثاني بالطريقة ذاتها.. ومع الاستمرار في اللعب يصبح عدد الحجارة في كل حفرة متفاوتاً، حيث يقوم كل لاعب أثناء لعب زميله بعدّ الحجارة في كل حفرة من الحفر التي تخضع لتوزيعها بشكلٍ مناسب، وبعملية حسابية ما يستطيع معرفة الحفر التي سيبدأ بتوزيع حجارتها من أجل الربح، وإذا وصل لاعبٌ في نهاية التوزيع إلى حفرة فيها حجر واحد، بحيث لو أضاف إليها حجراً آخر في يده لأصبح في الحفرة حجران، فإنه يربح الاثنين، سواء أكان ذلك في حفرة تخصه أم تخص زميله، فيما يربح اللاعب أيضاً إذا انتهى إلى حفرة فيها ثلاثة حجارة، بحيث لو أضاف لها حجراً آخر في يده تصبح أربعة، أو كما يقال (طورة)، وهنا يربح الحجارة الأربعة، وهكذا.. واللاعب الذي يربح أكبر عدد من الحبات في الحفر نهاية اللعبة يعتبر فائزاً.
    و"المنقلة" لعبة شعبية متداولة في بلاد الشام، وتدعى في بعض الأحيان بـ"لعبة المتقاعدين"، وهي تحتاج للذكاء كما هي حال "الشطرنج"، واستُوحيت كلمة "منقلة" من فعل نقل الحجر، أي تحريكه من حفرة إلى أُخرى على لوح الخشب، وهي كما تشير بعض المراجع الأُخرى، ليست عثمانية الأصل، بل ذات أصول تركية قديمة، بل يُعتقد أن تاريخها يعود إلى القرن السادس الميلادي.

    http://www.alhourriah.ps/article/52225