• فهد سليمان: فشل أوسلو ، ليس في إقامة الدولة المستقلة فحسب، بل وكذلك في إقامة حكم إداري ذاتي بات يتقلص تحت تغول الإدارة المدنية للاحتلال
    2018-12-21

    دمشق (الاتجاه الديمقراطي)

    قال فهد سليمان، نائب الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين إنه لم يعد مجدياً بعد الأن بالتمسك ببقايا أوسلو وبقايا الحكم الذاتي، في وقت يستعر فيه استيطان الضفة الفلسطينية، وتهويد القدس وقلب الخليل ومحيطها، وفي الوقت الذي تتمادى فيه آلة القمع الإسرائيلية بارتكاب جرائم حرب وبتهويد الوجود الفلسطيني.

    وخلص فهد سليمان إلى أن سياسة أوسلو فشلت، ليس في إقامة دولة فلسطينية مستقلة فحسب، بل فشلت أيضاً في إقامة حكم إداري ذاتي، باتت مساحته وصلاحياته تتقلص لصالح الإدارة المدنية، التي أخذت منذ فترة، غير قصيرة، تنتزع منه الصلاحيات والمساحات الجغرافية.

    ودعا فهد سليمان إلى إنهاء الإنقسام، واستعادة الوحدة الداخلية، وإجراء إنتخابات شاملة تشريعية ورئاسية، مشدداً على أن الإنتخابات القادمة، إن هي جرت، في الداخل والخارج، من شأنها أن ترسم خارطة سياسية جديدة، لن يكون فيها لا لحماس، ولا لفتح، النفوذ ذاته، بما يمكن من إقامة علاقات وطنية متوازنة، تقوم على مبادئ الائتلاف الوطني والتشاركية.

    وكان فهد سليمان يتحدث في المهرجان الوطني الكبير، الذي دعت له الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، في مخيم جرمانا، للاجئين الفلسطينيين، قرب العاصمة السورية دمشق، إحياء لذكرى شهيدها وأمين سر لجنتها المركزية اللواء خالد عبد الرحيم، تحدث فيه صف واسع من قادة الفصائل، أبرزهم سفير فلسطين في دمشق، وأبو أحمد فؤاد نائب الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والدكتور طلال ناجي، نائب الأمين العام للجبهة الشعبية – القيادة العامة، وخالد عبد المجيد، الأمين العام لجبهة النضال الشعبي، محمود الخالدي، والدكتور محمد قيس عضو قيادة منظمة الصاعقة، وصالح عباس من الأسرى المحررين، والسيدة ثريا عبد الرحيم، زوجة الراحل الكبير.

     وفيما يلي النص الكامل لكلمة الرفيق فهد سليمان، على أن تنشر في بيان لاحق ملخصات كلمات الأخوة والرفاق الذين تحدثوا في المهرجان:

    نلتقي اليوم في ذكرى قائد وطني رحل عنا، بعد أن أمضى 50 عاماً فاعلاً، في مختلف ساحات العمل الوطني: من جيش التحرير الفلسطيني وأبطال العودة إبتداءً، إلى تأسيس أولى القواعد الفدائية في الأردن، إلى طليعة الدوريات التي عبرت إلى الضفة الغربية، فإلى أسرٍ بأحكام عالية، كسرتها عملية النورس، التي أخرجته إلى شمس الحرية، بعد أن ساهم بإطلاق الحركة الأسيرة ونضالاتها، في سجون الإحتلال، ليستعيد نشاطه – بعد أن إستعاد حريته - في القوات المسلحة للجبهة الديمقراطية، قبل أن يتولى قيادتها بعد سنوات.

    ومن هذا الموقع أتت مشاركته في المعارك التي خاضتها الثورة الفلسطينية، من حرب الجسور عام 81، إلى مواجهة إجتياح العام 82، وفي تنظيم واستنهاض المقاومة ضد الإحتلال، والتخطيط والمتابعة لعديد العمليات الناجحة، نذكر منها عملية القدس الثانية، وعملية الشهيد أبو جهاد – خليل الوزير، وعملية مرصد جبل الشيخ، أو «عين إسرائيل» بتسمية العدو.

    كانت هذه محطات، ليس إلا، في مسيرة عمل ونضال مديد، مسيرة عكست خيار جيل بأسره، إنحكمت نظرته إلى شئون العالم بأولوية التحرير، وبقناعة راسخة بحتمية إنتصار الحقوق الوطنية لشعب فلسطين.

    نلتقي اليوم في وهج أحداث كبرى، ميدانها الضفة وغزة، تداخلت فيها فعاليات المقاومة بأشكالها، ما يضعنا أمام قضيتين رئيسيتين، مازالتا خارج دائرة الحل، وتقتضيان في المقام الأول، إجابة واضحة من مركز القرار الرسمي في المؤسسة الفلسطينية: القضية الأولى تتناول تحقيق إجماع وطني، على تشخيص وتعريف طبيعة المرحلة وما يترتب عليها؛ أما القضية الثانية، فهي تتعلق بتوفير شروط تجاوز الإنقسام، واستعادة الوحدة الداخلية

     

    (1)

    القضية الأولى تتعلق بتشخيص وتعريف طبيعة المرحلة، التي يجتازها راهناً النضال الوطني التحرري، بعد أن إنتقل إلى الإنتفاضة الثالثة، منذ تشرين الأول (أكتوبر) 2015، مع إندلاع إنتفاضة الشباب وما تلاها من وقائع، تفتح على أفق واعد.

    وكما أتت الإنتفاضة الثانية في 28/9/2000، كرد على إنسداد طريق التسوية أمام إتفاقات أوسلو، تأتي الإنتفاضة الثالثة كرد على فشل جميع محاولات إستئناف عملية التسوية السياسية، بدءاً من خطة خارطة الطريق (2003)، مروراً بمؤتمر ومفاوضات أنابوليس (2007-2008) في عهد بوش الإبن، وإنتهاء بالجولات التفاوضية الفاشلة (2010 و2013-2014) إبّان ولايتي أوباما الرئاسيتين (2009-2017).

    وبعد مجيء ترامب إلى البيت الأبيض (2017)، ومعه صفقة العصر، التي يُنبيء ما تّم الإفراج عنه من بنودها، بِشرٍ مستطير على عملية التسوية السياسية بأسرها، ليس من المقدر أن تتجدد المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية على قاعدة أفكار هذه الصفقة، فالأولية هي للترتيبات على مستوى الإقليم، من بوابات التطبيع والتعاون الأمني والإقتصادي إلخ..؛ فالتطبيع مع الإقليم – على قول نتنياهو- هو المدخل لتطوير العلاقة مع الفلسطينيين(!). وبهذا يكون ثنائي ترامب – نتنياهو، قد دق المسمار الأخير في نعش مبادرة السلام العربية لعام 2002، التي قدَّمت الإنسحاب الكامل والحقوق الفلسطينية على ما عداها.

     

    من كل هذا نخلص إلى ثلاثة أمور:

    1- فشل كامل لمحاولتي إقامة دولة مستقلة بالإعتماد على عملية التسوية، بشروطها المعروفة وبالرعاية الحصرية للولايات المتحدة : المحاولة الأولى في عهد كلينتون، بدأت مع إتفاق أوسلو 1 (1993)، وانتهت مع إنهيار مفاوضات كامب ديفيد (2000)، تخللها التوقيع على 12 إتفاق ومذكرة تفاهم وبروتوكول، على مدار 6 سنوات، لم تُقِلْ عملية أوسلو – بداية - من عثرتها، ولا أخرجتها – لاحقاً – من مأزقها؛ والمحاولة الثانية بدأت مع عهد أوباما في العام 2009، بتبني القيادة الرسمية لاستراتيجية جديدة، تجمع ما بين بناء المؤسسات تحت «جلد» الإحتلال، وبين المفاوضات، والتدويل، لم تثمر شروطاً كافية لإنجاح جولتين تفاوضيتين (2010 و2013-2014)، راكمتا المزيد من الفشل، وأفضتا إلى مزيد من الإستيطان.

    2- لم يقتصر الفشل على مشروع إقامة الدولة المستقلة، بل شمل أيضاً الحكم الإداري الذاتي، الذي لحظت إتفاقات أوسلو مد ولايته على 90% من مساحة الضفة.

    غير أن شيئاً من هذا لم يتحقق، فمناطق السلطة تقلصت، وباتت مستباحة أمام الجيش الإسرائيلي منذ العام 2002، وأضحى الحكم الذاتي في واقعه الراهن، هو بقايا حكم ذاتي، بتبعية متزايدة للإدارة المدنية، التي يتعزز دورها يوماً بعد يوم، إمتداداً تنفيذياً لجيش الإحتلال.

    3- لم يعد مجدياً، بل كل الضرر، من التمسك باستراتيجية عمل وطني تقوم على بقايا أوسلو، وبقايا الحكم الذاتي، في وقت يستعر فيه إستيطان الضفة، وتهويد القدس، وقلب الخليل ومحيطها؛ وفي الوقت الذي تتمادى فيه آلة القمع الإسرائيلية، بارتكاب جرائم حرب، وبتهديد الوجود الفلسطيني.

    في هذا السياق نستنكر بشدة التهديدات الصهيونية، بالتعرض لحياة الرئيس أبو مازن، ونطالب المجتمع الدولي باتخاذ الإجراءات اللازمة، التي من شأنها أن تردع هذا التوجه المجرم، الذي ينبغي أن يؤخذ على محمل الجد، على خلفية معرفتنا بتاريخ إسرائيل في استخدام الإغتيال، كأداة من الأدوات الرئيسية في الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي

     

    (2)

    القضية الثانية التي تقتضي إجابة واضحة من القيادة الرسمية وحماس، تتعلق بتجاوز الإنقسام، واستعادة الوحدة الداخلية السياسية والمؤسسية. وفي هذا الإطار لا يمكن التوصل إلى حل، ما لم يتم الإتفاق على أمرين:

    1- موقع المقاومة – بالمعنى الإستراتيجي للكلمة – في الإستراتيجية العامة التي توجه العملية السياسية، كما وعموم العملية الوطنية التحررية.

    2- إرساء أسس واضحة للمشاركة في السلطة السياسية، بمكونيها: الحكم الذاتي بهيئاته (الرئاسة، الحكومة، المجلس التشريعي)؛ ومنظمة التحرير بهيئاتها (اللجنة التنفيذية، المجلس المركزي، والمجلس الوطني رئاسة وجسماً تمثيلياً).

    قد يقال، وسيقال، إن الإنتخابات هي التي تقدم الحل لمسألتي المقاومة والمشاركة السياسية. وهذا صحيح، والجبهة الديمقراطية للتذكير - كانت من أول وأشد المطالبين باجراء الإنتخابات، مخرجاً من المأزق الراهن، ومازالت الجبهة الديمقراطية من أصحاب هذا الرأي.

    غير أن هذا، بدوره، يستدرج السؤال التالي: لماذا لم تنعقد الإنتخابات حتى الآن، رغم الإجماع الوطني عليها من حركتي حماس وفتح، وسائر المكونات السياسية؟

    وقد تكون الإجابة بمتناول اليد، إذا ما  أخذنا بالإعتبار مايلي:

    1- نتائج الإنتخابات ستُضطر حركة فتح، كما حركة حماس، لمراجعة إستراتيجيتها السياسية، لصالح إعتماد إستراتيجية القاسم الوطني المشترك، وستضعهما – تالياً - أمام إستحقاقات مستجدة، ستكون الإستجابة لبعضها على الأقل، مكلفة، إن كان في سياسة المواجهة المباشرة مع الإحتلال، أو في شبكة العلاقات والتحالفات الخارجية (والأخيرة ليس المطلوب المجازفة بها بخفة، بل المطلوب ضبطها، بما لا يتعارض مع المصلحة الوطنية، وتحت سقفها).

    2- نتائج الإنتخابات، لن تعيد إنتاج أكثريات تلقائية لأي من الطرفين، لأنها ستعتمد نظام التمثيل النسبي الكامل أولاً؛ ولأنها - كذلك - ستكون إنتخابات عامة للداخل والخارج معاً. وفي الخارج ستكون مفاعيل الشبكة الزبائنية، التي تغذي وتديم هيمنة الحزبين «الحاكمين» على السلطة والمجتمع، في الضفة والقطاع، أقل تأثيراً. هذا ما تؤكده، على أية حال، التوازنات السياسية التي نشأت وعبَّرت عن نفسها داخل الحركة الجماهيرية ومؤسساتها في السنوات الأخيرة.

    في هذا الإطار نتوجه إلى الإخوة في حركة حماس بملاحظتين:

    ·  الملاحظة الأولى: خفض وطأة القبضة المتشددة التي تمسك بتلابيب الحالة الوطنية، السياسية والمجتمعية، في قطاع غزة، فالإنفتاح على الحالة الوطنية، بمنطق الإئتلاف المتكافيء - وليس المُستَتْبِع - يقوي الجبهة الداخلية في مواجهة معسكر الأعداء. والتجربة الناجحة التي إنفتحتم عليها، بتشكيل قيادة إئتلافية لمسيرات العودة وكسر الحصار، تؤكد ذلك.

    ·  والملاحظة الثانية: ثمة ضرورة - غير قابلة للتأجيل ــ للإنفتاح الديمقراطي التعددي، على الحركة الجماهيرية في غزة، باتحاداتها ونقاباتها وسائر تشكيلاتها، باعتماد الإنتخابات الدورية لهيئاتها، ومجالسها، بنظام التمثيل النسبي الكامل، كما هو حال مجالس الطلبة، على سبيل المثال، في الضفة الغربية، التي أتاحت لحركة حماس، بالذات، أن تتمثل فيها بحجمها الحقيقي، على الرغم من الأوضاع الصعبة التي تعيشها حماس في الضفة الغربية بشكل عام؛ فما الذي يحول دون تكريس قاعدة المعاملة بالمثل؟ فكما تعاملكم الإتحادات في الضفة، عاملوها في غزة.

    وفي السياق نفسه، نقترح على الإخوة في حركة فتح، التحلي بدرجة أعلى من الواقعية فيما يتعلق بميزان القوى الداخلي، الذي تعدّل بشكل ملحوظ في العقود الأخيرة، بحيث لم يعد بإمكان حركة فتح الإنفراد بقيادة المؤسسة الفلسطينية، بمشاركة من القوى الأخرى، تكون رمزية أو محتواة، أو محجَّمة في أفضل الأحوال. على حركة فتح أن ترى، وهي لا يمكن إلا أن ترى، أن نسبة القوى المستجدة في الحالة الفلسطينية، إذا ما تم التعبير عنها بشكل موضوعي ومسؤول، إنما تُفرِد الموقع الأول لفتح بين متساوين، وليس الأول بإلغاء أو بتحجيم قسري للآخرين

     

     

    (3)

    إنطلاقاً مما سبق، ندعو إلى إجتماع عاجل للجنة تفعيل وتطوير منظمة التحرير، بتشكيلتها المعروفة، يجري الإعداد له إعداداً متقناً، فمن يدعو إلى إنتخابات عامة بعد سنة أو ستة شهور، بمشاركة جميع القوى بدون إستثناء، وحتى تكتسي دعوته المصداقية المطلوبة، عليه أن يوفر مقومات نجاح هذا المسعى، التي تأتي دعوة هذه الهيئة القيادية  للإلتئام، في مقدمة أولوياتها.

    هذا هو الطريق الذي يقود إلى استعادة عناصر القوة الفلسطينية، من خلال إعادة بناء الوحدة الداخلية، المؤسسة على قاعدة برنامجية، تُخصِّصْ للمقاومة بأشكالها مكانها، وتُنهِّج عملية الإمساك بالسلطة السياسية، وأصول ممارستها، بإعادة صياغتها ــ ديمقراطياً - على قاعدة الشراكة السياسية.

    هل هذا ممكن؟ نحن نعتقد ذلك؛ فالعمل المشترك، في ميدان الإشتباك المباشر مع الإحتلال، يساعد على تذليل العقبات التي تعترض سبيل الوحدة، فسخونة الميدان توحِّد؛ وكذلك الأداء السياسي الوطني المسؤول يعزز هذا المنحى، كما حصل مؤخراً بالموقف الحازم للوفد الفلسطيني في الأمم المتحدة، بتوجيه مباشر من القيادة الرسمية، الذي حظي بتقدير عالٍ من قبل الجميع، والذي أدى إلى إحباط المشروع الأميركي، لإدانة حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الإحتلال، بكافة الأشكال التي تكفلها الشرعية الدولية، ومن بوابة وصم حركة حماس - زوراً وبهتاناً- بالإرهاب.

    هذا ما أردنا التأكيد عليه في هذه المناسبة، التي تجمعنا في ذكرى رحيل خالد عبد الرحيم، الذي لو طُلب منا التعريف به، وعنه، بكلمات قليلة، لقلنا: هو قائد بالفطرة والإرادة والتجربة معاً، وطني وحدوي بالأصالة، مقاوم بالنشأة والمسار، ومشروع شهيد منذ البداية

     

    فالمجد لذكراك يا خالد، كما لذكرى جميع الشهداء

     

    عاشت منظمة التحرير الفلسطينية

     

    وعاشت فلسطين


    http://www.alhourriah.ps/article/52133