• «مؤتمر باليرمو» حول ليبيا.. خلافات عميقة بين الأطراف المتنازعة!
    2018-11-28
    أظهر مؤتمر باليرمو مرة أخرى عمق الأزمة والانقسام في ليبيا، حيث كشف أن الأطراف المتنازعة غير جاهزة بعد لقبول بعضها البعض وتقبّل الاختلاف فيما بينها
    كشف مؤتمر باليرمو حول ليبيا الذي استضافته جزيرة صقلية الايطالية (12/11)، عن عمق الخلافات ومدى التضارب في المصالح والأهداف بين الأطراف المحلية المتصارعة، من جانب، (حيث توجد حكومتان متنازعتان؛ حكومة الوفاق الوطني في طرابلس المنبثقة عن اتفاق وقّع في العام 2015 برعاية الأمم المتحدة، وسلطة موازية في شرق ليبيا مدعومة من قوات المشير خليفة حفتر والبرلمان المنتخب)، وكذلك بين الأطراف الدولية والإقليمية المعنية بهذا الملف، من جانب آخر، الأمر الذي أعاق وما زال يُعيق إمكانية التوصل الى «حلول جدّية وناجعة» لإخراج هذا البلد من الفوضى الضاربة أطنابها فيه.
    وكالعادة، كان البون شاسعاً بين تصريحات المسؤولين الإيطاليين التي رأت أن نتائج المؤتمر «فاقت التوقعات»!، وبين ما تحدث عنه كثير من المراقبين ووسائل الإعلام من أن المؤتمر «لم يسفر عن أية نتائج مغايرة لما سبقه من مؤتمرات مماثلة»، بل واعتبر «فاشلاً» في نظر العديد من المحللين!.
    وقد أعاد البيان الصادر عن المؤتمر التأكيد على أن «الحلّ يكمن في الانتخابات»، كما جاء في اجتماع باريس، مع نظرة أكثر واقعية تتيح المجال لإعطاء مزيد من الوقت للتحضير لها، ( ذُكر أنها ستعقد في ربيع العام المقبل 2019)، بعد أن أخفقت المواعيد التي حدّدت سابقاً لإجرائها!.
    وإذ أكد البيان على «ضمان توافر الشروط الفنية والتشريعية والسياسية والأمنية، والدعم من المجتمع الدولي (لإجراء الانتخابات)، والتأكيد على اعتماد دستور من أجل تحقيق السيادة..»، إلا أنّ المراقبين لاحظوا أنه لا توجد حتى الآن «آلية محدّدة من المجتمع الدولي لإلزام الأطراف المعنية تنفيذ ما يتم التوافق عليه»!.
    النقطة الوحيدة الجديدة التي ركّز عليها المؤتمر (ولم يهتمّ بها اجتماع باريس)، هي الحديث عن عقد «مؤتمر وطني جامع» لكل الأطراف الليبية، وباستثناء ذلك، فإن المؤتمر لم يأتِ بجديد.
    عمق الأزمة والانقسام
    ورأى مراقبون أنّ المؤتمر «أظهر مرة أخرى عمق الأزمة والانقسام في ليبيا»، حيث تبَيّن أن «الأطراف المتنازعة غير جاهزة بعد لقبول بعضها البعض وتقبل الاختلاف فيما بينها». لافتين إلى أن بعض الوفود المشاركة رفضت الجلوس على الطاولة ذاتها مع خصومها. كما أن الرجل القوي في شرق ليبيا، المشير خليفة حفتر زعيم «الجيش الوطني الليبي»، رفض المشاركة في المؤتمر، علماً أنه كان موجوداً في باليرمو، وشارك في «اجتماع غير رسمي» ضمّ رئيس حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً فايز السراج، وممثلين عن العديد من الدول المهتمة بالملف الليبي.
    وفي هذا السياق، شدّد بعضهم على أهمية اللقاءين اللذين نظمتهما الأمم المتحدة قبل افتتاح المؤتمر، وشارك فيهما مسؤولون عن «حكومة الوفاق الوطني»، وعن البرلمان الذي يتخذ من شرق البلاد مقراً.
    كما أشار موفد الأمم المتحدة إلى ليبيا، غسان سلامة، إلى أنه تلقى «دعماً» من جميع المشاركين للمؤتمر الوطني الذي ينوي عقده في ليبيا مطلع عام 2019، للبحث في سبل الخروج من الأزمة وتقليص هوة الخلافات بين الجماعات المسلحة والقبائل والبلدات والأقاليم، قبل الدخول في الانتخابات المقررة، نظرياً، الربيع المقبل!.
    صراع محتدم على النفوذ
    اعتبر محللون أنّ مؤتمر باليرمو كان أشبه بردٍّ ايطالي على مؤتمر باريس الذي عقد في أيار/ مايو الماضي، كي لا تنفرد فرنسا بالملف الليبي، وذلك في سياق حرب النفوذ بين روما وباريس في شأن هذا الملف، في ظلّ انقسام أوروبي حاد تجاهه، ناهيك عن الدور الذي تلعبه بعض القوى الإقليمية والصراع الناشب فيما بينها تجاه هذا الملف أيضاً.
    يُذكر في هذا الصدد، أنّ الموقف الأميركي مال إلى «دعم إيطاليا في مواجهة فرنسا»، إذ حرص على إصدار بيان إشادة بالمؤتمر وبالدولة المضيفة. ولكن هذا الميل لصالح الموقف الايطالي جاء على خلفية التباين القائم بين الموقفين الأميركي والفرنسي، أكثر منه دعماً أميركياً مجرداً وكاملاً لروما!.
    وكانت واشنطن طرحت أخيراً خطة لحلّ الأزمة المستعصية في ليبيا، تمثلت في الدعوة إلى عقد مؤتمر وطني ليبي جامع، (وهذا يتقاطع مع ما جاء في باليرمو)، تصدر عنه دعوة لمجلس الأمن إلى سحب الاعتراف بجميع المؤسسات السياسية في البلاد، التي تستمد شرعيتها من القرار الأممي رقم 2259، على اعتبار أنها «فشلت في المهام الموكلة إليها، وباتت جزءاً من المشكلة لا الحلّ».
    بعد ذلك، يتقدم المؤتمر بـ«نصيحة» إلى الأمم المتحدة، مفادها أن إجراء انتخابات رئاسية في الوقت الحالي، سيقود إلى تعميق الأزمة. ويطلب بدلاً من ذلك، تنظيم انتخابات برلمانية عامة في غضون ستة أشهر، استناداً إلى قرار يصدر عن مجلس الأمن تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، بما «يجبر جميع الأطراف على احترام نتائج الانتخابات والالتزام بها تحت طائلة استخدام القوة ضدها».
    ورأى محللون أنّ «خطة» من هذا القبيل تعني تقليم أظافر القوى والمؤسسات السياسية الحاضرة الآن على الساحة؛ كحكومة الوفاق، وبرلمان طبرق، وقائد «الجيش الليبي» خليفة حفتر، وبالتالي القوى الإقليمية والدولية التي تقف خلفها، وخصوصاً فرنسا. مع العمل على بناء «تشكيل سياسي جديد»، يتكون من قادة محليين وقبليين، ونشطاء، مع حفظ مقاعد لأنصار النظام السابق وأنصار حفتر، بحسب بعض المصادر السياسية.
    وللأسباب المذكورة آنفاً، فإنّ «خريطة الطريق الأميركية لا تقدم جديداً وستكون مضيعة للوقت وتكراراً لفشل القوى الغربية في حل الأزمة الليبية»، في نظر كثير من المحللين، لأنها «تأتي في سياق صراع القوى الغربية على النفوذ، والقيام بمحاولات فاشلة لتجاوز بعض المكونات الرئيسية القائمة في المشهد الليبي، (مثل القبائل)، فضلاً عن محاولتها «إقحام قوى جديدة في المشهد، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى مزيد من تفجير الأوضاع وليس تهدئتها»!.
    وأشار المحللون كذلك، إلى وجود صراعات شرسة بين كلّ من إيطاليا وفرنسا وأميركا على الأراضي الليبية، في حين أنّ هناك قطاعاً كبيراً من الليبيين على يقين من عدم قدرة العواصم الغربية عامة على حل الأزمة القائمة، لأنها «ما زالت جميعها بعيدة عن الواقع السياسي المتشابك والمعقد الذي تعيشه البلاد»؟!.

    http://www.alhourriah.ps/article/51688