• الأونروا تواصل تقليص خدماتها وتُضيِّق على موظفيها
    2018-10-07

    تلقت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا« دعماً مالياً مميزاً بقيمة 122 مليون دولار في الاجتماع الوزاري للدول المانحة على هامش اجتماعات الدورة الـ73 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، مما ساعد في تخفيض العجز المالي إلى 64 مليون دولار.

    وحضر الاجتماع وزراء ومسؤولون من 34 دولة عضو ومنظمة، من بينها جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والبنك الإسلامي للتنمية، إلى جانب مشاركة الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس الجمعية العامة والمفوض العام للأونروا وطالبين  من اللاجئين الفلسطينيين.

    وأعرب المشاركون عن دعمهم السياسي القوي لـ«الأونروا« وولايتها وموظفيها والخدمات الحرجة التي تقدمها للاجئين الفلسطينيين، والتأكيد على الحقوق الأساسية للاجئين الفلسطينيين بموجب القانون الدولي والتزامات المجتمع الدولي.

    وقال المفوض العام لـ«الأونروا« بيير كرينبول: «أود أن أعبر عن تقديري الخالص لمبادرات التمويل السخي التي أعلنت عنها الكويت والاتحاد الأوروبي وألمانيا والنرويج وفرنسا وبلجيكا وإيرلندا«. وأضاف« إن «نتائج اجتماع نيويورك، مقترنة بالدعم الذي تلقيناه من شركاء آخرين هذا العام، تمثل إنجازاً بالغ الأهمية«.

    وتواجه «الأونروا« أكبر أزمة مالية في تاريخها، بعد قرار أميركي في كانون الثاني/يناير 2018 بتقليص المساهمة المقدّمة لها لدعم اللاجئين الفلسطينيين في عام 2018 إلى نحو 65 مليون دولار، مقارنة بـ365 مليوناً في 2017، في الوقت الذي أعلنت الولايات المتحدة وقف دعمها لمشاريع فلسطينية في الضفة الفلسطينية بـنحو 200 مليون دولار، ما أوصل حالة العجز المالي حينها إلى 446 مليون دولار.

    «التقاعد الطوعي«

    وأقدمت الوكالة الدولية على فتح باب «التقاعد الطوعي« لكافة موظفيها في مناطق عملها الخمس (الضفة الفلسطينية بما فيها القدس الشرقية، قطاع غزة، سوريا، لبنان، والأردن) ومكاتب الرئاسة العامة، في خطوة غير مسبوقة زادت حالة القلق والغضب لملايين اللاجئين الفلسطينيين وخاصة في قطاع غزة.

    وينص القرار الجديد على أنه «يجوز للموظف أن يتقدم بطلب ترك الخدمة من الوكالة عن طريق الترك الطوعي الاستثنائي من الخدمة، إذا كان لديه 10 سنوات من الخدمة المؤهلة على الأقل، و 90 يوماً تقويمياً أو أكثر متبقية في عقده اعتباراً من تاريخ تقديم طلب الترك الطوعي«.

    وضمن معايير «التقاعد الطوعي«، بحسب «الأونروا«، «الموظفون المؤهلون للتقاعد الطوعي المبكر بموجب قانون عمل الموظفين المحليين أي ما بين 55 و60 عاماً، أو ما بين 45 و60 عاماً إذا كان لديهم على الأقل 10 سنوات من الخبرة المؤهلة، أو إذا كان لديهم 20 عاماً من الخدمة المؤهلة«.

    خطوات احتجاجية

    وأعلن اتحاد الموظفين العاملين بـ«الأونروا« في قطاع غزة استمراره في خطواته الاحتجاجيّة، منها العصيان الإداري والإضراب الشامل بإغلاق مكتب غزة الإقليمي وكافة المقرات الفرعية ومكاتب رؤساء المناطق في (2-3 تشرين أول/ أكتوبر) الجاري ضدّ قرارات الوكالة بفصل نحو ألف موظف من موظفي برنامج الطوارئ ورفضها التعاطي والحوار مع الموظفين لإنهاء الأزمة.

    وعلق الناطق الرسمي باسم «الأونروا« سامي مشعشع بالقول: «الخلاف حول كيفية التعامل مع 113 موظفاً لن يصار لتجديد عقودهم للتراجع الحاد في تمويل الخدمات الطارئة«. مضيفاً: «لا يستوجب معاقبة 270 ألف طالب وطالبة عبر إضرابات تعلق مدارسهم، ولا بإغلاق عيادات صحية تستقبل عشرات الآلاف من المراجعين يومياً، ولا المنتفعين من خدمات الأونروا الإنسانية الأخرى«.

    وأقدمت الوكالة في (1/10/2018) على إخراج عشرة موظفين دوليين من قطاع غزة «خشية على سلامتهم»، محذرة من أن عدم توفير الحماية لعامليها ومنشآتها سيؤثر على خدماتها الحيوية لأكثر من مليون وثلاثمائة ألف لاجئ في القطاع. وكانت قد هددت في وقت سابق بتعليق عملها في القطاع في حال استمرار الاحتجاجات على قراراتها بتسريح الموظفين بسبب أزمتها المالية.

    ولم تكتف الأونروا بفصل الموظفين ومعاقبتهم لمشاركتهم في فعاليات احتجاجية ضد تقليصات الخدمات وخصم من الرواتب والتهديد بالفصل التعسفي، بل اتجهت بالمساس بالتشكيلات الصفية البالغة 39.5 طالب أو طالبة في الصف الواحد دون أي مبرر، واشتكى أولياء أمور الطلبة في مدارس «الأونروا« بتجاوز عدد الطلبة في الصف الواحد الـ50 طالباً، مما ينعكس سلباً على استيعاب الطلبة وتركيزهم.

    تقليصات وكالة الغوث لم تكن وليدة اللحظة، بل بدأت مع قطع الوكالة الإعانات الأساسية عن جميع اللاجئين وأصبحت تعتمد على تقديم «الكابونات« الغذائية للأسر الفقيرة مع تعطيل توزيعها من مقرات «الأونروا« الأساسية، وإنما من خلال مراكز هامشية ترتبط بها. ولوحظ تكدس عدد الطلاب في المدارس حيث بلغ في الفصل الواحد مع بدء العام الدراسي الحالي 50 بدلاً من 38 طالبا، وعدم تطور العيادات الطبية واقتصارها على العلاج السريع. وواصلت الوكالة تقليص خدماتها الأساسية تدريجياً في أماكن عملها الخمس متذرعة بنقص التمويل( رغم أن أصل الإجراءات كان منذ ثلاث سنوات)، حتى بلغت ذروتها خصوصاً في قطاع غزة مع تسلم «ماتياس شمالي« إدارة عمليات الوكالة في قطاع غزة، والتي طالت برنامج «المساعدات الغذائية« الذي أثر في الأوضاع المعيشية المتدهورة أصلاً.

    وشملت الإجراءات الفعلية التي حرص شمالي على تنفيذها بحذافيرها رغم الاعتراضات، وقف التوظيف اليومي (التعاقد) باستثناء المعلمين الضروريين وبعض موظفي الصحة، ووقف دفع بدل الدوام الإضافي وبدل السفر (التذكرة) وتكاليف السفر (الإقامة وغيرها) إلا باستثناء.

    أما في ملف التوظيف، فقد قرر وقف تعبئة الفراغات والشواغر وتثبيت الموظفين، إذ أوقفت عقود البطالة، وأنهيت عقود نحو 100 مهندس على بند العقود المؤقتة كانوا يعملون منذ 10 سنوات، كما تقرر إيقاف مشتريات الوكالة إلا للضرورة القصوى، وتقليص فترة عمل العيادات الصحية في غزة إلى دورية واحدة، بالإضافة إلى تقليص الأدوية عالية التكلفة خاصة لمرضى السكري والقلب.

    مخاطر .. وتداعيات

    ويرى مراقبون أن قضية الوكالة ليست مالية فحسب بل سياسية بامتياز، وضمن ما ترنو إليه الولايات المتحدة في إطار ما يسمى «صفقة العصر« التي تدفع بها خطوة خطوة بشكل تدريجي لتصفية الحقوق الفلسطينية وأهم ركائزها، قضية اللاجئين والتي تمثل «الأونروا« الشاهد الحي عليها، وهذا ما نقلته مجلة «فورين بوليسي» الأميركية عن رسائل تداولها صهر الرئيس الأميركي جاريد كوشنير مع مسؤولين بالإدارة الأميركية وطالب فيها بـ«ضرورة وقف عمل الأونروا«. إضافة إلى الحملة الإسرائيلية الشرسة التي تسوقها إسرائيل وتدعي أن الفلسطينيين «ليسوا بحاجة لعمل الأونروا«.

    ويتوقع المراقبون، أن « نحو 13 ألف موظف رسمي لدى الوكالة سيكونون الهدف القادم، إذا لم يجر الوقوف في طريق طرد أكثر من 1100 موظف على بند العقود«. ويحذر المراقبون من تداعيات تفكيك «الأونروا« على حق العودة وأية محاولة لدمجها بالمفوضية العليا للاجئين.

    ويرى المراقبون أن الوكالة أنشأت أساساً بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 302 كوكالة مؤقتة بتطبيق القرار الأممي 194، وإقراراً بفشلها في تطبيق قراراتها ما يفترض أن يمنعها من التنصل بمسؤولياتها.

    ويشير مراقبون، إلى أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب لا يمكنه فرض إعادة النظر بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 الذي يكفل حق عودة اللاجئين إلى ديارهم وممتلكاتهم التي شردوا منها وتعويضهم عما لحق بهم من مأساة التشريد والتهجير، كون القرار مشتقاً من القانون الدولي ولا يمكن تعديله وكونه مشتقاً من القرار181 الذي يعد «الأساس القانوني» لقيام دولة إسرائيل، لذا لجأ إلى تجفيف تمويل الأونروا لتفكيكها.

    ويطالب مراقبون بضرورة اعتماد موازنة دائمة لـ«الأونروا« أسوة بالمؤسسات الأممية ضمن موازنة الأمم المتحدة لمواجهة الحصار والابتزاز المالي والسياسي الأميركي.


    http://www.alhourriah.ps/article/51560