• الورقة المصرية لإنهاء الانقسام في مهب التجاذبات
    2018-07-30

    ■ أين سترسو سفينة إنهاء الانقسام بيم فتح وحماس، بعد أن عادت القاهرة لإطلاقها في الأيام الأخيرة؟ وهل أزيلت من طريقها العوائق والألغام؟ وهل باتت الأجواء مناسبة لرحلة هادئة، لا تتخللها العواصف والأنواء، وصولاً إلى بر الأمان؟ هذه الأسئلة وغيرها ترددت مطولاً لدى دوائر المراقبين، وهم يتابعون أنباء الوساطة المصرية الجديدة بين فتح وحماس، والتصريحات لدى الطرفين.

    تلاوين فتحاوية!
    في هذا السياق يلاحظ المراقبون ما يلي:
    •أن حماس تبدي تفاؤلاً شديداً بإمكانية الوصول إلى حل، هذه المرة مع فتح، في ظل الوساطة الحالية. وقد أجمعت تصريحات قادة حماس، في قطاع غزة، كما في الخارج، على تأييدها لكل ما جاء في الورقة المصرية الجديدة، واستعدادها للالتزام الصارم بها، وصولاً لإنهاء الانقسام، وتتويج ذلك بانعقاد «الإطار القيادي الموحد» للبحث في المرحلة القادمة، وتنظيم انتخابات شاملة، رئاسية وتشريعية، واستعادة الوحدة  الداخلية بالاستناد إلى صندوق الاقتراع، في القطاع، كما في الضفة.
    • أن تصريحات قادة فتح والناطقين بإسمها، تباينت مواقفها من الورقة المصرية. بعضهم نفى أن تكون هناك ورقة مصرية. ووصف ما قدمه المصريون أنها أفكار للنقاش وأنها ليست ملزمة لأحد. بينما قال البعض الآخر إن الورقة موضع النقاش ليست «مصرية». بل هي ورقة جرت صياغتها في القاهرة بالتفاهم مع حركة حماس، ما فهم منه المراقبون أن فتح تتخذ موقعاً سلبياً من الورقة، وأنها لا توافق عليها. تصريح آخر قال في السياق نفسه إن لفتح ملاحظات على الورقة المصرية، وإن وفد الحركة إلى القاهرة نقل الملاحظات إلى الأخوة المصريين، وينتظر ردهم على ذلك. بينما اكتفى آخرون بالقول أن الرئيس عباس هو المخول في الرد على الورقة المصرية، وإن «الرئاسة» بصدد تحضير ردها الذي سوف ينقل عبر المبعوثين إلى القاهرة.
    وبالتالي إذا فهم شيء من هذا الخليط في مواقف فتح إزاء الورقة، فإنه يفهم أن فتح إما لم تدرس الورقة في إجتماع رسمي، وبالتالي أعضاء اللجنة المركزية للحركة يدلون بدلوهم، في آراء متباينة. أو أن فتح أرادت أن تناور مسبقاً، وأن ترفع السقف، كي تحسن شروطها «التفاوضية» مع حركة حماس من جهة ومع القاهرة من جهة أخرى. أو، أخيراً، أن فتح، حقيقة، لا ترضى بالورقة المصرية الأخيرة أساساً للحل، وأن ما قاله البعض في وصف الورقة بأنها «تفاهمات بين القاهرة وحماس»، هو الموقف المعبر حقيقة عن رأي حركة فتح.

    ورقتان لا ورقة واحدة
    الذين أطلعوا على الورقة المصرية [وهي تتطابق تماماً مع النص الذي وزعته وكالة الأناضول، والذي يتوقع أن تكون حماس قد سربته إليها في إسطنبول] يلاحظون أنها تختلف تماماً عما تم التوصل إليه في القاهرة بين الحركتين، وتم التوقيع عليه في 17/10/2017، وصادقت عليه الفصائل الفلسطينية في حوارها الشامل في 22/11/2017 في العاصمة المصرية.
    • فالمرحلة الأولى تتضمن قراراً من الرئيس أبو مازن إنهاء الاجراءات المتخذة ضد قطاع غزة.
    فتح ترد فتقول إن الاجراءات ليست ضد القطاع، بل هي ضد حركة حماس. وأن قرارات وقف الرواتب للموظفين لا تدخل في باب العقوبات بل هي لأسباب فنية ومالية تتعلق بالعجز المالي الذي تعانيه السلطة الفلسطينية. علماً – والقول لفتح – أن السلطة استأنفت تسديد الرواتب وإن بنسب معينة، تتراوح بين 50% و75% وهذه حالة مؤقتة لا علاقة لها بالانقسام، بل تدخل في باب إعادة تنظيم الأوضاع الإدارية في السلطة الفلسطينية بعد سلسلة القرارات الدولية [خاصة الأميركية] بمحاصرتها مالياً وحجب المساعدات عنها،  تحت ذرائع وعناوين مختلفة. وبالتالي، وكخلاصة، تقول فتح، إن هذا البند هو «صياغة حمساوية» واضحة وصريحة ولا تحتاج لتفسير، وهو لإبتزاز حركة فتح والسلطة الفلسطينية. وترى فتح أنه لا مكان لهذا البند في الورقة ويجب إسقاطه منها.
    • كما تتضمن المرحلة الأولى «عودة الوزراء إلى وزاراتهم على البنية القائمة دون إجراء تغييرات لحين تنفيذ قرار اللجنة الإدارية القانونية التي اتخذت قراراتها بالتوافق». هنا تقول فتح إن من عطل هذه الخطوة هي حماس. وتضيف أن الوزراء قدموا إلى غزة وحاولوا تسلم مهامهم في وزاراتهم دون أن يدخلوا أية تغييرات على المناصب الوظيفية والإدارية لكنهم – والقول لفتح – اصطدموا بالتعنت من قبل المدراء العامين الموالين لحماس، الذين رفضوا تلقوا تعليماتهم من الوزراء إلا إذا وافقت عليها «اللجنة الإدارية» التابعة لحماس، والتي أعلن عن حلها – تقول فتح – إلا أنها بقيت تمارس دورها باعتبارها «حكومة الظل»، صاحبة القرار النافذ بل إن بعض الوزراء –تقول فتح فيما تقوله-  عجزوا عن دخول مكاتبهم في غزة، وقد أقفلت في وجوههم بقرار من حماس، بل إن بعضهم طرد من الوزارة، وبالتالي فإن المعضلة تقع على عاتق حماس، التي هي من عطل تسلم الوزراء لوزاراتهم، والتي حاولت أن تفرغ القرار من مضمونه، بحيث يكون الوزير، شكلاً على رأس وزارته، بينما يبقى القرار لدى حماس. من هنا، تقول فتح إن شرط تسلم الوزير لصلاحياته، أن يتمتع بالصلاحيات الكاملة كوزير صاحب مسؤولية وله حق التوقيع النافذ. لا أن يكون مجرد صورة بينما القرار لدى وكيل الوزارة أو من ينوب عنه، ويكون الوزير بلا حول ولا قوة. أي – تقول فتح – إن تكرار تجربة فاشلة، دون تظهير أسباب فشلها، سيقودنا مرة أخرى إلى الفشل.
    • وفقاً لتسلسل «الورقة المصرية» تدعو المرحلة الأولى للبدء بالمشاورات لتشكيل «حكومة وحدة وطنية». Žهنا تلاحظ فتح أن الحديث عن حكومة وحدة وطنية، في هذه المرحلة بالذات، لا يخدم المصلحة الوطنية. فوفقاً لتفاهمات 17/10/2017، أبدى رئيس الحكومة رامي الحمدلله استعداد حكومته لوضع الاستقالة بين يدي رئيس السلطة، حتى لا تبدو حكومته العائق أمام الحل. لكن ما جرى لاحقاً، أن رئيس الحكومة، ومعه رئيس جهاز المخابرات، تعرض في أذار (مارس) الماضي لمحاولة اغتيال عند بوابة القطاع. ومازال الغموض يلف هذه الحادثة ولم تطلع الجهات المعنية في السلطة في رام الله على نتائج التحقيق الذي أجرته حماس، ولا على ملابسات قتل الشخص المتهم بتدبير العملية, وما دامت القضية معلقة ـــــ تقول فتح ــــ فإن الحديث، الآن، عن حكومة وحدة وطنية، هو في الحقيقة تغليب لرأي حماس على رأي فتح، التي مازالت ترى في حكومة الحمدالله الجهاز الحكومي «الناضج» والذي لا ترى داعياً لتغييره.  وتتساءل فتح. ما الداعي لحكومة جديدة، ولدينا حكومة وفاق وطني تم تشكيلها بالتشارك بين فتح وحماس. لذلك تدعو فتح إلى تجاوز هذا البند بإعتباره بنداً لا ضرورة له.

    كما في غزة ... كما في الضفة
    في المرحلة الثانية ثلاثة بنود كبرى، لا تتوافق فتح معها، ولا توافق عليها.
    • البند رقم  (5) الذي يدعو إلى تطبيق سياسة الرواتب على كافة الموظفين بالضفة الغربية وقطع غزة. هذا البند تدعو فتح إلى شطبه كاملاً, لأنه، كما ترى، يساوي بين الإقليمين، فيما المشكلة تكمن في قطاع غزة وحده، وليس في الضفة. فالانقسام حصل في القطاع. والفوضى الإدارية وقعت أيضاً في القطاع، وإعادة ترتيب الوزارات والإدارات تمت في القطاع كذلك. وفي القطاع أيضاً قامت الازدواجية الوظيفية. وبالتالي يجب أن يبقى الحل محصوراً في القطاع. فضلاً عن ذلك تتخوف فتح أن يقود هذا البند إلى تكريس حماس «شريكاً» كامل الشراكة للسلطة، يتيح لحماس التدخل في الضفة، وطرح شروطها، في مقابل شروط فتح في القطاع. لذلك يغلق هذا البند ويشطب من الورقة.
    • البند السادس يدعو حماس إلى تسليم الجباية للحكومة الفلسطينية «مع إمكانية اقتطاع جزء منها لرواتب الأمنيين الذين لا تشملهم إجراءات اللجنة القانونية الإدارية لحين البث بوضعهم النهائي». فتح ترى في هذا البند فخاً مزدوجاً. فهو من جهة يشرع بقاء الموظفين الأمنيين المحسوبين على حماس، على ملاك السلطة بشكل أو بآخر، ما يعني إغراق الجهاز الأمني الفلسطيني بآلاف الموالين لحماس، ما يجعل من الحركة الإسلامية «شريكاً» في إدارة أمن القطاع، ما يسقط قرار الرئيس عباس «قانون واحد ... بندقية واحدة». أما الفخ الثاني في البند فهو إتاحة المجال أمام حماس لاقتطاع جزء من أموال الجباية، دون تحديد ماهية هذا «الجزء» وحجمه، ودون رسم سقف زمني يحدد وقف العمل بهذا القرار. أما ربط القرار بالوصول إلى اتفاق حول «الوضع النهائي» لهؤلاء الموظفين الأمنيين، فهو ربط مفتوح على الزمن، إذ، ماذا لو أن اللجنة الأمنية لم تصل إلى توافق بشأنهم، عندها سيبقى من حق حماس مشاركة السلطة في الجباية واقتطاع جزء منها. والأمر نفسه يبقى قائماً ما يشجع حماس ـــ كما تقول فتح ــــ على تعطيل اللجنة الأمنية، إلى أن ترضخ اللجنة لشروطها، خاصة وأن الزمن لصالحها، إذ يبقى من «حقها» أن تقطع مرتبات موظفيها الأمنيين من الجباية الرسمية حتى إشعار آخر.
    • أما البند السابع، فتقول فتح إنه يحمل الشيء ونقيضه. فهو يدعو من جهة إلى رفع الحواجز على المعابر الحدودية مع مصر وإسرائيل، لكنه يستدرك من جهة أخرى بدعوى «الحفاظ على الاحتياجات الأمنية». وهو استدراك تعتقد فتح أنه يتيح لحماس، وبدعاوي الاحتياجات الأمنية، التقدم بصفتها شريكاً في أمن القطاع، ولها الحق والصلاحيات، «بدعاوي الحفاظ على الاحتياجات الأمنية» إقامة حواجز لها هنا وهناك، ما يسقط شعار السلطة في رام الله: «سلطة واحدة، قانون واحدة، بندقية واحدة».

    إنهاء الإنقسام أم نقاسم السلطة؟
    وبناء على ما تقوله أوساط فتح، فإنها تتحفظ على «المرحلة الثالثة» جملة وتفصيلاً، وترى فيها دعوة لتقاسم السلطة ليس في قطاع غزة فقط، بل وكذلك في الضفة الفلسطينية، وأن ما جاء في هذه «المرحلة» يستجيب لشعار حماس «التمكين في الضفة وفي القطاع معاً» أي «تمكين حماس» في الضفة، مقابل «تمكين» السلطة في القطاع.
    • فالبند «8» يدعو لإجتماع اللجان الأمنية «في الضفة والقطاع» لمناقشة موضوعات الأمن في المنطقتين، ووضع الآليات المناسبة لتنفيذها. أي أن حماس، لن تكون شريكاً في الأمن في القطاع فحسب، بل هناك دعوة لأن تكون شريكاً في الأمن في الضفة.
    • والبند «9» يتناول قضايا «القضاء» وسلطة الأراضي في إشارة إلى شراكة حماس في إعادة صياغة وتوحيد المؤسسة القضائية، وسلطة الأراضي. هاتان السلطتان تحوزان على اهتما كبير لدى الطرفين. فالقضاء وظيفته معروفة، وهو أداة التنفيذ بيد الأجهزة الأمنية. أما سلطة الأراضي فتتعلق بمساحات واسعة من القضاء، تدخل في باب الملكية الحكومية، صادرت حماس بعد الإنقلاب، ومنحت مساحات واسعة منها، لموظفيها وكبار مسؤوليها، عطاءات، ومكافآت، وأحياناً بدل تعويضات نهاية الخدمة، أو بدلاً من رواتب متأخرة. وقد بقيت هذه القضية معلقة، ورفضت حماس، مطلع العام الحالي، تسليم وثائق سلطة الأراضي في قطاع غزة إلى دوائر سلطة الأراضي في الضفة، ما عقد عملية التسلم والتسليم بين السلطة الفلسطينية في رام الله و«سلطة» حماس في غزة.
    مرة أخرى ... هل تنجح القاهرة؟
    هو السؤال المطروح منذ أكثر من ثلاثة أسابيع، والذي لم يتوفر له الرد حتى الآن. وقد تحول إلى قضية كبرى، مع تطور الأوضاع في قطاع غزة، واتساع دائرة التدخل الخارجي في شؤونه: تدخل الولايات المتحدة، وإسرائيل من «البوابة الإنسانية». وتدخل قطر هي الأخرى من بوابتين، الإنسانية من جهة والتوسط بين حماس وإسرائيل من جهة ثانية للتوصل إلى «صفقة سياسية»، من عناصرها «التهدئة» و«الهدنة» الطويلة [لمدة خمس أو عشر سنوات]، تبادل الأسرى، تخفيف الحصار، إقامة «مشاريع إنسانية». ثم دخول مصر على خط إنهاء الإنقسام، وقطع الطريق على التدخلات الأخرى، وعلى قاعدة أن للقطاع بوابة سياسية واحدة: هي القاهرة. ودون ذلك فهو عبث بالشأن الداخلي الفلسطيني، بتداعياته المعروفة على الأمن القومي المصري.
    من هنا الرهان على ضرورة أن تنجح القاهرة هذه المرة، وأن تدار الحوارات بين الطرفين، بحيث تزال الألغام، ويتم الجمع بين تفاهمات 17/10/2017، وبيان 22/11/2017 والورقة المصرية الأخيرة. وستبقى الكرة، في نهاية المطاف في ملعب الطرفين: فتح وحماس.■


    http://www.alhourriah.ps/article/51497