20 نيسان 2024 الساعة 12:05

تغول المشروع الامريكي الاسرائيلي.. فمتى نغضب!

2022-08-27 عدد القراءات : 510
في نقاش اوضاعنا واحوالنا، تتكرر في الدردشات اليومية عبارات غاية في الاهمية لا يتوقف الكثيرون امامها رغم انها ذات دلالات من نمط: لكل زمن رجالة، ولكل مرحلة ناسها. تتغير الظروف نعم، لكن الاوطان وقيمها لا يمكن ان تتغير. لكل زمان رجاله بمعنى فرسانه وابطاله.. شهداءه ومعتقليه وجرحاه.. ولكن تاريخ الامم يقول لنا ايضا ان لكل زمن اقزامه وحثالته.. ولكل مرحلة عبيدها ورقيقها وقنَّها..
لا يختلف اثنان على ان الواقع الفلسطيني، سواء على مستوى العلاقات الداخلية او الوضعين الاقليمي والدولي اللذين لا يميلان لصالح القضية الوطنية، هو واقع صعب جدا وعلى مختلف المستويات، لكن هذا لا يبرر للبعض تفشي حالات يأس واحباط في صفوفهم، خاصة اولئك الذين تعبوا النضال واستسلموا لمشيئة العدو واقروا بأن الزمن هو زمن اسرائيلي، لا بل ان هذه الظروف الصعبة، بالنسبة لمن يمتلك حد ادنى من المعرفة بتفاصيل قضيتنا وتاريخها تؤكد ان العدو غير قادر، ولن يكون قادرا، على فرض ارادته. هذه الظروف يجب ان تشكل حافزا لمواصلة النضال وفق المبادئ الثورية التي لا تعترف سوى بمنطق الاعتماد على الذات وهو وحده قادر على تغيير الظروف وموازين القوى..
وعلى المستوى الفلسطيني، ورغم ان القيادة الرسمية اعلنت رفضها لصفقة القرن الامريكية الاسرائيلية، الا انها لم تتخذ من الاجراءات الميدانية اية خطوات تصادمية معها، خاصة وان هذه الصفقة طرحت للتطبيق العملي وليس للحوار بشأنها، وهي كانت تتحرك بتطبيقات مباشرة في الميدان، خاصة بما يتعلق بقضايا الارض والدولة والقدس ومخططات الضم والاستيطان والاعتقالات والسعي لتمرير ما سمي السلام الاقتصادي، رغم وجود قرارات من اعلى سلطة فلسطينية (المجلسان الوطني والمركزي) وهي قرارات تشكل استراتيجية مقاومة فلسطينية بامكانها فرض معادلات وموازين قوى جديدة..
هذا ما حدث في محطتين هامتين: المحطة الاولى هي الموقف من القدس، ففي 6 كانون الاول عام 2017، اعلنت الإدارة الامريكية اعترافها بمدينة القدس عاصمة لإسرائيل، وفي الشهر نفسة طرح الموضوع امام الجمعية العامة للامم المتحدة لابداء رأيها، وقد حذر الرئيس الأمريكي حينها من أن بلاده قد تقطع المساعدات المالية عن الدول التي ستصوت لدعم مشروع القرار.، فيما قالت مندوبته في المنظمة الدولية نيكي هايلي إن ترامب كلفها "بتقييد أسماء" الدول التي ستصوت لصالح مشروع القرار. وبالرغم من ذلك، جاءت نتيجة التصويت ايجابية لصالح فلسطين برفض 128 دولة للقرار الامريكي.
المحطة الثانية في الموقف من وكالة الغوث (الاونروا) عام 2019 حين لم تنصاع للارادة الامريكية ولم تتخذ من الاجراءات ما ينسجم مع مطالبها ومطالب اسرائيل، خاصة بما يتعلق بتعريف اللاجئ وبتغيير استراتيجيات الاونروا وبالمس بالقرار 194.. وايضا اعاد مستشارو ترامب تحذير دول العالم من التصويت لصالح التجديد لوكالة الغوث ووضع المساعدات الاقتصادية الامريكية كسلاح واداة ابتزاز لاجبار دول العالم على التصويت بعدم التجديد.. لكن رغم ذلك جاءت نتيجة التصويت مرتفعة، حيث صوتت 170 دولة لصالح قرار بتجديد التفويض للاونروا لعام 2023، ولم يصوت ضد القرار سوى عضوين فقط من اصل 193 دولة وهما الولايات المتحدة وإسرائيل.
ولا نأتي بجديد حين نعترف بأن القضية الفلسطينية تمر بأدق واصعب لحظاتها، غير ان هذا امر طبيعي مقارنة بما شهدته حركات التحرر الوطني العالمية، التي دائما ما كانت تتأثر بمجموعة من المعطيات المحلية والدولية وقد تفرض عليها مواقف تتناقض مع اهدافها الاستراتيجية المعلنة.. لذلك لا نستطيع الحديث عن انجازات وانتصارات الا وفق جزئيات بسيطة تراكم بخط نضالي تصاعدي، وهنا تأتي مسؤولية الاتجاهات الثورية داخل الحركة التحررية الفلسطينية التي يقع على عاتقها مسؤولية حماية الانجازات.. لأن الابداع الثوري لا يتأتى الا في اللحظات الصعبة، والوطنيون الحقيقيون المخلصون لوطنهم وقضيتهم لا يُعرَف معدنهم الوطني الاصيل الا في الازمات.
نعم .. هناك فاسدون يعيشون على معاناة الشعب وما اكثرهم، وهناك منحرفون يزعمون وطنية بينما هم متآمرون ويعملون في خدمة المشروع السياسي للعدو، وهناك انتهازيون نراهم ونعايشهم ويقدمون انفسهم بلباس المقاومين المدافعين عن القضية، هناك زحفطونيون ليسوا بقلة وهناك وهناك.. بيننا من يظهر بمظهر الحريص على الوطن وعلى وحدة ابناءه، وفي الممارسة العملية يقدمون المصالح الفئوية والخاصة على المصالح الوطنية والعامة.. كل هؤلاء موجودون وتاريخ غيرنا ممن سبقنا في النضال يخبرنا بما هو اكثر من ذلك..
لكن بالمقابل هناك من يؤمن بمبادئ وطنية نبيلة وهم غالبية الشعب، ولديهم الاستعداد الكفاحي الدائم لبذل ارواحهم من اجل قضيتهم ومن اجل قيم سامية تستحق ان نضحي من اجلها.. وتاريخنا الفلسطيني بل حاضرنا يفيص بما يكفي.. فانظروا الى شوارع المدن الفلسطينية والى ازقة المخيمات وانظروا الى كل بيت فلسطيني داخل فلسطين وخارجها.. ففي كل تفصيل حكاية هي نموذج لشعب قلما ان نجد مثيلا له بالوطنية.. وبين هذا وذاك، على كل منا ان يختار الى اي فئة سينتمي واي مسار سيتبع واي طريق سيسلك.. ولكل طريق تبعات..

أضف تعليق