29 آذار 2024 الساعة 12:30

قصة أغنية " طلت الباروده .. والسبع ما طل "

2022-07-28 عدد القراءات : 2154
غزة (الاتجاه الديمقراطي)

قبل عام النكبة سنة 1948م ؛ كان رجال الثورة من الشباب والرجال الفلسطيني من أبناء القرى والمدن يستميتون في الدفاع عن قراهم ومدنهم بكل الوسائل المتاحة ..
كانوا يبذلون الغالي والرخيص من أجل الحصول على " الباروده " .. " البندقية " للوقوف في وجه العدو المغتصب العادي .. فكانوا يبيعون " مصاغ " نسائهم وحليهن من أجل شراء " الباروده " .
ليس في هذا تضحية بالغالي والرخيص من الأشياء الثمينة فحسب .. بل كان في ذلك تعريض النفس والروح للخطر الشديد الذي كان يصل لدرجة الموت .. فحكم الإعدام جاهز ضد كل من يحوز على طلقة باروده فارغة ( ظرف ) .. فكيف سيكون الأمر بمن يحوز على " الباروده " ذاتها ؟؟!!
" السبع " .. كان لقبه .. وكان اسم على مسمى بالفعل .. فالسبع قد انطبق عليه قولاً وفعلاً اسما وعملاً .
كان يحمل " باروده " مميزة .. يعتز بها ويضمها لصدره وقلبه .. يناغيها .. يهدهدها .. ويغني لها أغاني الثورة والأهازيج والأناشيد الوطنية ..
كان يهتم بالباروده كثيرا .. ويعتني بها بشكل غريب .. يقوم بتنظيفها وتلميعها في كل لحظة وكل وقت .
ترافقه طوال يومه في حله وترحاله .. رفيقة دربه ونضاله .. شريكة مهامه الجهادية .. فإذا ما أخلد للنوم للراحة والتقاط الأنفاس لبعض الوقت ؛ كانت " الباروده " رفيقة منامه وأحلامه ؛ تماماً مثلما كانت رفيقة دربه ومهامه في يقظته ..
فتنام " الباروده " إلى جانبه .. يحتضنها بحب ويطوقها بحنان بذراعيه القويين .. ويضمها إلى صدره وقلبه .
كان يقوم بالمهام الجهادية والقتالية ضد العدو في مهام متعاقبة متتالية بلا كلل ولا ملل .. فيقارع العدو وينازله ويدوخه في ساحات الوغى والنزال ... وهذا ما شهد به الجميع له على مدار الوقت .
.. وفي كل مرة كان يعود " السبع " من ميدان المعركة منتصراً يحمل " الباروده " عاليا في الهواء بذراعه القوية .. وهو يمتطي صهوة جواده العربي الأصيل رفيق الدرب والجهاد .. فكان الجميع يستقبلونه بالترحاب والتهليل والزغاريد والأهازيج والأناشيد الوطنية الحماسية .
ويرددون بسعادة :
" طل السبع ... طل السبع .. "
ويقوم الرجال والشباب بحمله على الأعناق والأكتاف وسط التهليل والتكبير والأهازيج .. ويتجولون في أزقة وشوارع القرية في موكب مهيب وعرس أشبه ما يكون بالمهرجان الرائع .
هذا المشهد كان يتكرر في كل مرة .. ويرتفع التهليل المدوي من الحناجر ليصل إلى عنان السماء :
" طل السبع .. طل السبع .. "
في هذه المرة .. طالت غيبته كثيراً .. فأصيب الجميع بالقلق .. فلم يتعود " السبع " أن يغيب عنهم لمثل كل هذا الوقت الطويل ... فانشغل بالهم وأهمهم التفكير ..
الهرج والمرج الشديد .. يرافق مجموعة الرجال القادمين عن بعد إلى القرية وهم يصدرون الجلبة والضوضاء والصخب الشديد .
اتجهت أنظار أهل القرية إلى الجموع القادمة من خارج القرية من رجال المقاومة الأشداء الذين كانوا قد عادوا تواً من ميدان المعركة الطاحنة ضد العدو الغاصب .. فلم يشاهدوا " السبع " ضمن القادمين ؟؟!! وهالهم الأمر ..
وصلت جموع القادمين إلى وسط القرية .. ووقفوا في ساحة القرية الفسيحة بينما تحلق الأهالي من حولهم ..
هدأ الجميع وسكن الهرج والمرج وأطبق سكون مخيف على المكان ..
لم يلبث أحد الرجال أن بادر بالقيام بحركة مفاجئة .. إذ قام برفع الغطاء عن ذلك الحصان الذي كان مغطى بقطعة قماش كبيرة ..
شهق الجميع .. اشرأبت الأعناق .. زاغت الأبصار ... فلقد فوجئ الجميع برؤية الحصان ؟؟!! ... كان هو نفسه حصان " السبع " .. ولما دقق الجميع النظر إلى ما يحمله الحصان .. كان ما يحمله هو " الباروده " ؟؟!!.
شهق الجميع .. سالت الدموع مداراة من المآقي .. فلقد عاد الحصان هذه المرة بدون أن يحمل " السبع " ... واكتفى في هذه المرة بأن يحمل " الباروده " ؟؟!! ..
اندفعت زوجة " السبع " نحو الحصان الذي يحمل " البارودة " راحت تبكي بألم ومرارة .. وتشد شعر الحصان بقوة وعصبية ...
ندت عنها عبارة شقت سكون الصمت .. رددتها أنحاء الأرض .. وأرجاء السماء :
" طلت البارودة .. والسبع ما طل .. " ..

أضف تعليق