18 نيسان 2024 الساعة 23:48

غلاء الأسعار إلى أين ؟!

2022-03-12 عدد القراءات : 766
تعتبر قضية غلاء الأسعار من أبرز القضايا التي تطفو من بين أزمات المجتمع الفلسطيني في وقتنا الحاضر، وهذا يأتي في ظل الأزمة العالمية الناتجة عن الحرب الروسية الأوكرانية، والتي أصبحت تنهال بتأثيراتها الاقتصادية الصعبة على حياة الإنسان في كل مكان، لا سيما الانسان الفلسطيني الذي يعيش خصوصية وحالة من التعقيد أمام سياسات الاحتلال الاسرائيلي التدميرية للاقتصاد الفلسطيني ككل. فلا شك حالة الاقتصاد الفلسطيني الضعيفة تعبر عن وجود مسببات تجعله يصل إلى حد الانهيار، كما له الانعكاسات الخطيرة على حياة المجتمع بشكل عام.
أظهرت ورقة للباحث د. صالح النعامي المختص في الشأن الإسرائيلي وتقاطعاته العربية والفلسطينية والإسلامية أن65)  %) من الفلسطينيين في قطاع غزة يعانون الفقر، وأكثر من (80%) من سكان القطاع الذين تجاوز عددهم مليوني نسمة يتلقون المساعدات الإغاثية التي تقدمها المؤسسات الدولية والأممية، كما أسفرت الضائقة الاقتصادية الخانقة عن آثار نفسية واجتماعية عميقة؛ حيث دلَّت الدراسات على أن (65%) من الشباب الجامعي في غزة يعانون من "الاغتراب النفسي"، وحوالي (25%) يعانون من انخفاض مستوى التوجه نحو المستقبل، إلى جانب تزايد معدلات الإصابة بالاكتئاب والانطواء الاجتماعي وغيرها من المشاكل النفسية، لذلك إن هذه المؤشرات تدل على أن هناك تفاقم مستمر في الأزمة الاقتصادية لقطاع غزة.
وعند الحديث عن (غلاء الأسعار) بشكل خاص، يجب أن تكون المسألة واضحة أمام المواطن الفلسطيني الذي بات يعاني أزمات عديدة، فمن الطبيعي أن ترتفع الأسعار حول العالم نتيجة الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا على مستوى كافة القطاعات، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة الإنتاج والرغبة في تعويض الخسائر لدى الشركات العاملة. ومن الممكن أن يتأثر المستهلك الفلسطيني بالسلع المستوردة، ولكن هذا الأمر يستدعي الوقوف أمامه حين يكون السعر للمنتج المحلي المتوفر مساوي أو أعلى من المنتج المستورد الذي تأثر بالأزمات الخارجية، لذلك إن عملية الخلط في رفع الأسعار تهدف بشكل أساسي إلى استغلال الأزمة لصالح النظام الحاكم بالدرجة الأولى.
وفقًا للمادة (17) من قانون حماية المستهلك رقم (21) لسنة 2005م يجب إعلان السعر بالعملة المتداولة على وحدة البيع المعروضة للمستهلك بشكل مباشر عليها وإذا تعذر ذلك توع بشكل بارز في مكان عرضها"، والمادة (2) التي تؤكد أن القانون يهدف إلى: "حماية وضمان حقوق المستهلك بما يكفل له عدم التعرض لأية مخاطر صحية او غبن أو خسائر اقتصادية، توفير السلع والخدمات ومنع الاستغلال والتلاعب في الأسعار، وحماية حقوق المستهلك في الحصول على سلع وخدمات تتفق مع التعليمات الفنية الإلزامية، وتأمين شفافية المعاملات الاقتصادية التي يكون المستهلك طرفاً فيها، وضمان المعاملات الاقتصادية على وجه السرعة والدقة بين المزود والمستهلك وما يكفله القانون من حماية.
إلى ذلك، مجمل التفسيرات لحالة (غلاء الأسعار) السائدة في السوق المحلي تقول بأنه لا يمكن القبول باستمرار هذه الثقافة التي رسمتها السياسة الحكومية الخاطئة والتي أصبح يتوارثها بعض التجار والمنتفعين، بدلًا من العمل على تشجيع المنتج الوطني الفلسطيني، وفتح آفاق مناسبة مع أسواق لدول صديقة للشعب الفلسطيني نستطيع من خلالها التخفيف عن كاهل المواطن الذي أصبح (بقرة حالوب) بنظر السلطات الحاكمة.
وبالطبع، هذا لن يكون بمعزل عن فرض نظام أساسي يحدد من خلاله الأسعار في السوق المحلي عبر مجموعة من القوانين والضوابط، وبشكل خاص "العقوبات" التي تتناسب مع هكذا ثقافة لا تعبر عن أدنى مسؤولية  سواء من المسؤولين من جهة أو التجار من جهة أخرى، والتي على أثرها أصبحنا نرى الثمار المدمرة والمنهكة لحقوق الانسان الذي يعيش تحت احتلال، وحصار، وبطالة، وفقر، ومشكلات اجتماعية أخرى.
المطلوب اليوم، ضرورة وضع خطة وطنية عاجلة تشمل الشق الاقتصادي إلى جانب السياسي والاجتماعي من أجل التمكن من مواجهة العاصفة التي تضرب بالحياة العامة للإنسان الفلسطيني، والشق الاقتصادي بشكل خاص، إضافة إلى أهمية العمل على تشجيع المنتج الفلسطيني من خلال خلق حلول اقتصادية عملية تساعد على تنمية الاقتصاد المحلي والاستغناء عن المنتج الأجنبي، مما يسهم ذلك في تعزيز ثقافة المقاطعة الاقتصادية لدى منتجات الاحتلال التي هي أغلى ثمنًا وأثقل على كاهل المواطن الفلسطيني، خاصة وأن الاقتصاد الفلسطيني يعاني من ارتباطه بالاقتصاد الاسرائيلي والذي يشكل مفتاحًا لاقتصادنا الوطني كيف ومتى يشاء.
أما على صعيد العمل الحكومي ووزارة الاقتصاد تحديدًا، يتطلب المتابعة والاستجابة العاجلة لمطالب المواطنين من قبل المسؤولين والجهات المختصة، بدلًا من الاهمال والتهميش الواضح الذي أساسه غياب مبدأ المحاسبة والرقابة الجيدة التي يمكن أن تُعزز بوجود الحياة الديمقراطية، أو ربما عدم فرض غرامات أو عقوبات تردع التجار من التلاعب في الأسعار يُحسب على الحكومة أنه تساوقًا مع ما يجري في السوق المحلي، خاصة وأن التقارير الدولية والمحلية التي تتحدث عن الواقع المأساوي للإنسان الفلسطيني في قطاع غزة تطفو على السطح منذ زمن، فلا بد من الأخذ بها والنظر بمسؤولية جادة، إضافة إلى ضرورة تعزيز دور الوزارات والمؤسسات في تشجيع المنتج الفلسطيني وخاصة ما يتعلق بجانب الزراعة وتربية الدواجن وغيرها، التي ربما لا تتأثر بالأزمات الدولية.
يتبين أن الغلاء في الأسعار يتجلى في المواد الأساسية بشكل كبير، والتي ليس لها علاقة بالأزمة الدولية الراهنة مثل تجارة الدجاج، والبيض، والخضروات، وغيرها. علما بأنها منتجات محلية ومتوفرة بشكل يناسب الحاجة الانسانية بشكل قوي، لذلك يتوجب التفريق بين المستورد الدولي الذي يحتكم إلى البورصة العالمية والمنتج المحلي المفترض دعمه من أجل تعزيز صمود الشعب. 
هنا يمكن القول، بأن الأزمة الموجودة لا يمكن تخفيفها إلا بالعودة إلى تكريس السياسية الفردية الجماعية عبر تعزيز ثقافة فعالة في المجتمع تواجه الغلاء الفاحش، والمقاطعة الواسعة للسلع الغالية، وتفعيل دور الإعلام المختلف في فضح التجار المستغلين للأوضاع العامة في ظل غياب مبدأ المحاسبة الحكومية، إضافة إلى تنظيم حملات إعلامية تشجع على المنتج المحلي، وتفعيل القانون الحامي للمستهلك، وتوجيه أصابع الاتهام إلى المؤسسات والوزارات المقصرة ذات الصلة من أجل وقف هذه السياسات الخاطئة والمدمرة لقيمة الانسان الذي تجاوز خط الفقر في ظل الانقسام الفلسطيني، والممارسات الإسرائيلية التي تهدف إلى التضييق وفرض الخناق الاقتصادي والاجتماعي.

أضف تعليق