20 نيسان 2024 الساعة 01:30

بحثاً عن استراتيجية إسرائيلية جديدة

2022-01-09 عدد القراءات : 497
من يتابع ما تنشره مراكز الأبحاث والدراسات الإسرائيلية يستوقفه، أخيرا، تزايد أصوات المحللين والباحثين الإسرائيليين الذي يرون أن إسرائيل بحاجةٍ إلى انتهاج استراتيجيةٍ جديدةٍ تلبّي حاجاتها الراهنة، ويمكنها مواجهة التحديات الأمنية المستجدة، غير التي اعتمدتها حكومات اليمين أيام تولّي نتنياهو رئاسة الحكومة، والسياسة التي ينتهجها الائتلاف الحكومي الحالي الذي يترأسه نفتالي بينت، والتي يصفها رئيس معهد دراسات الأمن القومي، أمانويل تراختنبرع، بأنها عفا عليها الزمن.
الموضوع الذي ساهم، إلى حد كبير، في إثارة هذا الجدل، عدم وجود رؤية إسرائيلية واضحة إزاء كيفية التصدّي للبرنامج النووي الإيراني، والعجز الإسرائيلي عن التأثير في المفاوضات النووية مع إيران، والفجوة التي تفصل بين الموقف الإسرائيلي وموقف إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، من المسألة، فضلاً عن تزايد المخاوف من تحوّل إيران إلى دولةٍ على عتبة النووي، واضطرار إسرائيل إلى التصدّي لمثل هذا الخطر الذي تعتبره “وجودياً” وحدها. وأكثر ما يتجلى الارتباك وفقدان الرؤية بعيدة المدى من خلال اضطرار إسرائيل رسمياً إلى انتظار ما ستسفر عنه محادثات فيينا، والإيمان ضمنياً بأن أي اتفاق سيجري التوصل إليه سيكون سيئاً؛ كما يتجليان من خلال التهديدات بالتحضير لعملية عسكرية إسرائيلية ضد المنشآت النووية الإيرانية، على الرغم من معرفة إسرائيل العميقة بأنها لا يمكن أن تقوم بذلك من دون دعم أميركي سياسي وعسكري.
لكن الحاجة إلى استراتيجيا جديدة يراها المحللون الإسرائيليون ضروريةً أكثر في ما يتعلق بالنزاع مع الفلسطينيين، ففي رأي رئيس معهد السياسات والاستراتيجيا في مركز هرتسليا، عاموس جلعاد، أن سياسة “إدارة النزاع” و”اقتصاد مقابل هدوء” و”تقليص النزاع” ليست سوى معالجات موضعية وتكتيكية، تفتقر إلى رؤية أوسع وأعمق وأكثر جذرية تتطرّق إلى جذور النزاع، بدلاً من تجاهلها وتطرح عملية سياسية حقيقية مع الفلسطينيين، والكفّ عن التذرّع بعدم وجود “شريك فلسطيني”، وأن الزمن يعمل لصالح إسرائيل، وأن العمليات العسكرية المحدودة قادرة على ردع خصومٍ من أمثال حركة حماس في غزة وحزب الله في لبنان، من خلال تكبيدهما ثمناً باهظاً، ليس في إمكان التنظيمين تعريض المدنيين، سواء في غزة أم في لبنان المنهار اقتصادياً، لدفعه.
ولكن الراهن أن هذه ذرائع واهية، في ضوء الواقع الأمني الشديد القابلية للانفجار في أي وقت في قطاع غزة، على الرغم من كل التعهدات الإسرائيلية بأن عملية “حارس الأسوار” ضمنت الهدوء لسنوات مقبلة، وفي ظل تعاظم القوة العسكرية لحزب الله في السنوات الأخيرة، سيما بعد انتهاء الحرب الأهلية في سورية، وعودة مقاتلي الحزب إلى لبنان، مع الخبرة التي اكتسبوها هناك، والاستعداد للحرب المقبلة مع إسرائيل، بغض النظر عن الوضع المأساوي الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الراهن في لبنان.
ثمّة قناعة بدأت تترسخ وسط الباحثين والأكاديميين الإسرائيليين أن إسرائيل لم تعد تملك ترف الوقت، وأن وضعها المريح نسبياً حالياً على الصعيد الأمني الذي يضمنه تفوقها العسكري لم يعد يشكّل ضمانة في وجه مخاطر من نوع آخر، مثل الانزلاق التدريجي للوضع في الضفة الغربية إلى واقع الدولة الواحدة من البحر إلى النهر، وتحوّل إسرائيل بوصفها دولة يهودية إلى دولة أبرتهايد.
تتذرّع إسرائيل حالياً على لسان مسؤوليها، وأخيرا وزير الخارجية يائير لبيد، بأن تركيبة الائتلاف الحكومي الحالي لا تسمح بالبدء بمفاوضات سياسية مع الجانب الفلسطيني. هذا الائتلاف الذي يجمع حزباً يمينياً متطرّفاً مثل حزب يمينا الذي يترأسه رئيس الحكومة نفتالي بينت، والذي يؤمن بضم المنطقة ج إلى إسرائيل، وحركة ميرتس التي ما تزال تؤمن بحل الدولتين لشعبين، يمكن أن يتفكّك ويتداعى في اللحظة التي يجري فيها طرح فكرة المفاوضات السياسية مع الفلسطينيين. بدلا من ذلك، تلجأ الحكومة الحالية إلى محاولات “ترقيعية” من نوع اللقاءات التي عقدها وزير الدفاع، بني غانتس، مع رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عبّاس، ثم لقائه مع العاهل الأردني، عبد الله الثاني، قبل أيام، والاجتماع بين بينت والرئيس عبد الفتاح السيسي، وغيرها من تظاهرات سياسية أشبه بقعقعة من دون طحين.
ربما يعكس النقاش الدائر في إسرائيل بشأن الحاجة إلى استراتيجية حسم جديدة غير سياسة المراوحة والرهان على الوقت دينامية معينة داخل إسرائيل، تشكّك بقدرة أصحاب القرار الحاليين في إسرائيل على إنقاذ إسرائيل من الخطر النووي، والأهم من خطر تحوّل إسرائيل في وقت قريب إلى دولة ثنائية القومية، وبالتالي دولة فصل عنصري. لكن ربما ما يجعل المسؤولين الإسرائيليين لا يشعرون بالقلق الشديد هو واقع الانقسام في الوضع الفلسطيني، وتراجع الاهتمام العربي بالقضية الفلسطينية، وانشغال دول المنطقة بخلافاتها الداخلية، وبحثها عن مظلةٍ تحميها من التهديد الإيراني وغيرها. عن “العربي الجديد”

أضف تعليق