29 آذار 2024 الساعة 01:57

لماذا تكره «إسرائيل» غزة؟

2021-12-28 عدد القراءات : 385
في 24 تشرين الثاني/ نوفمبر، أعلنت وزارة الداخلية البريطانية أنها حظرت حركة حماس الإسلامية الفلسطينية بالكامل بموجب قانون الإرهاب لعام 2000 في البلاد. بينما كان الجناح العسكري للحركة مدرجا على قائمة الحركات الإرهابية المحظورة منذ عام 2001، فقد ضغطت وزيرة الداخلية البريطانية بريتي باتيل من أجل حظر كامل للمنظمة، مشيرة إلى أنه لم يعد من الممكن التمييز بين الجناح السياسي وبين الجناح العسكري للحركة.
بالنظر إلى أن حماس تحكم قطاع غزة الذي لا يزال محاصرا، فإن هذه الخطوة ستؤدي بالتأكيد إلى تفاقم الأزمة الإنسانية المدمرة بالفعل في هذا القطاع الساحلي الفلسطيني. ومع ذلك، فإن هذا الخطر لم يردع خطط الحكومة البريطانية لإدراج حماس في القائمة السوداء، لأسباب ليس أقلها أن غزة نادرا ما يُنظر إليها بتعاطف. في الواقع، غالبا ما يجد هذا القطاع نفسه خارج نطاق المحادثات العادية حول إسرائيل وفلسطين. وبدلا من ذلك، يُنظر إليه على أنه مكان مكروه بشكل استثنائي يستحق إجراءات قمعية استثنائية.
كان هذا واضحا خلال الحملة العسكرية الإسرائيلية التي استمرت 11 يوما في غزة في أيار/ مايو. وقتلت الغارات الجوية الإسرائيلية ما يقدر بنحو 250 شخصا في غزة ودمرت 2200 منزل فلسطيني، وفقا لمسؤولين فلسطينيين. (شكك المسؤولون الإسرائيليون في هذا الرقم).
ومع ذلك، فإنه في 12 أيار/ مايو، أصدر البيت الأبيض بيانا أشار فيه إلى أن الرئيس الأمريكي جو بايدن بلّغ "دعمه الثابت لأمن إسرائيل وحق إسرائيل المشروع في الدفاع عن نفسها وشعبها" لرئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك بنيامين نتنياهو. في اليوم التالي، أضاف بايدن أنه "لم يكن هناك رد فعل مبالغ فيه" من جانب إسرائيل. ولم يرد ذكر لغزة أو فلسطين أو فلسطينيين في البيان.
وأظهر استطلاع أجرته مؤسسة مورننغ كونسالت خلال قصف إسرائيل في أيار/ مايو أن 11% فقط من الناخبين الأمريكيين متعاطفون مع الفلسطينيين بينما لا يزال 28% يؤيدون إسرائيل. وبلغت نسبة التأييد للفلسطينيين 19% بين الديمقراطيين و 3% بين الجمهوريين. وأظهر استطلاع آخر أن نصف اليهود الإسرائيليين يعتقدون أنه لم يكن هناك فائزون واضحون في نهاية الحملة الإسرائيلية. ومع ذلك، فقد اعتبر غالبية السكان أن عملية غزة مبررة ويعتقدون أنها كان يجب أن تستمر لفترة أطول.
ويبدو أن السلطات الإسرائيلية تدرك بشكل خاص وصمة العار المتعلقة بغزة. في الواقع، في بداية احتجاجات أيار/ مايو في حي الشيخ جراح بالقدس - حيث قادت العائلات الفلسطينية المهددة بالإخلاء حركة احتجاجية قال بعض المحللين إنها ساعدت في تحفيز التوترات في البلدة القديمة بالقدس، والتي أعقبها صراع غزة - كانت السلطات الإسرائيلية سريعة الادعاء بأن حماس كانت مسؤولة عن "التصعيد" في القدس على الرغم من عدم وجود دليل على تورط الحركة. في نهاية المطاف، أطلقت إسرائيل عملية "حارس الجدران"، وتحولت دائرة الأخبار بعيدا عن الطرد القسري للفلسطينيين في القدس.
يبدو أن غزة تميل إلى لفت الانتباه عن المسائل الأساسية المتعلقة بحقوق الفلسطينيين في الأرض والسيادة والتحرير الوطني، التي أدت إلى اندلاع الاحتجاجات في القدس. لكن غزة على العكس من ذلك، فإن سياستها هي إلى حد كبير تجسيد ونتيجة للسياسات الأوسع لإسرائيل وفلسطين.
تجسد غزة تأثير قيام دولة إسرائيل عام 1948 على فلسطين والفلسطينيين. في الواقع، قبل النكبة لم يكن يُنظر إلى غزة على أنها منطقة منفصلة إلى جانب كونها جزءا من المنطقة الجنوبية من الانتداب البريطاني لفلسطين. بعد النكبة، أثرت "مشكلة اللاجئين" الفلسطينيين على التركيبة الديمغرافية للمنطقة بأسرها. لكنها أيضا أنشأت غزة وشكلت مستقبلها السياسي والاقتصادي.
تضاعف عدد سكان القطاع الساحلي ثلاث مرات بين عامي 1947 و 1948 مع تدفق 220,000 إلى 250,000 لاجئ فلسطيني من يافا والمنطقة الساحلية الجنوبية. وأصبح قطاع غزة فجأة ليس مجرد واحد من أكثر الأماكن كثافة سكانية في العالم، لقد أصبح الآن أيضا مكانا كان غالبية السكان فيه من اللاجئين.
وكان قطاع غزة أيضا أكثر فقرا من الضفة الغربية. وفي ظل الحكم المصري وبعد النكبة مباشرة، واجهت غزة انهيارا اقتصاديا مع إغلاق مينائها وفقدان معظم أراضيها الزراعية خلال الحرب. ونظرا لكون اقتصاد غزة ريفيا وصغير الحجم، فقد كان أيضا غير مجهز إلى حد كبير لإعالة السكان اللاجئين الوافدين حديثا. وتأسست وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في كانون الأول/ ديسمبر 1949. وبدأت العمل في غزة في العام التالي، عندما تولت دور الوكالة الوحيدة المسؤولة عن الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية للاجئين في القطاع.
وكانت مصر معنية بالدرجة الأولى بتعزيز حكمها العسكري على جميع مناحي الحياة في غزة ولم تفعل سوى القليل لتعزيز التنمية الاقتصادية أو تطوير البنية التحتية. وعُيِّن مسؤولون مصريون على رأس جميع المناصب العامة، واستُبعد الفلسطينيون من المناصب الإدارية البارزة. وتمت مراقبة سكان غزة الأصليين عن كثب من قبل مصر، وتم إقصاء اللاجئين إلى حد كبير على هوامش الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية.
بعد أزمة السويس عام 1956، كانت مصر أقل ميلا إلى تخصيص الموارد لمنع الفصائل الفلسطينية المسلحة من دخول إسرائيل. نتيجة لذلك، فقد خفف الجيش المصري من قبضته على الحياة في غزة.
وفي العقد الأخير من الحكم المصري، أعيد فتح ميناء غزة وجعل منطقة تجارة حرة. وتمكن مزارعو الحمضيات في غزة من الوصول بشكل أكبر إلى السوق العالمية، بما في ذلك في أوروبا الشرقية. ومع ذلك، فإنه في حين أفادت هذه الأنشطة الاقتصادية السكان الأصليين في غزة، فقد ظل لاجئو القطاع محرومين اقتصاديا ويعتمدون على الأونروا والمانحين الدوليين الآخرين.
بعد حرب عام 1967، شهدت غزة بعض التطور الاقتصادي في ظل الاحتلال الإسرائيلي المباشر، مدعوما بشكل أساسي بالأرباح المرتفعة نسبيا لسكان غزة العاملين في إسرائيل. في غضون العقدين التاليين، شكل الفلسطينيون من غزة 60% من إجمالي القوى العاملة الفلسطينية في إسرائيل، ارتفاعا من 10% في عام 1970. وقد أدى ذلك إلى نمو الطلب في الاقتصاد المحلي. وفي الوقت نفسه، أضعفت النخبة الأصلية التقليدية في غزة وعززت نخبة مضادة جديدة ستستمر في لعب دور مركزي في الحركة الوطنية الفلسطينية.
ومع ذلك، فقد استعصى النمو الاقتصادي على نطاق واسع على قطاع غزة حيث كان الاقتصاد يعتمد على الأجور المكتسبة في إسرائيل والتحويلات المالية. هذا يعني أن الاقتصاد الداخلي ظل ضعيفا هيكليا ومتخلفا. وكان هناك أيضا استثمار إسرائيلي ضئيل في القطاعات الرئيسية لاقتصاد غزة. وتم استخدام الدخل المكتسب من العمل في إسرائيل ودخل التحويلات الخارجية إلى حد كبير لشراء سلع استهلاكية إسرائيلية متينة، وبالتالي فإن الزيادة الطفيفة في النزعة الاستهلاكية لم تعد بفائدة اقتصادية على قطاع غزة.
للاطلاع إلى النص الأصلي (هنا)

أضف تعليق