29 آذار 2024 الساعة 13:17

في موسم الانطلاقات ..!!!

2021-12-12 عدد القراءات : 434
على غير عادتي في الكتابة وعلى نمط لغة الكاتب الراحل حسن البطل في سردياته الجميلة وفقط في مقال واحد، وهو الكاتب صاحب البصمة الخاصة البسيطة والعميقة في كتابة العمود، قال صديقي: ألا تلاحظ بأن معظم انطلاقات الفصائل في الشتاء والجو البارد؟ فالجبهة الشعبية وحركة حماس في كانون الأول وحركة فتح في كانون الثاني والجبهة الديمقراطية في شباط وما علاقة البرد بذلك؟
يمكن أن نقسم العالم الى قسمين ارتباطاً بالمناخ، فكل الإنتاج الديني والروحي كان في الشرق فيما كان الإنتاج الصناعي والمادي في الغرب. فالأديان هي ابنة الشرق والجو الحار، بينما اختراع المركبة والطائرة وما الى ذلك من وسائل الحياة المادية في الغرب. لماذا هذا التقسيم؟ ربما يحتاج الأمر الى تفسير مشترك بين علمي الأيكولوجيا وعلم المناخ.
عادة، الأجواء والمناخات الحارة أكثر انفعالية وثائرة وخاصة حين تترافق مع طبيعة صحراوية بينما العقل البارد في المناطق الباردة. هل هذا يفسر الانفعال العصبي الزائد في منطقة الشرق وخاصة لدى العرب في الصراعات التي لم تهدأ بعد؟ والثورة ليست وليدة التفكير البارد بل هي نتاج ردة فعل تحمل قدراً كبيراً من الانفعال وسرعة العمل وردة الفعل. والحقيقة أن أمر الفصائل ليس كذلك وليست ابنة المناخات الباردة، صحيح أن الإعلان عن الانطلاقات كان في الشتاء وأواخر الخريف ولكن القرار بالتأكيد لم يكن وليد اللحظة ذاتها.
فالجبهة الشعبية كان قرار تشكيلها قد اتخذ في الصيف كردة فعل على مأساة النكسة والهزيمة العربية في الصيف، عندما أدرك مؤسسوها أن الفلسطيني هو حجر الزاوية في المهمة التاريخية، وكذلك الجبهة الديمقراطية حيث كان قرار الانطلاقة بعيد مؤتمر آب للجبهة الشعبية ليجري الإعلان عنه بعد ستة أشهر. وحدها حركة فتح أخذت ما يكفي من التحضير لسنوات منذ اتحاد الطلاب في مصر في خمسينيات القرن، ولا نعرف متى ولدت الفكرة تماماً، بالتأكيد لم تكن وليدة اللحظة.
وحدها «حماس» التي اتخذت قرار إنشائها والإعلان عنها خلال أيام في كانون الأول استغلالاً للانتفاضة التي سبقت إعلان الانطلاقة بخمسة أيام، وهي اللحظة التاريخية التي توفرت أمام حركة عريقة مثل حركة الإخوان المسلمين لم تكن تتركها لتضيع كما أفلتت منها ثورة يوليو المصرية وأفلتت حركة فتح نفسها، حيث كان جمال عبد الناصر وياسر عرفات وقادة حركة فتح الأوائل قريبين من حركة الإخوان المسلمين، وقد خطفا وهج الانتصارات وأخذا الجماهير خلفهما وتركت الحركة الإسلامية على هامش المنطقة.
كان مؤسسو حركة حماس يدركون أنهم لا يمكن أن يلتحقوا بالانتفاضة باسمهم آنذاك سواء كإخوان مسلمين أو كمجمع إسلامي، لأن الالتحاق باسم الإخوان المتواجدين منذ عقود ولم يصطدموا مع الاحتلال الى جانب الحركة الوطنية سيترك سؤالاً عن عقود الفراغ، وأيضا لا يمكن التقدم باسم المجمع الإسلامي الذي حصل على ترخيصه من السلطات الإسرائيلية. وأبعد من ذلك كما يقول الكاتب الأسترالي «بول ماغوو» في كتابه «اقتل خالد» عن محاولة اغتيال رئيس المكتب السياسي السابق لحركة حماس خالد مشعل بأن المجمع تلقى رياح إسناد من الحكومة الإسرائيلية بعد حرب بيروت في محاولة لاستغلال تشتت منظمة التحرير والعمل على خلق بديل ومنافس لها وهو ما أثار غضب السفارة الأميركية في إسرائيل تجاه سياساتها في غزة ما دفع الدبلوماسي الأميركي دان كرترز للصراخ في وجه مساعدي شمعون بيريس رئيس وزراء إسرائيل آنذاك بعد التقارير من غزة ليقول، «هل فقدتم عقولكم يا رجال؟».
كان الدبلوماسي الأميركي يخشى أن تنقلب الحركة الإسلامية على إسرائيل بعد أن تتمكن بمساعدتها وتنتقل للعمل العسكري، وهو ما حصل لتأخذ دور «فتح» في الصدام المسلح بعد أن وقعت الأخيرة باسم منظمة التحرير اتفاقاً مع إسرائيل يقضي بوضع السلاح جانباً والتفاوض مع إسرائيل وحل الصراع بشكل سلمي بعيداً عن المعارك، هذا قبل أن تنقلب حركة فتح على اتفاقياتها ويقود عرفات كفاحه المسلح من جديد في الانتفاضة الثانية وقبل أن تنقلب «حماس» على موقفها من أوسلو القاضي بتأبط حكم الشعب تحت الاحتلال والخضوع لمعادلات تشكل قيداً على حركتها رغم تجربة «فتح» التي تجسدت أمامها.
لا مجال هنا لمراجعة التاريخ بحرفيته، فتلك تحتاج الى عقل بارد ومراكز دراسات، ولم يعتد الفلسطيني كما شقيقه العربي على المراجعات ومحاكمة الإنجاز والإخفاق ففي ذلك ما يشبه الكفر بالفكرة، فالإحقاق يتم ستره بالمبالغات واللغة الإنشائية أما الإنجاز فيتم تضخيمه وباللغة والإنشاء نفسهما ولا أحد يسأل عما تحقق وكيف نعود الى معادلات عنوانها «بدنا نعيش» بما يشبه قلب الأولويات تحت وطأة الظروف الاقتصادية وتحكّم إسرائيل بالنجاح والفشل.
للفصائل ما لها وهو كثير فهي إنجاز لشعب تشتت في أصقاع الأرض وتوقف مجتمعه عن النمو منذ النكبة، وهي معجزة أن يتم تنظيم نفسه في أحزاب سياسية وهو تعبير عن مجتمع مدني، ولا يمكن تخيل تحقيق أي شيء دون الفصائل، وعليها الكثير أبرزها مقارنة التضحيات بالإنجازات حيث يختل الميزان لصالح الخسارة أمام شعب كان كريماً بالدم وسنوات الاعتقال الطويلة وتحمل الدمار، وتنتهي الفصائل بصراع داخلي على السلطة ومن يحكم وتصبح الانتخابات القضية الأولى لشعب لم ينل حريته بعد.
ولكن بكل الظروف، هذه الفصائل هي ابنة الشعب الفلسطيني، حيث يلاحظ في الفترة الأخيرة صعود في قسوة انتقاد الفصائل على السوشيال ميديا لدرجة التمني باختفائها، وفي هذا تسطيح لأزمة كبيرة بسببين الأول أن لا مجتمع حقيقيا دون قوى سياسية ولا قضية دونها، فهي عناوين جديرة بالبقاء ساهمت في دفع القضية للصدارة وحافظت على بقائها والثانية أن الفصائل لم تأت من العالم الخارجي بل هي جزء من هذا الشعب ومن مكونه وأبنائه وهي تشبهنا تماماً في كل شيء كنتاج مكثف لنا ولندقق في التفاصيل.
وإذا كنا نعيب عليها بسبب الانقسام فلنلاحظ التنافس داخل العائلة الواحدة، ربما أن الأسرة متماسكة ولكن أبناء العمومة وأيضاً التنافس بين العائلات والحمائل وما حدث بالخليل كان نموذجا. هي تشبهنا تماماً فمن يتحمل المسؤولية نحن الشعب أم هم؟ تلك رواية بحاجة الى بحث أوسع شريطة أن يكون في الشتاء...!!!

أضف تعليق