29 آذار 2024 الساعة 13:45

فوضى سياسية، على رقعة الإنقسام الفلسطيني

2021-10-06 عدد القراءات : 560
بتاريخ (28 كانون الثاني يناير 2020)، أعلن الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب"، خلال مؤتمر صحفي حضره بعض سفراء الدول العربية، إلى جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق،  وزعيم حزب الليكود "بنيامين نتنياهو"، عن الشق السياسي لما عرف بـ"صفقة القرن"، والتي سبقها الإعلان عن الشق الإقتصادي للصفقة، خلال الورشة التي عقدت في العاصمة البحرينية "المنامة" على إمتداد يومي (25 و26 حزيران يونيو 2019)، أفتتحت بجملة شهيرة لكبير المستشارين في إدارة ترامب "جاريد كوشنير"، عندما قال أن أمريكا تريد أن ترى "السلام والازدهار والأمن يتحقق للإسرائيليين والفلسطينيين والجميع"، وأن الإقتصاد الفلسطيني لا يمكن أن ينتعش، إلا عبر حل الصراع مع "إسرائيل"، مجسدا عقلية "تجار العقارات"، وكبار رجال الأعمال الأمريكيين، التي إتسم بها "ترامب" وإدارته، في وضع حقوق الشعب الفلسطيني الوطنية، على طاولة المزاد العلني، ومحاولة إستبدال الحل السياسي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ببعض التحسينات الإقتصادية، فأتى الشق السياسي للصفقة، ليستكمل أحد أخطر فصول المؤامرة (الأمريكية الإسرائيلية)، لتصفية القضية الفلسطينية، ودفن جميع الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني التي ناضل في سبيلها، دافعا آلاف الشهداء والجرحى، لعقود متواصلة، تحت حفنة من دولار النفط العربي.
لم تأت "صفقة القرن"، بما تضمنته من نقاط، أسقطت من الحسبان، أي إمكانية للوصول إلى حل عادل للقضية الفلسطينية، تمنح الشعب الفلسطيني حقوقه، وتقف على أرضية القرارات الدولية، نتيجة إجتهادات إستثنائية، لمجموعة من مستشاري البيت الأبيض، من الذين عكفوا بقيادة "كوشنير"، على الترويج للصفقة على مسامع المجتمع الدولي، وفي قصور بعض العواصم العربية، على أنها ذروة العبقرية السياسية، والحل السحري لصراع يمتد لأكثر من (73) عاما، بل هي  نتيجة مباشرة  للتطور في المشروع الصهيوني على الأرض، وفرض ما يعرف بسياسة الأمر الواقع ، من قبل الحركة الصهيونية، التي شهدت تطورا في خصائصها، وفي جوهر مشروعها، بما يتضمنه من عملية إستيطانية إحلالية، إستنادا على "خرافات واساطير تاريخية ومزاعم دينية"، لقيام ما يعرف بدولة إسرائيل الكبرى اليهودية، مما جعل من الصفقة، مشروعا "إسرائيليا" خالصا، يستند إلى تلك الوقائع والتغيرات التي فرضت على الأرض الفلسطينية، منذ توقيع إتفاق أوسلو بتاريخ (13 أيلول سبتمبر 1993)، وما منحه الإتفاق تحت شعار، "الإنتقال من الإحتلال إلى الإستقلال"، من هامش لتطبيق عملي، للمشروع الإستيطاني الصهيوني، في الأراضي الفلسطينية، وإحكام السيطرة على جميع المرافق الحيوية، التي تشكل شرايين القلب النابض للدولة المنتظرة، وعلى وجه الخصوص الإقتصادية منها، من خلال القيود التي فرضت على الإقتصاد الفلسطيني بعد توقيع بروتوكول "باريس" الإقتصادي (1995)، بالإضافة إلى إطلاق عملية التهويد "الكبرى"، في مدينة القدس المحتلة، بمنهجية عمل تستند  لذات المشروع الواضح، في إدارة معركة مدينة القدس المحتلة، بفرض سياسية الأمر الواقع داخل المدينة، عبر سرقة الأراضي، وتسريب المنازل العربية، لجمعيات "الإستيطان" الصهيونية، وفرض عملية تضييق وقيود على المقدسيين، لإجبارهم على مغادرة المدينة، وتوفير الغطاء الكامل، لما يسمى "إتحاد منظمات جبل الهيكل" ومنظمة "لاهفا" المتطرفة، وغيرهم من المجموعات الإستيطانية المتطرفة، لإقتحام المسجد الأقصى، لتكريس مشروع التقسيم الزماني والمكاني، تمهيدا لتهويد المدينة لصالح مشروع بناء "الهيكل" المزعوم.
هذه التطورات التي سبقت إعلان الرئيس الأمريكي السابق "ترامب"، القدس المحتلة،  عاصمة موحدة لدولة الإحتلال الإسرائيلية بتاريخ (6 كانون الثاني ديسمبر 2017)، تؤكد بالوقائع الميدانية، وصول المشروع الصهيوني المرتكز على الإستيطان من جهة،  والتهويد من جهة أخرى، في مسار تطبيقه العملي إلى ذروته، في حين أصبحت الظروف الميدانية مؤاتية، لما يطلق عليه بمشروع "الضم الصهيوني"، وهو الركيزة الأساسية التي يقف عليها مشروع "دولة إسرائيل الكبرى"، إلى جانب قانون "يهودية الدولة"، ما يعني أن هذا المسار الصاعد في تطور المشروع الصهيوني، من حيث التطبيق الميداني، بما ينضوي على الركائز المذكورة، أصبحت السمات الأساس،  التي تحكم سياسة "إسرائيل"، بغض النظر عن شكل الحكومات المتعاقبة، على الرغم من هيمنة اليمين المتطرف الصهيوني، على تلك الحكومات كما أفرزت إنتخابات "الكنيست" الصهيوني في السنوات الأخيرة، وما يحمله قادة "اليمين الصهيوني" ويجاهر به من أفكار، تنسف بشكل كلي حقوق الشعب الفلسطيني الوطنية، وإمكانية الوصول إلى حل عادل، يمنح الشعب الفلسطيني دولته المستقلة بعاصمتها القدس وعودة اللاجئين، وفقا للقرارات الدولية ذات الصلة.
على المقلب الآخر، وفي حين يتلمس الشعب الفلسطيني، خطورة تطور المشروع الصهيوني، الذي بات يطرق أبواب الفلسطينيين، وعلى وجه الخصوص في مدينة القدس المحتلة والضفة الغربية، وعلى الرغم من إدراك القيادة الفلسطينية، للحقيقة الإستيطانية الإحلالية، الآخذة زحفا على الأرض الفلسطينية، وإنسداد جميع الآفاق في المدى القريب المباشر، لإستئناف أي عملية سياسية، تأخذ بعين الإعتبار إمكانية إطلاق مسار سياسي، يقف على أرضية المفاوضات والشعرية الدولية، إلا أن المشروع الوطني الفلسطيني، يشهد ومنذ توقيع إتفاق "أوسلو"، حالة تراجع وتدهور خطيرة، نجم عنها دخول النظام السياسي برمته، في مرحلة إضمحلال تاريخية، عبر عنها بكثير من المحطات المصيرية، التي مر بها الشعب الفلسطيني، في حين وقف النظام السياسي بشقيه (السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير)، عاجزا عن تطبيق قرارات أعلى المؤسسات الشرعية للشعب الفلسطيني، هذا العجز الذي تجلى بشكل واضح بتراجع القيادة الرسمية، عن مخرجات إجتماع الأمناء العامين، الذي إنعقد بين بيروت ورام الله بتاريخ (3 أيلول سيبتمبر 2020)، الذي راهن عليه الشعب الفلسطيني، لإنتشال النظام السياسي من الغرق، في محيط الصراع المستعر بين طرفي الإنقسام، خاصة وأن هذه المخرجات، وقفت على أرضية القرارات، التي شكلت محط إجماع وطني فلسطيني، لجهة إعادة توجيه بوصلة النضال الوطني الفلسطيني، ورسم "خارطة طريق"، لإنهاء حالة الإحتراب والإنقسام السياسي، وإستعادة الوحدة الوطنية، وتوفير الإطار التنظيمي والسياسي، للمقاومة الشعبية بكافة أشكالها، وإعادة ضخ الدماء التشريعية، إلى مؤسسات الشعب الفلسطيني الجامعة، المتمثلة بمؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، وعلى وجه الخصوص (المجلس الوطني واللجنة التنفيذية)، هذا الإرتداد الذي وصل بذروته لإعلان السلطة الفلسطينية، بتاريخ (17 تشرين ثاني نوفمبر 2020)، عن عودة التنسيق الأمني، أدى إلى "فوضى سياسية" غير مسبوقة، شهدتها الساحة الفلسطينية، نظرا لتعميق حدة الإنقسام السياسي، ومحاولة "الإجتهاد"، لجهة طرح مشاريع ونظريات لخوض الصراع أو إنهائه، تبدد المسار النضالي الطويل، وجيمع الإنجازات الوطنية التي حققها الشعب الفلسطيني، تحت مظلة البرنامج المرحلي، الذي تبناه المجلس الوطني الفلسطيني بدورته الثانية عشر عام 1974.
هذه الفوضى السياسية، التي زجت مرة أخرى الشعب الفلسطيني، في متاهة التطبيق العملي للمشروع النضالي الجامع، الآخذ بعين الإعتبار أولوية النضال، والتشخيص العلمي الدقيق، لمسار تطور المشروع الصهيوني، وآليات مواجهته، وتثبيت الشعب الفلسطيني على أرضه، وتوحيد كافة الطاقات الفلسطينية، لمنع هذا المشروع من كسر آخر خطوط الدفاع المتقدمة، عن الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، ففي حين شهدت القضية الفلسطينية، تأييدا ودعما عالميا غير مسبوق، وفي حين تواجه "إسرائيل"، حركة تضامن عالمية عريضة، مع الشعب الفلسطيني، ومعارضة واضحة وشرسة، لممارساتها الإجرامية بحق الشعب الفلسطيني، بإعتبارها نظام فصل عنصري، يمارس جريمتي الإضطهاد والفصل العنصري بحق الشعب الفلسطيني، كما أكد تقرير "هيومن رايتس ووتش"، وهذا ما ظهر  بشكل واضح أثناء تصدي الشعب الفلسطيني، لمحاولة طرد المئات من العائلات الفلسطينية، في حي الشيخ جراح" وسلوان في مدينة القدس المحتلة، وأثناء معركة "سيف القدس، التي خاضتها المقاومة الفلسطينية ببسالة عالية، يخرج على الشعب الفلسطيني، من يطرح مشاريع "بناء القصور في الهواء"، كمشروع الدولة الواحدة، ومشروع التحرير الكامل الغير واضح الأفق، في حين يعلن الجانب الرسمي الفلسطيني، عن تمسكه بحل الدولتين، كما جاء في إتفاق "أوسلو"، دون أن يقدم أي من أصحاب الرأي المختلف، أي رؤية واضحة للشعب الفلسطيني، لتطبيق هذه المشاريع، والتي لا تعود على الشعب الفلسطيني، إلا بالتخلف الوطني، مقابل مشروع التبديد الواضح للحقوق الوطنية الفلسطيني، فما هو قائم الآن بالوقائع الميدانية، دولة الفصل العنصري الصهيونية، ذات البعد الإستيطاني والتهويدي، مقابل محاولة الشعب الفلسطيني، إفشال الطور الأخير، بتطبيق مشروع الضم والتهويد، وتحويل الشعب الفلسطيني، إلى تجمعات بشرية تعيش في "معازل"، أسوأ من تلك التي سقطت بعد العزلة الدولية التي فرضت على دولة "الأبارتهايد" في جنوب أفريقيا، وأي طرح فلسطيني للدولة الواحدة، لا يعني سوى التسليم بهذا المشروع الإستيطاني التهويدي، وإستسلام لحقيقة وجود الكتل الإستيطانية في الأرض الفلسطينية، أي بمعنى آخر، تسريب شعور عدم الحاجة، للنضال ضد المشروع الإستيطاني في الضفة والقدس المحتلة، إلى الحركة الجماهيرية الفلسطينية، في حين يسعى الشعب الفلسطيني، مقدما الشهداء في كل يوم، لإفشال النشاط الإستيطاني وتفكيكه، كما تمارسه الحركة الجماهيرية الفلسطينية في الضفة الغربية، كمقاومة "بيتا" و"بيت دجن" ومقاومة جدار الفصل العنصري وغيرها الكثير، في حين تنظم اللقاءات والمؤتمرات الشعبية، الداعية إلى تقسيم الغنائم، ووضع خطط إستراتيجية لإدارة الأراضي الفلسطينية المحررة بالكامل، يقابلها طرح ضبابي عام لفكرة التحرير الكامل، في ظل غياب لأي مشروع واضح لآليات تطبيق مشروع التحرير، في ظل موازين القوى الفلسطينية والإقليمية القائمة، وإختلالها لصالح الدعم الإمبريالي العالمي للعدو الصهيوني، في حين تتمسك القيادة الرسمية الفلسطينية، بجثة مشروع "حل الدولتين"، الذي أعلن الجانب الإسرائيلي دفنه ومنذ زمن طويل، بالإضافة إلى رفضه من قبل الكتلة الوازنة، من القوى الفلسطينية، لما يفتقره هذا المشروع، لركائز مشروع الإستقلال، وإنتزاع الحقوق الوطنية المشروعة لشعب الفلسطيني، كحق عودة اللاجئين إلى الأراضي التي هجروا منها عام 1948، ودعم الحركة الوطنية الفلسطينية في الداخل المحتل عام 1948، في معركتها من أجل المساواة في القومية، ودون التمسك بتفكيك كامل الكتل الإستيطانية، وفرض السيادة الفلسطينية على كامل الأراضي المحتلة عام 1967.
إن هذه الفوضى السياسية، وتشتيت الحركة الجماهيرية الفلسطينية، عن إدراكها الواقعي لأولويات النضال، وحقيقة تطور المشروع الصهيوني، وآليات إفشاله العملية، لا يعني سوى وضع الحركة الجماهيرية وحقوق الشعب الفلسطيني، في دائرة مغلقة، وحلقة دوران عبثية، لا تخدم التقدم نحو الهدف، ولا تدفع مسار التحرر الوطني الفلسطيني إلى الأمام، بل تعمق من تخلف النظام السياسي الفلسطيني، وأدائه الوطني، وتزيد من حالة التوهان (السياسي والجماهيري)، في حين أضحى المشروع الصهيوني، بمراحل تطبيق متقدمة، خاصة في ظل الإنهيار العربي الرسمي، وفتح أبواب بعض العواصم العربية، بعد إتفاقيات التطبيع التي وقعت بين الجانب الإسرائيلي وبعض الأنظمة العربية، مما يشكل ليس فقط طعنة في خاصرة النضال الوطني الفلسطيني، بل تهديدا عمليا لشعوب تلك الدول وخيراتها ومقدراتها، وهذا ما يتطلب الإدارك الوطني الجامع من قبل الكل الفلسطيني، لأولويات خوض الصراع وآلياته، من خلال إعادة توجيه البوصلة، للمشروع الوطني الفلسطيني، الآخذ بعين الإعتبار مرحلة النضال وإنجاز الحقوق الوطنية، المتصادم مع النشاط الإستيطاني في الأرض الفلسطينية، والمتمسك بحقوق الشعب الفلسطيني الوطنية، على رأسها حق اللاجئين في العودة إلى الأراضي التي هجروا منها عام 1948، والدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة بعاصمتها القدس،  كما جاءت عليها قرارات الأمم المتحدة، ودعم الحركة الوطنية الفلسطينية في الداخل المحتل عام 1948، لإفشال مشروع "يهودية الدولة"، على طريق تجميع عناصر القوة الفلسطينية والإقليمية، التي تمكن الشعب الفلسطيني، من هزيمة هذا المشروع الإستيطاني الإستعماري العنصري، وممارسة الحق التاريخي في تقرير المصير على كامل التراب الوطني الفلسطيني، في دولة فلسطين الديمقراطية، التي تقف على ركيزتي المواطنة والعدالة الإجتماعية، كواحة للحريات  والديمقراطية، في منطقتنا العربية.

أضف تعليق