29 آذار 2024 الساعة 07:55

«مُحمّد»..اخْتَطَفَ الِاحْتِلَالُ بَصَرَه، وَوَأَدَ حُلْمَهُ بِأَنْ يُصْبِحَ طَبِيباً

2021-08-22 عدد القراءات : 788
غزة (الاتجاه الديمقراطي) (تقرير سنابل الغول)
«نفسي أرجع أشوف ماما وبابا».. كلمات خرجت ممزوجة بغصة مكبوتة من الطفل محمد شعبان ابن  الثمانية أعوام، الذي سلبه الاحتلال الإسرائيلي بصره خلال العدوان الأخير على غزة، وأطاح  بِأحلامه وأمانيه، وأمَله بالغد في مكان سحيق مظلم، جَاعلاً من مستقبله غامض مشوه الملامح لا يقوى أحد على الولوج فيه، وتركه يصارع الحياة بروح معطوبة وجسد غض صغير مثقل بانطفاء بصره، يتخبط في دوامات الأسى غارقاً في ظلمات بئرٍ لا نور فيه.
كان محمد يجلس بعينين أسدل الاحتلال ستار النور عنهما، يحتضنه والديه بقلب موجوم عاجز والحسرة تنهش دواخلهم وقد أعاث القهر الفساد في أرواحهم وجعاً على فلذة كبدهم.
بحشرجة بكاء تعتلي حنجرتها روت أم محمد ما حدث قائلة: «اصطحبت محمد إلى سوق جباليا، كي أشتري له ملابس العيد، فقصفت طائرات الاحتلال بصواريخها قرب المكان»، تنهدت الأم واغرورقت عيناها بالبكاء والحسرة واضعة يدها على عيناها وجبينها ثم تابعت «وفجأة من شدة الصاروخ انفجرت عين محمد»، صمتت الأم ولم تتمالك نفسها وهي تسرد ما حدث لفلذة كبدها فانهارت بالبكاء قائلة «مش قادرة أكمل..».
وتابع هاني شعبان والد محمد سرد ما حدث قائلاً: «شظايا صاروخ الاحتلال أدت إلى إنفجار العين اليسرى لدى محمد بالكامل، وبقي أمل صغير في عينه اليمنى التي تضررت بشكل أقل وتم تحويله إلى جمهورية مصر العربية للعلاج»، وبقلب يعتصره الألم استكمل :«للأسف العين المتبقية فُقد الأمل بأن تُبصر من جديد، فعاد محمد فاقد للبصر كلياً،  ونحن بحاجة لمعجزة كي يبصر من جديد كما قال لي الأطباء».
«يسير الطفل على غير هدى ممسكاً بسماعة طبيب ملونة تُحاكي وتحتضن بين طياتها أحلامه وأمنياته بالغد التي اختطفها الاحتلال منه عنوة وذره يكابد الشقاء والمعاناة منذ نعومة أظافره، ليكبر بذلك ألف عمر على عمره».
بدموعٍ منهمرة حارقة كادت تخنق الصغير من لوعته قال:«نفسي أرجع أشوف أمي وأبوي وخواتي وأخويا الصغير، نفسي أشوف صحابي وألعب معهم نفسي أروح ع مدرستي، عشان نفسي أصير دكتور».
بقلب أبٍ يتمالك نفسه بالقوة كي يبقى سنداً لمن حوله، استكمل هاني الحديث: «محمد يطلب مني كل يوم أن أشتري له قرطاسية وملابس كي يذهب إلى المدرسة، هو الآن يريد الخروج وممارسة حياته كالسابق»، متابعاً «المدارس النظامية التي كان يوجد بها محمد لم تعد تستوعب حالته، فهو الآن بحاجة لمرحلة تعليم مختلفة جداً ومدرسة خاصة تتناسب مع إصابته».


بحسرة طوقت ملامح الأب ودمعة مكبوتة تأبى الخروج والعجز يصدح بين حروفه قال : «محمد كانت روحه مرحة ويحب اللعب، وكذلك مدرسته وكان يقضي معظم أوقاته مع رفاقه، لكن الآن ابني شبه منعزل ومُقيد الحركة بسبب فقدان بصره».
وبالحديث عما يتمناه لفلذة كبده، طالب هاني بأن يتم توفير فرصة تعليم لطفله يستطيع من خلالها الاعتماد على نفسه والوصول لما يريد، مُردفاً «وأنا سأحاول دائماً بألا تكون إصابة محمد عائقاً أمامه، وسأحرص أن أجعلها واقع يتقبله ويجد فيها شخصيته ويسعى لأن يكون إنساناً مبدعاً في المستقبل».
وبالعودة للأم المفطور قلبها على صغيرها والتي تبكي تارة وتصمت قهراً تائهة بين طيات عوالم فكرها الخفي  من هول صدمتها، قالت والألم يعتصر قلبها والدموع تنهمر من عينيها الحمراوين من  البكاء المتواصل منذ إصابة طفلها، فتنهدت والوجع ينهش روحها:«آخ محمد، نفسي أعمله إشي يرجع يشوف، نفسي أرجّع ضحكة محمد»، «أنا مش مصدقة اللي صار، أنا بحكي إنه هاد كله هيطلع حلم».
انقلبت حياة الأسرة رأساً على عقب، وما من شيء يُعزّي قلوب الأبوين اللذين فتت قلوبهما الألم قهراً على صغيرهم الذي حرمه الاحتلال  التمتع بألوان الحياة . اختطف بصره وأعدمه الحق بتأمل ملامح وضحكات والديه وأحبابه، سلبه حق التأمل بملامح وجهه الصغير في المرآة، وهي تكبر يوماً بعد يوم، اختطف نور الحياة من حبات عينيه الصغيرتين.
محمد.. واحد من بين آلاف الأطفال الفلسطينيين الذين قتل الاحتلال أحلامهم قبل أن تُولد، وجعلهم يحيون مبتوري الروح، موؤدي الطفولة، مُنطفئي الشغف وسط وابل من سياط الحصار والحروب التي سلبتهم عافية قلوبهم وحرمتهم من أبسط حقوقهم في الحياة،  فكل من على هذه الأرض يدفع ثمن انتمائه لِفلسطين. ■

أضف تعليق