25 نيسان 2024 الساعة 22:02

«الأبونتو» الفلسطيني و«البزنس العائلي»

2021-04-04 عدد القراءات : 545
أحد علماء الأنثروبولوجيا قام بعرض لعبة على أطفال أحد القبائل الأفريقية البدائية، فوضع سلة من الفواكه اللذيذة قرب جذع شجرة، وقال لهم: إن أول طفل يصل الشجرة سيحصل على السلة بما فيها. وعندما أعطاهم إشارة البدء، تفاجأ بهم يسيرون معاً مُمسكين بأيدي بعضهم حتى وصلوا الشجرة وتقاسموا الفاكهة، وعندما سألهم لماذا فعلتم ذلك، فيما كل واحد بينكم كان بإمكانه الحصول على السلة له فقط؟!
أجابوه بتعجب: أوبونتو Ubuntu!
"أي كيف يستطيع أحدنا أن يكون سعيداً فيما البقية تُعساء".
أوبونتو Ubuntu في حضارتهم تعني: (أنا أكون لأننا نكون).
هذا ينسحب بشكل معكوس على القوائم المترشحة لانتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني والتي تتنافس على مقاعد المجلس (132 مقعداً)، علّها تجرب اعتناق هذه الثقافة ليعملوا معاً لصالح هذا الوطن.
فمنذ اللحظة التي أعلنت فيها لجنة الانتخابات المركزية أن 36 قائمة سلمت لها والانشطارات التي حصلت هنا وهناك، ناهيك عن تهافت المرشحين للانتخابات التشريعية الفلسطينية في أيار المقبل، والعديد من الأسئلة تتبادر للذهن: هل يعكس ذلك تعطشاً للممارسة الديمقراطية، أم أن الناخبين الجدد سيقومون بدور حاسم، إضافة إلى أن هذه الانتخابات سيعمل فيها الناخبون من التيارات السياسية بمحاسبة القائمين على تياراتهم أولاً؟ كل ذلك ستجيب عنه مجريات الأمور في مقبل الأيام.
إذا نظرنا للجمهور الفتحاوي الذي توزع هذه المرة ضمن قوائم وهنا نقول: (رب ضارة نافعة)، أحدها قائمة فتح، وأخرى الحرية تحالف ناصر القدوة ومروان البرغوثي، والثالثة قائمة المستقبل التي يقف وراءها التيار الإصلاحي ممثلاً بمحمد دحلان، كلها مجتمعة تصب لصالح ما لا يقل عن 50 مقعداً تحت قبة البرلمان الذي سيحظى بألوان الطيف هذه المرة ويجتمع تحت سقفه المتحابون والمتخاصمون، والكل تبعاً لبرنامج منظمة التحرير الفلسطينية وما يترتب عليه ونتج عنه.
حركة فتح كانت قائمتها باسمها، وشعارها عبّر عنها، لم تتخف خلف كلمات ابتدعها آخرون. أما حركة حماس التي شهدت تغييراً في اسم قائمتها خلافاً لما حدث عام 2006 من الإصلاح والتغيير إلى القدس موعدنا، ويعكس ذلك أن حركة حماس ليست من دعاة التغيير بالفعل إنما تغير مسميات قائمتها تبعاً للظروف والمصلحة السياسية، وهذا ليس نهجاً، بل براغماتية، وأدرجت في قوائم أُخرى عدداً من مرشحيها المحسوبين عليها الذين ليسوا في واجهة قيادات الصفين الأول والثاني، وبذلك كله ربما ستحصل حماس على 29 مقعداً.
فيما اليسار الفلسطيني الذي كان يحظى بفرصة تاريخية لتوحيده؛ كانت فئوية البعض فيه والاختلاف على ترتيب المقاعد في قائمة الائتلاف التي طرحت لتشكيله العائق أمامهم، إضافة إلى أنانية البعض، وبهذا سيتقلص عدد المقاعد إن تجاوز كلٌّ منها الحسم.
المستقلون، وتعددت القوائم تحت هذا البند، لم يتحدوا كذلك في قائمة تتضمن الكفاءات والشخصيات الوطنية غير الحزبية ولا الفصائلية ليشكلوا ربما نمطاً يختلف عن القطبين الكبيرين على الساحة السياسية، وبهذا فإن عدداً من هذه القوائم لن تتخطى ثلاثة مقاعد لكل منها، فيما الأُخرى لن تحصل على نتيجة الحسم.
هذه التعددية ستؤدي في نهاية المطاف إلى تحالفات بعد نتيجة الانتخابات لتشكيل ائتلاف حكومي يُمثل فيه الجميع، والكل تحت مظلة السلطة القائمة.
هيكلة القوائم ومرشحوها كانا النقطة الثانية بعد أسماء القوائم التي تحظى بالأهمية، في الانتخابات السابقة شهدنا تنافساً بين الفصيلين الكبيرين فتح وحماس، إضافةً إلى بعض القوائم التي تمثل العشائر، وأُخرى بشكل أقل عدداً للمستقلين، هذه المرة القوائم الكبرى تشكل قوائم ظل تتبعها بشكل أو بآخر، ولوحظ ما يعرف حديثاً بالبزنس العائلي، أُدرج في بعض القوائم مرشحان وزوجتاهما كمرشحتين أيضاً، فهل ننهى عن خلق ونأتي بمثله؟ وقوائم أُخرى أعادت تكرار مرشحيها عام 2006 مع وجود نسبة قليلة للشباب، وفي ترتيب متأخر في القوائم وحضور للمرأة بشكل أكبر بعد قرار رفع نسبة تمثيلها في الكوتا.
وفي ساعات ما بعد تسليم القوائم، أطل علينا خبر مفاده أن عضو اللجنة المركزية لحركة فتح حسين الشيخ يبذل جهوداً مع الأسير مروان البرغوثي، عضو مركزية الحركة أيضاً، للحفاظ على وحدة فتح وحل الإشكال القائم، سيعني هذا الأمر تحريكاً للمياه الراكدة التي ستُفضي -إن تم الاتفاق- إلى دعم البرغوثي لقائمة فتح، وربما انسحاب فدوى البرغوثي زوجة الأخير من قائمة الحرية التي نتجت عن تحالف البرغوثي والقدوة.
ويجدر هنا التطرق إلى تصريحات ناصر القدوة التي قال فيها إن الأطياف الفلسطينية لديها مشاكل مع الإسلام السياسي وحركة حماس، كان اللافت رد حركة حماس التي قالت إن القدوة ارتكب خطيئة، وكل الأمر كان مناكفة سياسية ليس إلا، هذه العباءة التي ترتديها حماس في كل مرة وتوزع أحكامها ما بين الكفر والخطيئة ليست هي المخولة بإصدارها؛ ليعي الناخب الفلسطيني ويفرق بين الحديث السياسي وما يتم ابتكاره بغطاء ديني.
أيام قليلة تفصلنا عن الدعاية الانتخابية وبرامج القوائم المرشحة للانتخابات، نوصيها بعدم مهاجمة الآخر والحديث عن هفوات هذا الفصيل أو ذاك التيار ورجم مواقفه السياسية، بل عليها أن تقنع المواطن كيف ستعمل على جعل حياته اليومية أفضل عبر الخدمات التي ستقدمها، لن يحرر أحد هذه البلاد الآن تحت قبة التشريعي، ليقدموا خدمات فقط.
ولا بد لي أن أُشير، وهذه دلائل بالطبع ومؤشرات لكل من يريد أن يعي ذلك، عندما تم إعلان وفاة المحرر عمر البرغوثي (أبو عاصف) الذي ينتمي تنظيمياً لحركة حماس، هبّت حركة فتح بشيبها وشبابها تنعى هذا القائد الوطني وشعرت بالفقد، فيما وبمقارنة بسيطة قبله بأيام قليلة توفي محمود بكر حجازي أول أسير فلسطيني الذي ينتمي لحركة فتح، لم ينعه إلا أبناء فتح وبعضٌ من فصائل منظمة التحرير، أيضيق بالفصائل الأُخرى التي لم تنعَهُ أن تتسع صدورها لتنعى ابن فصيل آخر؟ فكيف لها أن تقدم خدمات لكل الجمهور الفلسطيني بعد هذه الانتخابات؟

أضف تعليق