20 نيسان 2024 الساعة 02:59

تحدي التطبيع في السودان

2020-09-26 عدد القراءات : 640
بات من الواضح أن واشنطن مارست ضغوطاً مكثفة، بل وابتزازاً مفضوحاً، على الخرطوم من أجل دفعها للتطبيع مع إسرائيل. كما بات من الواضح كذلك، أنّ الإمارات لعبت دور «العرّاب» في الصفقة المزمعة، حيث استضافت وشاركت في محادثات سودانية أميركية على أعلى المستويات، بالتساوق مع دورها الراهن في استدراج دول عربية أخرى إلى فخّ التطبيع مع تل أبيب.
واعتبر مراقبون أنّ دخول السودان على خطّ التطبيع، هو الذي يمكن أن يُضفي بعض المصداقية والجدية على موجة التطبيع الأخيرة مع الإمارات والبحرين. وخصوصاً في حال تردّد وتأخر السعودية وعُمان عن الانضمام إلى هذه الموجة. فلا ريب أن دخول السودان، بحجمه وتعداد سكانه ودوره العربي والإفريقي، في لعبة «التطبيع» سيكون حدثاً أجدر بالاهتمام بكثير من «اتفاق أبراهام» المشؤوم.
استعجال الاتفاق!
وقد أفادت آخر الأخبار المتداولة أن الخرطوم وواشنطن توصلتا إلى «اتفاق مبدئي» في هذا الشأن، بعد أن تمسكّت الإدارة الأميركية بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، كشرط أساسي، لرفع اسم السودان من اللائحة الأميركية للدول الراعية للإرهاب. وذكرت المعلومات أنّ الخرطوم قدّمت، في المقابل، بعض المطالب التي تتضمن تقديم حزمة مساعدات مالية، وتسهيل حصولها على قروض من المؤسسات المالية الدولية.
وقالت مصادر إعلامية إن «الاتفاق الأولي» يشتمل على تقديم دعم أميركي للسودان بمليارات الدولارات. إضافة إلى التفاوض على إصدار تشريع من الكونغرس يضمن «عدم ملاحقة الخرطوم في أية قضايا مستقبلية» تتعلق بالإرهاب. وأشارت وسائل إعلام إسرائيلية إلى أن الخرطوم طرحت إلى جانب شطبها من لائحة الإرهاب، شرطين إضافيين هما الحصول على منحة فورية بأكثر من ثلاثة مليارات دولار، وضمان دعم اقتصادي للسودان على مدار ثلاث سنوات.
وذُكر، في المقابل، أنّ الحكومة السودانية التزمت دفع مبلغ 335 مليون دولار لتسوية القضايا المتعلقة بملف الإرهاب، (تفجير المدمرة الأميركية «إس إس كول» في خليج عدن، والسفارتين الأميركيتين في كينيا وتنزانيا)، علماً أنّ السودان يواجه تحديات اقتصادية مهولة إثر الخراب والتركة الثقيلة التي خلفها حكم عمر البشير وطغمته العسكرية، وقد جاءت جائحة كورونا وأسوأ فيضانات يشهدها البلد في تاريخه، لتزيد من مفاقمة أزمته الاقتصادية والمالية. وعليه، فقد رجّح المراقبون أن تتكفل الإمارات بسداد المبلغ السابق.
ويتضح من موقف إدارة ترامب، (كما هو الحال بالنسبة لمعظم العواصم الغربية)، أنّ اهتمامها المفاجئ بالسودان، واللقاءات التي يجريها مسؤولوها مع مسؤولين سودانيين، لا يمتّ بصلة إلى حرصها على انجاح تجربة الانتقال الديمقراطي في السودان، أو على مساعدة شعبه على اجتياز المحنة الاقتصادية التي يمرّ بها، بل يكاد يكون محصوراً بمهمة تحقيق تقدم في مسار التطبيع مع إسرائيل، بما قد يشكله ذلك من «انجاز» على الصعيد الخارجي، وخدمة محتملة للرئيس ترامب، ليتغنّى بها أمام قاعدته الانتخابية، من جهة، فضلاً عما يشكله ذلك من خدمة مجزية لإسرائيل، من جهة ثانية.
وفي هذا الصدد، دعا وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، الكونغرس إلى تمرير الاتفاق مع السودان بأسرع وقت ممكن. وشدّد على أهمية حصول ذلك قبل منتصف تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، في إشارة غير خافية إلى محاولة استثمار توقيت اتفاق التطبيع المرتقب في معركة الانتخابات الأميركية القريبة، نظراً إلى حاجة الرئيس الأميركي إلى «نصرٍ» جديد، لعلّه يعزز حظوظه المتراجعة أمام منافسه الديمقراطي جو بايدن.
«عراب» التطبيع!
وكان رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، أجرى مباحثات مع وفد أميركي في أبوظبي استمرت ثلاثة أيام، تناولت ملفّ العلاقات السودانية- الأميركية وتطبيع العلاقات مع إسرائيل. وذكر بيان صادر عن مجلس السيادة الانتقالي (23/9)، أن مفاوضات رئيسه مع الجانب الأميركي «أكدت على تأييد السودان لاتفاقيات السلام العربية- الإسرائيلية، واعتبرتها طريقاً للاستقرار في المنطقة، وحفظاً لحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم وفقا لرؤية حل الدولتين»!.
وبحسب البيان، يُنتظر أن يلعب السودان «دوراً محورياً في تحقيق السلام الإقليمي»، في إشارة لا لبس فيها إلى اتفاق تطبيع منتظر مع إسرائيل، وإلى احتمال انخراط السودان في التحالف الخليجي الإسرائيلي لمواجهة إيران وغيرها!. وكان البرهان تلقى دعوة لزيارة واشنطن ولقاء الرئيس دونالد ترامب في الخامس من تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، والتوقيع على اتفاق رفع اسم السودان من لائحة الإرهاب، الذي يبدو أنه بات قاب قوسين أو أدنى من الانجاز.
وعبر مقايضة هذا الاتفاق مع التطبيع، تتطلّع واشنطن إلى كسب السودان إلى جانب الحلف الخليجي الإسرائيلي الذي يجري الإعداد والتحضير له في مواجهة القوى الإقليمية الأخرى؛ مثل إيران وتركيا. وفي هذا الصدد، كشفت مصادر مقربة من مجلس السيادة السوداني، عن مشاركة عناصر من الجيش السوداني ضمن قوات عربية – إسرائيلية يجري الإعداد لها لتأمين الملاحة البحرية في البحر الأحمر.
ولكن ثمة خلافات في الخرطوم بشأن الجهة المسؤولة والمخولة في قضايا السياسة الخارجية، والتي ستأخذ على عاتقها اتخاذ قرار التطبيع مع إسرائيل؟. ومن المفترض أن يتم حسم هذا الأمر قريباً خلال اجتماع مشترك بين مجلسي السيادة والوزراء، للخروج بموقف موحد بشأن مسألة التطبيع مع إسرائيل، في وقت تصاعدت فيه حدة الانتقادات لخطوة من هذا النوع داخل تحالف قوى الحرية والتغيير، وأبدت بعض أحزابه اعتراضها على التطبيع، وأبرزها «حزب الأمة» بزعامة الصادق المهدي، و«الشيوعي»، و«البعث» وأحزاب قومية أخرى.
حساسية التطبيع في السودان!
وفي الواقع، تعتبر قضية التطبيع مع إسرائيل مسألة حساسة في السودان، على رغم أنّ الخرطوم بدأت منذ عهد الرئيس المعزول عمر البشير مساراً لبناء علاقات مع تل أبيب، وتم عقد لقاءات عدة بين مسؤولين إسرائيليين وسودانيين، قبل أن تنفجر الانتفاضة الشعبية وتجرف معها النظام السابق. واستُؤنف هذا المسار مع السلطة الانتقالية الحالية برعاية مباشرة من وزير الخارجية الأميركي، ليتوج بلقاء جمع في شباط/ فبراير الماضي البرهان، ونتنياهو في عنتابي الأوغندية.
وعزا كثير من المحللين استعداد الخرطوم للتطبيع، إلى حاجتها إلى رفع اسم السودان من القائمة الأميركية للدول الراعية للإرهاب، إذ أن استمرار وجود السودان ضمن هذه القائمة، يعوق رفع كامل العقوبات المفروضة عليه، ويحول دون حصوله على مساعدات وقروض من الهيئات المالية الدولية، كما يحدّ من فرص الاستثمار الأجنبي، في وقت يبدو السودان في أمسّ الحاجة إلى ذلك. وألمح البرهان غير مرّة إلى أن رفع الخرطوم من لائحة الإرهاب والتطبيع متلازمان!.
وفي آب/ أغسطس الماضي أثار وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو قضية التطبيع مع إسرائيل خلال زيارته الأولى للخرطوم. ولقي ذلك ترحيباً من جانب العسكر، وتحفظاً من رئيس الوزراء عبد الله حمدوك الذي اعتذر واعتبر أن حكومته لا تملك تفويضاً في هذا الشأن. وأن مهمتها «محددة باستكمال العملية الانتقالية وصولاً الى إجراء انتخابات».
وقد أعاد ملف تطبيع العلاقات الخلافات مجدّداً بين الحكومة الانتقالية والشق العسكري في المجلس السيادي، على ضوء زيارة رئيس المجلس إلى الإمارات، ولقائه بمسؤولين أميركيين كتمهيد للتطبيع مع إسرائيل. ورجّح مراقبون نجاح الجهود الأميركية هذه المرة، مقدرين أنّ اعتراض أو تحفظ حكومة حمدوك ليست جدية ونهائية، وربما تندرج في إطار حفظ ماء الوجه أمام ظهيرها السياسي الذي يعترض بالفعل على هذه الخطوة.
وقد أدانت معظم القوى السياسية السودانية المنضوية في تحالف قوى الحرية والتغيير، (الشريك المدني في السلطة الانتقالية)، توجه الحكم نحو التطبيع مع إسرائيل، معتبرةً أنه بمثابة «خيانة للقضية الفلسطينية، وانتكاسة لمبادئ وقيم الشعب السوداني»، فضلاً عن أنه «تجاوز لمهام الحكومة المنصوص عليها في الوثيقة الدستورية».
وعلى افتراض، جدلاً، أن «التطبيع» سيساهم في حلحلة المشاكل الاقتصادية للبلاد، إلا أنه يطرح على نحو جدي تهديده للسلم الأهلي فيها، إذ يبدو أنه سيساهم مساهمة خطرة في توتير أوضاع البلاد نحو المواجهة بين القوى المدنية والعسكرية.
فمن الواضح أنّ المكوّن العسكري داخل «مجلس السيادة»، يبدو متحمسا للتطبيع، في ظل اعتقاده أن هذا القرار ليس من شأنه شطب اسم بلاده من لائحة الإرهاب فحسب، بل وتدعيم وضعه داخل هيئات الحكم السودانية الانتقالية!. وكشفت مصادر سودانية أن البرهان كان طالب الأميركيين بتحصين قيادات الجيش من أي ملاحقات مستقبلية. وأضافت بأنه قرر المضي قدماُ في هذا الطريق، لأنه يضمن دوراً أوسع للمؤسسة العسكرية في نظام الحكم لاحقاً!.

أضف تعليق