25 نيسان 2024 الساعة 01:05

جولة بومبيو في المنطقة.. «عهدٌ جديد» من التطبيع العلني مع إسرائيل!

2020-08-28 عدد القراءات : 537
يقع في صلب اهتمام إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في المنطقة حالياً، توسيع دائرة التطبيع بين إسرائيل والدول العربية، إضافة إلى إنجاح الاتفاق الإماراتي - الإسرائيلي، وإزاحة أي عقبة قد تقف في طريقه. وضمن هذا التوجّه، تندرج جولة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، التي شملت إلى جانب إسرائيل والإمارات، كلّا من السودان والبحرين المرشحيّن لتوقيع «اتفاقات سلام» مع إسرائيل، بعد أن «رفع الاتفاق الموقع مع الإمارات الحرج عنهما»، كما قال مراقبون.
وخلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (24/8)، أعرب بومبيو عن «أمله» بأن تغتنم دول عربية أخرى، «شركاء المستقبل» حسب وصفه، الفرصة للحذو حذو الإمارات، والاعتراف بدولة إسرائيل. أما نتنياهو، فقد وصف اتفاق بلاده مع الإمارات بـ«الانجاز التاريخي الكبير»، متوقعاً انضمام دول أخرى إلى ركب الإمارات، والمضي قدماً في «عهدٍ جديد» من التطبيع العلني مع إسرائيل.
وبعد زيارة بومبيو، وللغرض ذاته، سيصل إلى المنطقة، قريباً، وفد أميركي كبير يترأسه كبير مستشاري الرئيس الأميركي وصهره جاريد كوشنر، ويضمّ المبعوث الأميركي للمنطقة آفي بيركوفيتش، ومستشار ترامب للأمن القومي روبرت أوبراين، والمبعوث الأميركي للشأن الإيراني بريان هوك، وسيقوم بجولة في دول خليجية عدة، إضافة إلى الإمارات وإسرائيل.
السودان أم البحرين؟
وتوقع مراقبون أن يكون السودان هو الدولة التالية التي ستنضم إلى قافلة الدول المطبعة مع إسرائيل، وأن اختيار بومبيو لها كمحطة ثانية في جولته يعزّز هذا الاحتمال. فيما رجّح آخرون أن تكون البحرين أو عُمان هي من سيفعل ذلك، مشيرين إلى أنّ البحرين كانت منذ أشهر المكان الذي اختارته إدارة ترامب لعقد الاجتماع الذي تم فيه عرض «الشق الاقتصادي» من المبادرة المسمّاة بـ«صفقة القرن». كما كانت البحرين أول دولة خليجية رحبت باتفاق الإمارات وإسرائيل، وتعود الاتصالات (السرية والعلنية) بينها وبين الدولة العبرية إلى تسعينات القرن الماضي، قبل أن تتسارع وتيرتها في السنوات الأخيرة.
وعلى خلفية اتهامها لطهران بدعم المعارضة (الشيعية)، وبالتسبّب في حدوث اضطرابات على أراضيها، فإنّ البحرين تعتبر نفسها «شريكة لإسرائيل في العداء تجاه إيران»!. وهو ما ينسجم تماماً مع خطة ترامب، والتي تشمل في أحد جوانبها الرئيسة، ترتيبات جديدة تقوم في ركن أساسي منها؛ على تغيير خارطة التحالفات، أو «الصداقات والعداوات» في المنطقة، لتصبح «إيران هي العدو، وإسرائيل هي الصديقة»، ويصبح، تالياً، تطبيع علاقات الدول العربية مع إسرائيل جزءاً رئيسياً من الخطة المطروحة. والاتفاق الإماراتي الإسرائيلي، (أو أي اتفاق يعقد على غراره مع دول عربية أخرى)، يندرج في إطار هذه الخطة على نحو مؤكد.
ويلفت مراقبون هنا إلى وجود تفاهمات، وربما «اتفاقات سرية» بين إسرائيل والإمارات، بشأن تنفيذ الأخيرة التزامات تقع على عاتقها ضمن خطة ترامب، لا تقتصر على التطبيع فحسب، بل تمتد لتشمل دوراً لها في تسوية ملف اللاجئين الفلسطينيين، عبر «توطين أعداد كبيرة منهم، لديها ولدى دول خليجية أخرى، بينها البحرين».
ولعلّ أخطر ما في الاتفاق الأخير بين الإمارات وإسرائيل، هو تجاوزه قضية التطبيع إلى قيام تحالف علني بينهما. «تحالفٌ» يشمل أبعاداً اقتصادية وسياسية واستراتيجية، ويُقدّم لإسرائيل تنازلات كبيرة، ويمنحها «شرعية مجانية» في المنطقة، من دون مقابل يذكر!.
فهو يتنكر تماماً لمسألة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، ووقف الاستيطان وتحرير القدس، ولم يُشر حتى إلى شرط «إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس». «تحالفٌ» لا يحدوه سوى الوهم بأن الإمارات ستصبح «دولة إقليمية عظمى»!، على غرار جارتها ومنافستها قطر؟!.
وهو إلى ذلك، أصبح تجسيداً عملياً لرواية اليمين الصهيوني، بأنه «يمكن عقد معاهدات منفردة مع دول عربية، بعيداً عن قضية فلسطين وشعبها وأراضيها المحتلة». وقد لاحظ مراقبون أن المنطقة العربية تشهد حالياً ما يمكن تسميته بـ«حلف تسويق التطبيع» مع إسرائيل، وذلك عبر زعماء سياسيين ورموز ومثقفين وشخصيات عامة، بهدف إحداث اختراق في موقف الشعوب العربية، بموازاة الاختراق الحاصل في موقف الحكومات الرسمي تجاه إسرائيل.
ولفت المراقبون إلى أنّ اهتمام إسرائيل بالسودان وإلحاقه بركب المطبعين، قد يكون مردّه هو الانتقام من «لاءات الخرطوم الثلاث؛ لا تفاوض، لا صلح، لا اعتراف»، التي أعلنت في القمة العربية التي أعقبت هزيمة حزيران/ يونيو 1967، والتي كانت توصف بـ«التاريخية»!. لكن الأهم من ذلك، بالنسبة إلى تل أبيب، هو توسيع بيكار الدول العربية المطبعة معها، إضافة إلى تعزيز حضورها في إفريقيا، وتخطي الكثير من العقبات التي كانت تحول دون استكمال اختراقها للقارة الإفريقية، وعبر السودان هذه المرّة.
السودان وتحدي التطبيع؟
والحال، فقد بدأت الخرطوم منذ عهد الرئيس المعزول عمر البشير مساراً لبناء علاقات مع تل أبيب، وتم عقد لقاءات عدة بين مسؤولين إسرائيليين وسودانيين، قبل أن تنفجر الانتفاضة الشعبية وتجرف معها نظام البشير. واستُؤنف هذا المسار مع السلطة الانتقالية الحالية برعاية مباشرة من وزير الخارجية الأميركي، ليتوج بلقاء جمع في شباط/ فبراير الماضي رئيس مجلس السيادة السوداني، عبدالفتاح البرهان، ونتنياهو في عنتيبي الأوغندية.
وبعد الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي، تحدثت مصادر إعلامية عدة عن تواصل اللقاءات بين مسؤولين سودانيين وإسرائيليين، كما سادت حالة من الجدل والارتباك داخل الأوساط السياسية السودانية، عقب تصريحات المتحدث باسم الخارجية، حيدر بدوي صادق، بشأن تطلّع بلاده إلى إبرام اتفاق سلام مع إسرائيل، «قائم على الندية ومصلحة الخرطوم»، وبأن «تطبيع بلاده مع إسرائيل سيكون مختلفاً، ولا يشبه الدول الأخرى»، وذلك قبل ساعات من صدور قرار رسمي بإقالته.
وعزا محللون استعداد الخرطوم للتطبيع، إلى حاجتها إلى «شطب اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب»، في وقت عمدت فيه إدارة ترامب إلى ممارسة أقصى ابتزاز وضغط ممكن، على خلفية إدراكها إلى حاجة الخرطوم إلى رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، والتي تقتضي حذف السودان من «لائحة الإرهاب» الأميركية.
ويعوق استمرار وجود السودان ضمن لائحة الإرهاب، (التي تُدرجه عليها الولايات المتحدة منذ التسعينات، خلال عهد الرئيس المعزول عمر البشير، على خلفية إيوائه لإسلاميين متطرفين بينهم زعيم تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن)، فرص الاستثمار الأجنبي، كما يحول دون حصوله على مساعدات وقروض من الهيئات المالية الدولية، في وقت يبدو السودان في أمسّ الحاجة إلى ذلك، في ضوء استمرار تدهور وضعه الاقتصادي، الذي بات يثير تململ الشارع، ويهدد المسار الانتقالي.
وثمة من يتحدث، داخل القيادة السودانية، عن دور لإسرائيل في «مساعدة السودان»(!)، ووصل الأمر بنتنياهو إلى حد إطلاق الوعود بـ«إعفاء السودان من ديونه، ورفعه من قائمة الدول الراعية للإرهاب». وهكذا يبدو أنّ ثمة تناغماً أميركياً إسرائيلياً في عروض «الترغيب والترهيب» المُقدّمة، في انتظار الخطوة الحاسمة لتنفيذ مقايضة تاريخية؛ (التطبيع مقابل رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب)!. وسبق وأن لمّح البرهان إلى أن رفع الخرطوم من لائحة الإرهاب والتطبيع متلازمان!.
ردود فعل قوية
بيد أن ردود فعل القوى الشعبية والسياسية السودانية لم تكن منسجمة مع التقدير الرسمي، ففئة قليلة منها رحبت، بينما تفاوتت مواقف الأغلبية بين رافض ومتحفظ تجاه أي علاقة مع إسرائيل، خلافاً لما زعمه البرهان، حين وصف المعارضة للقائه مع نتنياهو بقوله: «مصلحة السودان يؤيدها قطاع واسع من السودانيين، ولا يعارضها سوى عدد محدد من الجماعات الأيديولوجية»!.
وعلى ذلك، وإثر محادثاته مع بومبيو في الخرطوم (25/8)، عمد رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك،  إلى النأي بنفسه وحكومته عن ملف تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وقال إن حكومته «لا تملك تفويضا لاتخاذ قرار في هذا الشأن»، وأن مهمتها «محددة باستكمال العملية الانتقالية وصولاً الى إجراء انتخابات». ودعا الإدارة الأميركية إلى ضرورة «الفصل بين عملية رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ومسألة التطبيع مع إسرائيل».
وكان تحالف قوى الحرية والتغيير، الشريك المدني في السلطة الانتقالية، أعلن بعد اجتماع عقده قبيل لقاء بومبيو وحمدوك، استنكاره للتوجه الحكومي نحو التطبيع مع إسرائيل، معتبراً أنه بمثابة «خيانة للقضية الفلسطينية، وانتكاسة لمبادئ وقيم الشعب السوداني»، فضلاً عن أنه «تجاوز لمهامهم الحكومة المنصوص عليها في الوثيقة الدستورية». وبدا واضحا أن حمدوك «لا يريد تحمل أعباء صدامات جديدة مع القوى المدنية، وجزء من الشارع السوداني».
ورأى مراقبون أن الكرة باتت الآن في ملعب «مجلس السيادة»، وخصوصاً المكون العسكري فيه، الذي يبدو أكثر حماسة للتطبيع، في ظل اعتقاده أن هذا القرار من شأنه، ليس شطب اسم بلاده من لائحة الإرهاب فحسب، بل وفتح الباب أمام علاقات استراتيجية مع الولايات المتحدة. وقد يكون الأهم بالنسبة إليه أيضاً، هو تدعيم وضعه ووضع القيادة العسكرية داخل هيئات الحكم السودانية؛ الانتقالية وما بعدها، بمباركة أميركية وإسرائيلية!.

أضف تعليق