19 نيسان 2024 الساعة 13:22

من يقف وراء إدعاءات إندحار خطة الضم؟

2020-07-18 عدد القراءات : 738
■ ترى من ذا الذي أوحى لبعض المحللين والمعلقين الفلسطينيين (وحتى العرب أحياناً) أن تأجيل الشروع في الضم، كما كان قرره بنيامين نتنياهو في الأول من تموز (يوليو) الجاري، شكل إنتصاراً للجانب الفلسطيني وفشلاً للجانب الإسرائيلي؟
ومن ذا الذي أوحى للبعض الآخر، ليخطو خطوة أكبر، ليخلص إلى القول إن فشل الأول من تموز إعلان عن فشل خطة الضم، وأن  حكومة الثنائي نتنياهو – غانتس قد ألغت الضم من مشروعها؟ وأن الولايات المتحدة (أي إدارة ترامب) قد تراجعت هي الأخرى عن خطة الضم؟
برأينا، إن أصحاب هذا الرأي، إما أنهم سذج لدرجة تجاوزت المعقول، وفقدوا القدرة على الرؤية السليمة ومتابعة الحدث اليومي، وكأن الحجر في المنزل في زمن الكورونا، قد أدى إلى فصلهم مكانياً وزمانياً عن الحدث.. وإما أن طرفاً ما يقف خلف هذه الإدعاءات، ليوحي للرأي العام أن الجانب الفلسطيني، بعبقريته السياسية التي مدحوها كثيراً، وحنكته السياسية العميقة (التي أشادوا بها طويلاً) قد نجح في بناء ما يسمى بالجبهة العالمية في مواجهة صفقة القرن ومشروع الضم، وأن هذه الجبهة نجحت في إلحاق الهزيمة بترامب، فتراجع عن خطته، وتراجع معه كوشنير، وبيركوفيتش، ووزير خارجيته بومبيو، وسفيره في إسرائيل ديفيد فريدمان، وأن نتنياهو المهزوم في حسابات هؤلاء «المراقبين» و«المحللين»، اضطر إلى التأجيل، والتراجع فالإلغاء.

*            *          *
لن نرد على هذه الإدعاءات بالعودة إلى التذكير بجوهر المشروع الصهيوني، ومرجعيته وأهدافه، وآليات تطبيقه، القائمة على التهجير والإستيطان والضم.
ولن نرد على هذه الإدعاءات بالعودة إلى برنامج حكومة نتنياهو –  غانتس، والذي استند إلى محورين يكملان بعضهما بعضاً. المحور الأول التوافق على تطبيق قانون القومية اليهودي، أي إقامة دولة اليهود في العالم، ولليهود وحدهم. الثاني ضم ثلث الضفة الفلسطينية، لإقامة دولة «إسرائيل الكبرى»، المؤهلة لإستيعاب يهود العالم (أو معظمهم). والإدعاء أن هذه الحكومة قد تخلت عن المحور الثاني أي مشروع الضم، ما هو إلا شكل من أشكال الخبل السياسي، أو محاولة لنشر أجواء تخفي وراءها ما تخفيه من خبث سياسي.
*        *         *
في الذهاب إلى الوقائع، بديلاً للنقاش الأيديولوجي حول مضمون الصهيونية، والسياسي – الفكري، حول شخصية نتنياهو، وحول إنقلاب غانتس على حزبه وجمهوره.. نرصد التالي:
1)  اللوبي الإستيطاني داخل الكنيست (وهو لوبي يخترق الأحزاب اليمينية واليمينية المتطرفة بغض النظر عن موقعها في الموالاة أو المعارضة) تقدم بمشروع قانون إلى الكنيست، وقعه عن الليكود الوزير كاتس، وعن حزب «يمينا» سيموتريتش، يدعو الحكومة إلى فرض «السيادة» الإسرائيلية على المستوطنات كافة، بما فيها المسماة بالبؤر الإستيطانية، وتوسيع عمق المشروع الإستيطاني، بما يمكن (نصاً) «إغلاق الطريق» على قيام دولة فلسطينية. ونعتقد، بل نحزم، أن كاتس، وقد بات اليد اليمنى لنتنياهو، لا يقدم على خطوة مماثلة دون إستشارة رئيس الوزراء – رئيس الحزب – وكذلك الطرف الآخر الشريك في المشروع.  ولنا أيضاً أن نحزم أن هذا المشروع يندرج في تطبيق خطة نتنياهو الذي وعد بإنجاز مشروع الضم على مراحل، مبتدئاً بالمستوطنات التي يعتقد نتنياهو، أنها هي التي تعنيها رسالة السلطة الفلسطينية إلى «الرباعية الدولية» في حديثها عن الإستعداد «لتبادل الأراضي على جانبي حدود 4 حزيران 67.»
2) إجراءات «الضم الجزئي» تنفذ بشكل يومي، منها على سبيل المثال إجراء عمليات مسح لأراضِ في منطقة الحمة بالأغوار الشمالية، وعلى نطاق واسع، أكد خبراء محافظة طوباس أنها تمهيد لعمليات الضم المرتقبة.
3) تسييج سلطات الإحتلال لمحيط جبل الفرديس الأثري شرق بيت لحم، ونصب بوابات عسكرية على مداخله وعزله عن القرى المحاذية له، وإغلاق طرقاً تاريخية تؤدي إلى البحر الميت، تقول محافظة بيت لحم إنها إجراءات في سياق مخطط الضم وسرقة الأراضي الفلسطينية. إلى جانب ذلك لا تتوقف إخطارات الهدم والمصادرة في جنين، والخليل، والعيسوية، وبيت لحم، وغيرها من المدن والبلدات الفلسطينية. كلها خطوات ضم جزئي، تمهد للضم الأكبر وتشكل ضروراته الإبتدائية.
4) في السياق نفسه، مستعينين هذه المرة بموقف محايد، مثله وزراء خارجية 11 دولة أوروبية، دعوا، في مذكرة إلى مفوض السياسة الخارجية في الإتحاد، جوزف بوريل، إلى الإسراع باتخاذ إجراءات وقرارات لردع دولة الإحتلال بعدما «ضاقت» المساحة وبات الضم على قاب قوسين أو أدنى من التطبيق (للعلم فقط فإن عبارة ضاقت المساحة (أو ضاقت النافذة)  وردت في مذكرة وزراء الخارجية الأوروبيين الأحد عشر). ولا نعتقد أن وزراء دول أوروبية سيكونون فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين، أو أنهم يتبعون سياسة متطرفة ضد إسرائيل، ولولا أن قراءتهم لما يجري على أرض الضفة الفلسطينية من خطوات تمهيدية وتطبيقية للضم، لما أقدموا على رفع مذكرتهم الحاسمة إلى بوريل.
5) وأخيراً، وليس آخراً، دعونا نلتفت بشيء من الإهتمام إلى حملات الإعتقال اليومي، كما تمارسه سلطات الإحتلال، لا تستثني منها حتى المدن المصابة  بكارثة كورونا، كمدينة الخليل على سبيل المثال. الإعتقال يطال الخليل، ورام الله، والعيسوية، وأبو ديس، ونابلس، وباقي المدن دون إستثناء، وأرقام المعتقلين في سجون الإحتلال في تزايد بشكل ملحوظ، وإحصائيات الدوائر الحقوقية تشير إلى نشاطية عالية لسلطات الإحتلال في هذا المجال، علماً أن ما يشبه «الهدوء» يسود الضفة الفلسطينية، بفعل كورونا وإجراءات الحجر الجماعي، ما يدفعنا للتأكيد، حازمين، أن الهدف من الإعتقالات، عشوائية كانت أم منظمة، هو تقويض الإرادة السياسية للفلسطينيين، وحجز نشطائهم في السجن، وإضعاف قدرة الحركة الجماهيرية على النهوض، بحيث تبدو محاصرة من كورونا، من جهة ومن سياسات قمع الإحتلال من جهة أخرى.

*         *          *
بالعودة إلى صف «المحللين والمراقبين» الذين أشرنا إليهم في مقدمة مقالنا. نطرح التساؤلات التالية:
1)   هل ننظر إلى هذه التحاليل والقراءات على أنها سذاجة سياسية لفريق فقد صلته بالزمان والمكان، وبدأ يروج لهلوسات وهذايانات سياسية بلهاء؟
2)  هل ننظر إلى هذه التحاليل والقراءات على أنها جزء من حملة منظمة يديرها «مطبخ سياسي»، يريد من وراءها طمأنة الرأي العام أن المعركة قد أشرفت على الفوز والإنتصار.
3)  هل ننظر إلى هذه التحاليل والقراءات على أنها محاولة للإيحاء أن الطرفين الأميركي والإسرائيلي قد خضعا للضغط الدولي، وأن «العملية التفاوضية» كحل بديل قد بدأت تشق طريقها، وأن سياسة اعتماد «الحل السلمي التفاوضي» قد أينعت وحان قطافها، حتى دون الذهاب إلى «تعقيدات» إلغاء اتفاق أوسلو. وأنه آن الأوان لإعادة النظر بإجراءات التحلل بعد أن حققت أهدافها؟
احتمالات ثلاثة.. كل منها لا يقل خطورة عن سواه.■

أضف تعليق