25 نيسان 2024 الساعة 20:41

إطلالة على وكالة الغوث.. من نافذة كورونا (2/2)

2020-05-18 عدد القراءات : 584
■ بعد أن فرغت من إنهاء القسم الأول من هذه المقالة المطولة، قرأت تصريحات لوكالة غوث اللاجئين، بعضها يتحدث عن أزمة مالية حادة، تترقبها المنظمة الدولية ستعطل برامجها الخدمية، وستحول في الوقت نفسه دون دفع رواتب العاملين فيها. وتصريح آخر، على شكل نداء، يطلب حوالي 200 مليون دولار، استثنائي، لتتمكن الوكالة من تحمل مسؤولياتها نحو اللاجئين في مكافحة جائحة كورونا.
والأمر في الحالتين، يؤكد أن الأونروا تعيش، مالياً، حالة مضطربة، تتعرض فيها في كل ساعة إلى الإفلاس المالي، بحيث تتعطل أعمالها، وهو ما يشكل في الواقع «حلاً» لها ولمؤسساتها. فجدوى؟؟ بقاء الوكالة لا يكمن في بقاء مقراتها، بل في تفعيل البرامج التي من أجلها أنشئت هذه المقرات، ما يقودنا في النهاية إلى أن نطرق باب الأزمة المالية وندعو لحلها.
والأمر في الحالتين، يؤكد أن الوكالة، التي تشكو من عدم امتلاكها الحد الأدنى من المقومات التي تمكنها من إدارة برامجها الخدمية للاجئين، ستكون عاجزة تماماً، عن مواجهة الأزمات الاجتماعية، التي تلم بأوضاع اللاجئين الفلسطينيين، وهي كثيرة، ومنها مؤخراً الأزمة الكبرى المتمثلة بجائحة كورونا، حيث أملت التطورات على وكالة الغوث، مسؤوليات كبرى، لا تقل حجماً، ولا خطورة ولا أهمية عن مسؤولياتها المتمثلة في برامجها العادية.
ونستطيع القول كخلاصة، إن اللاجئ الفلسطيني، في ظل هذا الوضع، وفي ظل ما تمثله وكالة الغوث له من حاجة ضرورية لا غنى عنها، سيبقى حتى إشعار آخر، يشعر بعدم الأمان، لا في الجانب التعليمي، ولا الصحي، ولا الإغاثي، ولا غيره، فضلاً عن الامان «السياسي» الذي تشكله له وكالة الغوث، باعتبارها الغطاء والاعتراف الدولي السياسي والقانوني بعدالة قضيته، وعدالة حقه الثابت في العودة إلى دياره وأملاكه التي هجر منها منذ العام 1948، وأي مس بوكالة الغوث، وبقدراتها الخدمية، لن يعني سوى المس، بالضرورة، بحق العودة واعتراف المجتمع الدولي بهذا الحق.
ولا غرابة، إذن، أن يناصب الكونغرس الأميركي وكالة الغوث العداء، وأن يدعو رؤساء الولايات المتحدة لوقف تمويلها وفرض الحصار المالي والسياسي عليها، والدعوة لحلها. ولا غرابة إذن، أن تلتقي دعوة الكونغرس هذه، مع صفقة ترامب، وان يكون مدخل الصفقة إلى العلن، هو «حل وكالة الغوث»، وإنهاء خدماتها.
وبالتالي فإن معركة بقاء الوكالة، هي معركة الدفاع عن الحقوق الوطنية للفلسطينيين كاملة، ورزمة واحدة.■
بين الأمان السياسي والأمان المالي
■ إذن، هناك ترابط وثيق بين إحساس اللاجئ الفلسطيني بالأمان السياسي، في مخيمات اللجوء، والأمان المالي لوكالة الغوث. هذا الترابط، يشكل عاملاً رئيساً في توفير الإحساس بالاستقرار الاجتماعي، ويدفع بعيداً عن البحث عن الحلول الفردية، في مقدمها الهجرة إلى الدول الأوروبية؛ حيث يعتقد اللاجئ أن البلاد المضيفة له، سوف تكون أكثر سخاء في توفير إحساسه بالاستقرار، ما يزيد مأساته الاجتماعية  استفحالا، إذ يصبح مطلوباً منه أن يوقع ثمناً غالياً لمثل هذا الاستقرار المزيف، والمؤقت وإن بدت مظاهره الخارجية سخية في ما توفره له من ضمانات اجتماعية وصحية وغيرها، لكنها لا توفر هذه الضمانات لحقوقه السياسية كلاجئ فلسطيني، سيبقى يحمل هذه الصفة القانونية أنّى ذهب، وأياً كانت الجنسية التي يحملها، وأياُ كان لون جواز السفر الذي يقتنيه.
فالهجرة، قد تكون حلاً لأفراد، لكنها ليست حلاً لقضية، الأمر الذي يتطلب مناقشة الأمان المالي لوكالة الغوث من مداخل أخرى، تخرج الوكالة من دائرة القلق والهزات الدورية ونعتقد أن بإمكان الجاليات الفلسطينية، بالتعاون مع الجاليات العربية والمسلمة، أن تلعب دوراً مهماً في بناء مجموعات ضغط على الدول والأطراف المانحة، يكون محور عملها دعم مالية وكالة الغوث، بالالتزام بتعهداتها السنوية، وبمساهماتها في المشاريع الاستثنائية. كما نعتقد أن مثل هذا الأمر يفترض أن يندرج بنداً رئيساً على جدول أعمال جامعة الدول العربية، بشكل عام، وعلى الدول العربية المضيفة للاجئين الفلسطينيين بشكل خاص، وأن يشكل موقف الدول والجهات المانحة لوكالة الغوث، أحد المعايير السياسية للعلاقة مع المجموعات العربية.
أي باختصار، بات المطلوب إخراج وكالة الغوث من دوامة الأزمات المالية، لصالح الاستقرار المالي، ما يعكس نفسه على الأجواء العامة في مخيمات اللاجئين.
الطرف المتوجب عليه إدارة هذه العملية الواسعة، هو دائرة شؤون اللاجئين، والتي يفترض بها أن تعيد النظر بآليات عملها، وأن تطورها بحيث تمتد خطوطها نحو الجاليات والتجمعات السكانية الفلسطينية، وبحيث تلعب دوراً في تشكيل الأطر الأهلية في الخارج لدعم الوكالة، دون تحيز حزبي أو فصائلي مسبق، ودون أن تشكل هذه الأطر مصدراً للرزق لدى بعض الأوساط، ودون إغراق  هذه الأطر في قوالب جامدة، تحكمها البيروقراطية الإدارية والسلطوية، ودون أن تتحول هذه الأطر إلى أدوات في المعارك السياسية الفلسطينية الداخلية، المحكومة بالخلافات الانقسامات والتباينات في وجهات النظر.
هدف هذا النشاط ومعياره الرئيس هو صون حق العودة إلى الديار والممتلكات ورفض الحلول البديلة، من مدخل صون وتطوير عمل وكالة الغوث وخدماتها■
«الوكالة» ما بعد كورونا:
■ جائحة كورونا وضعت العالم كله أمام واقع، يتطلب إعادة النظر بالعديد من القضايا التي كانت تندرج في إطار المسلمات، في العلاقات العائلية، وفي التقاليد الاجتماعية وفي أساليب التغذية، والوقاية الصحية، وصون البيئة، والحركة في الشارع وفي وسائط النقل، وفي التردد على المطاعم والمقاهي والأندية ودور السينما والمسارح والتسلية وغيرها. كثير بات تحت الفحص، وكثير بدأنا نعيد النظر به، ما يضعنا أمام حالة جديدة، بعضها إيجابي، والبعض الآخر سلبي، بانعكاساته الاقتصادية والمالية على الأفراد والعائلات والجماعات السكانية، و«الوكالة»، كمؤسسة معينة بسلسلة برامج خدمية تطال مجتمعاً بكامله، هو مجتمع اللاجئين الفلسطينيين في أقاليم عملها الخمسة، بدأت منذ الآن تستشعر وتتجاوب مع تداعيات انتشار كورونا؛ بعضها بإجراءات إدارية، كصرف الأدوية الدائمة للمرضى لشهرين أو ثلاثة مقدماً، منعاً للازدحام في مستوصفاتها وعياداتها، ولصعوبة تحرك المرضى في ظل إجراءات الحجر المنزلي. وبعضها «بالاطمئنان» (ولو هاتفياً) على المستفيدين من خدماتها وإرشادهم إلى كيفية التحرك في حال الإصابة المفاجئة بوعكة يستشف منها الإصابة بكورونا.
غير أن هذا كله، على أهميته، لا يستجيب (ربما في حده الأدنى ليس إلا) لمتطلبات المواجهة. بل نعتقد بالمقابل أن الوكالة مدعوة لاستراتيجيات جديدة، تأخذ بعين الاعتبار ضرورات المواجهة التي فرضتها عليها جائحة كورونا، من بين هذه الاستراتيجيات:
• قضايا التعلم:
الفصول المزدحمة بالطلبة في مدارس الوكالة تنعكس سلباً، باعتراف الوكالة نفسها، على مستوى التعليم ونتائجه. وهذا ما نقرأه في نتائج الامتحانات الرسمية. منذ الآن فصاعداً لم يعد الازدحام ممكناً على الإطلاق. فالضرورات الصحية تتعارض مع حشد حوالي أربعين، أو أكثر، من الطلبة في حجرة واحدة. لا الآن في ظل كورونا، ولا لاحقاً. إذ، وكما فاجأ كورونا العالم في لحظة ما وانتشر كالوباء، ثم تحول إلى جائحة، فمن الممكن من الآن فصاعداً أن نفاجأ بأمراض معدية أو أوبئة مماثلة في كل لحظة. التحوط صار ضرورة.
إذن بات المطلوب إعادة النظر بعدد الطلبة في الفصل الواحد، وفق نظام التباعد الاجتماعي، كذلك بات على الإدارات أن تزود الطلبة بالكمامات والقفازات الطبية، وأن تلجأ إلى تعقيم الصفوف والأدوات والممرات، والملاعب والمراحيض، وأن تتحوط لنظافة مياه الشرب، ولكل ماله علاقة بصحة الطلبة والطاقم التدريسي والإداري. فضلاً عن تواجد إشراف طبي دائم (ممرضة أو ممرض) معني بمعالجة أية مفاجآت لحين الوصول إلى المشافي.
واضح أن هذا يتطلب المزيد من الأبنية، وهي الأزمة المستفحلة التي تعاني منها الوكالة. وإذا كان ممكناً التعايش مع الازدحام في فصول التدريس سابقاً، ومعالجة النتائج بالرعاية المنزلية والدروس الخاصة، فإن المخاطر الصحية للازدحام، لا تعالج إلا بإنهاء الازدحام. أي في توفير فضاءات إضافية للطلبة تخفف من الازدحام في الفصل الواحد.
• قضايا البيئة:
نظافة البيئة عنصر رئيس في مكافحة الوباء. ومسألة نظافة البيئة مسألة تشمل كل مظاهر الحياة في المجتمع، في المنزل، والشارع، والمدرسة، والوظيفة والسيارة، ومهما بلغت نظافة المنازل وارتقت، فإن نظافة الخارج، ستبقى العنصر الطاغي، فإذا لم تتوفر شروط نظافة البيئة في مخيمات اللاجئين، فمعنى ذلك أن الثغرة [بل أكثر من ثغرة] ستبقى مفتوحة ليتسلل منها الوباء والمرض.
لذلك يفترض القول إنه لا يمكن للمخيمات أن تتعايش في ظل كورونا، وأية مخاطر أخرى، مع مجارير مكشوفة تشق طرقات المخيم، وتتلوى كالأفعى في أحيائه وأزقته، حاملة معها الروائح، وتشكل بيئة حاضنة لكل أشكال الذباب والبرغش والقوارض وغيرها من الحشرات المؤذية.
كذلك لا يمكن للمخيمات أن تتعايش، في ظل كورونا، وأطرافها تشكل مكباً للنفايات تتجمع عندها الحشرات والقوارض والزواحف، ومنها تنتقل إلى الجوار.
كذلك لم يعد ممكناً لمخيم، كبرج البراجنة على سبيل المثال، أو شاتيلا، أن يتعايش مع أزقة تعيش فيها القوارض تسرح في أرجائها، تعتاش على بقايا النفايات المزروعة هنا وهناك، دون رقابة من الوكالة على حسن الأداء، وتجميع النفايات دورياً.
فضلاً عن ذلك بات من الملح أن تتوفر لكل مخيم، المعدات الضرورية لتعقيم شوارعه وأزقته بالمواد المطهرة والمعقمة بشكل دوري، على غرار ما يجري في المدن المجاورة، وبحيث تتكامل إجراءات الحماية والوقاية، في خطة موحدة، تجمع بين المنزل، والمحيط والجوار.
ويمكن لنا أن نسترسل أكثر فأكثر في استعراض الأوضاع الصحية والبيئية والتعليمية وغيرها في المخيمات، التي تتطلب سياسة جديدة، دون أن تهمل واجبات الوكالة في مساعدة اللاجئين في المخيمات والتجمعات السكانية في فترات الحجر المنزلي، حين تتعطل الحياة اليومية، وتتوقف الأعمال، خاصة للعمال المياومين، وسائقي الباصات، والبائعين المتجولين، والحرفيين، والمعتاشين على الدخل اليومي. هذا يلقي على عاتق الوكالة أعباء مالية ضخمة، خاصة وأن المساعدات لن تقتصر على حالات العسر الشديد، أو كبار السن فقط، بل يفترض أن تشمل اللاجئين كافة، وفق معطيات مدروسة ■
العودة إلى القضية الرئيسية: التمويل
■ يجدر إعادة التأكيد على أن تمويل وكالة الغوث، يعتبر قضية سياسية من الطراز الأول. فالقضية ليست توفير موازنات، بل هي أيضاً اعتراف بدور الوكالة ومكانتها وحقوق اللاجئين الفلسطينيين، فضلاً عن كون ذلك اعترافاً من المجتمع الدولي، بمسؤوليته عن قضية اللاجئين وحقوقهم، وضرورة حلها بما يستجيب لتطبيقات القرار 194 وأحكامه.
لذلك من الطبيعي أن يؤكد اللاجئون والحريصون على قضيتهم على أن يبقى التمويل مسوؤلية الأمم المتحدة، والمجتمع الغربي بشكل خاص، من موقع مسؤوليته التاريخية عن القضية، ومن موقع مسؤوليته عن إزالة العوائق الإسرائيلي أمام تطبيق القرار 194.
ما يعني في السياق، أن تكون مساهمة الدول العربية، في تمويل الوكالة محدودة، بما لا يلغي الدور الأوروبي خاصة والغربي عموماً.
هذا بما يتعلق بموازنات البرنامج العام في ميادينه الثابتة.
لكننا نرى أن المساهمات العربية، أو المسلمة، في تمويل المشاريع الاستثنائية، لا تمس المبادئ التي أشرنا إليها أعلاه. فأن تتبرع الدول العربية الغنية بما يلبي حاجة الوكالة لإنشاء مدارس جديدة، لا بشكل مساً بالدور الأوروبي أو الدور الغربي، أو بدور الأمم المتحدة. ونعتقد أن الأمر نفسه ينطبق على تمويل مشروع النفايات الصلبة أ وتشييد البنية التحتية للمخيمات ذات البنية العارية.
وهذا يمكن الوصول إليه، عبر اتفاقيات شراكة بين الوكالة وعدد من الدول العربية الغنية، وعدد من الجهات المانحة العربية والمسلمة، وكذلك باتفاقيات شراكة مع العديد من المؤسسات الأهلية الناشطة في أوروبا، والناشطة أيضاً في مخيمات اللاجئين أنفسهم، دون أن نسقط من حسابنا الصناديق العربية المعنية بالتنمية الإنسانية، ومن ضمنها رعاية المخيمات.
نحن إذن، ووكالة الغوث، أمام وضع جديد، يفترض بدائرة شؤون اللاجئين أولاً، بالتعاون مع المؤسسات الناشطة في صفوف حركة اللاجئين أن تبلور رؤيتها الجديدة للحالة المقبلة على أوضاع اللاجئين، كضرورة وطنية باتت تفرضها على الحالة الفلسطينية جائحة كورونا، وهجمة «صفقة ترامب ـ نتنياهو» ■
•    مجلة الحرية الفلسطينية في العدد 1775

أضف تعليق